الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هذه سفينة النجاة فاحذروا الثقوب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

حديث الكاتب الصحفى والمنسق العام للحوار الوطنى ضياء رشوان بشأن ما جرى خلال العام المنصرم من نقاشات جمعت أطراف العملية السياسية؛ تميز بقدر كبير من الشفافية الباعثة على التفاؤل بمستقبل مخرجات هذا الحوار.

رشوان كان موضوعيًا عندما أبرز حالة إنعدام الثقة النسبية التى خيمت على المشاهد الأولى، رغم ترحيب أغلب الأحزاب والقوى السياسية بدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار الوطنى قبل عام.

لكنه أوضح أن الجلسات الحوارية التي عقدت طوال العام الماضى بهدف تشكيل مجلس الأمناء واللجان الرئيسة والنوعية، وتحديد أجندة وموضوعات الحوار؛ قد ساعدت كثيرًا فى زيادة منسوب الثقة بين جميع الأطراف سواء الأحزاب والقوى السياسية أو الحكومة.

بمعنى آخر يمكن القول أن العملية التى بدأت بعد إطلاق دعوة الرئيس كانت بالنسبة للجميع اختبار لمدى الجدية وهو ما أدى إلى خلق مساحات ثقة متبادلة جديدة، ما يعنى أن الفترة السابقة لم تكن محاولة لتضييع الوقت أو المماطلة من جانب أى طرف، وأنها كانت ضرورة وربما شرطًا لبدء حوار جدى وفعال بين الأطراف السياسية الفاعلة حول قضايا الوطن الساخنة والحيوية.

يقول رئيس حزب التجمع "المعارض" السياسى القدير سيد عبدالعال إنه حريص على نجاح الحوار الوطنى وقد شاركه فى إبداء هذا الحرص أغلب إن لم يكن كل رؤساء وممثلى الأحزاب والقوى السياسية باختلاف توجهاتها ومواقفها الداعمة أو المعارضة لسياسات وبرامج لحكومة لا سيما الاقتصادى.

الإشارة هنا إلى حزب التجمع تأتى فقط فى حدود موقف الحزب الداعم لدولة الثلاثين من يونيو فى مواجهة الإرهاب ومكافحة جماعات التطرف الدينى الساعية لهدم الدولة وفى القلب منها جماعة الإخوان الإرهابية باعتبار أن الأولوية فى المراحل السابقة كانت لعملية إعادة بناء الدولة وتثبيت أركان مؤسساتها والقضاء على حالة السيولة والفوضى التى عمت عقب أحداث ٢٠١١.

وفى المقابل اختار الحزب اليسارى والواضح جدًا من خلال أدبياته وبرامجه وقوفه على الجانب الآخر من سياسات وخطط الحكومة الاقتصادية والاجتماعية عدم إبرازه لمواقفه المعارضة لتلك السياسات لأن الأولوية كانت بناء الدولة المظلة التى تستطيع فى حال اكتمال عناصر قوتها استيعاب الجميع باختلافاتهم مهما كانت حدتها طالما هى على إرضية الوطن.

المؤكد أن هناك أحزاب يسارية وليبرالية أخرى كان لديها ذات الموقف غير أن التجمع بتاريخه العريق والمعروف أبرزها وأوضحها.

الآن يبدأ الحوار الوطنى ويبدو الوقت مناسب كى يبرز كل حزب وتيار أوجه معارضته لسياسات الحكومة وبرامجها الاقتصادية على نحو شفاف وصريح حتى تتطور هذه العملية السياسية وتؤتى ثمارها، فلا حوار حقيقى دون مكاشفة ومصارحة لإنقاذ الوطن من أزماته والوقوف إلى جانبه لمواجهة أخطر تحدياته المصيرية.

ومع ذلك ليس هذا هو وقت ممارسة السياسة كمعارضين مقابل سلطة حاكمة، وبالمثل ليس هذا وقت مناطحة المعارضة ودحض تصوراتها وأفكارها كحكومة لديها أغلبية برلمانية مما تعرف بأحزاب الموالاه على نحو ما؛ باختصار ليس هذا هو وقت استعراض عضلاتنا السياسية لأن أروقة الحوار الوطنى ليست ساحة لمنازلة سياسية أو المنافسة الانتخابية.

ببساطة الكل هنا لتبادل أفكار وتصورات وبرامج نتناقش حولها بهدف تطويرها وإنضاجها لصياغة مستقبل هذا البلد أولًا على المسار السياسى ثم المسارين الاقتصادى والاجتماعى.

هذه الحكومة لها تجربتها الحاضرة أمام الجميع بمنهجها وآلياتها ونتائجها الإيجابى منها والسلبى، وليس من المفيد استغلال أخطاء أو حتى خطايا الحكومة للتنمر عليها أو استخدام لغة متعالية.

وفى المقابل كل الأحزاب والقوى السياسية المشاركة المعارضة منها قبل المؤيدة إنما جاءت لتلتف حول مائدة حوار الوطن انطلاقًا من حس وطنى صادق ومخلص وقد كشفت أحاديث وتصريحات رموزها على ندرتها أن هذه الأحزاب والقوى قد تعلمت الدرس جيدًا وأنها استعانت بأهل الاختصاص فى كل قضية من قضايا الحوار لتعرض وجه نظرها ورؤيتها وعلى الحكومة أن تتفاعل معها ومع أوراق عملها ليس كمنافسين أو معارضين وإنما كمخلصين جاءوا لتجتمع أيديهم مع أيد الحكومة فى عمل وطنى واحد.

هذا الحوار ليس بين فرقاء وإنما بين حلفاء اجتمعوا لإخراج الوطن من هذه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقراره.

ظنى أن قراءة سريعة لأجندة الحوار الوطنى وما وضعته من أولويات فى القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجعلنا نعتقد أنه قد يكون سفينة نجاة الوطن إذا تم توافق سريع على محددات رئيسة لإعادة صياغة البناء السياسى للدولة عبر تنظيم العلاقة بين الحكومة من جهة والأحزاب السياسية من جهة أخرى على أساس الثقة المتبادلة وكفالة حقوق الجميع فى طرح أفكارهم ورؤاهم، كذلك عبر تعديلات تشريعية تعزز قوة وفعالية وتمثيل الأحزاب السياسية داخل مؤسسات الدولة لاسيما التشريعية.

ذلك أن وضع أساس متين وصحيح لحياة سياسية سليمة يعزز استقرار الدولة وأمنها الداخلى والخارجى.

ولأننا بصدد أزمة اقتصادية غير مسبوقة ومن ثم أزمات اجتماعية طاحنة يحتاج الوطن وأبناءه توافق سريع على روشته اقتصادية تعالج هذه الدائرة المفرغة التى دخلناها، بيد أن الوصول إلى هذه الروشته يتطلب نوعًا من التواضع من جانب الحكومة بأن تعترف بأخطائها على مستوى السياسات والخطط والقرارات التنفيذية بعيدًا عن مؤثرات العوامل الخارجية التى لا ينكرها أحد لكننا أيضًا بحاجة إلى علاج ذكى أو بالأحرى إلى دواء من صناعة مصرية خالصة على أن يبدأ تنفيذ فورى لما يتفق عليه من قواعد وأسس لتصحيح المسار السياسى والاقتصادى والاجتماعى حتى يشعر المواطن العادى بجدوى هذا الحوار وحتى يجد مبررًا نفسيًا ليتحمل المزيد من الأعباء والضغوط.

رائع أن يتم التوافق على علنية جميع جلسات الحوار الوطنى لأن ذلك سيضع جميع الأطراف المشاركة تحت ضغط رقابة الرأى العام وسيجعله فى اختبار صعب وظنى أنه قد يحجم من سلوك استعراض العضلات أو التعالى ومحاولات الاصطياد فى الماء العكر سعيًا وراء مكاسب حزبية، فالكل لابد وأن يظهر بمظهر المسئول أمام الرأى العام.

علانية جلسات الحوار الوطنى بحد ذاتها خطوة على طريق الممارسة المسئولة لحرية الرأى والتعبير، وقبول الآخر مهما كانت حدة الاختلاف معه طالما كانت تحت مظلة الوطنية المصرية.