الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أنطوان برنارد يكتب: «الحياد السويسرى».. سياسة على المحك بسبب الحرب فى أوكرانيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ اندلاع الصراع الروسى الأوكرانى فى فبراير ٢٠٢٢، كان هناك ضغوط قوية من الدول الغربية على سويسرا للتخلى عن معاييرها المعتمدة على الحياد خاصة بعد أن تخلت السويد وفنلندا عن حيادهما التاريخى فى عام ٢٠٢٢، وذهبتا إلى التقدم بطلب للحصول على عضوية الناتو.. فيما تظهر سويسرا فى وسط هذا الغرب الذى يكاد يكون معاديًا تمامًا لروسيا. وهنا نوضح حقيقة ملحوظة ألا وهى أن هذا الضغط من الدول الغربية على سويسرا يجد أصداء كثيرة داخل البلد نفسه. لم يعد العديد من السياسيين يخفون رغبتهم فى الابتعاد بشكل كبير عن سياسة الحياد السويسرى إن لم يتخلوا عنها!
وفى الأشهر الأخيرة، كان الموضوع الأكثر سخونة على الصعيدين السياسى والإعلامى هو إعادة تصدير الأسلحة؛ فبموجب القانون الفيدرالى الحالى الخاص بالمواد الحربية، تخضع أى إعادة تصدير للمواد العسكرية المشتراة فى سويسرا لتفويض من المجلس الفيدرالى أى الحكومة السويسرية. وقدمت ألمانيا والدانمارك وإسبانيا عدة طلبات إلى سويسرا فى هذا الصدد، لا سيما فيما يتعلق بالمدافع المضادة للطائرات ودبابات المشاة Piranha وقذائف ٣٥ ملم من صنع سويسرا لدبابات Guepard المضادة للطائرات. وحتى يومنا هذا، لم يسمح المسؤول التنفيذى السويسرى بأى من عمليات التسليم. ووفقًا للعديد من رجال القانون المتخصصين فى قانون الحياد، فإن السماح بنقل الأسلحة السويسرية إلى ساحة المعركة الأوكرانية سيكون بمثابة التخلى عن الحياد ويقولون إن سويسرا لا تزود روسيا بالأسلحة، وبالتالى يجب أن تفعل الشيء نفسه مع أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن هذا الموقف بعيد كل البعد عن الإجماع فى سويسرا حيث يطالب العديد من البرلمانيين وقادة الأحزاب السياسية بالتخلى عن بند عدم إعادة التصدير هذا الذى يجب أن توقعه الدول التى تحصل على المعدات السويسرية. وفى مارس ٢٠٢٣، قبل المجلس الوطنى «مجلس الشعب»، بأغلبية ٩٨ صوتًا مقابل ٩٦ وامتناع عضوين عن التصويت، اقتراحًا يطلب الإلغاء بموجب شروط معينة وفى حالة اعتراف الأمم المتحدة فإن هذا يعد انتهاكا خطيرًا للقانون الدولى.
أما مجلس الولايات «مجلس الكانتونات»، بأغلبية ٢٣ صوتًا مقابل ١٨، فقد رفض أيضًا فى مارس اقتراحًا للسماح بإعادة تصدير الأسلحة إلى بعض الديمقراطيات. وبشكل ملموس، فإن التطور بطيء ويشبه الوضع الراهن، ولكن من الواضح أن فكرة أن الدولة؛ يمكن أن تتخلى عن أحد المؤشرات القوية لسياستها الحيادية؛ بدأت تترسخ بالفعل فى سويسرا.
 


ضغوط غربية كثيرة
عندما يأتى من الخارج، فإن الضغط ليس أقل قوة ومنذ اندلاع الحرب فى فبراير ٢٠٢٢، ظل الاتحاد الأوروبى، مثل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى، يحتج باستمرار ضد سياسة سويسرا خاصة أن السفير الأمريكى فى برن، سكوت ميللر، هو أحد رؤوس حربة الضغط الغربى على سويسرا. وفى مقابلة مع صحيفة Neue Zürcher Zeitung فى ١٦ مارس ٢٠٢٣، تحدث الدبلوماسى عن الناتو باعتباره «نوعًا من الكعك الذى تشكل سويسرا حفرة فى وسطه»، وحث البلاد على «التعاون بشكل وثيق قدر الإمكان مع حلفائها الأوروبيين، على سبيل المثال من خلال تنظيم مناورات وتدريبات عبر الحدود «. فى ١٩ أبريل، كشفت صحيفة Tages-Anzeiger اليومية عن ضغوط ألمانية وأمريكية جديدة على سويسرا، حيث قررت إدارة بايدن معاقبة إثنين من الأمناء السويسريين المتهمين بالتعاون مع الأوليجارشية الروسية. وتأتى هذه الضغوط فى أعقاب القرار السويسرى بعدم المشاركة فى فرقة عمل بشأن تجميد الأصول الروسية تسمى REPO (النخبة الروسية والوكلاء والأوليجارشيين)، على الرغم من ضغوط مجموعة السبع التى تقود المشروع.. فى وقت سابق من هذا العام، فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس - وبالتالى فى سويسرا - تعدى الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج لفظيا على سويسرا وهاجمها فى نصف كلمة: «فى حالة أوكرانيا، لا يوجد حياد.. يتعلق الأمر باحترام الحق فى الدفاع عن النفس وحماية سيادة القانون والدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة». حتى قبل ذلك، فى ديسمبر ٢٠٢٢، قام أندرس فوج راسموسن، الأمين العام الأسبق حلف شمال الأطلسى والذى كان قبل ستولتنبرج الأمين العام الحالى، بمهاجمة سويسرا بشكل مباشر قائلًا: «أوروبا فى صراع وجودى بين الديمقراطية والاستبداد»، وأوضح خلال مقابلة مع الصحف السويسرية: «لا يمكن لأى بلد فى العالم أن يظل محايدًا. فهذه السياسة لا تعنى شيئًا».
إذا تمكنت سويسرا من إعطاء انطباع بمقاومة هذه الضغوط، تظل الحقيقة أنه منذ فبراير ٢٠٢٢، أصبح حيادها أقل وضوحًا، بالنسبة لها كما هو الحال بالنسبة للقوى الأجنبية. تلقى الخطب بلهجة المحافظين الجدد، المؤيدة لمواءمة سويسرا مع السياسة الأوروبية والأمريكية فى الدفاع عن أوكرانيا باسم «القيم المشتركة»، صدى أكبر فى البلاد. وفى بداية الحرب، أرادت سويسرا أن تكون حازمة على حيادها من خلال رفض الموافقة على العقوبات الأوروبية ضد روسيا؛ لكن هذا القرار استمر أربعة أيام فقط وفى ٢٨ فبراير ٢٠٢٢، قررت الحكومة الاستئناف الكامل للمجموعة الأولى من عقوبات الاتحاد الأوروبى. كما ألقى المستشار الاتحادى إجنازيو كاسيس، رئيس الاتحاد السويسرى فى عام ٢٠٢٢، كلمة فى نفس اليوم وقال دون تردد أن سويسرا انحازت إلى أوكرانيا: «إن سويسرا تقف بحزم إلى جانب العدالة ضد الظلم وإلى جانب الإنسانية ضد الهمجية، إلى جانب الديمقراطية التى تعرضت للهجوم من دون سبب». لذلك كان من الواضح، فى نظر البلدان المجاورة، أن سويسرا تتخذ موقفًا واقعيًا فى هذا الصراع ودون أن تتخلى رسميًا عن حيادها، كانت تُظهر بالفعل بوادر دعم واضح لأوكرانيا. واليوم، انضمت سويسرا لتوها إلى الجولة العاشرة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا (٢٩ مارس ٢٠٢٣) وتتصرف فى كثير من النواحى كدولة تتماشى مع السياسة الأمنية الغربية. هذا التناقض الواضح بين سياسة موالية لأوكرانيا من جهة، والادعاء بالتمسك بالحياد من جهة أخرى، لا يخلو من عواقب. أعلنت روسيا، على سبيل المثال، فى فبراير أن سويسرا فقدت حيادها ولم تعد شرعية لضمان المفاوضات فى الأزمة الأوكرانية وهنا نذكر أنه فى عام ٢٠٢١، استضافت جنيف مرة أخرى اجتماعًا بين جو بايدن وفلاديمير بوتين.
حيادية تقل شيئا فشيئا
لتبرير سياسته، يدافع إجناسيو كاسيس عن فكرة «الحياد التعاونى» ووفقًا لمقال فى صحيفة سوناجس زيتون SonntagsZeitung اليومية نُشر فى يوليو ٢٠٢٢، فإن هذا المفهوم يحدد إمكانية بقاء سويسرا على الحياد مع التعاون الوثيق مع البلدان أو التحالفات التى تشاركها «قيم الحرية والديمقراطية وسيادة القانون». ويحدد المقال أنه من هذا المنظور، فإن التدريبات المشتركة مع الناتو ليست بالضرورة غير واردة، بما فى ذلك على الأراضى السويسرية. وأكد تقرير - صادر عن المجلس الاتحادى فى أكتوبر ٢٠٢٢ - هذا الاتجاه موضحًا أنه «من وجهة نظر قانون الحياد، لا شيء يعارض تعميق التعاون مع الناتو أو الاتحاد الأوروبي». وفى مارس، لم يستبعد قائد الفيلق توماس سوسلى، قائد الجيش السويسرى، إمكانية المشاركة فى التدريبات بموجب المادة ٥ من معاهدة الناتو وفى اليوم السابق، التقت وزيرة الدفاع السويسرية، فيولا أمهيرد، مع ينس ستولتنبرج فى بروكسل وأخبرته عن رغبة سويسرا فى توثيق العلاقات وإمكانية العمل الثنائى بشكل أكبر مع حلف الأطلسى.
هذا الاحتمال المتمثل فى اصطفاف سويسرا مع بقية الدول الغربية بشكل ملحوظ أكثر من أى وقت مضى له أيضا معارضيه حيث أظهرت الحرب فى أوكرانيا العديد من المشاكل لسياسة الحياد السويسرى، وأطلق حزب الاتحاد الديمقراطى الوسطى السيادى (UDC) مبادرة شعبية تهدف إلى تكريس الحياد الدائم فى الدستور الفيدرالى بما فى ذلك حظر اتخاذ عقوبات ضد دولة فى حالة حرب. وإذا جمعت هذه المبادرة ١٠٠٠٠٠ توقيع يتم التصديق عليها وسيُطلب من الشعب السويسرى التصويت ليقرر ما إذا كان سيقبل التعديل الدستورى أم لا. وفى الحقيقة، تتشكل الآن أزمة سياسية قوية فى سويسرا، ونتائجها غير مؤكدة للغاية وستؤثر بالتأكيد على البلاد بعمق كبير وعلى المدى الطويل جدًا.
معلومات عن الكاتب: 
أنطوان برنارد.. صحفى سويسرى ونائب رئيس تحرير مجلة «لوروجار ليبر» السويسرية التى تصدر باللغة الفرنسية وتهتم بالقضايا الفكرية.. ينضم للحوار، ويكتب عن سياسة «الحياد السويسرى» التى تأثرت بالحرب الدائرة فى أوكرانيا.