الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تحت الوصاية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تابعت عددا قليلًا فقط من مسلسلات رمضان هذا العام نظرا لكثرتها والتي تعكس حقيقة القدرات الفنية الهائلة التي تتمتع بها مصر في هذه الصناعة. واخترت في هذا المقال ان أسلط الضوء على مسلسل يتناول قضايا اجتماعية هادفة. لكنْ ماذا تعني كلمة "هادفة" التي قد يختلف المشاهدون والنقاد حول معانيها.. والإجابة بسيطة: تحديد العمل الهادف من غيره تستلزم النظر في رسالته المفترضة في المجتمع وهي طرح قضايا مهمة لتنوير العقول بها وتوعيتها مع الحرص على الارتقاء بالذوق العام. وفي نظري لا يمكن أن يقتصر الهدف من الفن على الترفيه ومتعة المشاهدة والترويح عن النفس فهذا معناه أننا نلغى الهدف الأسمى للفن ودوره في بناء القيم الإيجابية وتنوير العقول وتوعيتها بالقضايا المهمة ومواجهة التحديات التي تعيق تقدم المجتمع. ولأن للفن رسالة فلا يمكن أن يتحول إلى مصدر لتدمير سياسات تنفق الدولة المليارات لمواجهتها بل يجب أن يكون مصدرا لتوعية العقول فهو يوقظ العقول الغافلة عن قضايا الأمة ويحارب الجهل والأمية والتخلف والفساد. لذلك يمكن أن يؤثر الفن سلبا أو إيجابا فى تطور أي مجتمع.

ومن المسلسلات التي ينطبق عليها وصف الأعمال الهادفة في رمضان مسلسل "تحت الوصاية" الذي يتناول الواقع المؤلم للأرملة والأم المحرومة من حقها في التصرف في كل ما يخص حياة طفليها. وهو ما يثير مشكلة أكبر تتعرض لها السيدات الأرامل مع المجلس الحسبى حيث الوصاية على الأبناء تذهب للجد وتنعدم قدرة الأمهات على إنهاء أو حل مشاكل أبنائهن والتصرف في أموالهم. 

والمجلس الحسبى هو إحدى الهيئات القضائية التابعة لمحكمة الأسرة في مصر، ويتكون المجلس الحسبى من خمسة أشخاص، هم النائب العام وهو رئيس المجلس بصفته، ورئيس النيابة الحسبية باعتبارها إحدى النيابات التابعة للنيابة العامة، ثم المحامى العام الأول، ورئيس محكمة الاستئناف، ثم رئيس النيابة العامة، وأخيرا وكيل النيابة الحسبية، ويختص المجلس بالإشراف على أموال القصر وفاقدى الأهلية. ولا يجوز سحب أموال الأطفال القصر والتصرف بها إلا بعد الرجوع للمحكمة واستخراج إذن بصرف الأموال. لكن لابد من الانتباه إلى أن المحكمة لن تسمح للوصي بصرف أموال القصر إلا في حالة الضرورة القصوى كما يجب أن يسلم الوصي الأموال الخاصة بالقصر فور الحصول عليها من أي جهة أخرى. وهكذا نشاهد في المسلسل مواقف اجتماعية شديدة البأس حيث تتجرع الأرملة وطفلاها مرارة فقد الأب والعائل يضاف إلي ذلك ذل العوز بعد أن كانوا في رغد العيش. ورأينا "حنان" –الفنانة منى زكي- تلجأ إلى جد طفليها والوصي عليهما وفقًا للقانون حتى يساعدها على توفير احتياجات أسرتها فيتدخل في حياتها تدخلا مجحفًا وينتقدها بأنها مسرفة ولا تحسن التدبير فيضطرها إلى ترك شقة الزوجية تحت دعاوى ارتفاع الإيجار والانتقال للعيش مع الجد والجدة والعم حيث نشاهد مثالا لكيف تفتقد خصوصيتها هناك، عندما كانت حنان في الحمام ثم فوجئت بعم طفليها يفتح عليها باب الحمام دون استئذان! ناهيك عن التدخل في نوعية المدرسة حيث يصف الجد مدرسة الكرة التي كان يرتادها حفيده الموهوب بمضيعة للوقت والمال في حين كانت حلم حياة حفيده الذي يتخذ لاعب الكرة العالمي محمد صلاح قدوة له. ليس ذلك فحسب بل إن الجد لا يجد قيمة في التعليم حيث ترك حفيده مدرسته بتشجيع منه وانضم إليه في ورشته وكاد يفقد عينه لأنه في النهاية طفل في العاشرة يحاول أن يعمل في ورشة مثل الكبار ولم تستطع بيع المركب لتوفير ثمن العملية الجراحية لإنقاذ عينه رغم إحضارها المشتري. أما ‏ايرادات مركب الصيد فلم يكن عم الطفلين يعطيها إلا النذر الزهيد ويستحل بذلك مال اليتامى دون ‏خوف أو ضمير. ومع ذلك شاهدناه يصلي بانتظام في المسجد ويدعو الله أن يطيل في عمر والده المريض حتى لا تذهب الوصاية إلى أرملة أخيه! ‏

باختصار مسلسل "تحت الوصاية" اقترب من مجتمعنا وجسد مشكلات يعاني منها بشكل حقيقي وتعكس الجهل الموجود في بعض البيئات وتعيق تطورها. كما أظهر كيف أن المرأة يتم التعامل معها من طرف فئات عديدة في المجتمع على أنها فاقدة الأهلية وغير مؤهلة لتحمل المسئولية، على الرغم من كثرة النماذج الناجحة في المجتمع مثل نموذج "حنان". وسواء هن أرامل أو مطلقات أو تم هجرهن من الأزواج، يعكفن على تربية أبنائهن ويتجرعن أنواعًا من العذاب حتى يصل هؤلاء الأبناء لشاطئ الأمان، ودون مورد رزق ثابت في كثير من الأحيان. وهذه القضايا تحتاج بالتأكيد تغيير قانون الوصاية والولاية، ولكن تحتاج أيضا والأهم تغيير العقلية المجتمعية. وهذا بلا شك دور يساعد فيه المسلسل والفنون الهادفة عموما. 

وتأكدوا أن الجمهور يقبل على الفن الهادف ويتأثر به حال توافره. وقد رأينا ذلك في مسلسلات وطنية مثل "الاختيار" وأفلام اجتماعية بعضها مازال يعيش معنا مثل "أريد حلًا" وعلى هديه يسير "تحت الوصاية"!.