الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حلف صينى روسى حيوى لمصير البشرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الآيس كريم الروسى وآلة موسيقية صينية فلكلورية الهدايا المتبادلة بين الرئيسين الروسى فلاديمير بوتين والصينى شى جين بينغ لم تكونا فقط تعبيرا بسيطًا عن متانة الصداقة الشخصية بين الزعيمين، وإنما قوة التحالف الاستراتيجى الشامل بين دولتين عظمتين، يقول شى جين بينغ أنها تجاوزت العلاقة الثنائية وباتت مهمة وحيوية للنظام العالمى وتحديد مصير البشرية.

البيان المشترك الصادر عن القمة الروسية الصينية تجاوز فى محاوره ومن ثم دلالاته الصراع الروسي الغربى فى شرق أوروبا، والصراع الصينى الأمريكى حول جزيرة تايوان؛ ذلك أنه تناول رؤية موسكو وبكين لمسائل الأمن والاستقرار والسلم والاقتصاد والطاقة وسلاسل الإمداد العالمية.

البيان المطول قدم تفسيرًا لوصف الرئيس الصينى علاقة بلاده مع روسيا بأنها "تجاوزت الثنائية"، وتكشف بنوده التى تحدثت عن دول وسط آسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعى والمنطقة العربية ورفض تدخلات حلف شمال الأطلسى فى شئون الدول الداخلية أن شى جين بينغ لم يذهب إلى موسكو فى أول رحلاته الخارجية بعد انتخابه رئيسًا لفترة ثالثة للبحث عن شريك يصنع بثقله توازنًا فى العلاقة مع الولايات المتحدة كونها الزعيم الأوحد لهذا العالم فى سياق تعزيز مبدأ الصين واحدة وتحجيم مساعى الأمريكيين لاستقلال تايوان.

المسألة هنا لا تتعلق بمجرد أمنيات صينية روسية لصياغة عالم متعدد الأقطاب أو حديث إنشائى يخلو من برامج وخطط عمل واضحة ومحددة.

إنها إرادة دولتين كبريتين يدعمها دعم وتأييد مناطق كثيرة حول العالم من بينها افريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ومعظم دول العالم النامى؛ وتترجمها نتائج آليات سياسية وجهد دبلوماسى نجح فى بلورة اتفاق تاريخى لتطبيع العلاقات الخليجية الإيرانية، ناهيك عن المحصلة النهائية لنتائج العملية العسكرية الروسية الخاصة فى أوكرانيا على كافة الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية بنتائجها العكسية على أوروبا.

زيارة الرئيس الصينى إلى روسيا وما أسفر عنها من اتفاقات جديدة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو ليست إلا تتويجًا لعمل دؤوب استمر سنوات طويلة بهدف تطوير هذه العلاقة لتصل إلى ذروتها بحسب وصف الزعيمين بوتين وبينغ لها؛ وبحسب الأخير جرى تقييم لمسار تطورها عبر السنوات العشر الماضية خلال اجتماعه مع بوتين فى اليوم الأول من الزيارة وهو الاجتماع الذى وصف بغير الرسمى واستغرق نحو أربع ساعات ونصف.

وأبرز ما يلفت الانتباه فى هذا السياق هو قدرة كل من بكين وموسكو طوال الأعوام العشر الماضية على تجاوز كل المخططات الأمريكية لإحداث شقاق بين البلدين؛ أو على الأقل محاولة عزلهما عن بعضهما بإجبار روسيا على خوض الحرب الأوكرانيا بهدف استنفاذها وإضعافها حتى تتفرغ لمواجهة الصين فى بحر الصين الجنوبى منفردة بعد أن حاصرتها بما سمى بتحالف إيكوس الذى جمع الولايات المتحدة وانجلترا واستراليا والذى بموجبه جرى الاتفاق على توريد سفن حربية نووية أمريكية لاستراليا المواجهة للصين؛ "وهو الاتفاق الذى وصفته باريس بالخيانة واتهمت حليفتها واشنطن بالطعن من الخلف حيث خسرت بموجبه صفقة لتوريد سفن حربية لاستراليا قدرت حينها بنحو خمسين مليار دولار"

الآن يدرك الغرب الجماعى بحسب التعبير الروسى ويقصد به حلف الناتو أنه بات فى مواجهة استراتيجية مع عملاقين تدعم معظم شعوب الأرض جهودهما لإنهاء مرحلة عالم القطب الواحد؛ وهذا ما يفسر الرفض الأمريكى القاطع للمبادرة الصينية للسلام فى أوكرانيا، وهى من سبق ودعت بكين إلى استثمار علاقتها الجيدة مع موسكو لطرح مبادرات من شأنها إنهاء الحرب.

ويلاحظ هنا أن موقف واشنطن قد أعقب ردود أفعال أوروبية رحبت من حيث المبدأ بالمبادرة الصينية وذلك حتى تقطع الطريق على دول بحجم ألمانيا وفرنسا وتمنعها من التفاعل إيجابيًا لاسيما وأن دول الاتحاد الأوروبى تعانى اقتصاديًا جراء العقوبات التى فرضتها على روسيا من ناحية، وبسبب قانون خفض التضخم الأمريكى الذى سرق رؤوس الأموال الصناعية من القارة العجوز بما يقدمه من تسهيلات وإغراءات.

نجاح بكين فى إيجاد حلول دبلوماسية لصراع النفوذ بين الخليج وإيران يجعل واشنطن ترفض أى دور لها فى حل الأزمة الأوكرانية لأن ذلك يعنى مباشرة نفوذًا صينيًا أكبر فى أوروبا ويسرّع من وتيرة العمل على إنهاء زمن القطب الواحد.

هذا القلق الأمريكى عكسته أغلب عناوين الصحافة الأوروبية والأمريكية التى توافقت معظمها على أن زيارة شى جين بينغ لموسكو قد أثارت قلقًا واسعًا فى العواصم الغربية، وفى ذات الوقت روجت لوجهة نظر الإدارة الأمريكية بشأن رفض مبادرة السلام الصينية واصفة الأخيرة بأنها طرف غير محايد.

لم تجد زعيمة حلف الناتو وسيلة للرد المناسب سوى دفع ابنتها المدللة انجلترا إلى التصعيد العسكرى عبر تأكيد وزارة الدفاع البريطانية أنها سترسل إلى جانب دبابات تشالينجر ذخائر ومقذوفات محشوة باليورانيوم المنضب وهو ما ردت عليه موسكو بوصفه بالتصعيد النووى ذلك أن الغبار الناشئ عن إطلاق تلك المقذوفات يتسبب بانتشار الأورام السرطانية وفى تدمير قدرة أوكرانيا على الإنتاج الزراعى.

المسؤولون الروس حذروا بشدة من هذه الخطوة وأكد الرئيس الروسى أنه سوف يتم الرد بحسم، وقال مسؤولون آخرون فى الحكومة الروسية أن تبعات مثل تلك المقذوفات ستمتد حتمًا إلى أوروبا لتبدو سيناريوهات توسيع نطاق هذه الحرب مفتوحة؛ خاصة بعد التحرشات الأمريكية الأخيرة بإرسالها طائرتين حربيتين استراتيجيتين فوق بحر البلطيق وعلى التماس من الأجواء الروسية وقد تصدت لهما مقاتلة سوخوى٣٥ لتجبرهما على المغادرة فورًا.

الرد الثانى كان فى جمهورية وسط افريقيا فى آخر أيام زيارة الرئيس الصينى حيث قام مسلحون مجهولون بالهجوم على منجم ذهب تابع لإحدى الشركات الصينية وتمكنوا من قتل تسعة صينيين.

الموقف الصينى الروسى من ليبيا وسوريا ورفضهما فرض القيم الأمريكية على العالم وتدخل الناتو لتهديد استقلال وسلامة الدول؛ واستخدام الولايات المتحدة اليورانيوم المنضب فى غزوها للعراق فى عام ٢٠٠٣ ما تسبب فى انتشار السرطان وتدمير البيئة بحسب منظمة "الحملة ضد الأسلحة النووية" البريطانية؛ يجعل مصالح الشرق الأوسط تتوافق مع المساعى الصينية الروسية لإعادة انتاج عالم جديد غير خاضع لقوة عسكرية واقتصادية غاشمة.