السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

عبد الرحيم على يكتب: خدعة «الر بيع العربى»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الحقائق القديمة لم تزل صالحة لإثارة الدهشة
أحداث 2011 راهنت على اختطاف العقل الجمعى للمصريين بعدما خططت جماعة الإخوان لمصادرته والسيطرة عليه
الغرب أعلن بصراحة عن رغبته فى إعادة ترتيب المنطقة وبدأت واشنطن تخطط لإعادة رسم خرائط المنطقة 
أمريكا توصلت إلى اتفاق مع الإخوان يضمن تنفيذ مخطط التقسيم.. وإدارة أوباما اتبعت سياسة الدعم السرى لجماعة الإخوان المسلمين والحركات المتمردة الأخرى فى الشرق الأوسط وهو ما كشف عنه مركز «جلوبال ريسرش» الأمريكى
 

ثلاثة عشر عامًا مضت على أحداث ما أطلق عليه الربيع العربى وما زالت تلك الأحداث هى الأكثر غموضًا وضبابية فى تاريخ المنطقة، حتى عندما نحاول قراءة ذلك الكم الهائل من المقالات والكتب والدراسات والتقارير والبحوث التى نشرت حولها من قبل أطراف مختلفة ومتباينة ومتضاربة، فلن نستوعب ما حدث بل لن ننجو من الإصابة بدوار هائل، لن يفضى بنا إلى شىء، لكننى من منصة الباحث أستطيع أن أقول لكم، وأنا مطمئن الضمير، إن شعوب المنطقة تعرضت لأكبر عملية خداع فى تاريخهم، فيما يخص حقيقة ما حدث فى تلك الأيام.
وقبل أن نخوض فى التحليل الخاص بنا لهذه الأحداث أود أن أوضح وجهة نظرى حول التقييم العلمى لما حدث على هذا النحو..
فمن وجهة نظرى، لم تكن تلك الأحداث ثورة بالمعنى العلمى والحقيقى للثورة، كما لم تكن مؤامرة مكتملة الأركان بالمعنى العلمى والحقيقى للمؤامرة.. كانت انتفاضات شعبية توافرت لها كل الظروف الموضوعية للثورة، لكنها أبدًا لم ترق لمستوى الثورة.
فالثورة من أجل أن تحدث يجب أن يتوافر لها عاملان:
الأول الظرف الموضوعي: وهو وجود حالة من عدم الرضى الشعبى على سياسات النظام ووصول النظام الحاكم إلى طريق مسدود حيث تنعدم الرؤية الشاملة للخروج من الأزمة وتختفى خارطة الطريق وتتعمق الأزمة يومًا بعد يوم مع اختفاء أى أمل فى المستقبل، وهو ما كان متوافرًا بشكل جزئى على الأقل فى تلك الفترة.

والظرف الذاتى: وهو وجود قوى سياسية واجتماعية قادرة على قيادة هذا الغضب الجماهيرى وتوجيهه فى اتجاه تحقيق المصالح العليا للوطن وللجماهير الغاضبة، وألا يؤدى قيادتها للحدث لحدوث انتكاسة مؤكدة أو ثورة مضادة تعود بأحوال الناس إلى ما هو أسوأ، وأمثلة الثورات الناجحة فى التاريخ قليلة وأهمها ثورة البلاشفة فى أكتوبر ١٩١٧ سواء نختلف أو نتفق مع نتائجها ومسارها فيما بعد.
وأى خلل فى هذه المعادلة حتمًا سيؤدى إلى تغيير مسار ومفهوم الثورة إلى شىء آخر تمامًا، وهو ما حدث قطعيًا فيما سمى بالربيع العربى، الذى يحاول البعض استنساخه اليوم بنفس الأدوات والشخوص رغم اختلاف الزمن والظروف.
وفى العلوم السياسية إذا تغيب الظرف الموضوعى: نسمى ما يحدث مراهقة سياسية من قوى سياسية غير واعية أو قفزًا فى الهواء أو دينكوشوتية.
أما لو غاب الظرف الذاتى «كما حدث فى أحداث الربيع العربى» نسمى ذلك انتفاضة لم ترق لمستوى الثورة، وهو ما أدى بانتفاضات الربيع العربى إلى مصير الاختطاف على أيدى الإخوان وحلفائهم.
 


لقد تابعت الحدث عن قرب، وخاصة فى مصر بصفتى مواطنًا مصريًا وتفاعلت مع تطوراته، وكنت أعرف منذ اللحظة الأولى أن النظام القائم لن يصمد طويلًا أمام هبات تحمل هذا الحجم من غضب المصريين، يتوازى معها  تخطيط محكم من جهات تسعى إلى إشاعة الفوضى فى أكثر منطقة مضطربة فى العالم لتصحح أخطاء خطط التقسيم الذى نتج عقب الحرب العالمية الأولى والمعروف باتفاقيات "سايكس بيكو" ولكن فى هذه المرة، على أرضية السلام والمصالح المشتركة، وهو تخطيط دقيق دام لسنوات طويلة قبل الربيع العربي.
وخلال السنوات الماضية خضنا على صفحات "البوابة" حربًا ضروس على مستويين:
الأول: سياسى ينطلق من أرضية الرفض الكامل لخيانة الوطن، تحت أى ذريعة، أو عرضه فى المزادات الدولية لمن يدفع أكثر.
وفى هذا السياق وقفنا بصلابة ضد من أرادوا تحويل طاقة الغضب الهائلة التى أبداها المصريون فى الميادين، إلى عملية تخريبية، تسعى لتفتيت مؤسساته الوطنية تمهيدًا لتحويل البلاد إلى منطقة رخوة يتم تشكيلها بسهولة وفق إرادة من خطط ودبر ودفع الثمن.
لم نتراجع عن استخدام كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة للدفاع عن وطن هو أمانة فى أعناقنا جميعًا.
تحملنا الكثير، من اتهامات وتشهير ومطاردات قضائية، وترويع وتخويف وصلت حدها الأعلى بمحاولات الاغتيال "المعنوى والمادى"، لكننا لم نتراجع عما نرى أنه صحيح بل زدنا إصرارًا على المواجهة وطورناها إلى مواجهة على الساحة الدولية فى عواصم أوروبا المختلفة من باريس إلى لندن مرورًا بميونخ وجنيف وبروكسل وستراسبورج.
المستوى الثانى: تمثل فى الدراسة العلمية، لتلك الظاهرة.. ظاهرة ما سُمى بالربيع العربى واستغلال قوى داخلية وخارجية معادية لسياق التطور الطبيعى لمجتمعاتنا فى اتجاه منحنى الصعود.. فقد كنا ندرك أن جزءًا من تلك المعركة يدور على الأرض، لكن الجزء الأكبر منها يراهن على اختطاف العقل، العقل الجمعى للمصريين، الذى خططت جماعات بعينها لمصادرته والسيطرة عليه، فواصلنا عملنا البحثى بدقة وموضوعية، لم ننطلق من مسلمات مسبقة، بل دخلنا الساحة متجردين تمامًا من أى مسلمات، حاولنا أن نعرف ماذا جرى على الأرض فى فى تلك الأحداث، لكننا أيضا كان لا بد أن نبحث عمّا جرى قبل وبعد وأثناء تلك الأحداث، خارج وداخل مصر.
فلم تكن أحداث ٢٥ يناير التى جاءت ضمن أحداث الربيع العربى وفى قلبها؛ منفصلة على الإطلاق عمّا كان يدور حول العالم بخصوص مصر.
وما توصلنا إليه.. نعرف جيدًا أنه لن يروق لأطراف كثيرة، وأعرف أيضًا أنه سيكون مفاجئًا لأطراف أخرى، لكن فى النهاية هذا ما توصلنا إليه، ونحن عنه راضون.
 


الأجندة الغربية:
لا يمكن أن نبدأ حديثًا عن الربيع العربى دون أن نتطرق إلى الحديث عن الأجندة الغربية تجاه الشرق الأوسط، والحديث هنا ليس حديثًا ثانويًا يمكن تجاهله أو تناوله بمعزل عمّا حدث ويحدث فى المنطقة منذ سنوات سبقت ذلك الحدث، خاصة تلك التحولات والأحداث التى رسمت خرائط ذلك الحدث الكبير، فأمريكا ودول الغرب كانوا يعلنون صراحة عن رغبتهم فى إعادة ترتيب المنطقة وفق اعتبارين:
الأول: ينطلق من إدراكهم قدرات الجيوش العربية وقوتها، خاصة الجيش المصرى، ومدى الخطر الذى يحيط بدولة اسرائيل منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣ والموقف العربى الموحد إبانها.
والثانى: هو قيام الدول العربية بتوظيف سلاح النفط، آنذاك، للضغط على أمريكا والغرب فى مواجهة موقفهم الداعم لإسرائيل خلال تلك الحرب، الأمر الذى مثل دافعًا مهمًا لواشنطن وعواصم الغرب للتخطيط لاعادة رسم خرائط المنطقة بما يضمن عدم تكرار تلك الحرب مرة اخرى.
مشروع برنـارد لويس:
أثناء حرب الخليج الأولى "الحرب العراقية الإيرانية" عام ١٩٨٠ صدرت تصريحات من مستشار الأمن القومى الأمريكى «بريجنسكى» أكد فيها أن المعضلة التى ستعانى منها الولايات المتحدة الأمريكية منذ الآن هى كيفية تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التى تستعر بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو، وعقب إطلاق هذا التصريح- وبتكليف من البنتاجون- بدأ المستشرق البريطانى «برنارد لويس» عام ١٩٨١ بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية كلٌ على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الأفريقي.. وغيرها، كان الهدف تفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وأرفق لويس بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت.
قسم الرجل العالم العربى والإسلامى إلى ١٩ دولة أوضحتها وثائق «كيفونيم» التى نشرت فى فبراير ١٩٨٢ فى الدورية التى تصدر باللغة العبرية فى القدس، تحت عنوان «استراتيجية إسرائيل خلال الثمانينيات»، وكتبها آنذاك الكاتب الإسرائيلى «يورام بيك»، احتوت تلك الوثائق على الخطة الكاملة لتفكيك وتقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة تحمل تفاصيل المشروع الصهيو- أمريكى لتفتيت المنطقة:
دول شمال أفريقيا:
كانت خطة برنارد لويس تقضى بتفتيت دول شمال أفريقيا؛ (ليبيا والجزائر والمغرب) بهدف إقامة عدة دويلات على أنقاضها على النحو التالى: دولة البربر على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان، ودويلة البوليساريو، والمتبقى من دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا وتقسيم مصر إلى (٤) دول: دولة النوبة، ودولة مسيحية فى غرب البلاد، ودولة إسلامية فى الوسط، ودولة خاضعة للنفوذ الصهيونى، وتشمل شبه جزيرة سيناء حتى نهر النيل، وهو ما يتم المطالبة به الآن عبر ما يسمى بالصفقة الكبرى لحل القضية الفلسطينية عبر إقامة دولة لهم فى شبه جزيرة سيناء.
 


شبه الجزيرة العربية والخليج:
كانت خطة برنارد لويس تقضى بتفتيت منطقة شبة الجزيرة العربية عبر محو كامل لدول الخليج وإلغاء وجودها الدستورى، بحيث تتضمن المنطقة (٣) دويلات فقط، وهى دولة الأحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين وأجزاء من المملكة العربية السعودية ودولة نجد السنية وتشمل جزءًا من المملكة العربية السعودية الحالية وأجزاء من اليمن، ودولة الحجاز السنية وتشمل جزءًا من المملكة العربية السعودية وأجزاء من اليمن.
بلاد الرافدين:
وتقضى خطة لويس بتفتيت العراق على أسس عرقية ودينية ومذهبية، بحيث يضم دويلة شيعية فى الجنوب حول البصرة، ودويلة سنية حول بغداد، ودويلة كردية فى الشمال والشمال الشرقى حول الموصل بكردستان العراق (تقوم على أجزاء من الأراضى العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفيتية سابقًا).
منطقة الشام:
وتم وضع خطة لتقسيمها إلى أقاليم متميزة عرقيًا ودينيًا ومذهبيًا (دويلة علوية شيعية على امتداد الشاطئ، ودويلة سنية فى منطقة حلب، ودويلة سنية حول دمشق، ودويلة الدروز فى الجولان ولبنان «الأراضى الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضى اللبنانية»، وهذا ما حاولوا تنفيذه على الأرض بتحطيم الجيش السورى، وإنهاكه فى حرب طويلة برعاية الجماعات والحركات المتطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وبدعم غربى وأمريكى وتركى واضح.
لبنان:
واعتمد فى تقسيمها إلى (٨) دويلات متميزة عرقيًا ومذهبيًا ودينيًا (دويلة سنية فى الشمال عاصمتها طرابلس، ودويلة مارونية فى الشمال عاصمتها جونيه، ودويلة فى سهل البقاع العلوية عاصمتها بعلبك خاضعة للنفوذ السورى شرق لبنان، ودويلة فى بيروت تحت الوصاية الدولية، وكانتون فلسطينى حول صيدا وحتى نهر الليطانى، وكانتون كتائبى فى الجنوب وتشمل المسيحيين والشيعة، ودويلة درزية فى الأجزاء من الأراضى اللبنانية والسورية والفلسطينية، وكانتون مسيحى تحت النفوذ الإسرائيلي.
الأردن:
ويتم تصفية الدولة وإلغاء كيانها الدستورى ونقل سلطتها للفلسطينيين.
فلسطين:
هدم مقومات أى مشروع لإقامة دولة مستقلة وإبادة شعبها تمهيدًا لإنشاء إسرائيل الكبرى.
إيران وباكستان وأفغانستان:
ويتم تقسيمها إلى (١٠) كيانات عرقية ضعيفة وهى كردستان، وأذربيجان وتركستان، وعربستان، وإيران ستان وما بقى من إيران بعد التقسيم بلونستان، بخونستان، أفغانستان ما بقى منها بعد التقسيم، باكستان ما بقى منها بعد التقسيم، كشمير.
ذروة الحلم:
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت إلى ذروة حلمها بما يسمى بثورات الربيع العربي، وهى الثورات التى ركبتها جماعة الإخوان المسلمين، وحولتها إلى وسيلة لتصل من خلالها إلى الحكم، حيث توصلت أمريكا مع الإخوان المسلمين إلى اتفاق يتم بمقتضاه تنفيذ مخطط التقسيم، وهو ما كشف عنه مركز «جلوبال ريسرش» الأمريكى فى ورقة بحثية نشرها فى ٢٨ يونيو ٢٠١٣، حيث أشار فيها إلى أن إدارة أوباما اتبعت سياسة الدعم السرى لجماعة الإخوان المسلمين والحركات المتمردة الأخرى فى الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٠.
تكشف الورقة البحثية ع وثيقة مهمة صدرت بعنوان «مبادرة الشراكة فى الشرق الأوسط: نظرة عامة».. وهى الوثيقة التى حددت هيكلًا متطورًا من برامج وزارة الخارجية يهدف إلى بناء منظمات المجتمع المدني، ولا سيما المنظمات غير الحكومية، لتغيير السياسة الداخلية للبلدان المستهدفة لصالح السياسة الخارجية الأمريكية وأهداف الأمن القومى الأمريكي، الوثيقة تشير أيضا إلى أن إدارة أوباما قامت بحملة استباقية لتغيير نظم الحكم فى جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكشفت الوثيقة عن أن المبادرة تعمل فى المقام الأول مع المجتمع المدني، من خلال منظمات غير حكومية متنفذة مقرها الولايات المتحدة، وفى المنطقة، وأنها تؤكد أن الأولوية كانت فى وقت مبكر عام ٢٠١٠ أعطيت لليمن والسعودية وتونس ومصر والبحرين، وخلال سنة من إنشائها أضيفت ليبيا وسوريا على قائمة الدول الأكثر أولوية لتدخل المجتمع المدنى.
أصابع أمريكا لا تزال تلعب فى المنطقة إذن، توقفت قليلا بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ التى أنهت مشروع إعادة رسم خرائط المنطقة من أساسه، وبدأت العمل على إعادة المارد المتأسلم إلى قمقمه، لكن الإدارة الأمريكية ومعها اطراف اخرى لم تيأس وبدأت تعيد ترتيب أوراقها من جديد خاصة بعد أن هيأت لها الحرب فى أوكرانيا أسبابًا، لتستأنف تنفيذ رؤيتها، فهل تعى الشعوب العربية الدرس قبل فوات الأوان أم أن الحقائق القديمة ستظل تثير دهشتنا كثيرًا؟.