الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

البابا تواضروس بطريرك الاختيار الصعب وسنوات محبة الله والوطن

البابا تواضروس الثاني
البابا تواضروس الثاني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

في  تقديمه للكتاب المهم " البابا تواضروس الثاني سنوات من المحبة لله والوطن " الصادر عن الدار المصرية اللبنانية للكاتبة شيرين عبد الخالق كتب المستشار عدلي منصور رئيس جمهورية مصر العربية السابق يقول يتناول هذا الكتاب بعضًا من جوانب السيرة الذاتية لأحد رجالات مصر العظام قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، نبت الأرض المصرية الطيبة المباركة من الله تعالى، والتي ستظل بحول الله وقوته آمنة مطمئنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ويسجل فيها روايته عن الأحداث الساخنة التي مرت بمصر خلال عشرة أعوام من تاریخ تجليس قداسته على كرسي البابوية، والتي لم يكن فيها قداسته مجرد شاهد عيان بل كان جزءا منها وفاعلا فيها.

إن اختيار قداسة البابا تواضروس الثاني تم في توقيت بالغ الصعوبة، إذ كانت مصرنا تموج بأحداث جسام بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة ٢٠١١، وتولي جماعة الإخوان حكم مصر، ومن ثم كان من الضروري بعد أن أصبح كرسي البابوية خاليا لوفاة البابا شنودة الثالث، رحمه الله تعالى، والذي ظل يقود الكنيسة قرابة أربعين عاما، بشخصيته المتفردة والتي كانت محل تقدير بالغ من المصريين جميعا مسلمين وأقباطا؛ أن يخلف هذه الشخصية الاستثنائية شخصية تبث الطمأنينة والسلام في نفوس الجميع، وتحمي الوطن من شرور كادت أن تعصف به.

وشاءت إرادة الرب أن تكون هذه الشخصية قداسة البابا تواضروس الثاني، والذي أثبتت الأيام أنه شخصية وطنية، جذورها ضاربة في أعماق الأرض المصرية الطيبة.

فرغم ما واجهته الكنيسة خلال تلك الفترة العصيبة إلا أنه كان دائما رابط الجأش لا تهزه العواصف والنوائب مهما عظمت.

وللدلالة على هذا القول سأذكر موقفين لقداسته تجاه حدثين جليلين، الأول الاعتداء الغاشم الذي تم على الكاتدرائية في السابع من يناير سنة ٢٠١٣، وهو ما لم يحدث أبدا في تاريخ الكنيسة القبطية، والثاني الاعتداءات الممنهجة التي تعرضت لها بعض الكنائس في سائر أنحاء الوطن الحبيب بعد ثورة الشعب المصري ضد حكم المرشد والإخوان المسلمين في الثلاثين من يونيو سنة ٢٠١٣، فرغم جسامة الجُرم في الحالتين، لم تصدر من قداسته أي تصريحات مسيئة، ورغم غضب وثورة الأقباط ومطالبتهم لقداسته باتخاذ موقف علني للرد على هذه الاعتداءات، إلا أنه صبر واحتسب وواجه الأمر بحكمة بالغة، وقال: «لو حرقوا الكنائس سنصلي في المساجد، ولو حرقوا المساجد سنصلي في الشوارع، بل أكثر من ذلك قال قولته الخالدة: «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن وهو بذلك رفع لواء الوطن فوق كل شيء حتى الكنائس ، فهل بعد ذلك من دليل على أن الكنيسة القبطية المصرية هي مؤسسة وطنية خالصة تعرف قيمة الوطن، وأن الوطن هو الأعز والأغلى والأبقى، وهو الذي يقوم ببناء الكنائس والذود عنها ضد أي اعتداء قد يقع عليها من بعض من لا يفقهون حقيقة دينهم ؟ وذلك بالرغم مما هو معلوم بالضرورة. من أن ممارسة الأقباط لشعائرهم الدينية لا تتم في الأصل إلا في الكنيسة، وبحضور رهبانها وقساوستها.

الحديث والكتابة عن شخصية البابا تواضروس الثاني لا ينفد ذلك المصري الجليل المتواضع للغاية، قليل الكلام كثير التأمل، عف اللسان، الذي يجيد الاستماع والإنصات للآخرين، ذلك البطريرك الذي استسلم لمشيئة الرب سبحانه وتعالى عندما أسفرت القرعة الهيكلية عن اختياره ليجلس على كرسي البابوية، وذلك ليكون صمام أمان للكنيسة المصرية العريقة التي تؤمن بأن مصر وطن فريد بين كل الأوطان، مصر الأصالة والحضارة والتاريخ مصر المباركة المحفوظة بإرادة الله يحميها من كل شر وسوء، مصر المحفوظة بشعبها العظيم مسلمي وأقباط مصر، والتي تمقت التعصب وتمجد التسامح، وليس أدل على ذلك من أن رأس الكنيسة القبطية المصرية قد عهد لسيدة مصرية مسلمة بكتابة بعض جوانب سيرته الذاتية وشهادته خلال السنوات العشر التي قضاها منذ توليه كرسي البابوية.

من بحر الذكريات

 

الكتاب الذى يقع في أكثر من ٣٠٠ صفحة غني وثري بكواليس سيرة البابا تواضروس  والتي نقتطف منها بعض الثمار

تحدث البابا عن ذكاء وفطنة المشير السيسي

فقال أود أن أشيد بذكاء وفطنة المشير عبد الفتاح السيسي الذي تقلد منصب وزير الدفاع، وكان قبل هذا التوقيت يشغل منصب رئيس المخابرات الحربية، والذي كان اختیاره مفاجأة للجميع، لم نكن نعرف عنه شيئًا، ولكنه مارس دورا استراتيجيا يُدرس، فقد اختاروه على أساس أنه حافظ للقرآن، وسيكون أحد أدوات الجماعة، فإذا به يمثل طوق النجاة لجموع المصريين، ويصبح هو من خلصهم من هذا الطاعون الذي كاد يعصف بالبلاد الطيبة.

والحال في الكنيسة في هذا التوقيت كان يسير في رتابة ويسيطر على الأجواء اختيار البطريرك الجديد، وكان هناك جدل كبير داخل الكنيسة بخصوص ترشيح الآباء الأساقفة واستمر الجدل وقتا طويلا ما بين مناقشات واجتماعات، إلى أن استقر الرأي حول أسماء المرشحين، وأصبح أمام اللجنة المعنية ١٧ اسما منهم سبعة من الآباء الأساقفة وعشرة من الآباء الرهبان وكنت أنا من بين السبعة عشر مرشحا، وكان على اللجنة تصفية الأسماء واختيار خمسة أسماء فقط، وبالطبع هذه اللجنة كانت تعرف الأساقفة معرفة جيدة، ولم تكن تعرف الرهبان بنفس القدر؛ لذلك قامت بعمل جلسات استماع للرهبان، وتم اختيار ثلاثة رهبان واثنين من الأساقفة، أنا والأنبا روفائيل، ونحن أساقفة عموم، أي غير مرتبطين بإيبارشيات، وأنا والأنبا روفائيل كنَّا آخر من وقع على الإقرار الخاص بالترشح، وكان ينتابنا تخوف كبير، فكم هي مهمة صعبة أن يأتي شخص آخر.

ومضت الأيام في انتظار يوم الانتخاب، وكان في شهر أكتوبر، وقام بالانتخاب حوالي ٢٥٠٠ من الأساقفة والكهنة الأراخنة، وكان نظام الانتخاب كالتالي: على كل ناخب الشطب على اثنين وترك ثلاثة أو الشطب على ثلاثة وترك اثنين، أو الشطب على البابا تواضروس الثاني أربعة وترك واحد، وكان اسمي بين الخمسة، وكان لي حق الانتخاب و دخلت وشطبت على ثلاثة أسماء من بينهم اسمي، وتركت اثنين في محاولة مني للابتعاد عن هذا الطريق، وقد أُقيمت هذه الانتخابات بمنتهى الحياد تحت إشراف وزارة الداخلية وظهرت النتيجة وأعلنت في نهاية اليوم، وأخذ أعلى الأصوات الأنبا روفائيل، وهو أسقف مبارك، فهو من دير مارمينا، وتلميذ البابا كيرلس في المرتبة الثالثة، وجئت أنا في المرتبة الثانية، وتم تحديد قداس القرعة الهيكلية يوم ٤ نوفمبر، والذي يصادف تاريخ ميلادي، وهذا بالطبع قداس خطير يحضره عدد كبير جدا وممثلون كبار من الدولة، حيث تقدم ٥٠٠ طفل، وتم اختيار ١٢ فقط من بينهم، ثم اختير الطفل بيشوي جرجس الذي لم يكمل عامه السادس الطفل الذي يسحب الورقة على مرأى ومسمع من الجميع.

وأسطرها هنا للتاريخ، أنني وحتى آخر لحظة، لم أكن أنتظر أو أسعى إلى أن أكون بابا الكنيسة والبطريرك الجديد، وكنت أنتظر النتيجة لأبارك لمن اختاره الله في القرعة الهيكلية، ولم يخطر في بالي لحظة أني سأكون البطريرك القادم.

ومضت الأيام ثقيلة وصعبة على جموع المصريين، إلى أن جاء شهر نوفمبر، والحقيقة أن انشغال الكنيسة داخليا بإجراءات انتخاب البطريرك كان من نعم ربنا الكبيرة، حتى لا تنهار الحالة النفسية بالكنيسة، وكان اختيار البطريرك الجديد بمثابة وردة وسط صحراء الوطن، وبارقة أمل جديدة، والحقيقة أن هذا الحدث كان جاذبًا لجموع المصريين، فهو حدث غير متكرر، ولم يحدث منذ أربعين عاما، ومنذ أربعين عاما لم يكن هناك هذا الزخم الإعلامي أو المتابعة على الهواء مما جعل من آليات وطريقة اختيار البطريرك القبطي المصري الجديد حدثاً خطيرًا إذا وضعناه أيضًا في ظل ما يدور على أرض مصر، شيح التقسيم الذي يُخيم على البلاد.

قيل لي أنت البطريرك القادم

وجاء يوم الأحد ٤ نوفمبر، وكنت قد ذهبت يوم السبت إلى دير الأنبا بيشوي، وكانت با صلوات كثيرة وتسبحة، تبدأ هذه الصلوات من الواحدة بعد منتصف الليل، وتنتهي

في السادسة صباحا، وقد أمضيت ليلتي في صلواتي مع الرهبان، ثم ذهبت إلى قلايتي وتناولت طعاما بسيطًا ونمت، وفي التوقيت نفسه تقريبا كانت قد بدأت إجراءات القرعة الهيكلية بالقاهرة، وحوالي العاشرة صباحًا حضر إلي اثنان من الرهبان معهما «موبايل به راديو، يتابعان من خلاله القرعة الهيكلية، وأيقظاني وقالا لي: «اختاروا طفلا اسمه بيشوي هو من سيسحب القرعة، إذن فأنت البطريرك القادم على اعتبار أني من دير الأنبا بيشوي أما الأنبا روفائيل فمن دير البراموس ، وأبونا روفائيل من دير مارمينا، و استبشروا خيرًا بالطفل بيشوي، وفي هذه اللحظات تذكرت أمي التي كانت تصلي لي لكيلا أجيء، كانت مشفقة علي من هذه المهمة، واستمرت الإجراءات بالقاهرة وفجأة قلايتي التي كان بها اثنان أصبح بها ٢٠٠ شخص من الدير ومن زوار الدير فور الإعلان عن اختياري كبطريرك للكنيسة.

بدت مشاعري مختلطة في هذه اللحظات ما بين إيمان بإرادة الرب ومخاوف ولم أكن أعرف ما الذي يجب علي أن أقوم به في هذه اللحظة، وماذا سوف يحدث، والحقيقة أنني لم أكن في هذا التوقيت معروفًا بدرجة كبيرة حتى إن تحقيقا قامت به جريدة «الأهرام» وبدأت تصف فيه المرشحين للكرسي البابوي، فكتبت مثلا عن الأنبا بيشوي الأسقف الحديدي»، ووصفت الأنبا يؤانس بـه أسقف التسبحة»، ووصفت أبونا روفائيل بـ«تلميذ البابا كيرلس، وجاءت عندي وقالت الباحث عن داعم».

وكأنها إرادة الله أن يكون الله هو الداعم.

أصبحت البطريرك في يوم ميلادي

وهذا اليوم حمل عندي دلالات كثيرة، فقد أصبحت البطريرك في يوم ميلادي، حتى إن أختاً مباركة داعبتني قائلةً: في عيد ميلادك جاء لك كرسي مارمرقس، ونحن في عيد ميلادنا ولا أي شيء!

وقبل اختياري بيوم واحد اتصل بي كاهن فاضل من الإسكندرية، والحقيقة أنا على المستوى الإنساني أحبه جدًّا، وهو رجل كبير ووفور، وقال لي: «لدينا سيدة قديسة طبيبة دائما ما تقول أشياء وتحدث، وقد قالت لي في القداس صباحًا إنها رأت في الحلم أن الاختيار قد وقع عليك، وأنت البابا الجديد»، لم التفت كثيرا لهذه الكلمات، بالعكس كنت أرى في عين أمي المريضة بالمستشفى نظرات خوف عليَّ من هذه المسؤولية وكنت أضع مخاوفها محل اعتبار كبير؛ لأنها كانت دائما من الأمهات اللاتي يضع رجاءهن في يد الله، حتى في أصعب الظروف، مع وفاة والدي وزوج أختي وأختي وهي في سن مبكرة، كلها محطات ألم لديها، لكن كان إيمانها ورجاؤها في الله بلا حدود وذهبت أنا ومن معي نؤدي صلاة الشكر بالكنيسة، ثم ذهبت إلى مزار البابا شنودة ووقفت في المزار وصليت وطلبت من الله الدعم، ومنذ هذه اللحظة تحولت الحياة بشكل كبير .. فقد أصبحت البابا.

فلقد كانت القرعة في الرابع من نوفمبر، ومراسم التنصيب في اليوم الثامن عشر من الشهر نفسه، وبالطبع كان يوم التنصيب له رهبة كبيرة في نفسي، فقد تأثرت بالصلوات والعبارات، وسالت دموعي منهمرة دون أن أدري وأنا أسير في موكب مهيب مع جميع الأساقفة حتى أصل إلى باب الكنيسة المغلق، وأستلم المفتاح وأفتح الباب، ما أصعبها من مشاعر! ما أقساها من مهمة ما أجلها من مسؤولية! أسير وعن يميني القائم مقام، وعن يساري رئيس الدير، ويعلو صوت الصلوات وسط كل ذلك اختلطت لدي المشاعر ما بين الخوف والتعزية.

 

«حتى آخر لحظة لم أكن أنتظر أو أسعى إلى أن أكون بابا الكنيسة والبطريرك الجديد وكنت أنتظر النتيجة لأبارك لمن اختاره الله في القرعة الهيكلية، ولم يخطر في بالي لحظة أني سأكون البطريرك القادم»