الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

الشيخ مصطفى المراغى.. المصلح المجدد تلميذ محمد عبده

الشيخ مصطفى المراغي
الشيخ مصطفى المراغي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الشيخ محمد مصطفى المراغى، تولى  منصب شيخ الأزهر مرتين: الأولى لمدة عامين من مايو ١٩٢٨ حتى استقالته فى ١٩٣٠ والثانية لمدة ١٠ سنوات من ١٩٣٥ إلى أغسطس ١٩٤٥م، ليكون الشيخ الثالث والثلاثين والخامس والثلاثين للجامع الأزهر على المذهب الحنفى، وعلى عقيدة أهل السنة.

هو محمد بن مصطفى بن محمد بن عبد المنعم المراغى  القاضى  الحسينى المولود فى  ٧ ربيع الآخر سنة ١٢٩٨ هـ ٩ مارس سنة ١٨٨١م مركز المراغة، محافظة سوهاج بصعيد مصر وينتهى  نسبه الشريف إلى الحسين بن على  وفاطمة الزهراء بنت النبى  محمد صلى الله وعليه وسلم، وتوفى فى  ليلة ١٤ رمضان ١٣٦٤ هـ الموافق ٢٢ أغسطس ١٩٤٥ وصلى  عليه بالأزهر.

نشأته وتعليمه 

نشأ فى  المراغة التى نُسِبَ إليها وتربَّى فيها، وحفظ القُرآن الكريم على يد أبيه.. وفى أحد كتاتيبها تعلَّم مبادئ المواد الأساسية التى  تُؤهِّله للالتحاق بالأزهر، ثم أرسله أبوه للقاهرة، للالتحاق بالأزهر، ودرس علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعانى  والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، على يد كبار مشايخ عصره وتأثر بأصحاب التيار المجدد وكان الأزهر وقتها يعيش نهضة إصلاحية واسعة النشاط؛ فقد حضر إلى مصر جمال الدين الأفغاني، واستقطب رجال الإصلاح وأقطاب الثقافة، وعلى رأسهم الإمام محمد عبده، وكان الرواق العباسى  هو مجلسه، وكان يستمعُ فيه للمحاضرات، وأيضًا لشيخه الشاب على  الصالحى  وهو من شباب علماء الأزهر المستنيرين المحقِّقين، الذى  درس عليه علوم العربية، وتأثر بأسلوبه فى  البيان وتأثَّر بأسلوبه فى  البلاغة، ثم اتصل بالشيخ محمد عبده وتعلم منه التجديد والإصلاح وتتلمذ على محاضراته فى  تفسير القرآن، وتأثر بمنهجه فى  التوحيد وما يراه من ضرورة التنقية للعقائد الإسلامية من ترف المتكلمين القدامى، وتأثَّر بمنهج الإمام محمد السلوكى  ودعوته الإصلاحيَّة، ومواقفه الوطنيَّة، وسار على نهجه فى  التجديد.

وكان معروفًا بين أقرانه وزملائه من الطلبة بالأخلاق الكريمة والحِرص على طلب العلم وقدرة التحصيل، واعتاد هو ونخبة من زملائه أن يقرأوا الدروس قبل إلقاء المدرسين لها، ويقرأوا معها كتبًا أخرى وكل مصادر المعرفة، ونجح المراغى  فى  امتحان العالمية، وكان ضمن أعضاء اللجنة الشيخ محمد عبده، ورأى المراغى  وهو يُؤدى  الامتحان مريضًا مرتعشًا من الحمَّى، ومع ذلك أجاد فى الامتحان، بل كان الأوَّل على زملائه، ودعاه محمد عبده إلى منزله تكريمًا له.

وقد حصل على العالمية من الدرجة الثانية، وهى  نفسها التى  حصل عليها أستاذه محمد عبده، وهذه الدرجة تُؤهِّله للتدريس فى  الأزهر والمدارس التابعة له، ومن أجل هذا عقد الشيخ المراغى  لنفسه حلقةً، وراح يُلقى  فيها الدروس، ولأنَّه كان جميل العبارة ولطيف الإشارة، غوَّاصًا فى  بحور المعانى، فقد اشتدَّ الإقبال عليه، وتزاحم عليه الطلاب والعلماء لسماعه.

وأصبح حديث أهل العلم على اختلاف مذاهبهم ثم حصل على شهادة العالميَّة "الدكتوراه" وهو فى  سن الرابعة والعشرين من عمره، وهى  سن مبكرة بالنسبة لعلماء الأزهر، غير أنَّه لم يبقَ فى  حلقات درسه غير ستَّة أشهر غادَر بعدها إلى السودان، ليتولَّى فيها القضاء أولًا فى مديرية دنقلة، ثم مديرية الخرطوم، وفى هذه الفترة كان دائم الاتِّصال بأستاذه الإمام محمد عبده.

تولَّى الإمام المراغى مناصب كثيرة قبل تولِّيه مشيخة الأزهر، ومنها: رئيس التفتيش الشرعى  بوزارة الحقانيَّة "وزارة العدل" ١٩١٩، ورئيس محكمة مصر الكلية الشرعية ١٩٢٠، وعضو المحكمة العُليا الشرعية، ورئيسً المحكمة العُليا الشرعية.

وفى  هذه المناصب قام بعدَّة إصلاحات مهمَّة؛ منها:

عدم التقيُّد بمذهب إذا وجد فى  غيره ما يُناسب المصلحة العامَّة للمجتمع، وكان القضاة قبلها مُقيَّدين بمذهب معيَّن، وقال لأعضاء لجنة القضاء: "ضعوا من المواد ما يبدو لكم أنَّه موافقٌ للزمان والمكان، وأنا لا أحتاج أنْ آتيكم بنصِّ المذاهب الإسلامية يطابقُ ما وضعتم، إنَّ الشريعة الإسلاميَّة فيها من السماحة والتوسعة ما يجعلنا نجدُ فى تفريعاتها وأحكامها من القضايا المدنية والجنائية كلَّ ما يفيدنا وينفعنا فى  كلِّ وقت وحين، ولقد اختلف الأئمَّة فى  الآراء الشرعية والفقهية".

استنتج الشيخ المراغى  أنَّ التجديد فى  الأحكام الشرعية ميسور لنا، وأنَّ المسائل الفقهية ما دامت غير قطعية فهى  قابلة شرعًا للتجديد والتغيير.

اقتبس الإمام المراغى  من كلِّ المذاهب والمجتهدين، وأصدر سنة ١٩٢٠ "قانون الأحوال الشخصية"، فعدل قانون الطلاق والمواريث.

كان يُراعى  فى  فتاويه وآرائه التيسير فى  الأمور، آخذًا بنصيحة الإمام محمد عبده: "العلم هو ما ينفعك وينفع الناس".

نادى بفتح باب الاجتهاد

دعا إلى توحيد المذاهب بقدر الإمكان، فقال: "يجب العمل على إزالة الفروق المذهبية، وتضييق شقَّة الخلاف بينها؛ فإنَّ الأمَّة فى محنةٍ من هذا التفريق، ويجب أنْ يدرس الفقه دراسةً بعيدةً عن التعصُّب لمذهبٍ معيَّن، وأنْ تدرس قواعده مرتبطةً بأصوله من الأدلة المنصوص عليها من الكتاب والسُّنَّة.

أوصى بوجوب أنْ يترفَّق الفقهاء بالناس فى  أمور شرعية كثيرة.

حاول التقريب بين المذاهب الطائفية، وتأكيد روابط الصداقة بين المسلمين والعالم، وإيجاد تضامن بين الهيئات العلمية والتعليمية فى  البلاد الإسلامية.

فى  سنة ١٩٣٧ عُيِّنَ الشيخ المراغى مفتشًا للدروس الدينيَّة بالأوقاف، ولكنَّه عاد للتدريس بالأزهر، مع الاحتفاظ بوظيفته فى  الأوقاف وكان دائمَ الحنين للرُّجوع إلى الأزهر للإسهام فى  إصلاحه.

ونظرًا لمكانة الأزهر فى  العالم الإسلامى  والعربى اتجه التفكير إلى إنشاء منصب عالمى كبير يُسمَّى "منصب شيخ الإسلام"، يكون اختصاصه ومجاله أوسع من منصب شيخ الأزهر؛ حيث إنَّ لكل ديانات العالم رئيسًا أعلى يتميَّز بامتيازاتٍ تتيحُ له أداء رسالته العالميَّة، ورُشِّحَ لهذا المنصب الإمام المراغى  لمكانته.

فترة ولايته

كان همه الرئيسى  النهوض بالأزهر، وقام على إصلاح أحواله واستبدل نظام الدعم لطلابه من نظام "الجراية" من الطعام والخبز، واستطاع تعيين راتب يصرفُ شهريًّا بالجنيه للطالب الأزهرى، وقام بتأليف لجان برئاسته لدراسة قوانين الأزهر ومناهجه الدراسيَّة، كما اهتمَّ بالدراسات العُليا فيه، فاقترح إنشاء ثلاث كليَّات عُليا هي: كلية اللغة العربية، كلية الشريعة، وكلية أصول الدين، مع إنشاء أقسام عديدة لكلِّ تخصُّص، وفى  أكتوبر سنة ١٩٢٩ احتدم الخلاف بين المراغى والملك فؤاد؛ فقدَّم استقالته، وحاول رئيس الوزراء منعه، لكنَّه أصرَّ على الاستقالة، واختير الشيخ الظواهرى  شيخًا للأزهر.

وبعد استقالته قضى أكثر من خمس سنوات عاكفًا فى  بيته على البحث والدراسة ومراجعة آراء المصلحين من قبلُ، وبخاصَّة آراء أستاذه الإمام "محمد عبده"، كما راجع الأسس التى  وضعها للإصلاح وما تَمَّ تحقيقُه منها، وما ينبغى تعديله، وذلك فى ضوء دراساته العميقة للنهوض بالأزهر.

ثم عاد شيخًا للأزهر مرَّةً ثانية فى  سنة ١٩٣٥ مؤيَّدًا من آلاف العلماء والطلبة، ومؤيَّدًا من الحكومة ومن الرأى العام، وأُقيم احتفال كبير لتكريمه لعودته مرَّة ثانية للأزهر، وخطب فيه كثير من الزعماء، ووقف الشيخ فيه قائلًا: "إنما يُنسب الفضل إلى أستاذى  محمد عبده"، وذكر أنَّه هو "المصباح الذى  اهتدى به".

وباشَر أولًا تنفيذ ما استقرَّ عليه رأيه من وجوه الإصلاح فى  الأزهر، وما رآه فى  فترته الأولى، وقد حدَّد مهمَّة الأزهر أنَّه هو المعهد الإسلامى  الأكبر، وأنَّ الغرض منه يتمثل فى: 

القيام على حفظ الشريعة؛ أصولها وفروعها، واللغة العربية، وعلى نشرهما.

تخريج علماء لتعليم الشريعة وأصولها وفروعها، واللغة العربية، ونشرها فى  مختلف المعاهد والمدارس، ويتقلَّدون الوظائف الشرعيَّة.

وجوب تدريس القُرآن الكريم تدريسًا جيدًا، وتدريس السُّنَّة النبويَّة على وفق ما تتطلبَّه اللغة العربيَّة ومعانيها، وتهذيب العادات الجتماعية؛ بحيث تتَّفق وقواعد الإسلام الصحيحة.

الأخُذ بما عرفه الإجماع والعُرف من عدم المساس بما اتَّفق عليه الفقهاء، وبما نصَّ عليه كتاب لله وسنَّة رسوله.

دراسة الأديان والملل واجبة، وكذا تاريخها وفرقها، وتدريس أصول الفقه والمذاهب قديمًا وحديثًا، ثم استقرَّ رأيه على تقسيم التعليم الدينى إلى قسمين: قسم عام ليسدَّ حاجة مَن يريد التفقُّه فى  الدِّين ومعرفة اللغة العربية، القسم يؤهل للتعليم الثانوى، والثانوى  يؤهل للدراسات العُليا، وكلاهما مشابه لمنهج التعليم فى  المدارس المدنيَّة.

كان الشيخ المراغى  يرى أنَّ الإسلام هُوجِم أكثر من غيره من الديانات السماوية السابقة، وهُوجم من أتباع الديانات السابقة، وهُوجم من ناحية العلم، وأهل القانون؛ ولهذا كانت مهمَّة العلماء مهمَّة شاقَّة تتطلَّب معلومات ودراسات كثيرة، وتتطلَّب معرفة المذاهب والأديان والبحث العلمي، وفهم الإسلام من منابعه؛ الكتاب والسُّنَّة، وأنَّ الأمَّة المصرية إذا أرادت النهوض والمجد يجب أنْ تتذكَّر دينها وتضعه فى  المكان اللائق.

كان هدف الإمام المراغى أنْ يخرج الأزهر الشريف من النِّطاق المحلى إلى المجال العالمى؛ ومن أمثلة ذلك أنَّه انتهز فرصة انعقاد "المؤتمر العالمى  للأديان" فى  يوليو ١٩٣٦م، ودعوة الأزهر لهذا المؤتمر، فأرسل رسالةً للمؤتمر ألقاها نيابةً عنه عبد العزيز المراغى؛ فلقيت استحسانًا عظيمًا، وتُرجِمت إلى عدَّة لغات، وانتخبه المؤتمر نتيجةً لذلك رئيسًا فخريًّا، وكان موضوع البحث الزمالة الإنسانية، ودعا فيها إلى تعاون أصحاب الأديان جميعًا لمقاومة الماديَّة العمياء التى  تُوشك أنْ تُدمِّر العالم.

ويقول عنه الإمام د. عبد الحليم محمود: عالم ذكى، وشخصيَّة خارقة، مهيب، صاحب رأى  فى  العلم والسياسة، ونزلوا على رأيه فى  مواقف كثيرة مهمة، وكثيرًا ما استمع الملك فاروق إلى رأيه، وكان يحضر مجالسه العلميَّة، وينصره على بعض الأحزاب المناوئه، والجميع يعرف مكانة الإمام المراغى؛ لجرأته فى  قول الحق، وإنْ أغضب ذلك ذوى  السلطان.

ومن إسهامات الشيخ المراغى، أنه أنشأ مجموعةَ لجانٍ؛ منها: لجنة الفتوى، والوعظ والإرشاد، وجماعة كبار العلماء "مجمع البحوث الإسلامية"، ورأى قبل وفاته أنْ يُنشئ مراقبةً خاصَّة للبحوث والثقافة الإسلاميَّة، تختصُّ بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلاميَّة، والبعوث العلميَّة، والدُّعاة، فصدر قرار بإنشائها سنة ١٩٤٥م، وبعد شهرٍ لقى  وجه الله الكريم.

مواقفه 

للشيخ المراغى  العديد من المواقف الوطنية، منها: كان الشيخ يعتزُّ بكرامته ومنصبه ووطنه، ويبدو هذا جليًّا فى موقفه حينما أرادت بريطانيا تتويج ملكها جورج الخامس إمبراطورًا للهند، ورتَّبت حكومة السودان فأصدرت الأوامر إلى الأعيان وكبار الموظفين فى  السودان أن يسافروا إلى ميناء سواكن لاستقبال باخرة الملك وهى  فى  طريقها إلى الهند؛ حيث تتوقف لبعض الوقت وكان فى  مقدمة المدعوين قاضى  السودان وقتئذ الشيخ المراغى، وكان البروتوكول يقضى  بألا يصعد إلى الباخرة أحد غير الحاكم الإنجليزي، وأما من عداه فيمكثون بمحاذاة الباخرة ويكفى أن يشرفهم الملك بإطلالة عليهم، فغضب المراغى  وأخبر الحاكم الإنجليزى  بأنه لن يحضر لاستقبال الملك إلا إذا صعد مثله إلى الباخرة لملاقاته، فتحرج الإنجليز وكثفوا اتصالاتهم ومن ثم غيروا الترتيب، وصعد الشيخ المراغى  السفينة وقابل جورج الخامس فقال بعض الإنجليز والمراسلين مستنكرين: "كان ينبغى أن تنحنى  للملك كما ينحنى  كل من يصافحه" فرد عليهم قائلا: "ليس فى  ديننا الركوع لغير الله".

المساواة بالقضاة الإنجليز 

رفض الشيخ المراغى  الاستمرار فى القضاء بعد منحه زيادة قدرها ستَّة جنيهات، على راتبه البالغ وقتها ١٤ جنيهًا فرفض قبولها، واحتجَّ على ذلك قائلًا: إنَّ القاضى الإنجليزى  يتقاضى راتبًا قدره خمسون جنيهًا، وتستكثرون على القاضى  المصرى  عشرين جنيهًا، وعاد إلى مصر، وطلب منه العودة لكنَّه رفض وقدَّم استقالته.

فى  عام ١٩٠٨.. عندما عرض عليه منصب قاضى  القضاة فى  السودان من قبل لاجان باشا، وكيل حكومة السودان، اشترط أنْ يكون تعيينه بأمر من الخديوى  فى  مصر، وأن يختار بنفسه لائحة المحاكم الشرعيَّة بالسودان، واختيار القضاة، واختيار الآراء الفقهيَّة التى يحكمون بها، وطلب من كلِّ محاكم السودان أنْ ترسل إليه بيانًا شهريًّا بالقضايا، وأن يُراجع وينفذ ما يَراه صوابًا، وعمل على ترقية القضاء فى  السودان، فأشرف على القسم الشرعى  بالكلية، وزوَّده بأساتذة من علماء الأزهر، ورفع من كرامة القضاء.

المشاركة فى  ثورة ١٩١٩

شارك فى  ثورة ١٩١٩، وقاد المصريون الموجودون بالسودان، ولمَّا اشتدَّت الثورة بمصر، والتفَّ المصريون بالسودان حول الشيخ الإمام، قاد جموعَهم فى مظاهرة كبيرة، وأخذ يجمع التوقيعات لتأييد زعامة سعد زغلول لزعامة الأمَّة، ودعا كلَّ مصرى  لأنْ يُسهم بما تجودُ به نفسه لتخفيف المصائب التى أنزلها الإنجليز بالشعب المصري، واعترض الحاكم الإنجليزى  بالسودان، ودار حوار بينهما قال له: "إنى  أكلمك كرئيسٍ"، وكان المراغى  سريعَ البديهة، قوى  الحجَّة فى شجاعة، فردَّ عليه وقد التهب غاضبًا: "كنت أفهم أنَّك تعلم واجبك، إنَّه ليس لى  رئيس هنا، فأنا الحاكم العام معيَّن بأمرٍ ملكي، وهو حاكم سياسى  وأنا قاضى  القضاة، ولا إشراف لأحدٍ منَّا على الآخَر"، وتركه وانصرف، فأرسل الحاكم العام إليه يدعوه لتناوُل الشاى  معه، وبعد نقاشٍ طويل بينهما أجابه الشيخ المراغى  بكلامٍ خلاصته: "إنَّنى  حوَّلت تيار ثورة المصريين والسودانيين ضد الإنجليز من تيار دموى  إلى تيار مالى؛ أي: يجب على الإنجليز إرجاع كافَّة الأوقاف والمبانى"، وأجرها لهم الإمام بمبالغ شهرية يعود ريعها على الشعب السودانى  نفسه.

ردَّ عليه الحاكم قائلًا: "افعل ما تريد، وقد قلت للإنجليز: إنَّ الشيخ المراغى  لا يمكن مناقشته أو التغلُّب عليه، ومن الصعب إقناعه" وهنا ثار حكَّام الإنجليز، واقترحوا أخيرًا منحه إجازة من السودان، ورجع إلى مصر مكرمًا".

  واجه الحاكم الإنجليزى فى السوادن ورفض إصدار فتوى لإرضاء الملك فاروق

 الشيخ المراغى والملك فاروق

حاول الملك فاروق أن يجعل الشيخ المراغى  يصدر فتوى يحرم على زوجته الأولى "فريدة" الزواج من غيره، بعد تطليقها، وكان الشيخ يُعالج بالمستشفى فرفض الاستجابة؛ فضاق الملك به، وذهب إليه بالمستشفى، فقال له الإمام عبارته الخالدة: "أمَّا الطلاق فلا أرضاه، وأمَّا التحريم فلا أملكه"، وطال الجدل، فصاح المراغى  قائلًا: "إنَّ المراغى  لا يستطيع أنْ يحرم ما أحلَّ الله".

الحرب العالمية الثانية 

فى  الحرب العالمية الثانية أعلن كلمته المشهورة فى  مسجد الرفاعى أثناء خطبته: "أسأل الله أنْ يجنِّبنا ويلات حربٍ لا ناقة لنا فيها ولا جمل"؛ لأنَّ الإنجليز أرادوا أنْ يزجُّوا بالمصريين معهم فى  حرب الألمان، ولقد أحدث تصريح الإمام ضجَّة كبرى هزَّت الحكومة المصرية وأقلقت الإنجليز، واتَّصل رئيس الوزراء بالشيخ محاولًا تهدئة الموقف، والإنجليز يعرفون مكانته الدينية ومنزلته عند الشعب، ونادى الإمام باحترام العلم والعلماء فهم صفوة القوم وعليتهم، وأمر رئيس الوزراء بأنْ يُصدر مرسومًا بتصدُّر العلماء واجهة كلِّ الاحتفالات الرسميَّة.

مقاومة الفساد 

لقى  الإمام المراغى  فى  حياته متاعب عديدة؛ سواء من الأحزاب والاستعمار وبعض ذوى  النُّفوذ، وتغلَّب على كلِّ ذلك بقوَّة إيمانه بالله، وكان حريصًا على الأمانة، صادقًا لا تأخذُه فى الحق لومة لائم، ولو كلَّفَه ذلك حياته؛ مثل ما فعل بعض المجرمين فى  قضيَّة رشوة، وألقوا عليه ماءَ النار، ولكنَّ لله لطَف به، وقد انتكست صحَّة الإمام بعدها، وتروى "مجلة المصور" داخل المستشفى قبل وفاته بأيَّام، وكان يقضى  وقته فى كتابة وتفسير سورة القدر؛ ليُلقى  عنها حديثًا فى  ليلة القدر القادم، ورأته الممرضة ليلة وفاته منكبًّا على كتابة التفسير، فطلبت منه أنْ يستريح فرفض، ثم زاره الطبيب فوجده يتمتَّع بصحَّة جيدة ونبض حسن، ولكنَّه ما كاد ينصرف حتى فاضت روحُه إلى بارئها فى  ليلة الأربعاء ١٤ رمضان ١٣٦٤هـ- ٢٢ أغسطس ١٩٤٥م، وشُيِّعَ إلى مثواه الأخير فى  جنازةٍ مهيبة، وحزن عليه العامَّة والخاصَّة.

مؤلفاته 

وعلى الرغم من كثرة مشاغل الإمام المراغى  والمتاعب والخصومات السياسيَّة إلا أنَّه توجد له مؤلفات ومذكِّرات وخطب كثيرة فى  الإذاعة والصحف والمجلات فى  ذلك الوقت، منها: 

الأولياء والمحجرون بحث فقهى  فى  موضوع الحجر على السفهاء- مكتبة الأزهر.

تفسير جزء تبارك، لا يزال مخطوطًا.

بحث فى  وجوب ترجمة القرآن الكريم.

رسالة الزمالة الإنسانية، مؤتمر الأديان بلندن.

بحوث فى  التشريع الإسلامى  فى  الزواج.

تفسير بعض سور القرآن فى  مناسبات دينيَّة فى  ليالى  رمضان، منها سور لقمان والحديد والعصر، ونشر أغلبها فى مجلة الأزهر.