الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تامر أفندي يواصل حلقات السلطنة مع أم كلثوم "15"| حكايات أشهر أغنيات ثـومة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
  • للصبر حدود قلبت مفهوم الحب فى قاموس أم كلثوم

قبل الولوج فى قصة للصبر حدود وخلاف ثومة مع الموجي، دعونا نعيد ونؤكد على عظمة عبد الوهاب محمد فى كتابة الأغنية العاطفية ولعل قصيدته "للصبر حدود" كانت واحدة ممن قلبت مفهوم الحب فى قاموس "الست".. وإنى كلما راجعت كلماته قلت كيف طوع الحرف هكذا ورسم به لوحات تزداد ألقا كلما مرت السنوات.. وكيف تأتى له أن ينازع عمالقة العشق على حنجرة أم كلثوم.. كيف انتقل بها فى مراحل العشق دون عناء.

فإذا نظرنا إلى سلسلة أغنيات رامى السنباطى الطويلة لأم كلثوم والتى سيطر جوها على الخمسينيات نجد هذا الموقف الصارم للعاشق غير معتاد فى شعر رامى الذى مثل العاشق المتصوف الذى لا يقدر على الهجر مطلقا، وعاشت أم كلثوم ١٠ سنوات تغنى للعاشق الذى لا يستطيع أن يأخذ موقفًا حاسمًا أمام محبوبه فغنت: «يا اللى كان يشجيك أنيني، سهران لوحدي، يا ظالمني، جددت حبك ليه، أغار من نسمة الجنوب، ذكريات، دليلى احتار، وعودت عينى على رؤياك»، حتى حينما غنت أم كلثوم "هجرتك" من كلمات أحمد رامى لم يكن هجرانا حقيقيا فعاد وقال: «لقيت روحى ف عز جفاك.. بفكر فيك وأنا ناسي».. بعد عقد التصوف فى الحب مع رامى الذى قال: «إننى مدين لأم كلثوم بنشر شعری، إن أقصى رقم وزع من أى ديوان طبعته كان خمسة آلاف نسخة، ولكننى أصبحت معروفًا للملايين من خلال صوت أم كلثوم».. هكذا انتهى عقد تصوف العاشق فى محراب حنجرة الست وبدأت مرحلة الرفض بـ«هسيبك للزمن» و«حب إيه» و«إسأل روحك» و«للصبر حدود». وقد وصل عبد الوهاب محمد فى آخر كوبليه بأغنية «للصبر حدود» إلى قمة الرفض فى العشق إذ كتب يقول: 

ما تصبرنيش ما خلاص أنا فاض بيا ومليت

بين لى إنت الإخلاص وأنا أضحى مهما قسيت

دا ما فيش فى الدنيا غرام بيعيش كده ع الأوهام

والحب الصادق عمره.. عمره ما يحتاج لكلام

أدرك عبد الوهاب محمد أن مفتاح الشاعر إلى صوت أم كلثوم هو عقلها والمفتاح إلى عقلها هو الكلمة الجديدة.. الجملة الجديدة.. الصورة الجديدة، تلك المسألة عبر عنها صديق لأم كلثوم بقوله: «لو كنت شاعرا لكتبت ديوانى على شفتى أم كلثوم» 

والواقع أن محاولة أم كلثوم للتذوق لا تقتصر على الكلمات التى تغنيها فقط، وإنما تمتد إلى اللحن، وعبر زكريا أحمد - الفنان الموهوب الراحل - عن ذلك فى مذكراته فكتب يقول: «إن أم كلثوم عندما تجلس إلى ملحن أغانيها أو يجلس إليها، لا تكتفى بأن يقدم لها لحنًا واحدًا أو اثنين وإنما تريد أكثر من ذلك». 

 

من كلمات عبد الوهاب محمد إلى لحن الموجي

اختار الأستاذ الموجى مقام الهزام (راحة الأرواح) ليبنى لحنه عليه، وهو من المقامات الشرقية التى تستقر على درجة صوتية، تعتمد على أرباع الأصوات، وركز الموجى فى لحنه على الصيحة الأخيرة.. أنا فاض بى ومليت!

ويقال إنهما اختلفا على لحن الأبيات الأخيرة التى فوجئت به أم كلثوم وأرادت تغييره ربما لحدته، لكنه تمسك بوجهة نظره، وخيرا فعل الموجي، فلحن المقطع الأخير هو ذروة اللحن كله، وجاء معبرا عن خلاصة الموقف الدرامى ونهايته، وربما لو أطاعها لضعف اللحن كثيرا، والحقيقة أن لحن هذا المقطع كان السبب فى نجاح وشهرة الأغنية.

ونعود إلى قصة الأغنية حيث كان اللقاء الأول الذى جمع كوكب الشرق والموسيقار محمد الموجى فى قصيدة شعرية بعنوان "الجلاء" للشاعر أحمد رامى، وطلبت ثومة من الموجى تلحين أغانى عاطفية لها، ووقعا عقدا لإنهاء اللحن خلال شهر لكن الموجى قد تأخر لمدة ستة أشهر مما دفع أم كلثوم لإقامة دعوى قضائية ضده، وذهب إليه محضر يعلنه بالقضية، وعندما توجه إلى المحكمة تفاجأ بدعوى قضائية ضده من أم كلثوم تطالبه بدفع تعويض يبلغ ٥٠٠ جنيه ورد مبلغ ٣٠٠ جنيه كان قد تقاضه كمقدم لثلاثة ألحان يقوم بتلحينها "للست".

كان خصاما جرى بين أم كلثوم والموجى قبل الوصول إلى المحكمة، تدخل فيه أحمد الحفناوي" صولو الكمان فى فرقة ام كلثوم وأسفرت الجلسة عن الاتفاق على أن يختار الكلمات التى تعجبه ويلحنها، عاد الموجى إلى أم كلثوم ومعه لحن أغنية "لونسيت الذكريات اسأل الصيف اللى فات" كلمات الشاعر محمد حلاوة، فرفضتها "ثومة". 

بدأ الموجى فى تلحين «للصبر حدود» رغم اعتراضه على الكلمات ووافقت أم كلثوم على اللحن ماعدا المقطع الأخير الذى طالبت بتغيره، كما سبق وأوضحنا، ولكن الموجى رفض واعتكف فى منزله لا يخرج منه، فطلبت أم كلثوم من أحمد الحفناوى وعازف «القانون» فى فرقتها وقائدها بعد رحيل القصبجى "عبده صالح" الذهاب إلى الموجى وإقناعه بالعودة لأم كلثوم والحديث معها، وبالفعل يذهب الموجى معهما ويتفق الطرفان على أن تغنى أم كلثوم اللحن كما هو، لتخرج أخيرا أغنية للصبر حدود إلى النور عام ١٩٦٤ بعد شد وجذب وقضايا ومحاكم.

قدمت السيدة أم كلثوم أغنية للصبر حدود للمرة الأولى، فى يناير ١٩٦٤ على مسرح الأزبكية، فى أول تقديم عام لها، ثم أعادتها بعد ثلاثة أسابيع على مسرح نادى شرطة، ثم غنتها مرة ثالثة فى ٦ فبراير ١٩٦٤.

وعن لحن الموجى يقول الدكتور سعد الله اغا القلعة، فى مشروعه موسوعة كتاب الأغانى التاني، أن الموجى كان متعطشا للتلحين فى المقامات الشرقية واستفاض فى تحليل ألحان للصبر الحدود ومما قاله عن المشهد الأخير من الأغنية: «بنى لحن هذا المشهد، على تناوب بين الألحان الموقعة والمرسلة، حقق جرعة درامية واضحة، إذ يبدأ الغناء بثروة لحنية استنكارية مع الإيقاع، لينتقل إلى غناء مرسل عند: «ده مفيش فى الدنيا غرام»، ليعاود الغناء الموقع عند: «وكفاية وأنا بهواك»، فى ذروة لحنية جديدة، يتبعها غناء مرسل عند: «وأهى غلطة»، ليعود الإيقاع عند: «ومش ح تعود». فى إيقاع بطئ متهالك يُعبر عن التعب من هذا الموضوع، ليتصاعد اللحن عند كلمة للصبر حدود، ويختتم الأغنية.

 

  • فكرونى أم كلثوم تقف على المسرح ساعتين و23 دقيقة 

يا حياتى أنا كلى حيرة

ونار وغيرة وشوق إليك

نفسى أهرب من عذابي

نفسى أرتاح بين إيديك

بدأت الحكاية مع هذا المقطع من أغنية أم كلثوم فكروني، من حفلة جامعة القاهرة ٢٥-١-١٩٦٧، تغنيها الست للمرة الثالثة فى شهرين فقط، بمناسبة عيد الشرطة، وبحضور الرئيس جمال عبدالناصر.

فى رحاب ذكرى ٢٥ يناير.. أم كلثوم تهدى الشرطة أغنية «فكروني»، التى تعتبر أطول الأغانى العربية، لأن يوجد تسجيل مدته ١٤٣ دقيقة.

هذا التسجيل الأطول للأغنية وللأغانى العربية عامة، يرجع إلى حفلة مسرح قصر النيل فى بداية شهر ١٢ عام ١٩٦٦، الحفلة التى غاب عنها رفيق أم كلثوم، ومنقذها فى الهفوات والأخطاء، عازف القانون عبده صالح بسبب المرض، وحل مكانه العازف المتمكن عبدالفتاح منسي، وقدم الحفل المذيع جلال معوض.

كانت المرة الأولى التى تغنى فيها أم كلثوم الأغنية، بالتعاون مع محمد عبد الوهاب للمرة الخامسة، وبكلمات عبد الوهاب محمد، للمرة السادسة، وهو التعاون الأول له مع أم كلثوم بصحبة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

ساعتان و٢٣ دقيقة، وقفت أم كلثوم تغنى أغنية واحدة دون أن تمل أو يصبها التعب، دون أن يتذمر الحضور، أو يصيبه الملل، هى أم كلثوم وهذا كل ما فى الأمر، هى الأقرب للأسطورة، هى الأقرب لكمال الحالة الفنية للمطرب. 

 

"صولو" طبلة عبد الوهاب

وأثناء تلحين عبد الوهاب لأغنية «فكروني» لأم كلثوم كشف عن أسلوب منفرد كان مثار إعجاب خبراء الموسيقى فى الوطن العربي، خاصة استخدامه المتفرد للطبلة مع تغيير نمط استخدامها، ليبدع لها فى الكوبليه الأخير لأغنية «فكروني» «صولو» مقننا ومدونا بالنوتة أمام عازف الطبلة «كتكوت الأمير».

ويروى شاهد عيان إحدى الطرائف، فى تسجيل الأغنية أنه عندما طلب عبدالوهاب من كتكوت التوقف عن العزف، وجلس هو على الكرسى مع الفرقة الموسيقية وقال له: «شوف أنا باعمل إيه؟»، وأمسك بالطبلة وقام بعزف الصولو المنفرد عليها، وأعضاء الفرقة مبهورون بأداء عبد الوهاب على الطبلة، ويستمعون بشغف شديد إليه، وهو يعطى الدرس للعازف الشاب، مما أثار انتباه عازف الكمان الأول أحمد الحفناوى ليقول للأستاذ وهو فى قمة سعادته وبابتسامته الحلوة: «صحيح يا أستاذ إنك موسيقار الأجيال، وها هو واحد من الجيل يتعلم منك»، صورة عبد الوهاب وهو يقرع الطبلة وأمامه كتكوت الأمير كانت صورة الصفحة الأخيرة فى صحيفة «الأهرام» فى اليوم التالي، عندما تسلل المصور إميل كرم إلى استوديو التسجيل سرا والتقط الصورة على الرغم من تعليمات الست المتشددة بالسرية.

أما عن تعارف أم كلثوم بعبد الوهاب محمد، فذكره الدكتور حنفى المحلاوى فى كتابه "شعراء أم كلثوم" على لسان بليغ فيقول: كان الشاعر عبد الوهاب محمد يعمل مهندسا فى شركة «شل» وقد أسمعنى أغنية ألفها هي: «حب إيه اللى إنت جاى تقول عليه» وأخذ بليغ يدندن بها فى الحفلات الخاصة حتى سمعتها أم كلثوم فطلبت التعرف على كاتب هذه الأبيات وبالفعل تم التعارف الذى دام لعشر سنوات بدأ بـ«حب إيه» وانتهى بـ«حكم علينا الهوى».

لقد حاول العلم أكثر من مرة فهم فردية صوتك لكنه عجز، فليس معقولاَ أن لا تكون هناك نسبة للنشاز، وليس معقولًا أن تكون أوتار حنجرتك هى السلم الموسيقي، لكن المستحيل معك بات معقولا «ومهما درات الأيام مستحيل قلبى يميل ويحب غيرك أبدا، ومهما دارت الأيام، ستبقى سلطانة الطرب فى «كل ليلة وكل يوم».

 

أم كلثوم ترفض إعلان بيت الطاعة من مأمون الشناوى 

سبق وكتبنا عن أن أم كلثوم أنها كانت بوابة معرفة الجماهير بالعديد من الشعراء، وأن نشأتها وحفظها للقرآن جعل الحرف طوعًا لها وجعلها صاحبة ذائقة عالية فى اللغة، ففارقها النشاز صوتًا وكلمةً ولحنًا، لذا كانت تُبدل مواضع الكلمات وتستبدل معانيها حسب موسيقاها الداخلية، ولم يمانع الشعراء من ذلك ليس نزولًا على رغبتها ولكن اقتناعًا بأنها الأقرب إلى جمهورها والأدرى بذائقته، وإذا كان هذا الأمر سهلًا على البعض إلا أن هناك من يعتبر القصيدة ابنته ولا يقبل المساس بها وهنا تقف عقارب الساعة، فثومة لم تكن بعيدة عن ما تغنيه بل كانت هى بطلة قصائد شعرائها فى عنادها وكبريائها وهجرها وخصامها وصفائها وإن طال الخصام لسنوات فمثلها يحتاج وقت لتُذيب جبال الغضب وهناك أكثر من موقف حدث لها مع شعراء وملحنين، وهنا نذكر الشاعر مأمون الشناوى الذى رفض تعديل كوكب الشرق على كلمات إحدى قصائده فابتعدا ٢٠ عامًا عن التعاون، حتى أنه قال عن نفسه: «لولم أكن مجنونًا ومغرورًا لتغنت أم كلثوم بشعرى منذ عشرين عامًا».

يبدو أن هذا الشطر من القصيدة كان رد الشاعر مأمون الشناوى على كوكب الشرق بعدما عرض عليه قصيدته وطلبت بعض التعديلات، ليخرج من بيتها مهمومًا ويعطى كلماته لفريد الأطرش وتمر السنوات ويعود للقائها فيقف عند حدود الاختلاف ولا يتجاوزها أحدًا منهما، حتى يأت اللقاء الثالث فى عام ١٩٥٧ بقصيدة «أنساك» والتى بدأها مأمون الشناوى بـ:

قرأت «ثومة» القصيدة وكانت لها وجهة نظر منطقية، إذ قالت هذا دخول فى الموضوع بلا مقدمة، يعنى يا أستاذ مأمون الرواية إنت بدأتها من الفصل التاني»، واقتنع بوجهة نظرها وبدأت تحذف بعض الأبيات ويٌعدل شاعرنا بعض الأبيات حتى أنه أعاد صياغة القصيدة كاملة وخرجت القصيدة للنور، وكتب بعدها «كل ليلة وكل يوم» وأبدع فى تلحينها العبقرى بليغ حمدي:

وكانت هذه القصيدة عام ١٩٦٤ ثم تلاها «بعيد عنك حياتى عذاب ١٩٦٥ من تلحين بليغ حمدي، وأخيرا ودارت الأيام ١٩٧٠ تلحين موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، والتى كُتب عنها الكثير، لكن أبلغ ما قيل جاء على لسان أستاذ القلب المفكر الطبيب محمد الجوادى الذى قال: « بمثل هذه الكلمات القليلة الفائقة القدرة على التعبير تقدم أم كلثوم عملًا نجح صاحباه مأمون الشناوى ومحمد عبد الوهاب فى أن يحملاه بأكبر قدر ممكن من التعبير والتطريب والتحوير والتدوير حتى إن اسم الأغنية نفسها لا يعنى أن الأيام وحدها هى التى دارت، وإنما دارت معها المشاعر والألحان والأنغام والغناء والأداء.. كل هذا يدور فى أغنية هى أبلغ تعبير عن حال الدنيا التى تدور حين ننظر إليها من اللحظة التى نحبها فيها، مع أننا نعلم بحكمة العشاق أن دنيانا تشمل هذه اللحظة، وغيرها من لحظات الهجر والفًجر، ولهذا كله يستحضر الكلثوميون هذه الأغنية إذا أرادوا الوهج، ويستحضرونها إذا أرادوا الغياب وهم متوهجين، ومن العجيب أن مأمون الشناوى قد قبض على هذا كله وقبض علينا به ومعه»

يستحق منا مأمون الشناوى التدبر والتأمل والتصفيق حيث أبدع فى السهل الممتنع وأجاد فى انتقاء الكلمات، ولما لا وهو الصحفى والشاعر الزجال الذى كتب كل الصنوف حتى وصل إلا الألف أغنية فجرت كلماته على حناجر العديد من المطربين ونُقش اسمه، فى سجلات التاريخ، وفى حوار أجره نجله ناجى مأمون الشناوى لجريدة الأهرام ذكر العديد من الأسرار عن علاقة والده بالمطربين وقال فيما يخص ثومة: «عندما كان أبى صحفيا صغيرا فى بداية حياته فى روزاليوسف، دخل عليه عمدة من أسيوط حاملًا بين يديه ورقة من محكمة تقول أنه كسب قضية بضم السيدة أم كلثوم إبراهيم البلتاجى إلى بيت الطاعة، فما كان من مأمون إلا ونشر الخبر مرفقة به صورة الحكم، فغضبت الست ورفعت قضية على روزاليوسف وفى أول جلسة ذهب مأمون إلى المحكمة بحكم أنه المحرر الذى نشر الخبر وشهدت غرفة المحامين اللقاء الأول عندما اختارته «ثومة» والتى لم تكن تعرفه وسألته هى الجلسة هتبدأ إمتى؟ وكانت متوترة جدًا، فرد عليها عندما نظر إلى يديه وكأنه ينظر إلى ساعته التى لم يرتدها طوال حياته: تقريبًا الساعة ٩ فردت لا أعتقد ١٠، ومن تلك القفشة تعرفا وأصبحا أصدقاء».

وعن حكاية حكم الطاعة يقول «ناجى» القصة فيها جزء حقيقى وآخر ليس حقيقيًا، الست فعلا اسمها أم كلثوم لكن ليست هى خاصة فكوكب الشرق اسمها الحقيقى فاطمة.

ويواصل «ناجي» حديثه عن الفترة التى أُبعد فيها والده عن معشوقته الصحافة فى الستينيات قائلا: «الجميع ابتعد عن والدى لم نكن نسمع رنين هاتف منزلنا إلا من أشخاص محددين على رأسهم عمى كامل ومنهم السيدة أم كلثوم التى كانت تتصل دومًا وفى إحدى المرات قالت له فور سماع صوته»: إنت نستنا ولا إيه يا مأمون» فرد عيها قائلًا: أنساك ده كلام، فقالت له أنا عاوزة دى».

ويقول ناجى عن قصة تلحين «أنساك»: «لهذه الأغنية قصة طريفة عندما رشح لها الراحل محمد فوزى فكانت النهاية على يد بليغ حمدي، والحكاية أن فوزى بالفعل لحن الكوبليه الثانى منها «كان لك معايا أجمل حكاية فى العمر كله» وكان هو وبليغ عند كوكب الشرق فى المنزل وبينما كان فوزى يتحدث لثومة، أكمل بليغ اللحن فنال إعجاب فوزى، الذى بدوره صمم على أن يلحنها بليغ قائلًا للست: لحنها أحسن مني.

 

  • الأطلال ثومة والطبيب الشاعر إبراهيم ناجى

من واقع ما ذكرته أم كلثوم بنفسها عن أول لقاء لها معه فقالت: «رأيته حين كان يزور نقابة الموسيقيين، وكان يبدو بائسا محطمًا يجلس إلى الموسيقيين، فتشعر أنه يطوى صدره على قصة حب بلا أمل».

وتضيف ثومة فى حديثها عن ناجي: «لم نتحدث فى الشعر مرة واحدة، ولكنى كنت أحس فيه رقة المشاعر التى لابد أن تؤتى ثمارا فنية طيبة سواء شعرية أو موسيقية، وقرأت له ديوانه بعد إن مات ووقفت عند الأطلال.. هل رأى الحب سُكارى ودفعت بالقصيدة إلى رياض السنباطي»

يا فؤادى لا تسل أين الهوى

كان صرحا من خيال فهوى

اسقنى واشرب على أطلاله

وأرو عنى طالما الدمع روى

كيف ذاك الحب أمسى خبرا

وحديثا من أحاديث الهوى

ووفقا لما ذكره الدكتور حنفى المحلاوى فى كتابه «شعراء أم كلثوم»، أن هذه الأبيات التى تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم من كلمات الدكتور إبراهيم ناجى قد نشرها ضمن قصيدة طويلة بديوانه، الذى صدر تحت عنوان "ليالى القاهرة"، هذا الديوان نُشرت به كذلك مقدمة أوضحت لنا قصة هذه القصيدة، أنها قصة حب عاثر.. التقيا وتحابا ثم انتهت القصة بأنها قد صارت أطلال جسد وصار الشاعر أطلال روح.

وتعددت الروايات حول قصيدة الأطلال لـ"إبراهيم ناجى" فهناك رواية تقول إنه أحب الفنانة زوزو حمدى الحكيم والتى قالت فى إحدى لقاءاتها الصحفية، التى نقلتها جريدة "أخبار الأدب"، "أنا ملهمة شاعر الأطلال" وقالت إنها المرأة التى أحبها الشاعر إبراهيم ناجى وكتب فيها قصيدته "الأطلال" التى غنتها السيدة أم كلثوم بعد وفاته بـ١٣ عاما".

وتقول زوزو "فى إحدى المرات سمعت أغنية السيدة أم كلثوم الأطلال، وشعرت أننى قرأت تلك الأبيات من قبل، وعدت إلى الروشتات التى كان يكتبها (ناجي) لوالدتي، ووجدت كل بيت من أبيات القصيدة على كل روشتة"، حيث كانت تصاحب والدتها إلى الطبيب فأحبها ناجى. 

وهناك رواية أخرى تقول إن حبيبة ناجى كانت ابنة الجيران وكان لديه ١٦ عامًا، سافر خارج البلاد ليدرس الطب وعاش تلك الفترة يحلم بحبيبته واليوم الذى سيعود فيه ويراها ويكمل قصته الغالية، ولكن عند عودته فوجئ أنها تزوجت فما باليد حلية سوى أنه كتم حبه فى صدره وعاش قلبه ينبض بالحب دون أن يرى حبيبته أو يعرف عنها شيئا.

مرت سنوات طوال مدتها خمسة عشر عامًا لم ينس إبراهيم ناجى حبيبته، وفى منتصف ليل إحدى ليالى الصيف طرق بابه رجل أربعينى يستغيث به كطبيب لينقذ زوجته التى كانت فى حالة ولادة متعسرة، ذهب معه الطبيب إبراهيم ناجى ليجد زوجة الرجل حبيبة عمره.

رائعة الأطلال هزت عرش الغناء وقلوب العشاق فى العالم من وقت أن ظهرت للنور وحتى الآن، ولا أحد يعرف ما سر جمال هذه القصيدة التى ما من أحد يسمعها إلا وجذبته بسحرها.

ويبلغ عدد أبيات القصيدة ١٣٤ بيتًا، وعدد مقاطعها ستة وعشرون مقطعًا، وكل مقطع به أربعة أبيات أو أكثر.

وكعادتها انتقت أم كلثوم بعض الأبيات وعدلت فى بعض الكلمات وتركت بعض الأبيات منها

يا غراما كان منى فى دمي

قدرا كالموت أو فى طعمه

ما قضينا ساعة فى عرسه

وقضينا العمر فى مأتمه

ما انتزاعى دمعة من عينه

واغتصابى بسمة من فمه

ليت شعرى أين منه مهربي

أين يمضى هارب من دمه

عظمة «ثومة» أنك مهما حاولت أن تعيد نظم القصائد بما حذفته أو غيرته فى أبياتها لن تتقبلها غنائيا سُتدرك أنها اختارت من بين تلك القصائد ما هو متجانس فى الموسيقى وما هو سلسل على المُتلقى دون أن تبخس حق الشاعر وكأن أمامها سلاسل من الفاكهة تنتقى أطيبها لتقدمه لمستمعيها لذا عشقوها وخلدوها فى قلوبهم.

 

أم كلثوم والسنباطى وخلافهما على القفلة

ونعود مجددا إلى "ثومة" والأطلال، التى غنتها بعد رحيل "ناجي" وقد غاب العود عن هذا اللحن، لأن محمد القصبجى كان قد رحل هو الآخر 

ومما ذُكر فى كواليس الإعداد للأغنية، أنه أثناء تدريب أم كلثوم عليها طلبت من الموسيقار رياض السنباطى تغيير القفلة فى المقطع الأخير من العالية إلى الهادئة، فاختلف معها السنباطى وتوقفت الأطلال لمدة ٤ سنوات، رفضا أيا منهما التنازل عن رأيه حتى توسط بعض الأصدقاء ووافقت أم كلثوم على رأى السنباطي.. وخرجت الأطلال للنور وتفاعل معها الجمهور وكُتبت ضمن قصائد أم كلثوم التاريخية التى خلدت اسم إبراهيم ناجى بجوار كوكب الشرق.

يا حبيبى كل شيء بقضاء

ما بأيدينا خلقنا تعساء

ربما تجمعنا أقدارنا

ذات يوم بعدما عز اللقاء

فإذا أنكر خل خله

وتلاقينا لقاء الغرباء

ومضى كل إلى غايته

لا تقل شئنا فإن الحظ شاء

فإن «الحظ» شاء فإن الله شاء

 

  • كوكب الشرق فى خيمة إبداع الوهابية

تلك الخيمة التى جمعتها بمحمد عبد الوهاب منافسها الذى أدرك أنه لا مناص من أن يهب لها لحنه بعد إن أستأثر به لنفسه لسنوات، وعبد الوهاب محمد، أحسن من تكلم بلسان الأنثى العاشقة، وخاصة مع أم كلثوم، من حب إيه، ظلمنا الحب، أسال روحك، للصبر حدود. وفكروني. 

محمد عبد الوهاب وكوكب الشرق والعشرة الطيبة 

كان أول لقاء بين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب فى منزل والد المهندس أبو بكر خيرت، الذى كان مقرا للقاء أهل الفن، وهناك كانت أول أغنية جمعت بين عبد الوهاب وثومة حيث غنا معا مونولوجا من أوبريت "العشرة الطيبة".

وفى هذه الليلة حاول الحضور دفع عبدالوهاب وأم كلثوم إلى التعاون فى عمل مشترك يخرج للنور لكن المحاولة باءت بالفشل.

وفى عام ١٩٤٤ كانت المرة الثانية التى غنت فيها أم كلثوم من تلحين عبدالوهاب، وهذه المرة ضمت السهرة توفيق الحكيم، فكرى أباظة، الدكتور عبدالوهاب مورو، كامل الشناوى والممثلة كاميليا، وقالت أم كلثوم لكامل الشناوي: «ألم تحرك فيك كاميليا موهبة الشعر»؟ فرد عليها بأبيات من قصيدة قال فيها:

لست أقوى على هواكى 

ومالى أمل فيكي

فارفقى بخيالى 

إن بعض الجمال يذهب قلبى عن ضلوعى 

فكيف كل الجمال!

فقالت أم كلثوم سأغنى هذه الأبيات لو لحنها عبد الوهاب، فمسك موسيقار الأجيال، العود وغنت أم كلثوم حتى الصباح.

وبرغم أن الصحافة أعلنت أكثر من مرة عن تعاونهما وأشاد عبد الوهاب بأم كلثوم، إلا أنها كانت ترد على سؤال تعاونها مع عبد الوهاب بأنه يلحن لها فقط على صفحات الجرائد.

غير أن جبال الثلج فيما يبدو بدأت تذوب وبدأت منافسة الطر تٌحسم لصالح "ثومة" حينما صرح عبد الوهاب بذلك فى احتفالية جمعية المؤلفين والملحنين عام ١٩٦٠ حين قال: «ينبغى أن أنتقل من صفوف المكرمين إلى صفوف المُكرمين، فأنا ملحن ونحن نكرم اليوم ناشرا عبقريا.. نُكرم أم كلثوم الناشر العظيم للألحان وقد منحها الله صوتا قويا، وأداء عبقريا وحسا مرهفا، والملحنون يحتاجون دائما للناشر الكفء الذى يوصل الإنتاج الموسيقى بمهارة إلى آذان الناس».

مرة أخرى كان اللقاء فى عام ٦٣ حين جمعهما الرئيس جمال عبد الناصر على مائدته للعشاء فى احتفالية دار الضباط، وقال لهما أين الأغنية التى تتحدث عنها الجماهير أنها ستجمعكما بعدها، خرجت "أنت عمري" للنور وقد صاحبها احتفاء مبالغ به فى كل الصحف حتى أن البعض وصل بها إلى عنان السماء حتى هدأ وهج الاحتفاء وظهرت ألسنة لهيب النقد، الذى ذكر بعضا منه على أدهم فى كتابه القيم (تلاقى الأكفاء) فكتب: «وبعد أن أفاق الناس من السكرة بدأ يطل النقد برأسه مثبتا وجوده ولو همسا ومن الهمس: «هناك انفصال واضح بين المقدمة الموسيقية وبين الأغنية لا ترابط إطلاقا ولا ترديد للنغم منه بين ثناياها، لقد كانت الأغنية شخصية متباعدة عن شخصية اللحن، أما المقدمة - ولو أنها ممتازة النظم الهادئ الرتيب سواء مقتبسة او مستوحاة أو من توارد الخاطر الموسيقى، لم تستطع أم كلثوم أن تخضع صوتها فى مطلع الأغنية ليتهادى ويتصاعد موسيقيا - بعد المقدمة ناعما يحمله اللحن، ثم يرتفع وإنما تدفقت حنجرتها بكل قوة تعلن بداية الأغنية فحددت أكثر التعارض بين ما كان من نعومة المقدمة الموسيقية وبداية انطلاق الأغنية.

تكررت عملية الانفصال الموسيقى.. بين مقاطع الأغنية ذاتها كانت عبارة عن ٣ ألحان منفصلة لأغنية واحدة وكان عبدالوهاب يؤلف الأوبريت: لا ترابط فيها بين الشرق والغرب إلا التصفيق، فالنقلات كانت واضحة جدا، إن الأغنية كانت باقة جميلة جمعت الكثير من الزهور المنسجمة الألوان حينا المتضاربة أحيانا».

 

«إنت عمرى» بين التحليل والتحريم

أترك علامة استفهام هنا إذ تظل إشكالية هذا الشاعر وغيره محل تساؤلات كثيرة، فكيف يتبرأ من كان وهابى الطرب، والذى قال: «أنا أحب عبد الوهاب وكنت أعتبره عصفورًا مغردًا، ولذلك فلقد قلت لأبى سأشترى صندوقًا لأضع فيه عبدالوهاب لأسمعه حين أريد".

ما الذى بدل أحواله فبات وهابى المنطلق!، ما الذى جعله يغلق مشاعره ودفاتره بعدما أبدى سعادته بقلمه وحرفه ويتبرأ أمام مشايخه مما كتبه، فى آخر حوار له بجريدة «المصرى اليوم» قال الشاعر أحمد شفيق كامل توقفت عن كتابة الأغانى العاطفية بعدما قابلت الشيخ الشعراوى بعد ظهوره فى برنامج «نور على نور»، الذى كان يقدمه الإذاعى أحمد فراج، وقال هكذا: «لم يكن يعرف أننى كاتب الأغانى إياها» التى تذاع، فلما عرف ذلك قال لى ما معناه «أنت غنيت كتير ودى دار حنقعد فيها شوية وبعدين حتروح على هناك، سيبك من أغانى الحب واكتب للآخرة شوية فتوقفت عن كتابة الأغانى العاطفية».

وبسؤاله من الزميل: لماذا، هل لأنها حرام؟ قال: هو قالى كده

قبل الولوج فى حكاية لقاء ثومة بشفيق، أترك لكم هذا السؤال: أمن الدين كف البلابل عن الصداح؟ أليس خرير الماء وحفيف الأشجار وموار البحار واللعب والصفق والعباب والعجيج والنحيخ والتغريد والهدهدة والصفير والطنين كلها وغيرها مقطوعات موسيقية ربانية يعزفها الكون بتناغم! أليست الحناجر جميعها فى الذكر والعشق والمدح والابتهال تتريض بين البيات والرست والنهاوند والسيكا والصبا والحجاز والكرد والعجم.

وأخيرا قال سأمزق الورق من كان قال: «شعرى هو ابني، الذى أحب أن أراه مدللا بين أيادى الناس وتكون قمة سعادتى أن أسمعه من أم كلثوم، وتزداد سعادتى حينما أسمعه من الأطفال، حينها أشعر بأن هناك خيطا يربطنى بالأجيال القادمة، لكن ما يسعدنى أكثر أن أسمعه من ملهمتى ممن كتبته من أجلها.

كان أحمد شفيق كامل قد كتب أغنية «أنت عمري» لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، لكن كوكب الشرق طلبت تغنيها، بعد أن سجلها عبد الوهاب بصوته وكانت الأسطوانة المسجلة لدى "شفيق" وحسبما ذكر فى حلقة برنامجك نجمك المفضل مع الإعلامية ليلى رستم: «اتصل بى عبدالوهاب وقال لى إنه يريد الأسطوانة ليراجع اللحن وبعدما أعادها وجدتها فارغة، فظننت أنه أخطأ وأعطانى أسطوانة أخرى، وحينما سألته قال لى «إن ثومة طلبت منه ألا يسجل الأغنية بصوته، فمسحها وفاء لعهد قطعه لها».

ويقول شفيق كامل ذكرياته عن كواليس أنت عمري: أغنية «أنت عمري»، كان مقدرًا أن يلحنها ويغنيها الموسيقار عبدالوهاب، وما حدث أنه حينما كان عبدالوهاب وأم كلثوم يتناولان وجبة العشاء مع الرئيس قال لهما «نفسنا نسمعكم فى عمل مشترك».

فقالت أم كلثوم: أنا ماعنديش مانع وعبدالوهاب كذلك، وانتهى الموضوع، وكانت أم كلثوم لديها شعراؤها وعبدالوهاب لديه شعراؤه، فلما عكف عبدالوهاب وأم كلثوم على مجموعة من الأغانى استقرا على أغنيتى أنا «أنت عمري»، وطلبت من عبدالوهاب أن أحضر معهما اللقاء لنقرأ الأغنية ونتناقش فيها، وأثناء ذهابنا لأم كلثوم لم يستخدم عبدالوهاب سيارته «الكاديلاك» وفضل أن يأتى معى فى سيارتى «الغلبانة» وأذكر أنها كانت ماركة «نصر ١١٠٠». 

بعد خروج «أنت عمرى» للنور نشر العملاق صلاح جاهين رسمة لأم كلثوم فى الأهرام وهى تنط الحبل وكان يشير لقفزتها من التعاون مع موسيقار الأجيال بعد احتكار السنباطي. ووصف صالح جودت هذا العمل بأنه مؤتمر قمة غنائي. جمع ثلاثة عمالقة. 

تغنت أم كلثوم لأحمد شفيق كامل أربع أغنيات فى أقل من عشر سنوات الأغنية الأولى أنت عمرى فى عام ١٩٦٤ والثانية بعدها بعام ١٩٦٥ وهى «أمل حياتي»، ثم بعدها بست سنوات رائعة «الحب كله» من تلحين بليغ حمدي، ليعود بعدها التعاون مع موسيقار الأجيال ليجمع اللقاء الثالث بين شفيق وثومة وعبدالوهاب فى موسم ١٩٧٢.