الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

مراكب الشمس.. من خوفو للمتحف الكبير

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تقنية التصوير ثلاثى الأبعاد كانت أساس عمل الفريق البحثى المختص بتوثيق جميع طبقات المركب خلال رفعه

 

تضم الساحة الخارجية حول المتحف المصرى الكبير، متحف مراكب الملك خوفو بمسطح ١.٤ ألف متر مربع، مجهز بأحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية الخاصة بالعرض المتحفى، وستعرض فيه مركبا الملك خوفو الأولى والثانية، وتم تصميم منطقة محاكاة لحفرة، لتماثل إحدى الحفرتين الأثريتين التى تم اكتشاف إحدى مركبتى الملك خوفو بداخلها بمنطقة أهرامات الجيزة، لتكون المدخل الرئيسى للمتحف، وذلك لإثراء التجربة السياحية للزائرين. 


مركب خوفو الأولى 
فى ٢٦ مايو عام ١٩٥٤م، أعلن عالم الآثار المهندس كمال الملاخ اكتشاف حفرتين لمراكب الملك خوفو، والتى سميت «بمركب الشمس»، وعُثر عليها فى الجهة الجنوبية للهرم الأكبر، وعمل كمال الملاخ والمرمم أحمد يوسف على اكتشاف وترميم وإعادة تركيب المركب الأولى، والتى خرجت الى النور بعد أن مكثت فى باطن الأرض ما يقرب من ٥٠٠٠ سنة، وتُعرض فى متحف خاص بها بمنطقة آثار الهرم منذ عام ١٩٨٢.. وبالمناسبة، فإن مهندس الآثار كمال الملاخ هو نفسه الصحفى الذى كان يحرر الصفحة الأخيرة بالأهرام بعدما التقطه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وانضم لأسرة «الأهرام» صحفيًا له اسمه اللامع والمرموق. 
صنعت مركب خوفو من خشب الأرز الذى كان يتم استيراده من لبنان، وعُثر عليها محفوظة فى حفرة مغطاة بنحو ٤١ كتلة من الحجر الجيرى، ومفككة إلى نحو ٦٥٠٠ جزء، رُتّبت مع بعضها البعض بعناية ليتيسر تجميعها، ووضعت معها أيضًا المجاديف، والحبال، وجوانب المقاصير، والأساطين.
المركب يبلغ طولها ٤٣.٤ م، وأقصى عرض لها ٥.٩ م، وعمقها ١.٧٨ م، وارتفاع مقدمتها ستة أمتار، وارتفاع مؤخرتها سبعة أمتار، ولها ١٠ مجاديف ٥ على كل جانب تتراوح أطوالها ما بين ٦.٥ و٨.٥ م، ومقصورة رئيسية تتقدمها مقصورة الربان فى مقدمة المركب، والدفة عبارة عن مجدافين كبيرين، وتوجد حجرة كبيرة فى وسط المركب يحمل سقفها ثلاثة أعمدة من الخشب تيجانها من النوع المعروف فى الفن المصرى باسم «الطراز النخيلي»، ويزن المركب حوالى ٤٥ طنا.
ظل المركب تحت الترميم والتركيب حتى ١٩٦١م أى ظل لمدة سبع سنوات كاملة بعد العثور عليه على يد المرمم أحمد يوسف‏،‏ والذى نجح فى أن يُعيد تجميع مركب خوفو المكتشفة ثم استمرت عمليات الترميم ٢٠ عاما لمعالجة الأضرار الجديدة التى لحقت به حتى تم افتتاح المتحف المخصص لعرض المركب رسميا فى ‏٦‏ مارس سنة ١٩٨٢‏.


نقل مركب خوفو الأولى 
وفى ٢٦ مايو ٢٠٢١ شهدت مصر إنجازا عالميًا جديدًا يُضاف لإنجازاتها الضخمة التى تحققت فى الآونة الأخيرة بهدف الحفاظ على أكبر وأقدم وأهم أثر عضوى فى التاريخ بهذا الحجم، حيث تم نقل مركب خوفو الأولى من داخل متحفها بالمنطقة الأثرية بالهرم، باستخدام العربة الذكية ذات التحكم عن بعد، والتى تم استقدامها خصيصًا من بلجيكا لنقل المركب قطعة واحدة بكامل هيئتها دون تفكيك، لمكان عرضها الجديد بالمتحف المصرى الكبير.
ترجع فكرة عملية نقل المركب الأولى للواء مهندس عاطف مفتاح، المشرف العام على مشروع المتحف الكبير والمنطقة المحيطة، الذى عرض فكرة النقل على الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى ٢٨ مايو ٢٠١٩، والتى جاءت نتيجة أن مبنى المتحف القديم الخاص بالمركب والذى تم إنشاؤه منذ ما يزيد على ربع قرن قد أدى إلى إخفاء الضلع الجنوبى للهرم الأكبر، كما أدى بشكل واضح إلى تشويه بصرى للمنطقة الأثرية، إلى جانب وجودها فى مبنى يفتقر إلى أسلوب العرض المتحفى المتميز، والذى يليق بأهمية ومكانة هذا الأثر الفريد، فضلا عن كون المبنى القديم غير مجهز بوسائل الإتاحة والخدمات التى تسمح باستقبال ذوى القدرات الخاصة.


مركب خوفو الثانية 
كان كمال الملاخ قد اكتشف حفرة أخرى تقع فى الشرق من الحفرة الأولى، وهى حفرة مركب خوفو الثانية، والتى فحصها فريق أثرى أمريكى عام ١٩٨٧م، مستخدما كاميرات صغيرة أُدخِلَت إليها، إذ تبين أن مركبا آخر مفككًا موجودًا بداخلها، ولكن بسبب ارتفاع تكلفة استخراج المركب لم يكتمل المشروع فى ذلك الوقت.
وفى عام ١٩٩٢م بدأ مشروع استخراج وترميم أخشاب مركب خوفو الثانية، والذى يعد واحدا من أكبر مشروعات الترميم فى العالم، ويُعبر عن أوجه التعاون المثمر بين مصر واليابان، ويُنفّذ بالتعاون مع المجلس الأعلى الآثار وجامعة «واسيدا» اليابانية وجامعة «هيجاشي» نيبون الدولية وبدعم من هيئة التعاون اليابانية الدولية «الجايكا». 


مراحل تنفيذ المشروع 
كان الهدف الرئيسى للمشروع منذ بدايته هو رفع القطع الخشبية الخاصة بالمركب الثانية من داخل الحفرة والعمل على ترميمها وإعادة تجميعها لكى يتم عرضها داخل قاعة خاصة بالمتحف المصرى الكبير. وفى عام ٢٠٠٨م وضعت خطة عمل خاصة بسير العمل فى المشروع والتى تتضمن عدة مراحل رئيسية، أولها تجهيز الموقع بعمل تغطية «هانجر» تُحيط بموقع الحفرة كاملًا وبجواره أماكن لبناء معمل ترميم ومخازن، وبداخل الـ"هانجر» الكبير تمت تغطية الـ"هانجر» صغير على حدود الحفرة فقط لتقييد الظروف البيئية للحفرة عند رفع البلاطات الحجرية التى تغطى حفرة المركب.
وفى عام ٢٠١٠م، رُسِمَت مساقط أفقيه لسور الهرم المحيط والذى كان يُغطّى الحفرة، وتم توثيق السور الأثرى باستخدام الليزر سكان بالتعاون مع أكاديمية مبارك للعلوم، كما تم فكه ورفعه وإعادة بناءه على بقايا امتداد نفس السور فى المنطقة غرب «الهانجر»، وتم عزل السور القديم عن السور الذى تم نقله باستخدام طبقه من البلاستيك. 
فى عام ٢٠١١م، رُفِعَ الغطاء الحجرى الذى يُغطّى حفرة المركب والذى يقدر بـ٤٤ كتلة حجرية «غطاء حجري» كان يُغطّى حفرة المركب وتتراوح أوزانها ما بين ١١ الى ١٨ طنا وتم وضعه خارج الحفرة، وتم ضبط درجة الحرارة والرطوبة داخل «الهانجر» قبل بدء أعمال الرفع، وعزل سقف حجرة الدفن بألواح خشبية معالجة كيميائيا تم استيرادها من اليابان للحفاظ على معدل الحرارة والرطوبة، وتم وضع الألواح الخشبية فور رفع الغطاء الحجرى، وتم كذلك إنشاء وتجهيز معمل للترميم ومخزن مؤقت بالموقع لحفظ أخشاب المركب بعد معالجتها لحين إعادة التركيب.
فى عام ٢٠١٢م، تم أخذ عينات من الأخشاب وإجراء كافة التحاليل العلمية والمعملية عليها فى مصر واليابان، وذلك طبقًا لموافقات اللجنة الدائمة للآثار من أجل تحديد مظاهر التلف المختلفة وأنواع التلف «الميكروبيولوجي» متمثلًا فى إصابات الفطريات والحشرية التى توجد بالأخشاب، وعلى نتائج تلك التحاليل تم وضع خطة الترميم المناسبة لبدء العمل فى ترميم ومعالجة أخشاب المركب، مع الإنتهاء من تجهيز معمل الترميم والمخزن الخاص بالأخشاب بالموقع لتكون جاهزة قبل البدء فى أعمال الترميم.
فى عام ٢٠١٤، تم رفع الأخشاب من حفرة المركب الى معمل الترميم وبداية ترميم وتقوية الأخشاب قبل إعادة التركيب، وتم خلالها إجراء الدراسة التجريبية اللازمة لتقييم مواد التقوية، وتم إجراء اختبارات التقادم على هذه المواد ودراسة الاختبارات المعملية لها لاستنتاج مدى نجاحها وتأثيرها بعد مرور مائة عام على عمليات التقوية بهذه المواد. 
قام الفريق البحثى بأعمال التوثيق اللازم لجميع الطبقات التى يتم رفعها باستخدام تقنية التصوير ثلاثى الأبعاد، وتمت أعمال الترميم الأولى والتدعيم للقطع المُتدهورة داخل الحفرة وتم رفعها والقيام فى إجراءات الترميم داخل المعمل.
يحرص فريق عمل المشروع على توثيق باستخدام التصوير ثلاثى الأبعاد لكل قطعة من مركب خوفو الثانية بعد انتهاء المرحلة الأولى من الترميم، تمهيدًا لتجميع المركب باستخدام برامج الحاسب الآلى قبل البدء فى تجميع المركب على الواقع.


النقل للمتحف الكبير 
نجح الفريق المصرى اليابانى من استخراج ما يقرب من ١٦٩٨ قطعة خشبية من الحفرة من ١٣ طبقة داخلها، وذلك بعد إجراء عمليات التأمين لها وتغليفها بالورق اليابانى كوسيلة تقوية وحماية أثناء عملية الرفع، وتسجيلهم بداخل المعمل، وتحديد الحالة الراهنة لهم، وتم إجراء ترميم أولى لجميع القطع التى تم استخراجها من الحفرة، وتم نقل جميع القطع الخشبية الى المتحف المصرى الكبير.
بعد نقل أخشاب مركب خوفو الثانية للمتحف الكبير، كان من المتوقع استغراق أعمال الترميم النهائى وتجميع المركب حوالى ٤ سنوات كى تكون المركب جاهزة للعرض، وسيكون العمل فى أعمال التجميع داخل مبنى مراكب الملك خوفو الجديد بالمتحف الكبير، وستكون الزيارة أولا للمركب الأولى، وسيتمكن زوار المتحف من مشاهدة أعمال تجميع المركب الثانية داخل مبنى المتحف.


حقائق علمية 
اكتشاف مركب خوفو، كان هو المرة الأولى التى يتم العثور فيها على أى مركب خشبية كبيرة من أيام الدولة القديمة وكانت المراكب الوحيدة التى عثر عليها فى منطقة دهشور بالجيزة ويرجع تاريخها إلى أيام الأسرة الـ١٢ واثنتان منها معروضتان فى المتحف المصرى بالتحرير، والثالثة معروضة فى متحف التاريخ الطبيعى بشيكاغو فى الولايات المتحدة الأمريكية. 
المركبتان المكتشفتان تم صناعتهما من أجل الملك خوفو، ومن الواضح أنهما لم توضعا فى مكانهما ولم تُغلقا حفرتاهما إلا بعد موته، وأن الذى أتم هذا العمل هو الملك الذى حكم من بعده والدليل على ذلك وجود نقش وحيد لاسم ملكى، والذى تم العثور عليه بين الكتابات الموجودة فى الحفرة وهو اسم الملك «رع – ددف» الذى تولى العرش بعد أبيه وكان من واجبه الإشراف على دفن وإتمام ما لم يتمه من عمائر.


وأثار اكتشاف تلك المركب جدلا علميا بين علماء الآثار إذ يرى فريق منهم أن تلك المركب هى من «مراكب الشمس»، وصنعت ليستخدمها الملك فى رحلتيه اليوميتين مع إله الشمس «رع» فى سماء الدنيا نهارا وسماء العالم الآخر ليلًا، بينما ذهبت آراء أخرى إلى أن المركب جنائزية قد استخدمت لنقل جثمان الملك من ضفة النيل الشرقية إلى الضفة الغربية حيث دفن. 
ويؤيد عالم المصريات الدكتور زاهى حواس الرأى الخاص باعتبار تلك المركب مركب شمس وليست جنائزية حيث أشار فى بحثه «آثار وأسرار مراكب الشمس» إلى أن العلماء احتاروا فى تفسير وظيفة مركب الملك خوفو، نظرًا لأنهم يدرسون المركب كأثر قائم بذاته من الناحية الدينية فقط، ومن الخطأ دراسة أى عنصر معمارى،‏ أو قطعة أثرية فى أى موقع دون دراسة ما حولها من آثار ومعابد وأهرامات ومناظر ممثلة بالمعبد والتماثيل وغيرها.
وشدد «حواس» فى بحثه على أن كمال الملاخ مكتشف المركب، كان مصيبًا، من وجهة نظره، وذلك على الرغم من أنه لم ينشر أدلة علمية تدعم رأيه حين أطلق عليها‏ «مركب شمس‏» بعد كشفه لها فى ‏٢٥‏ مايو‏ ١٩٥٤‏م.
وعن مركب خوفو الثانية التى تم استخراجها كاملة من منطقة الهرم ونقلها إلى داخل المتحف المصرى الكبير يقول الدكتور عيسى زيدان، المدير العام التنفيذى للترميم ونقل الآثار بهيئة المتحف المصرى الكبير، يبلغ عدد القطع المكونة لتلك المركب ١٦٩٨ قطعة أكبرها يبلغ طوله ٢٣ مترًا، وتم الانتهاء من المرحلة الأولى لترميم المركب والتى تضمنت رفع القطع وتوثيقها بالليزر سكان، والإكس راى. ونعمل حاليًا فى مرحلة الترميم النهائية من ترميم المركب تمهيدًا لتكون المركب قطعة واحدة، وسيتم عرضها بجانب المركب الأولى وبذلك ستكون لأول مرة فى التاريخ يتم عرض المركبين بجانب بعضهما البعض داخل متحف مراكب الملك خوفو.
أما قاعات العرض الرئيسية للمتحف والتى تبدأ تاريخيًا بعصر ما قبل الأسرات وحتى العصر اليونانى رومانى، فقد تم الانتهاء من كل القاعات وتجهيزها بأحدث وسائل العرض التكنولوجية، والتى منها وسائل العرض التفاعلية وشاشات المالتى ميديا، وتم الانتهاء من الدرج العظيم كاملًا، وكذلك من البهو العظيم كاملًا، وسيستطيع الزائر أن يرى الأهرامات من المتحف المصرى الكبير، وذلك بعد أن ينتهى من صعود الدرج العظيم سيرى مشهدًا عظيمًا وهو الأهرامات الثلاثة أمامه فى بانوراما رائعة للغاية.