الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

مصريات

رحلة الملوك.. عمليات نقل دقيقة ومعقدة لمواكب الفراعنة

رحلة الملوك.. عمليات
رحلة الملوك.. عمليات نقل دقيقة ومعقدة لمواكب الفراعنة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ملحمة أثرية فى إعادة بناء تمثال الملك رمسيس الثانى القادم من منطقة صان الحجر بالشرقية بنجاح فى منطقة الفناء الزجاجى بالمتحف المصرى الكبير


من القطع الأثرية الضخمة عمود الملك مرنبتاح ويبلغ طوله 60.5 متر ويزن 17 طناً ومصنوع من الجرانيت الوردى وله قاعدة دائرية ترتكز على قاعدة مربعة الشكل من الحجر الجيرى

 

 

تُعد القطع الأثرية الضخمة التى تم نقلها من مختلف متاحف ومناطق آثار مصر إلى المتحف المصرى الكبير من العلامات البارزة فى هذا الصرح العملاق، واستغرق نقل تلك القطع سنوات من العمل الجاد الدؤوب، وحظيت بعناية ورعاية شديدتين أثناء النقل، حيث بذلت وزارة السياحة والآثار جهدًا كبيرًا، لا سيما المجلس الأعلى للآثار وقيادات مشروع المتحف المصرى الكبير وفرق النقل به من أثريين ومرممين، والتى اتبعت أدق وسائل والطرق، لتستقر القطع بشكل آمن فى المتحف الذى يُعد الأبرز فى عرض الآثار المصرية القديمة عالميًا.
الدكتور الطيب عباس مساعد وزير السياحة والآثار للشؤون الآثرية بالمتحف المصرى الكبير، يقول إن عملية النقل لا تتم بالبساطة التى قد يتخيلها البعض، إذ يسبقها مرحلة هامة جدًا وهى مرحلة توثيق وترميم وصيانة القطعة الأثرية وهى فى مكانها الأصلى، وهى العملية التى قد تستغرق وقتًا كبيرًا من فرق الأثريين والمرممين، وتتطلب حرص ودقة شديدتين.


التابوت المذهب الكبير 
هذا التابوت الذى يخص الملك توت عنخ آمون، من أثمن القطع المنقولة، وهو الآثر العضوى الوحيد الذى ظل بالمقبرة منذ اكتشافها، ولم يتم نقله مع بقية القطع الخاصة بالملك توت عنخ آمون إلى المتحف المصرى فى التحرير قبل ما يزيد عن 100 عام، وكى ندرك ما هو التابوت الخشبى المذهب الكبير، فإن المومياء الملكية قد وضعت فى البداية داخل تابوت من الذهب الخالص ثم فى تابوت خشبى أكبر ثم فى تابوت ثالث خشبى أكبر، ثم وضعت التوابيت الثلاثة فوق سرير خشبى مذهب داخل تابوت من الكوارتزيت.
وبقى التابوت الخشبى المذهب الكبير فى مقبرة الملك إلى أن قررت اللجنة الدائمة للآثار المصرية نقله من مقبرته لترميمه بمعامل المتحف المصرى الكبير، وتم تشكيل فريق لنقل التابوت من أثرى ومرممى المتحف المصرى الكبير والمجلس الأعلى للآثار لنقله إلى المتحف المصرى الكبير، كى يُعرض مع بقية آثار الملك الذهبى بعد افتتاح المتحف. 
وفى يوليو 2019 ولأول مرة فى التاريخ، شهد هذا التابوت عملية نقل شاقة ودقيقة للغاية، وتم عمل توثيق أثرى وصيانة أولية وترميم مبدئى داخل المقبرة، وبعد نقله من المقبرة ووصوله إلى معامل المتحف المصرى الكبير بدأت عملية ترميم وتجميع القطع الذهبية الصغيرة المتساقطة من التابوت وإعادتها إلى مكانها بدقة متناهية. 


مقاصير الملك الذهبى
عندما اكتشف هاورد كارتر مقبرة الملك توت عنخ آمون فى فبراير عام 1922، قال كلمة واحدة "لا أرى أمامى إلا ذهبًا"، وضمن أبرز آثار الملك المقاصير الأربع الخشبية المذهبة للملك تون عنخ آمون، وهى الأكبر ضمن مقتنيات مقبرة الملك الذهبى. 
والمقاصير الأربع ضمن القطع الأثرية الضخمة المنقولة إلى المتحف المصرى الكبير من المتحف المصرى فى التحرير، وعن هذه اللحظات، يحكى الدكتور الطيب عباس، ويقول هى اللحظات التى وقفت فيها فرق المرميين والاثريين من المتحف المصرى الكبير والمجلس الأعلى للآثار أمام تلك المقاصير، وكانت آخر يد تعاملت معها هى يد هوارد كارتر والعمال الذين نقلوها من الأقصر إلى مقرها الدائم فى المتحف المصرى بالتحرير.
بالطبع على مر الزمن وطوال قرن مضى، تم صيانة وترميم تلك المقاصير ولكن التعامل بنقلها لم يتم إلا مرات محدودة للغاية، كان أبرزها وأكبرها المرة الأخيرة التى تم نقلها من المتحف المصرى فى التحرير هذا المتحف العريق إلى المتحف المصرى الكبير، وقامت فرق النقل والترميم بالمتحف الكبير والمجلس الأعلى للآثار بفك المقاصير والتعامل معها بحرص شديد، وبأحدث التقنيات المعروفة، بعد عمل صيانة كاملة لها، ثم بدأت عملية النقل بواسطة عربات خاصة مجهزة ضد الاهتزازات، بخطة تحرك وسرعات مدروسة، حتى وصلت المقاصير الأربع بسلام إلى مقر عرضها الدائم فى المتحف الكبير.

 

4 تماثيل ضخمة 
وضمن القطع المنقولة والتى نستطيع وصفها بالضخامة، 4 قطع ضخمة تم نقلها من حديقة المتحف المصرى فى التحرير إلى المتحف المصرى الكبير، وتم ذلك فى سبتمبر عام 2019، وهى عبارة عن تمثالين من الكوارتزيت لأحد ملوك الدولة الوسطى، وثالوث للملك رمسيس الثانى والمعبود بتاح والمعبودة سخمت المصنوع من الجرانيت الوردى، ويبلغ وزنه 20 طنًا، ورأس مسلة للملكة حتشبسوت من الجرانيت الأحمر، نُحت عليها ألقاب التتويج الخاصة بها، ونقش يصور الإله آمون، ويبلغ وزنها 14 طنًا.
ونستعرض بدقة مراحل ما قبل النقل، حيث تم عمل تقرير حالة لكل قطعة منفصلة على حدة، وعمل مسح راداى كامل لكل قطعة، وتصويرها تصوير ثلاثى الأبعاد و«ليزر سكان» ثم تغليف كل قطعة وهو الذى تم وفقًا للأسلوب العلمى المتبع فى تغليف الآثار الثقيلة والضخمة، وتم ذلك بالتعاون مع إحدى الشركات الوطنية المتخصصة فى عملية النقل.
ووضعت كل قطعة أثرية داخل قفص معدنى مُبطّن بالفوم لحمايتها من أى اهتزازات أثناء عملية النقل، واستغرقت الرحلة من المتحف المصرى بالتحرير إلى المتحف المصرى الكبير ٤ ساعات كاملة، حيث لم تتجاوز السرعة للعربات ٧ كيلومترات فى الساعة.
وبعد وصول القطع إلى المتحف الكبير بدأ فريق عمل من مرممى المتحف عملية ترميم دقيق للقطع، ثم تم وضعها بأماكنها على الدرج العظيم وبمشاركة المجلس الأعلى للأثار وإحدى الشركات الوطنية، والدرج هو السلم الضخم الرابط بين البهو العظيم وبين قاعات المتحف.

 

تمثال رمسيس 
وفى ملحمة أثرية أخرى نجح فريق الأثريين والمرممين من المتحف المصرى الكبير والمجلس الأعلى للآثار باقتدار بإعادة بناء تمثال الملك رمسيس الثانى القادم من منطقة صان الحجر بنجاح فى منطقة الفناء الزجاجى بالمتحف المصرى الكبير.
وكان هذا التمثال موجودًا فى منطقة صان الحجر الأثرية بمحافظة الشرقية، وكان على عدة أجزاء، وتم تجميعه وتوقيفه بارتفاع 8 أمتار ووزن بلغ 30 طنًا تقريبًا، والتمثال يمثل الملك واقفًا مقدمًا قدمه اليسرى عن اليمنى، ويرتدى النقبة الملكية القصيرة والحزام الذى يلتف حول الخصر مزين بزخارف ويحمل اسم الملك.

 

المسلة المُعلّقة
ومن منطقة صان الحجر أيضًا تم نقل مسلة تخص الملك رمسيس الثانى، وهى موضوعة حاليًا فى ساحة المتحف المصرى الكبير، وتلك المسلة المشهورة بلقب المسلة المعلقة، وهى أول مسلة يتم عرضها بهذا الشكل. 
وتلك الطريقة فى العرض من ابتكار اللواء مهندس عاطف مفتاح المشرف العام على المتحف المصرى الكبير، ومن تنفيذ فرق النقل والترميم فى المتحف، حيث سيتمكن الزائر من المرور أسفل المسلة، ومشاهدة الخرطوش الملكى فى باطنها.
فى ديسمبر 2021، أعلنت وزارة السياحة والآثار، نجاح فرق الترميم والنقل فى المتحف المصرى الكبير فى نقل 23 قطعة أثرية ضخمة من متحف التحرير ومن منطقة آثار سقارة ومن الإسماعيلية إلى المتحف المصرى الكبير.
ومن بين تلك القطع جدار ضخم من الحجر الجيرى، وتمثال ضخم من الجرانيت يمثل الملكة حتشبسوت وهى تحمل أوانى النو، ولوحة كبيرة من الحجر الجيرى نقش عليها الألقاب الملكية للملك سنفرو، ولوحة مميزة للملك أخناتون والملكة نفرتيتى، وثلاث لوحات كبيرة الحجم بالنقش البارز من مقبرة رع حتب من عصر الدولة القديمة، ولوحتين من الجرانيت الوردى لباب عليه نقش يصور الملك رمسيس الثانى فى الوضع الأوزيرى مرتديا التاج الأحمر.

 

عمود الملك مرنبتاح 
ومن القطع الأثرية الضخمة الهامة المنقولة إلى المتحف المصرى الكبير، هو عمود الملك مرنبتاح، وهو عبارة عن عمود يبلغ طوله 5.6 متر ويزن 17 طنًا، مصنوع من الجرانيت الوردى، وله قاعدة دائرية ترتكز على قاعدة مربعة الشكل من الحجر الجيرى.
والعمود مزين بنقوش من الحفر الغائر وكتابات باللغة الهيروغليفية، حيث يوجد عليه نص من 4 أسطر يتحدث عن الانتصار التاريخى العظيم الذى حققه الملك الباسل مرنبتاح على الليبيين فى العام الخامس من عهده فى حدود الدلتا الغربية «حوالى عام 1208 ق.م»، وهى إحدى المعارك الحربية الشهيرة والخالدة خلال عصر الرعامسة، وخلال عصر الدولة الحديثة والتى سجلت على العديد من آثار الملك مرنبتاح.
اكتُشف العمود فى مارس 1970، بواسطة إحدى البعثات أثناء التنقيب عن معابد مدينة «أون» الآثرية الموجودة بمنطقة عرب الحصن بالمطرية، وجرى نقل العمود من موقعه بمنطقة عرب الحصن إلى منطقة القلعة فى عام 2006، وخضع لأعمال الترميم هناك قبل أن ينقل مؤخرا إلى مكان عرضه الدائم بالبهو العظيم بالمتحف المصرى الكبير.


نقل التمثال المزدوج
هذا التمثال خصيصًا يعتبر معجزة من معجزات عمليات نقل الآثار التى تحققت على أيدى فرق الأثريين والنقل والترميم بالمتحف المصرى الكبير والمجلس الأعلى للأثار، فهى عملية نقل معقدة وذات الطبيعة خاصة لأن التمثال مفكك لعدد من القطع المثبتة على هيكل معدنى. 
وتم العثور عليه محطمًا لمئات القطع الأثرية عام 1873، فى معابد الكرنك، حيث تم العثور على رأسى التمثال الخاص بالمعبودة موت عن طريق عالم الآثار مارييت، وفى عام 1903، تم اكتشاف بعض القطع ‏الأخرى بواسطة ماسبيرو، وباستمرار البحث تم اكتشاف رأس المعبود آمون وقطع من جذع التمثال المزدوج وبعض القطع التى تحمل اسم آمون والعديد من القطع الصغيرة وتم اعطاها جميعا رقم تسجيل مؤقت وايداعها بالمخازن. فكرة تجميع تلك القطع على هيكل معدنى كى يظهر التمثال، بدأت فى الفترة ما بين 15 سبتمبر عام 1998 إلى 1999، بواسطة عالمة الآثار الدكتورة هوريج سوروزيان، حيث تم تثبيت القطع فى أماكنها الصحيحة باستخدام مسامير من الاستنانلس والإبقاء على الأجزاء المفقودة كما هى لكى يتم إضافتها فى حالة العثور عليها دون الانتقاص من جمال التمثال والذى يبلغ ارتفاعه 4.15 متر وعرضه 186 سم وعمقه 169 سم.
شارك عدد من الأثريين فى عملية النقل الناجحة للتمثال، وفى 22 فبراير 2022 وصل التمثال المزدوج للمعبودين آمون وموت وعمود من الجرانيت الوردى للملك رمسيس الثانى بالإضافة إلى تمثال من الحجر الجيرى للمعبودة إيزيس تحمل طفلها حورس، ولوحة كبيرة من الحجر الجيرى للملك أمنمحات الأول فضلا عن عدد آخر من اللوحات الضخمة والمنقوشة، إلى المتحف المصرى الكبير بسلام.
ما يزيد عن 87 قطعة أثرية ضخمة وصلت إلى المتحف المصرى الكبير واستقرت فى أماكن عرضها سواء فى البهو العظيم أو فوق الدرج العظيم، أو فى القاعات، وهى القطع التى تنتظر كما ينتظر الجميع يوم افتتاح المتحف بفارغ الصبر، حتى تظهر لأعين العالم الذى يترقب افتتاح هذا الصرح العظيم الذى يعد أكبر متحف يخص حضارة واحدة حول العالم.