الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: إنها الكارثة.. عندما يرتدى السياسيون ثياب الجنرالات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هل يمثل خطاب الحرب فى ميونيخ خطوة لإعداد المسرح لحرب عالمية ثالثة؟ 

 

جنرالات السياسة فى أوروبا والولايات المتحدة مصرون على استمرار الحرب طالما هناك شركات تتربح منها 


العالم فى  حاجة إلى نظام أمنى يحقق لكل الدول أمنها بلا تمييز.. وحرب أوكرانيا تضع مستقبل روسيا على المحك


دخلت حرب أوكرانيا عامها الثانى، على دقات أجراس تدعو لاستمرارها، إلى متى شاء لها أن تستمر. هناك إصرار ملحمى  على ذلك، وكأنها حرب مقدسة لا يجب أن تتوقف إلا بموت الخصم بعد أن ينفذ دمه تماما، وكأن دم الخصم هو شريان حياة الغريم المنتصر. فى الأيام الأخيرة احتفل حلف شمال الأطلنطى  بمرور عام على الحرب فى  مؤتمر ميونيخ للأمن، وكأن استمرار القتل والخراب مناسبة للاحتفال، وأعلن زعماء الحلف تصميمهم على استمرارها، بإمدادها بالمزيد من أسلحة القتل والخراب. وفى الأيام الأخيرة أيضا قالت روسيا كلمتها على لسان بوتين، فى  خطابه السنوى  الثامن عشر أمام مجلس الدوما، وأعلن أن مستقبل روسيا كله على المحك فى أوكرانيا، وأن الغرب مخطئ إذا اعتقد أنه يستطيع أن يهزم روسيا، لكنه استدرك معلنا أنه لا يزال منفتحا على حوار أمنى  مع الغرب، يضمن لكل الدول الأوروبية ودول العالم حقوق أمن متساوية بلا تمييز. وفى  ميونيخ أيضا قالت الصين كلمتها، وأعلنت مبادرة للسلام فى أوكرانيا عن طريق المفاوضات قابلتها ردود غربية تراوحت بين الاستجابة الباردة، والتجاهل المطلق. وكانت الرسالة الأمريكية التى حملها الرئيس جوزيف بايدن من واشنطن إلى كييف هى  هدية حزمة أسلحة إضافية بقيمة ٥٠٠ مليون دولار، فى  الذكرى الأولى للحرب  متعهدا بمساعدة أوكرانيا على مواصلة القتال حتى تنتصر على روسيا. 

الرئيس الأمريكي جو بايدن

مؤتمر ميونيخ للأمن الذى  عُقد فى  نهاية الأسبوع الماضى، كان المسرح الذى أدت فيه قيادات السياسة والدبلوماسية فى  العالم دور الجنرالات المقاتلين، الذين تنبع شرعيتهم من قذائف الحرب وتتنفس دخانها. لا أذكر أن كثيرين تحدثوا عن السلام، حتى لمجرد إقامة توازن شكلى مع حديثهم عن الحرب. وربما كان وانغ يى عضو المكتب السياسى، ورئيس مفوضية الشئون الخارجية فى الحزب الشيوعى الصينى، هو الدبلوماسى  الوحيد الذى تحدث فقط عن السلام، ودعا صراحة إلى ضرورة وقف الحرب. كان وانغ يى صوتًا نشازًا وسط جوقة موسيقى تدق طبول الحرب بأقوى ما تستطيع. وبعد أن انتهى المؤتمر حضر كبيرهم من واشنطن، حاملًا معه أنباء هديته الجديدة إلى أوكرانيا. رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينسكى لم يكن سعيدًا تمامًا بالهدية، لأنه يريد طائرات إف -١٦، وصواريخ يمكنها الوصول إلى عمق القوات الروسية، وطائرات درونز أكثر تقدما، يمكنها اختراق الحدود الروسية أو على الأقل ضرب قوات روسيا فى  القرم. خطاب الحرب الذى  كان صارخا فى  مؤتمر ميونيخ للأمن، ويعبر عن صوت واحد فقط، لا يعنيه كم تكلف الحرب كل يوم من الأرواح والإصابات والخراب. الحرب التى  تستهلك من إمدادات الأسلحة والذخائر على الجانب الأوكرانى فقط ما قيمته حوالى  ١٠٠ مليون دولار يوميا، لا تعنى جنرالات السياسة فى أوروبا والولايات المتحدة. وطالما أن هناك شركات تتربح منها، فإنها ستستمر. 

الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي

وقد تم إعداد المسرح العسكرى  فعلًا لكى  تستمر الحرب هذا العام على الأقل. وتضمنت قائمة المعدات العسكرية التى  تعهدت دول حلف الأطلنطى  بقيادة الولايات المتحدة تقديمها إلى أوكرانيا خلال الأسابيع الأولى من العام الثانى  للحرب دبابات ليوبارد-٢ الألمانية، وتشالينجر البريطانية، وأبرامز الأمريكية، إضافة إلى قائمة من المعدات العسكرية الأخرى تشمل عربات مدرعة أمريكية من طراز سترايكرز، ومعدات دفاع جوى  أوروبية، وربما تنضم إليها أيضا إسرائيل، وإن كان ما يشغل نتنياهو حاليا هو الحصول على جائزة نوبل للسلام، إذا نجح فى  عقد صفقة بين بوتين وزيلينسكي! وهو لا يريد إفساد الفرصة بتقديم أسلحة إلى أوكرانيا الآن. كذلك فإن دول وسط وشرق أوروبا أعلنت استعدادها لإمداد أوكرانيا بأسلحة روسية منها طائرات ميج -٢٩، بشرط أن يتم تعويضها عنها بأسلحة بديلة. وفى  يناير اتفقت بولندا وليتوانيا مع أوكرانيا على مواصلة دعمها عسكريا واقتصاديا وسياسيا إلى آخر المدى، طالما هى  استمرت فى  محاربة روسيا. لكن الرئيس الأوكرانى  يعتبر أن كسب الحرب المقدسة ضد روسيا لن يتحقق بدون تحقيق السيطرة على سماء المعارك، وأن ذلك لن يتحقق بدون طائرات إف- ١٦ ومعها صواريخ طويلة المدى، إلى جانب القوة البرية الضاربة التى  سيحصل عليها فى  الأسابيع القليلة المقبلة. 


حملة داخل الكونجرس لتسليح أوكرانيا

وقد وجد زيلينسكى  آذانا صاغية فى  واشنطن، حيث بدأت حملة ضغط قوية داخل الكونجرس بالتنسيق مع قيادات عسكرية فى  البنتاجون، من أجل الإسراع بإمداد أوكرانيا بالأسلحة التى تريدها، وعدم تكرار التردد والبطء فى الاستجابة، على غرار ما حدث فيما يتعلق بإمدادها بالدبابات، كما قال السيناتور ليندسى  غراهام، الذى  كان واحدا من عشرة من نواب الكونجرس توجهوا معا من واشنطن إلى ميونيخ لممارسة حملة الضغط لإمداد أوكرانيا بما تريد من أسلحة متطورة. وطبقا لمعلومات موقع "بوليتيكو" الأمريكى، فإن تلك المجموعة من أعضاء الكونجرس، التى  تضم ممثلين عن الحزبين الديمقراطى  والجمهورى  فى  مجلسى  النواب والشيوخ، دعت الجنرال كريستوفر كافالى  Christopher Cavoli قائد القيادة العسكرية الأمريكية فى  أوروبا والقائد الأعلى لقوات الحلفاء فى  القارة، إلى لقاء مغلق على هامش مؤتمر ميونيخ، للحديث بشأن أهمية تزويد أوكرانيا بأسلحة حديثة متقدمة.
وقد مضت الإجابات التى  قدمها الجنرال كافالى  إلى أبعد مما ذهبت إليه التصريحات الرسمية للمسئولين فى  مجلس الأمن القومى  الأمريكى،  الذين قالوا إنهم يضعون تعزيز قدرات أوكرانيا فى مجال الدفاع الجوى، وليس القدرات الهجومية، فى  المكان الأول حاليا، ومع ذلك فإنهم لا يستبعدون تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة فى  المستقبل. وقال الجنرال كافالى إن الولايات المتحدة وحلفاءها يجب عليهم إمداد أوكرانيا بأكثر الأسلحة تقدما، بما فى  ذلك مقاتلات متقدمة وطائرات درونز وصواريخ يتجاوز مداها ١٠٠ كم وصواريخ تكتيكية أخرى. هذا المنطق يستجيب لوجهة نظر مجموعة الضغط الموالية لأوكرانيا فى  الكونغرس، ويؤكد أن الهدف من هذه الإمدادات هو تمكين أوكرانيا من ضرب القوات الروسية فى  أى  مكان داخل الحدود الأوكرانية. وكانت مجموعة تضم خمسة من أعضاء مجلس النواب الأمريكى  قد بعثت فعلا برسالة إلى الرئيس الأمريكى  قبل السفر إلى ميونيخ لحثه على تقديم أسلحة متطورة لأوكرانيا، تضم طائرات إف -١٦ أو ما يعادلها من طائرات الجيل الرابع، تساعدها فى  الإنتصار على روسيا. وتعمل هذه المجموعة عن قرب مع كل من البنتاجون وشركات المجمع الصناعى  - العسكرى الأمريكي. 
وتريد دول حلف الأطلنطى  أن تتمكن أوكرانيا من تحريك الحرب إلى داخل المنطقة التى  تحتلها روسيا حاليا، أى  إلى إقليم دونباس على الأقل. وتشير التقارير الصادرة عن واشنطن إلى أن البيت الأبيض لا يؤيد فى الوقت الحالى محاولة إخراج القوات الروسية من شبه جزيرة القرم. ولن تكون دول حلف الأطلنطى  سعيدة أبدا إذا تحولت الحرب إلى ما يشبه "حرب المواقع الثابتة"، من وراء خطوط القتال الحالية، لأن ذلك يعيد للأذهان تاريخ حرب المواقع الثابتة بين العراق وإيران فى  ثمانينات القرن الماضى،  وهو ما قد يؤدى  إلى حالة من الجمود، تعزز بقاء نظام فلاديمير بوتين. 


مواجهة صينية - أمريكية 

تنطلق وجهة النظر الأمريكية وموقفها السياسى  والعسكرى  فى  حرب أوكرانيا من أنها حرب تتعلق بإعادة صياغة النظام العالمي. وهى  حرب بالوكالة تلعب فيها أوكرانيا دورا محددا فى  القتال ضد روسيا حتى النهاية. ومع أن هناك اختلافات بين الموقفين الأوروبى  والأمريكى،  فلا شك أن دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا زاد من قلق القارة الأوروبية من القوة العسكرية الروسية، وهو ما أعاد التقارب بين الطرفين بعد فترة من التوتر.. وسوف تحتاج أوروبا إلى وقت أطول نسبيا لكى  تصبح قادرة على ممارسة سياسة دفاعية وخارجية على أساس هوية أوروبية واضحة. هذا الوضع الاستراتيجى  الذى  وجدت أوروبا نفسها فيه يدرك أيضا، كما قال الرئيس الفرنسى  إيمانويل ماكرون، أن روسيا حقيقة جغرافية فى  أوروبا ولابد فى  نهاية الأمر أن يتم التفاوض معها. لكن زعماء أوروبا باستثناءات محدودة جدا كما هو الحال فى المجر وصربيا، ليسوا على استعداد فى الوقت الحاضر لاتخاذ موقف مخالف للموقف الأمريكي. هذا يعنى  بالنسبة للصين أن فرصتها فى  تعويم مبادرة وانغ يى  بشأن الدعوة لتسوية سلمية للحرب هى فرصة محدودة جدا، وإن كان يتعين على بكين أن تبذل كل ما تستطيع بمساعدة رأسمالها الدبلوماسى وفائض قوتها الاقتصادية من أجل الترويج للمبادرة، التى  تقوم على مبادئ لا خلاف عليها فى  الدبلوماسية الدولية وتشمل احترام وصيانة سيادة الدول ووحدة أراضيها، والالتزام بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. وضرورة أخذ دواعى  القلق المشروعة بشأن الأمن القومى  لكل الدول مأخذ الجد، وضرورة تأييد كل الجهود المبذولة لحل الأزمة بطريقة سلمية. ويجب أن نلاحظ هنا أن الوثيقة الصينية لا تتحدث عن "الحرب الدائرة فعلا" وإنما هى  تتحدث عن "الأزمة"، وهو ما من شأنه أن يضعف المبادرة ويقلل مصداقيتها. كما تشمل المبادئ الواردة فى  المبادرة الصينية التأكيد على منع وقوع حرب نووية، لأن أى  حرب من هذا النوع لن يكون فيها منتصر. وفى  هذا السياق تؤكد الصين على ضرورة أمن وسلامة المنشآت النووية المدنية، ورفض الاعتداء على محطات توليد الطاقة النووية، كما تدعو إلى بذل جهود مشتركة من أجل منع استخدام الأسلحة البيولوجية. وأعرب وانغ يى عن استعداد بلاده للتعاون المشترك مع غيرها من أجل تحقيق تسوية سلمية فى أقرب وقت ممكن، لكنه حتى عودته إلى الصين لم تتوافر لديه المقومات الكافية لتوليد قوة دفع مناسبة لتعويم مبادرة السلام، لأن المناخ العام بين القيادات السياسية فى  الغرب هو الحرب.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

خيارات روسيا

خطاب بوتين السنوى  عن حالة الاتحاد الروسى  فى  ٢١ فبراير انطلق من عدد من الفرضيات التى  توضح رؤيته للوضع الحالى  فى  الحرب الأوكرانية، والمسارات المتوقعة فى  المستقبل القريب. بوتين قال إن مستقبل روسيا على المحك، وأن الروس يؤيدون الحملة العسكرية الروسية فى  أوكرانيا، وأن الغرب يسعى إلى "عولمة" الصراع فى  أوكرانيا، وأكد عزمه على مواصلة الحرب متهما حلف الناتو بإمداد حريق الحرب بالوقود، معتقدا أنه يمكن هزيمة موسكو فى  مواجهة عالمية. وأكد أن روسيا فعلت كل ما فى  وسعها لتجنب نشوب حرب كان الغرب يخطط لها.  وقال بوتين أمام مجلس الدوما إن روسيا منفتحة على إجراء محادثات أمنية مع الغرب، لكنها قوبلت بنزعة عدائية توسعية من حلف الأطلنطى،  بإقامة درع صاروخى  يحيط بالحدود الروسية فى  أوروبا وآسيا. وأكد أن العالم يحتاج إلى نظام أمنى  يضمن أمن جميع الدول بشكل متساو، وأن روسيا ما تزال مستعدة لحوار أمنى  بناء مع الغرب.  
ومن المتوقع أن يزداد الوضع العسكرى  فى  أوكرانيا تعقيدا مع دخول فصل الربيع، واتساع نطاق القدرة على المناورة للطرفين، خصوصا مع حصول القوات الأوكرانية على أسلحة جديدة لتعزيز القوات البرية والدفاع الجوي. ولا يجب أن يغيب عنا أن أى  تصعيد فى التسلح هناك ستواجهه روسيا بتصعيد مقابل. ولن يتوقف التصعيد عند مجرد دخول الدبابات الحديثة إلى ساحة المعارك غرب إقليم الدونباس، حيث يتم الآن إعداد القوات الاوكرانية لاستخدام طائرات من الجيل الرابع. هذا إن حدث، فإنه سيجعل من الحرب الأوكرانية حربا أوروبية شاملة لا تقتصر فقط على أراضى  وأجواء وبحار أوكرانيا. ولا يدرك جنرالات الحرب الجدد فى  أوروبا أن هزيمة روسيا تعنى  أيضا هزيمة أوروبا فى  مواجهة الولايات المتحدة، التى  لا تريد أن تكون هناك "أوروبا مستقلة"، وترى فى  ذلك خطرا يهدد نفوذها العالمى،  لا يقل عن خطر روسيا أو الصين.


الحسم النووى  أو حرب الثلاثين عاما

عندما اتخذت الولايات المتحدة قرارها باستخدام القنابل النووية فى نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك من نصيب مدينتى  هيروشيما وناجازاكى،  لم يكن لدى اليابان سلاح للردع النووى،  ولا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت ذلك السلاح فى  حرب فعلية من قبل. لكن الوضع فى  عام ٢٠٢٣ يختلف جوهريا عما كان عليه فى  ١٩٤٥، حيث إن الأسلحة النووية أصبحت أكثر تطورا بعشرات المرات، وأصبحت متاحة لكثير من دول العالم، سواء داخل النادى  النووى الرسمى  أو غير الرسمي. وفى  حال استمر إصرار الولايات المتحدة على هزيمة روسيا فى  أوكرانيا، وتصعيد الحرب ضد القوات الروسية بفتح مخازن السلاح فى  دول حلف الأطلنطى  على مصراعيها للقوات الأوكرانية، فمن المرجح أن تأتى  لحظة تقرر فيها القيادة الروسية إنه قد كفاها من القتال ما قاتلت، وأن هذه الحرب يجب أن تضع أوزارها، تماما كما حدث بالنسبة للولايات المتحدة عام ١٩٤٥. عندئذ سيكون الخيار المفتوح هو استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد الطرف الآخر، أو ضد هدف عسكرى أو أكثر فى نطاق حلف الأطلنطى، وهو خيار انتحارى سيكون الجميع فيه ضحايا لا منتصرين. خيار آخر ضمن خيارات أخرى كثيرة، هو ألا يتسرب اليأس إلى النفوس، وأن تستمر الحرب ثلاثين عاما، على غرار الحروب الثلاثينية فى  القرن العشرين (١٩١٤- ١٩٤٥) والثلاثينية الأولى فى القرن السابع عشر (١٦١٨- ١٦٤٨). العقلاء فقط هم الذين سيبحثون عن خيار السلام، ويبدو إنهم قلة قليلة فى  العصر الذى  نعيشه.

https://www.ledialogue.fr/