الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"تعامد الشمس".. ظاهرة عمرها آلاف السنين حققها الأجداد والأحفاد.. لا تحدث فقط في أبو سمبل

تعامد الشمس
تعامد الشمس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الحضارة المصرية القديمة ورغم عشرات السنوات من الدراسة التي توقفت أمامها، إلا أننا في كل يوم نكشف عن أوجه جديدة تميز تلك الحضارة التي تبهر العالم، وليس فقط المصريين.

 ومن الظواهر التي سجلها العلم ، التي أثبتت أن المصري القديم هو صاحب الابتكار فيها، هي ظاهرة تعامد الشمس، والتي تحدث في عدة معابد وأماكن في مصر، حيث ذكر الدكتور عبد الرحيم ريحان وهو مديرًا لآثار سيناء، وأحد خبراء مجال الآثار في مصر، أن التعامد ظاهرة تحدث في عدة معابد مصرية قديمة منها، معابد الكرنك في الأقصر، ومعبد قصر قارون في الفيوم، ومعبد أبو سمبل في أسوان. 
وتعد ظاهرة تعامد الشمس على معبد أبو سمبل من الظواهر التي يحتفي بها العالم سنويًا فالموقع بشكل عام مسجل كتراث عالمي منذ عام 1979م ويشمل "معالم النوبة من أبو سمبل إلى فيلة"، والتى تضم الكثير من المعابد الأثرية، مثل معبد رمسيس الثاني فى أبو سمبل ومعبد إيزيس فى جزيرة فيلة، والذين أمكن إنقاذهما من الغرق بسبب بناء السد العالي. 
فقد كان الموقع الأصلى لتلك الآثار أمام الشلال الثاني، لكن منذ إنشاء السد العالي تم نقلهم إلى موقعهم الحالي، حيث أطلقت منظمة اليونسكو في تلك الفترة حملة عالمية لإنقاذ المواقع المهددة بالغرق من جرّاء بناء السد، ونقلها إلى موقع جديد ملائم من ناحية السلامة خلال الفترة ما بين عامي ١٩٦٠ لـ  ١٩٨٠م، وبتكلفة بلغت وقتها ٨٠ مليون دولار، وشاركت فيها ٥٠ دولة. 
والتعامد في معبد أبو سمبل كان يحدث يومي 21 أكتوبر و21 فبراير من كل عام، وبعد نقل المعبد إلى تل ارتفاعه 66 متر تأخرت الظاهرة 24 ساعة لتصبح 22 أكتوبر و22 فبراير من كل عام، حيث تخترق أشعة الشمس الممر الأمامى لمدخل معبد رمسيس الثانى بطول 60 متر حتى تصل إلى قدس الأقداس الذى يضم منصة تشمل تمثال الملك رمسيس الثانى جالسًا وبجواره تمثال الإله رع حور آختي، والذي يحمل على رأسه قرص الشمس وثعبان أوريوس والإله آمون إله الشمس والريح والخصوبة بينما يظل تمثال الإله "بتاح" في ظلام لأن قدماء المصريين لكانوا يعتبرونه "إله الظلام".


ويحكي لنا المؤرخ والمرشد السياحي بسام الشماع عن اكتشاف تلك الظاهرة فيقول، إن تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني في معابد أبو سمبل تم رصدها من قبل الكاتبة البريطانية "إميليا إدوارد"، عام 1874م، وكتبت عنها فى كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل على النيل". 
وتم وضع العديد من النظريات التي تحاول تفسير تلك الظاهرة ومنها أن قدماء المصريين صمموا المعبد مرتبطًا بحركة الإجرام الفلكية والسماوية مثل قرص الشمس لتحديد بدء الموسم الزراعي وموسم الحصاد، كما أن هناك نظرية أخرى تقول أن اليومين الأول منهما في أكتوبر هو مولد الملك رمسيس والثاني في فبراير هو يوم تتويجه على العرش، ولكن تظل تلك مجرد نظريات لا ترقى إلى الحقائق، لأنه لا يوجد نص قديم به تفسيرًا لتلك الظاهرة والسبب الذي دعى المصري القديم لتصميم المعبد بتلك الطريقة لكي تحدث. 
والحقيقة أنه لكي تحدث تلك الظاهرة التي يسميها بعض الأثريين تسلل الشمس إلى قدس الأقداس حتى تتوقف تحديدًا عند وجه الملك رمسيس الثاني دون غيره، فذلك يستلزم معرفة تامة بأصول علم الفلك وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق بجانب أن محور المعبد يجب أن يكون مستقيمًا لمسافة أكثر من ستين مترًا وخاصة أن المعبد منحوت فى الصخر، وهي أمر معجز لأن يتكرر هذا في يومين محددين من دون أيام العام كلها، وهو ما يثبت أن المصري القديم كان فلكيًا قديرًا.  
والأمر الذي يستدعي الانتباه أن المصري القديم قبل بناء معبدي أبو سمبل في أسوان كان خبيرًا في رصد الظواهر والتغيرات المناخية ومنها رصد ظاهرتي الخسوف والكسوف، حيث تقول بردية شهيرة اسمها "نبوءة نفرتي"، والتي تم ترجمتها عن طريق عدد من كبار علماء المصريات، والمحفوظة في متحف بطرس برج، أن تلك البردية تنقل لنا ما سجله المصري القديم في عهد الدولة الوسطى، أي قبل بناء معبد أبو سمبل، حيث يقول نص البردية أن أن الشمس من الممكن أن تحجبها ظواهر طبيعية، حيث ورد في النص أن "الشمس مبهمة ولا تعطي ضوءً يمكن أن يراه البشر، والبشر لا يستطيع العيش عندما تحلق سحب العواصف".  
ومن هنا نستنتج أن قدماء المصريين لم ينسبوا اختفاء الشمس أو احتجابها لأسباب خرافية، وإنما هي أسباب علمية معروفة، والتي تحدث بسبب الغيوم والعواصف المحملة بالأتربة، إذًا فهو كان على علم تام بالظواهر الفلكية والتغيرات المناخية. 
وقد اعتمد أيضًا قدماء المصريين النظام الشمسي، وقسموا السنة إلى 3 فصول  كل فصل يتألف من أربعة أشهر، وأطلقوا على الأول الفيضان أو "آخت" والثاني فصل بذر الحبوب أو "برت"، والثالث فصل الحصاد أو "شمو"، بل واستطاعوا أن يتعرفوا عن الكواكب الأخرى، كعطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، زحل، كما استطاعوا رصد حركة بعض النجوم والأجرام السماوية وتحديد أبراجها واستطاعوا أن يتعرفوا على الكواكب الأخرى مثل عطارد، الزهرة،المريخ، المشتري، زحل وابتكروا الساعة الشمسية. 
وشهدت مصر القديمة حركة بناء وتشييد واسعة خلال حكم رمسيس الثاني وهو الملقب بالملك البناء لتوسعة في أعمال البناء والتشييد والتعمير في مصر أثناء حكمه، وكانت النوبة مهمة للمصريين لأنها كانت مصدرًا للذهب والعديد من السلع التجارية الثمينة الأخرى لذلك بنى بها الملك رمسيس العديد من المعابد الكبرى من أجل إبهار النوبيين بقوة مصر. 


لذلك بدأ في بناء مجمع المعابد عام 1264 قبل الميلاد واستمر 20 عامًا حتى عام 1244 قبل الميلاد وكان يعرف باسم "معبد رمسيس المحبوب من قبل آمون"، وقد أمر الملك رمسيس الثاني، بنحت هذين المعبدين في الجبل وتحديدًا القرن الـ 13 قبل الميلاد، كنُصب دائم له وللملكة نفرتاري للاحتفال بذكرى انتصاره في معركة قادش. 
وتم اكتشاف معبدي أبوسمبل لأول مرة فى أغسطس عام 1817 عندما نجح المستكشف الإيطالى جيوفانى بيلونزى، فى العثور عليها ما بين رمال الجنوب وسمي المعبد بهذا الاسم على اسم طفل صغير قاد المستكشفين إلى الموقع من جديد والذي كان يراه من وقت إلى آخر في الرمال المتحركة وفي نهاية المطاف أطلق المستكشفون اسمه على المعبد. 
وظاهرة تعامد الشمس لا تحدث فقط في معبدي أبو سمبل كما قلنا، فيحدثنا الخبراء عن تعامد الشمس يوم 21 ديسمبر من كل عام على قدس الأقداس في معبد قصر قارون بالفيوم بالتزامن مع تعامد الشمس على معابد الكرنك في محافظة الأقصر، ومعبد قصر قارون يقع جنوب غرب بحيرة قارون، وقديمًا كانت المدينة التي تضم المعبد اسمها ديونيسيوس نسبة إله الخمر عند اليونانيين، وشيدت فى العصر البطلمي حوالى القرن الثالث قبل الميلاد، فى منتصف المدينة شُيد معبد للإله سوبك الإله المحلى لإقليم الفيوم، وكان على صورة تمساح، واكتشف الظاهرة في معبد سوبك بالفيوم وهو المعروف بمعبد قصر قارون، الدكتور مجدى فكري، وبدأ الاحتفال بها عام 2010 وتتعامد الشمس لمدة 25 دقيقة حتى تدخل لمدخل المعبد ثم تتسرب من خلال محور المعبد لتضىء المقصورة الوسطى لقدس الأقداس والتى يفترض أنها كانت تحتوى على المركب المقدس للإله سوبك لتنحرف يمينا لتنير المقصورة اليمنى والتى يفترض انها كانت تحتوى على تمثال الإله فيما تظل المقصورة اليسرى غارقة فى الظلام حيث كانت تحوى على مومياء للإله سوبك التمساح والتي كانت يجب أن تبقى فى الظلام. 
وأيضًا يحدث تعامد الشمس على معابد الكرنك في الأقصر يوم 21 ديسمبر من كل عام من الساعة السادسة وحتى الثامنة صباحًا، وأيضًا تتعامد الشمس يوم 21 مارس من كل عام على كتف تمثال أبو الهول في منطقة أهرامات الجيزة. 
وحديثًا نجد أن أحفاد قدماء المصريين أصبح لهم نصيبًا من ظاهرة التعامد حيث تتعامد الشمس أيضًا في كنيسة الملاك ميخائيل بكفر الدير في منيا القمح التابعة لمحافظة الشرقية في ظاهرة فلكية روحانية تحظى بزيارة المصريين مسلمين ومسيحيين وتعد الكنيسة محطة هامة فى مسار العائلة المقدسة والذى يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي وتتعامد الشمس بها ثلاث مرات سنويًا أول مايو على مذبح القديس مار جرجس فى عيد استشهاده، و19 يونيو على مذبح الملاك ميخائيل فى عيده والذى حدث منذ أيام، و22 أغسطس على مذبح السيدة العذراء فى عيدها ولكن حجبت أشعة الشمس عن هذا المذبح نتيجة إضافة مبنى خرساني للخدمات الكنسية على واجهة الكنيسة عام 1984م. 
كذلك نجد أن فريقًا من المهندسين المعماريين والأثريين فى المتحف المصرى الكبير قاموا بمحاكاة هذه الظاهرة وإقامة تمثال الملك رمسيس الثانى فى البهو العظيم بالمتحف فى زاوية من خلالها تشرق الشمس وتتعامد على وجه الملك يومي 21 فبراير و21 أكتوبر من كل عام حيث تكرر ذلك التعامد 4 مرات في سنوات متتالية بدءً من عام 2021.


ويحكي لنا المهندس عادل سعد أحد مسؤولي المتحف المصري الكبير، أن العمل في المتحف المصري الكبير على هذه الفكرة بدأ بدراسة من صاحب الفكرة وهو المهندس أحمد عوض؛ بتحديد ارتفاع تمثال رمسيس الثاني ثم تحديد الزاوية المراد فتحها وما يمكن أن يعيق وصول ضوء الشمس إلى وجهه، وتم تعديل التصميم في منطقة صغيرة للسماح بدخول ضوء الشمس وتكرار التجربة للتأكد من أن الأشعة ستضيء وجه التمثال في التاريخ المحدد كل عام. 
وبدأت التجربة الأولى فبراير 2021 من خلال ثلاث نقاط مختلفة، وتم اختيار أفضلها لتحقيق الظاهرة حسب الظروف المناخية، وتوج العمل بمحاذاة الشمس على وجه التمثال يوم 21 فبراير 2022، وتم تكسية الواجهة بنوع خاص من الزجاج الذي يسمح للضوء بالنفاذ ويكمل الشكل الجمالي للواجهة.