الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

حكايات تاريخية.. تطور العلاقات الكردية المصرية على مدار أكثر من 100 عام

الدكتور على صالح
الدكتور على صالح حمدان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

العلماء من كرد العراق وتركيا وسوريا وإيران وروسيا تخرجوا من رواق الأكراد فى الجامع الأزهر منذ مئات السنين 

أوقفت الأميرة الكردية خاتون خان من الأسرة الأيوبية ثروتها فى خدمة العلم والدين وإنشاء المدارس، ومن وقف هذه الأميرة الكردية، أنشئ رواق الأكراد فى الجامع الأزهر منذ مئات السنين، وتخرج منه مئات العلماء من كرد فى (العراق، تركيا، سوريا، إيران، روسيا)، وكانت له أوقاف متمثلة ببعض المنازل والمحال التجارية فى مدينة القاهرة، يعود أجورها بالفائدة لرواق الأكراد.
بدورها، اهتمت الدولة المصرية الحديثة بالكرد منذ ما يقرب من قرن ونصف القرن، وبرز فى مصر الحديثة الكثير من الشخصيات الكردية الأصل، منها الشيخ محمد أمين الكردى، والذى استقر فيها فى القرن التاسع عشر، وتوفى سنة ١٩١٥، وكان قد ولد فى أربيل، بيد أنه يعد مؤسس الطريقة النقشبندية الصوفية بالقاهرة، والتى انتسب لها شيخ الأزهر السابق، ومفتى الديار المصرية السابق، كما ترجع أصول أمير الشعراء أحمد شوقى إلى الكردية، وهو يوثق هذا النسب فى مقدمة شوقياته، حيث يقول: «سمعت أبى يرد أصلنا إلى الأكراد»، كما أنّ قاسم أمين، المعروف بـ"محرر المرأة»، وصاحب الكتابات الشهيرة المحرضة على استقلال وحرية المرأة، بالإضافة إلى المطالبة بحقها فى التعليم، كان أبوه أميرًا من أمراء الكرد فى كردستان العراق.

تولى الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن محمد الذوقى الكردى الأزهرى، نسبة إلى حصن الذوق إحدى نواحى ولاية بدليس، مشيخة رواق الاكراد، ثم قدم مصر لإتمام تحصيله بالأزهر، فمنعه شيخ رواق الأكراد بالأزهر حينئذ من الانتساب إلى الرواق، بحجة أنه حنفى المذهب، والكردى يجب أن يكون شافعيا، واليه ينسب الفضل فى فتح باب الرواق لعموم الكرد، ثم عيّن إمامًا بمسجد الرواق العباسى بداخل الأزهر، وآخر من وقف على الرواق، كان إبراهيم أدهم باشا الأورفلى المصرى من عشيرة الملية الكردية.
كما جرى تأسيس أول صحيفة كردية فى القاهرة يوم  ٢٢ أبريل ١٨٩٨، وهى جريدة سياسية إسمها (كردستان)، وكان مؤسّسها الأمير الكردى مقداد مدحت بدرخان، الذى استفاد خلال إقامته فى القاهرة من النهضة الفكرية المصرية، وتجدر الاشارة إلى أن الجريدة انتشرت على نطاق واسع فى تركيا وسوريا وأجزاء من العراق وإيران.
لم تقتصر الأهداف التى وضعتها ثورة يوليو١٩٥٢ على الإصلاح الداخلى، بل شملت القضاء على الاستعمار وأذنابه ومساندة حركات وقوى التحرر الوطنى، كما حددت الثورة دوائر علاقاتها وانتماءاتها الأهم فى الدائرة العربية والأفريقية والإسلامية، واضطلعت القاهرة بدور محورى فى تأسيس حركة عدم الانحياز التى شملت منظمات ودولًا معظمها من العالم الثالث والجنوب المتأخر تنمويًا، من كل ذلك كان متوقعًا بل مقبولًا أن تساند مصر وقتها القضية الكردية.

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

فى ضوء ما تقدم، اهتم المصريون بالقضية الكردية، لاسيما فى فترة الرئيس جمال عبد الناصر، ففى عهده تم إطلاق القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة، أتاح للأكراد إذاعة تنطق باسمهم وتدافع عن قضيتهم فى عام ١٩٥٧ بالذات فى ذروة مواجهته مع حلف بغداد الذى تشكل ١٩٥٥ والذى كانت أطرافه الدول المهيمنة على الاراضى الكردية، تركيا والعراق وإيران، إضافة إلى بريطانيا والولايات المتحدة وباكستان، وبذلك كان افتُتاح القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة، والذى بث بأمر من عبد الناصر، حدثا مهما للكرد.
كان الرئيس عبد الناصر يرى أن للأكراد حقوقهم السياسية والثقافية، ومن هذا الأساس كان افتتاح القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة، والذى تولى رئاستها فى وقت من الاوقات الرئيس العراقى السابق فؤاد معصوم، حيث جرى افتُتاح القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة فى أول يونيو ١٩٥٧، وكان مقرّها فى البدايةً فى شارع الشريفين وسط القاهرة، وكان بثّ الإذاعة الكُردية ساعةً واحدة يوميًا، من الساعة الرابعة حتى الخامسة عصرًا. 
من المهم الإشارة إلى أن أجهزة الراديو، كانت قد دخلت الى منطقة كردستان فى بداية ثلاثينيات القرن العشرين، وكان من القلة من الذين يستطيعون شراءه لارتفاع أثمانه، وكان دخول الراديو فى بغداد عن طريق المقاهى، وأيضًا فى السليمانية، فقد وضع أول جهاز فى تلك المدينة عام ١٩٣٢ فى مقهى (حمه ره ق) وكانت تلك المحطة تعمل مساءً فقط وباللغة العربية فقط.

فؤاد معصوم

بذلك، أتاح الرئيس عبد الناصر للكرد أن يطلوا على العالم من خلال افتُتاح القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة، كما استقبل الزعيم التاريخى للكرد ملا مصطفى البارزانى فى القاهرة، والذى حلّ سنة ١٩٥٨ ضيفًا على عبد الناصر، إبان عودته من منفاه السوفيتى قبل عودته إلى العراق الجمهورى، والذى عنى الكثير لكرد سوريا والعراق على حدّ سواء، وأنشأ علاقة متواصلة معه، بل وناهض الحرب التى شنت على الأكراد من قبل النظام العراقى فى وقت لاحق.
بث القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة البرامج المتنوعة: الأدب والشعر الكُردى، تحليل الأحداث، طلبات المستمعين، أغانى كُردية، الأخبار السياسية، رسائل المستمعين، التاريخ الكُردى، الفنّ والثقافة الكُردية، أنت وحظّك… إلخ وكانت الإذاعة تُفتتح بالقرآن الكريم، ثم النشيد القومى الكُردى. وكان بثّ الإذاعة الكُردية يغطّى عموم العراق، وإيران، وسوريا، وأرمينيا، وقسمًا من الاتحاد السوفيتى، ولبنان، والأردن، وعموم مصر، حيث كانت الرسائل تصل بوفرة إلى القسم الكُردى من كُرد سوريا والعراق وايران وأرمينيا وجورجيا والأردن، ولبنان، وعموم مصر.
تم تعيين الشيخ عمر وجدى الماردينى آخر شيوخ الرواق الكردى فى الجامع الأزهر، مشرفًا على القسم الكردى فى إذاعة القاهرة، وضم طاقم العمل كلًا من: هوشيار طاهر بابان من (السليمانية)، وعمل فيها من عام ١٩٥٧م إلى شباط ١٩٥٩، ومحمد حسين الملا دزه من (أربيل)، عمل فيها من عام ١٩٥٧ إلى شباط ١٩٥٩،  محمد كريم شيدا، من (السليمانية)، وعمل فيها من عام ١٩٥٧ إلى شباط ١٩٥٩م، ومن يوليو ١٩٥٩ إلى أكتوبر ١٩٦١، كما عمل فى الإذاعة الكُردية كلٌّ من: عبدالله معروف، من مدينة (مريوان)، عدنان حقى من (القامشلى)،عبدالوهاب الملا، من مدينة (عامودا)،عوسمان نوغرانى، من مدينة (أربيل)، عاصم الحسينى، من مدينة (عامودا). ومن أكتوبر عام ١٩٦١ إلى فبراير ١٩٦٨ عمل فى الإذاعة كلٌّ من:  د. فؤاد معصوم، من مدينة (كويه)، محمد رمضان عبداللة كركوكى، من مدينة (كركوك)، عبدالله معروف، من مدينة (مريوان)، عوسمان نوغرانى من مدينة (اربيل) إلى سنة ١٩٦٥.

أحمد شوقي






انتقل القسم الكُردى مع إذاعة القاهرة إلى مقرها الحالى فى ماسبيرو، على كورنيش النيل، سنة ١٩٦٣، ولايزال أرشيف القسم الكُردى كاملًا من (أشرطة وكتابات) موجودًا فى أرشيف إذاعة القاهرة.
لقد أدى افتتاح القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة إلى ضجّةً إقليمية ودولية كبيرة. ولاقى استنكارًا وغضبًا من قبل الصحافة العراقية والتركية والإيرانية. ولكنّ صمود حكومة جمهورية مصر العربية برئاسة جمال عبدالناصر بوجه احتجاجات صحافة تلك الدول، اضّطرها إلى الالتجاء إلى القنوات الرسمية والدبلوماسية للاستنكار. وعليه، فقد زار سفراء العراق وإيران وتركيا (بانفراد) وزارة الخارجية المصرية؛ للإعراب عن استنكارهم الشديد بخصوص فعاليات القسم الكُردى فى إذاعة القاهرة.
تمّ غلق القسم الكُردى بإذاعة القاهرة فى فبراير عام ١٩٦٨، بسبب الضغوطات الهائلة من قبل حكومة شاه إيران، محمد رضا بهلوى، والرئيس العراقى عبدالسلام عارف، والرئيس التركى جودت صوناى، بعد أن خدمت الأخوّة العربية الكُردية، والثقافة الكُردية، والشعور القومى الكُردى خير خدمة.
بث القسم الكُردى من إذاعة القاهرة كان يصل إلى العراق وإيران وسوريا ولبنان والأردن ومصر وأرمينيا وجورجيا وبعض أجزاء الاتحاد السوفيتى السابق
 

كردستان.. صحيفة كردية كانت تصدر من القاهرة

معلومات عن الكاتب


الدكتور على صالح حمدان.. أستاذ بجامعة دهوك وزاخو بالعراق، حصل على الدكتوراه فى أطروحة بعنوان «الحركة الوطنية فى كردستان - سوريا 1946-1970» ثم حصل على الدكتوراه الثانية عام 2014 عن «الدور الأمريكى فى المفاوضات السورية الإسرائيلية إبان إدارة بيل كلينتون 1993-2001». كتب العديد من الدراسات المرجعية حول تاريخ الشرق الأوسط بالإضافة إلى العديد من الكتب..يتناول، هنا، العلاقات التاريخية المصرية الكردية.

لمطالعة موقع ديالوج.. عبر الرابط التالي:

 

https://www.ledialogue.fr/