السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

نص كلمة أمين عام البحوث الإسلامية في المسابقة العالمية للقرآن الكريم

الدكتور نظير عياد
الدكتور نظير عياد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نقل الدكتور نظير عياد، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، تحياتِ فضيلةِ الإمامِ الأكبرِ الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور محمد الضويني- وكيل الأزهر، للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، والحضور الكرام، في المؤتمر الخاص بالمسابقة العالمية للقران الكريم، وكلاهما يتمنى لهذا الملتقى دوامَ الاستمراريةِ والبقاءِ، وأنْ يُحقِّقَ هدَفَهُ، وأنْ يَعُودَ خيرُه على البشريةِ جمعاء؛ خصوصًا وان هذا الخير يأتي مرتبطًا ومنبثقًا عن كتابٍ رفيعِ القدرِ واسع الفضلِ، ختمَ اللهُ بهِ الرسالاتِ السماويةَ، وأتمَّ بهِ الدعواتِ الإلهيةَ، وجعلهُ بمعجزةٍ باقيةٍ وإعجازٍ خالدٍ.

وإليكم نص كلمة الأمين العام: 

"إنَّ القرآنَ الكريمَ مُفَجِّرُ العلوم ومَنْبَعُها، ودائرةُ شمسِها ومَطْلَعُها، ودستورُ الأخلاقِ وعمادُها.

بَهَرَتْ مناهجُهُ العقول، وظهرت آثارُه على كلِّ مَقُول، قد أحكمالحكيمُ صيغَتَه ومعناه، وقسَّمه إلى ما يُنَشِّطُ السّامع، ويقرِّطالمسامع، فكان الحالُ بتصديقِه أنطقَ من اللِّسان، وبرهانُ العقلِ فيهأبصرُ من شاهدِ العِيَان، فسبحانَ من سلكَهُ ينابيعَ في القلوب، وصرَّفه بأبدعِ معنًى وأحسنِ أُسلوب، لا يستقصي معانِيه فهمُ الخلق، ولا يُحِيطُ بوصفِه على الإطلاق ذو اللِّسان الطَّلْق؛ فالسَّعيدُ من صرفَ همَّتَهُ إليه، والموفَّقُ من وفَّقه اللّهُ لتدبُّرِه، واصطفاه للتَّذكيرِ به وتذكُّرِه.

هذا، وقد كان لذلك الكتابِ المُعجِزِ أثرٌ عظيمٌ في حياة البريَّة، سواءٌ أكان على الجانب العلميِّ المعرفيِّ، أم على الجانبِ الإصلاحيِّ التربويّ، الشاملِ للجانبِ النفسيِّ الرُّوحيِّ، والجَسَدِيِّ الماديّ.

أمَّا على الجانب العلميِّ المعرفيِّ: فقد ارتقى بالعقولِ علىتفاوُتِها، وسَمَا بالألبابِ على تبايُنِها، وأصلحَ اعوجاجَ الألسنَةعلى تنوُّعِها، فحاربَ انحرافَ العقولِ بتصحيحِ المفاهيم، وتقديمِ الحقائقِ للعالمين، وخاطبَها بما يُقنِعُها، وقدَّم لها العلاجَ النَّاجعَ في تقويمِها، وزكَّى الألبابَ، وامتدحَها، وشرَّفَها، ونوَّهَ بسُمُوِّ أهلِها.

وقد سلَكَ في ذلك المناهجَ العقليَّةَ السديدة، والأدلَّةَ الفلسفيَّةَ الحكيمَة، واتَّبَعَ الجدالَ بالتي هي أحسن، داعيًا إلى السَّيْرِ فيالأرضِ المقرونِ بالأمرِ بالنَّظر، والاستدلالِ بمَواطنِ العِبَر.

فقال الحقُّ سبحانَهُ وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾   [النحل: 125].

ومن هذا المنطلق: فقد أَوْلَى العلماءُ أربابُ العقولِ والنُّهى عنايةً فائقةً، ورعايةً رائقةً، فجعلَ تفصيلَ الكتابِ المجيدِ لأجْلِهم، فقالتعالى اسْمُهُ: ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [فصلت: 3]. ورفع قدرَهم؛ فأوقف حقيقةَ خشيَتِهسبحانَه عليهم، وحصرَها فيهم دون مَن سواهُم؛ فقال جلَّ جلالُه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28]. وبشَّرَهُم بالرَّفعِ المقاميِّ، والرِّفعةِ المكانيَّةِ؛ فقال عزَّ وجلَّ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11]، وكانَ مِن بابِ الإشادةِ بهم: أنْ جعلَ العِلْمَ هو ميزانَ التفاضُلِ بينَ البشَر، فقالتعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9].. إلخ.  

ومِن ثمَّ فقد حثَّ على العِلْم، وحمَلَ على التَّحَلِّي به، والتلبُّسِ بمُقَوِّماتِه، وقدَّمَ في سبيلِ ذلكَ أَسْمَى الدوافعِ إليه، وأبلغَ البواعثِ عليه، ولا شكَّ أنَّ ارتقاءَ الأُممِ أفرادًا وجماعاتٍ لا يتأتَّى إلَّا بالعِلْمِ والمعرفةِ، ولا يتسنَّى التَّقدُّمُ إلا مشروطًا بهما، ففي التحريضِ عليهإصلاحٌ للتَّقهقُرِ، ودفعٌ للتقدُّم، ودعوةٌ للتحضُّر، وفتحُ بابِ الدخولِ في سباقِ الحضارة، وامتطاءُ ركابِ الصَّدارة، والتَّحكُّمُ في زمامِ الأمور، وبلوغُ مقام الرِّيادة.

لقد نزلَ القرآنُ في ليلةِ القدر ليُعلِنَ احترامَ الإنسانِ ويؤكِّدَ تكريمَه وتفضيلَه على سائرِ المخلوقات، ويفتحَ أمامَه آفاقَ العلمِ وأبوابَ المعرفةِ بلا حدود، ويدفعَه دفعًا للتفكيرِ والنظرِ والبحثِ والتأمُّلِ، بعدما حرَّر فيها عقْلَهُ من أغلالِ الجهلِ والجُمُودِ والتقليد، والاتِّباعِ الأعمى بغيرِ حُجَّةٍ ولا دليلٍ.  

وأمَّا على الجانبِ الإصلاحيِّ التربويِّ: فلم يتركْ ثغرًا حياتيًّا إلاوعليه جندٌ من جنودِ هداياتِه، أولوِيَّتُهُ خِدْمَتُهُ، ووظيفتُهُ القيامُ على رعايتِه، وغايتُهُ الجهادُ في سبيلِ إصلاحِه.  

ولا عجبَ، فقد انطوى القرآنُ الكريمُ على رسالةِ ربِّ العبادِ - سُبحانَهُ - إلى جميعِ خَلْقِه، وابتعثَ من أجلِ إبلاغِها كريمَ رُسُلِه، ومِن المُقَرَّرِ الذي لا ريبَ فيه: أنَّ كلَّ صانعٍ هو أعلمُ بصَنْعَتِه، وهوحكيمٌ خبيرٌ بأنْ يُقَنِّنَ لها قانونَ صيانَتِها، ومِن ثمَّ فالخالقُ - سبحانَه - هو الأعلمُ بخَلْقِه، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]. وعليه فكلُّ ما تعبَّدَهُمْ به من أوامرَ ونواهٍ، إنماهو قانونُ إصلاحِهم، ودستورُ رُقِيِّهم، ووثيقةُ ضمانِ فلاحِهِم.

ومن هُنا فقد شرَّع لهم ما به صلاحُهم حالًا ومآلًا، ظاهرًاوباطنًا، جسدًا ورُوحًا؛ فجاء المنهجُ القرآنيُّ مُتَّسِقًا مع حاجاتِ البدَن؛ فلبَّى رغباتِه ضمنَ حدودٍ مِنْ شأنِها المحافظةُ عليه، كماتَناغمَ مع حاجاتِ الرُّوح؛ فاستجابَ لمتطلَّباتِها، وأمدَّها بأسمىغذاءٍ لها، والذي يتمثَّلُ في عَلاقتِها بربِّها سبحانه، الذي منهنُفِخَتْ، وإليه تعودُ، فالعبادةُ مِن متطلَّباتِ تلك الرُّوحِ التي هيحبيسةُ الجسد.

وكانت أُولَى عنايةِ القرآن: تحقيقُ مصالحِ البشر؛ فسنَّ ما يحفظُ على البريَّةِ كليَّاتِها الخمسَ: نفسَها، ودينَها، وعقلَها، وعِرْضَها، ومالَها.

ولهذا جاء القرآنُ بأُمَّاتِ الفضائلِ وجوامعِ الأخلاقِ والآدابِ، وقرَّرَ المسؤوليَّةَ الفرديَّةَ ومسؤوليَّةَ  المجتمعِ كذلك، ومع أنَّ القرآنَ قد أقرَّ سُنَّةَ التفاوتِ بين الناسِ في العلمِ والخُلُقِ والرِّزقِ والمعيشةِ، إلَّا أنَّههدمَ العصبيَّةَ وأتى على بُنيانِها الجاهليِّ مِن القواعد، فساوى بينالناسِ ولم يُفرِّق بين إنسانٍ وإنسانٍ، ولا بين جنسٍ وجنسٍ، ولا بينأُمَّةٍ وأُمَّةٍ إلا بالعملِ الصالح، وكان التعدُّدُ والاختلافُ بين عقائدِ الناسِ وألوانِهم ولُغاتِهِمْ وسيلةً لتَعارُفِهِمْ واجتماعِهم وتعاوُنِهم: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾   [الحجرات: ١٣.[

كما أعلن القرآنُ تحريرَ المرأة، وأعاد لها ما صادَرَتْهُ عليهاأنظمةُ المجتمعاتِ في ذلكمُ الوقتِ من حقوقٍ لا يتَّسِعُ المقامُ لتَعدادِها وبيانِها، وجاء بفلسفةٍ جديدةٍ تقوم على العدل والمساواةوالشورى والاحترام ويرد إليها انسانيتها، ومنع الاستبداد ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾  [الشورى :38[، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواالْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوابِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58)﴾  [النساء: 58].

لقد وجَّه القرآنُ العبادَ إلى كلِّ خيرٍ، فأمرهم بأحسنِ الأخلاق، وأرشدَهم إلى أقومِ القِيَم، وأفضلِ المبادئ.

هذا، وعندما ننظرُ في الجوانبِ الإصلاحيَّةِ التي لا يحصرُهاالكلامُ، ولا ترتَسِمُها الأقلامُ، ولا تكفي في نقشِها المدادُ؛ نجدُ أنَّهاقد جاءتْ في إطارِ مناهجَ متعدِّدةٍ، تنشدُ الرُّقِيَّ بالفردِ والمجتمع، وتُعْنَى بالإعدادِ المُثْمِرِ، والتَّوجيهِ المُبدِع، في إطارٍ تربويٍّ فريدٍ، وإرشادٍ ربَّانيٍّ حكيمٍ، لا يصدرُ إلا من العليمِ الخبير.

ولمَّا كان الفردُ هو أساسَ مجتمعِه، واللبنةَ الأولى في تأليفِه، وتكوينِ جماعاتِه؛ فها هو ذا القرآنُ على جانبِ الإصلاحِ يرفعُ الرُّكامَ عن الفردِ الهائمِ في الضلالِ؛ فيُخرِجُه من ظلماتِ نفسِه، إلى نورِ منهجِ ربِّه سبحانه، فنجد أنَّ الإنسانَ عندما سارَ وفقَ غرائزِه؛ وقعَ في مهواةِ نفسِه، فأطلقَ لها عِنانَ شهواتِه، واستباحَ لنفسِهاستجلابَ كلِّ رغباتِه؛ فخرجَ على الفطرةِ وقوانينِها واستبدلَ الطبيعةَ البشريَّةَ وهيئَتَها وغيَّرَ السُّنَنَ الإلهيَّةَ ومُرادَها، فاستجابَ لنداءِ طبائعِه المظلمة؛ فشرِبَ الخمرَ، وقتلَ، وسرقَ، وأتَىالفاحشةَ، وخرَّبَ، وأفسدَ، وانتهكَ كلَّ المحرَّماتِ على شتَّىالمستويات، وهنا نجدُ التدخُّلَ السماويَّ، والتشريعَ الإلهيَّ جاءَ؛ ليُناهِضَ هذه المخالفاتِ، ويعالجَ تلكَ الجرائمَ المُنكراتِ، فاجتذبَهُ إلى تركِها، وطوَّعَهُ إلى قبولِ حُكمِ اللهِ بشأنِها، والامتثالِ لمواجِبِها، والكلامُ في هذا الصددِ يطول. قال تعالى "وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِيمُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنسَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (الأنعام:153)

هناك الكثيرُ – أيها السادةُ الفضلاءُ - ممَّا نزلَ به القرآنُ الكريمُ في شؤونِ المجتمعاتِ وفي العَلاقاتِ الدَّوْليَّةِ وفي أمرِ العقوباتِ وفيالأُسرة وغيرِ ذلك .. دَعْ عنكَ ما يتعلَّقُ بالعقيدةِ والعبادةِ والمعاملاتِ بتنوُّعاتِها والغيبيَّاتِ والدارِ الآخرة بتفاصيلها.

إلا أنه على مدى أربعةَ عشرَ قرنًا لحملاتِ التشويهِ والازْدِراءِ وتنفيرِ الناسِ منه، ولا يزالُ يتعرَّض لهذه الحملاتِ المُضلِّلة فيعصرنا هذا.

ولا غَرْوَ في ذلك، فالصراعُ بين الحقِّ والباطلِ باقٍ، والتنازعُ بينالخيرِ والشرِّ مستمرٌّ، ولكنْ هيهاتَ لهم، فـ ﴿لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾.

إنَّ هذا الكتابَ الكريمَ حرَّر ضميرَ الإنسانِ من عبادةِ الأحجارِ والحيواناتِ والأشخاصِ، وخلَّص عقلَه من الأوهامِ والأساطيرِ والخرافاتِ، وتسامى بنفسِه ومشاعرِه فوق رَهَقِ المادَّةِ وعبوديَّةِ الغرائز، وإغراءِ الشهوات واسترقاقاتِها.

​هذا الكتابُ المجيدُ صنعَ رجالًا، بل صنعَ أُمَّةً نقلَها – علىضَعْفِها وبساطتِها ورثاثةِ حالِها – من المحليَّةِ إلى العالميَّةِ فيغضونِ عقودٍ قليلةٍ، واستطاعتْ أن تنشرَ في شرقِ الدُّنيا وغربِهاحضارةً لا يزالُ دينُها ثقيلًا في أعناقِ صُنَّاعِ حضارةِ اليوم، ورموزِها وفلاسفتِها وعلمائِها ومفكِّريها، وكانت حضارةً معجزةً بكلِّ المقاييس، لا يزالُ علماءُ التاريخِ في الغربِ قبلَ الشرقِ في حَيْرَةٍ من أمرِ تفسيرِها.

لقد عمدَ القرآنُ الكريمُ إلى محاربةِ الرذائلِ بأسمى أنواعِ العلاج، وأقومِ سُبُلِ المواجهةِ لها؛ فحدَّ الحدودَ، وشرَّع العقوباتِ، وأقامَ المبادئَ، وشيَّد القيمَ، وأرشدَ إلى الأخلاقِ، وقنَّن القوانينَ، التيتعمل على إصلاحِ الفردِ، وينشدُ انتظامَ أمرِ المجتمع على السواء.

لكلِّ ما سبقَ أقولُ: حسنًا فعلَتْ وزارةُ الأوقافِ المصريَّةُ عندماحرصَتْ على إقامةِ مسابقةٍ عالميَّةٍ للقرآنِ الكريمِ تذكيرًا بفضلِهِ، وتأكيدًا على واجبِ الأُمَّة نحوَه، وتنبيهًا على خطورةِ هَجْرِه، وقُبْحِ الإعراضِ عنه، الأمرُ الذي يؤكِّدُ على أهميَّة التنافُسِ في حفظِه، والتسابُقِ في القيامِ بأمْرِه، والعملِ بما فيه.

إنَّ الاحتفالَ اليومَ وإن كان خاصًّا بالمتسابقين؛ فهو في حقيقتِهِ احتفالٌ بالقرآنِ الكريم، وفي الوقتِ ذاتِه احتفالٌ بقدرِ العلمِ والعلماءِ في هذا الكتابِ الكريم؛ خصوصًا وأنَّ المقصودَ بالعلمِ هنا، هو ماتضمَّنَهُ القرآنُ من دعوةٍ إلى الحكمةِ والمعرفةِ، وسعيٍ في تحصيلهمابما يحقِّقُ سعادةَ الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الحضارةَ التي صنعَها القرآنُ الكريمُ حضارةُ تعارفٍ وتعاوُنٍ وتكامُلٍ وعُمرانٍ وبُنيان، وغيرُ ذلككثيرٌ، وهو ما لا يمكنُ تحقيقُهُ إلا بالنَّظرِ في القرآنِ وتدبُّرِ معانيه، وفهمِ مُرادِه، وكشْفِ أسرارِه، وإدراكِ مَرامِيه، والوقوفِ على بلاغَتِه، وسُمُوِّ عبارتِه، ورُقيِّ دعوتِه، وحُسْنِ نَظْمِه، وجمالِ بيانِه، ويتأتَّىهذا كلُّه أولًا وآخِرًا بحفظِ نصوصِه، ومعرفةِ أحكامِ تلاوتِه، هذاالحفظ الذي يرفع أصحابه وذويهم في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديثالشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآنوعلمه".، وقال صلى الله عليه وسلم:"اقرأوا القرآن فإنه يأتي يومالقيامة شفيعا لأصحابه".

الحضور الكرام

إنَّ الحديثَ عن القرآنِ الكريمِ – الذي هو آخِرُ التنزُّلاتِ الإلهيَّةِ - حديثٌ لا يستوْعِبُهُ الزمانُ ولا يحصرُهُ المكانُ؛ لأنَّه يتعالَى فوقَ الزَّمانِ وفوقَ المكانِ، ويتسامَى إلى ما بعدَ العُقُولِ، ويذهبُ بعيدًا إلىما وراءَ التاريخِ ومطارحِ الوهمِ والخيالِ.. وكما تفرَّد اللهُ - تعالى - بتنزيله، تكفَّل - سبحانه وتعالى -  بحفظِه وصيانَتِه وحراسَتِه، ولم يتركْ أمرَ ذلك إلى أحدٍ من البشر، لا مِن الأنبياءِ ولا مِن غيرِهممصداقًا لقوله الحقِّ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ]الحجر: ٩"