الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أمريكا تكذب.. ورهان السلام على الصين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يأبى الكاوبوى الأمريكى إلا أن يظل محتفظًا بهيمنته السياسية والاقتصادية والعسكرية على كوكبنا بما فى ذلك حلفائه الأوروبيين، الذين قد يدركون فى لحظة ما أن رهان الأمن والسلم الدوليين يقع على عاتق الصين ليس لمنع هزيمة روسيا فقط، وإنما لتجنب وقوع حرب عالمية ثالثة مدمرة.

اتخذ الصراع العسكرى الذى اندلع فى الأراضى الأوكرانية 24 فبراير 2022 شكل الأزمة الإقليمية فى بدايته، حتى أن روسيا أطلقت عليه وصف العملية العسكرية الخاصة.

وكان من الممكن تدارك هذا الصراع خلال الستين يومًا الأولى عندما خرجت أنباء تتحدث عن مفاوضات روسية أوكرانية ولو تم حينها التفاوض ربما أفضى إلى التزام كييف بتطبيق اتفاق مينيسك بشأن وضع إقليم الدونباس غير أن واشنطن أبت إلا أن يتطور هذا الصراع حتى صار أزمة دولية أدت تداعياتها إلى تحولها لحرب عالمية أو إرهاصات لاحتكاكات عسكرية مباشرة لتلك الحرب.

على مدار الأحد عشر شهرًا الماضية حرصت الإدارة الأمريكية على التأكيد أن دعمها العسكرى لأوكرانيا لا يعنى أبدًا الدخول فى مواجهة مباشرة مع الدب الروسى واقتصر الدعم العسكرى دائمًا على الأسلحة الدفاعية التى لا تسمح مداياتها باستهداف أراضى العمق الروسى.

خلال الأسابيع الماضية طفى إلى السطح حديث دعم الجيش الأوكرانى بدبابات هجومية متطورة وبدأت واشنطن تمارس ضغوطًا على أوروبا لتنخرط فى هذا التصعيد.

وأمام التحذيرات الروسية المتكررة رفضت ألمانيا الضغوط الأمريكية ثم اشترطت إرسال دبابات إبرامز الأمريكية الحديثة حتى لا تكون وحيدة فى مواجهة روسيا إذا سمحت بتقديم دبابات ليوبارد2 فخر صناعتها العسكرية.

وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أعلن البيت الأبيض موافقته على الشرط الألمانى رغم الرفض المطلق الذى أبداه الرئيس الأمريكى جو بايدن فى أول الأمر إلا أن مستشاريه نصحوه بإعلان تغيير موقفه خاصة وأن نقل الدبابة الأمريكية إبرامز تحتاج إلى شهور لتكون جاهزة للنقل والعمل فى الأراضى الأوكرانية، بل أنها ربما لن تغادر الأراضى الأمريكية أبدًا بسبب احتياجها لخطوط إمدادات طويلة، المؤكد أن الروس لن يسمحوا بتوافرها خاصة وأن الرد الروسى جاء سريعًا بشن غارات جوية مكثفة وموسعة على محطات الطاقة والمواقع التى قد تستخدم لنقل هذه المركبة الثقيلة.

اليوم تدخل زعيمة الاتحاد الأوروبى ألمانيا ساحة الحرب بأربعة عشر دبابة ليوبارد2 وتسمح لباقى الدول الأوروبية بنقل هذه الدبابة إلى الجيش الأوكرانى مع تصريح للمستشار الألمانى أولاف شولتز بأنه سيبقى على اتصال بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين وهى على ما يبدو محاولة لاستيعاب الغضب الروسى والتأكيد أن ألمانيا ليست طرفًا مباشرًا فى الحرب.

فور الإعلان عن دعم جيش زيلينسكى بالدبابات الهجومية ظهر حديث آخر عن ضرورة دعم أوكرانية بطائرات هجومية وصواريخ يصل مداها من 200 إلى 300 كيلومتر وذلك لوقف تقدم الجيش الروسى بل وإجباره على الانسحاب من أكبر جزء ممكن من أقاليم لوهانسك ودونيتسك وخريسون وزابروجيا.

وبعيدًا عن التصريحات الرسمية للرئاسة الأوكرانية حول ضرورة توفير الصواريخ ذات المادايات البعيدة والطائرات المقاتلة، تتحدث تقارير صحفية عن انخراط أعضاء حلف النيتو فى نقاش حول ضرورة التخلى عن استراتيجية دعم أوكرانيا بمدافع ومنظومات صواريخ لا يتجاوز مداها 80 كيلومتر.

وأغلب الظن أن واشنطن التى اجتازت بالفعل الخطوط الحمراء لهذا الصراع المرسومة حتى لا يتحول هذا الصراع إلى حرب عالمية بتقديم تلك الدبابات سوف تذهب إلى دعم أوكرانيا بتلك الصواريخ لإدراكها أن أقصى نتيجة منتظرة من اشتراك الدبابة الألمانية ليوبارد2 إطالة أمد الحرب وليس وقف تقدم الجيش الروسى؛ وبالنسبة لواشنطن لا معنى لإطالة الحرب مع نجاح روسيا فى تحقيق أهدافها منها وبالتالى لابد من تسليح أوكرانيا بطائرات ومنظومات صواريخ تمكّنها من استعادة بعض الأراضى وفى نفس الوقت استنزاف قدرات روسيا قبل الجلوس إلى مائدة المفاوضات، وإذا كان الجيش الروسى بحسب التقارير الشائعة قد يقوم بعملية واسعة النطاق مع انتهاء فصل الشتاء وبعد تحريره بعض المناطق شديدة التحصين فى إقليم دونيتسك يصبح من المرجح أن يتحول حديث الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المقاتلة الهجومية أمرًا واقعًا خلال شهرين على الأكثر.

كل ذلك يعنى أننا على أبواب حرب عالمية ثالثة أو بالأحرى أننا نعيش إرهاصات هذه الحرب، والكاوبوى الأمريكى لا مانع عنده من اندلاعها طالما لم يحتفظ بمكانته كمهيمن على هذا العالم وهو يراهن على أن تطوير الصراع فى أوكرانيا قد يقف عند مستوى خسارة روسيا ولو لبعض الأراضى من إقليم الدونباس وإنهاكها عسكريًا واقتصاديًا بما يجبرها على خيار التفاوض حتى يتفرغ هو لمواجهة الخطر الصينى العسكرى والاقتصادى.

هى إذًا طاولة مقامرة، فإما أن يتحقق السيناريو الأمريكى أو أن يفلت الزمام ولابأس حينها أن يفنى العالم طالما أن أمريكا ليست على عرشه.

إلا أن العالم ليس أمريكا وحدها وهناك أطراف أخرى تريد مواصلة الحياة بسلام واستقرار وتنافس بين الأنداد وهذا ما يتجسد فى إقبال هذه الأطراف على الدخول فى تحالف استراتيجى مع العملاق الصينى الذى يدرك جيدًا أن هزيمة روسيا بإضعافها اقتصاديًا وعسكريًا مقدمة لحرب ثالثة تنطلق إما من شرق أوروبا بتصعيد روسى، وإما من المحيط الهادى وبحر الصين الجنوبى.

لذلك قد تتدخل الصين لكبح جماح إرهاصات هذه الحرب ومنع هزيمة روسيا على نحو يجبر واشنطن على الجلوس إلى مائدة التفاوض، وقد يجد هذا الدور آذانًا صاغية فى القارة العجوز، وهناك بالفعل مؤشرات على هذا الفهم بشأن أن الصين قد تلعب دورًا حاسمًا فى منع وقوع حرب عالمية تجسد فى دعوة الرئيس الفرنسى ماكرون نظيره الصينى شي جين يانج قبل أيام بالتدخل لدى روسيا وقد سبقه بشهور زيارة المستشار الألمانى أولاف شولترز إلى بكين.

أزمات أوروبا المتلاحقة بدءًا من ملف الطاقة والاقتصاد وصولًا إلى مخزوناتها من المعدات العسكرية والذخيرة قد يدفعها فى لحظة حاسمة إلى التنسيق مع الصين لكبح جماح الكاوبوى الأمريكى وإقناعه بأن يعيش عملاقًا فى عالم يتسع لعمالقة آخرين يتنافسون ولا يتصارعون.