السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

الدكتور مصطفى الزائدي يكتب: طريق الخروج إلى الحياة

الدكتور مصطفى الزائدى
الدكتور مصطفى الزائدى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأزمة الليبية.. بين طبول الحرب ونداءات المصالحة!!

المصالحة تتطلب تصفية آثار التدخل الخارجى فى 2011 وبناء مؤسسات وطنية قوية والتوافق على نظامين سياسى واقتصادى عادلين يرتضيهما الليبيون جميعًا وبناء قوة عسكرية وأمنية تحفظ الاستقرار
فى الأساس الأزمة الليبية ناتجة عن تدخل خارجى فج استخدم قوة عسكرية غاشمة لإسقاط الدولة ومؤسساتها تحت أكذوبة حماية المدنيين ودعم الانتفاضة الشعبية، ولم تكن لأسباب داخلية معقدة بين الليبيين وإن وُجدت بعض الذرائع التى استند إليها ذلك التدخل.
عام ٢٠١١ انقسم الليبيون إلى قسمين، نتيجة موقف مبدئى من الدور الخارجى والبعض الآخر متأثرًا بالدعاية المكثفة التى اعتمدت نشر الأكاذيب وتهييج الناس وتصنيع الفوضى المسلحة.
منذ الأيام الأولى للأزمة طرحت فكرة المصالحة لتفادى التداعيات الخطيرة، فى نهاية شهر أبريل ٢٠١١ انعقد تلقائيا مؤتمر واسع للقبائل الليبية شمل ألفى قبيلة عكف على البحث فى مقترحات عملية وجدية لوقف التصعيد، لكن كان للدول الغربية المتدخلة فى الشأن الليبى رأى مختلف، فتشكلت ما سمى بمجموعة أصدقاء ليبيا، التى قادت عمليًا الحرب العسكرية والسياسية ضد ليبيا، فحشدت تحالفًا مكونًا من الناتو بالإضافة إلى دول إقليمية أخرى نفذت عمليات حربية عنيفة وغير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية وضربت حصارًا اقتصاديًا مشددًا على ليبيا شمل منع وصول الدواء والغذاء والوقود، وشكلت تلك الدول سلطة فرضتها على شرق ليبيا سماها المجلس الوطنى الانتقالى واعترف بها وفرض على دول العالم الاعتراف بها أيضا، وفى الواقع كانوا أعداء حاقدين على ليبيا وشعبها.
ولإضفاء شكل سياسى لتغطية العدوان العسكرى كلف الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثًا خاصًا، وانحصر دور المبعوث الأممى فى دعم المجلس الانتقالى الذى سمى أعضاءه الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى، ورفض كل المبادرات الجدية للصلح، وفى المقابل حاول الاتحاد الأفريقى التدخل المبكر منذ بداية شهر مارس وخلال القمة العادية فى أديس أبابا شكل لجنة رفيعة المستوى من خمسة قادة هم رؤوساء الكونغو وجنوب أفريقيا وموريتانيا وأوغندا والنيجر، لكن عملها تعرض لعرقلة شديدة من الغرب ولم يسمح لها بإنجاز مهمتها.

بعد سقوط الدولة واغتيال القيادة فى أكتوبر ٢٠١١ تشكلت سلطة من المتطرفين المرتبطين بالغرب فكرست حالة الانقسام ومارست إجراءات قمعية غير مسبوقة تاريخيًا شملت مئات آلاف الأفراد، واستباحت المجموعات المتطرفة البلاد طولًا وعرضًا وشهدت ليبيا مجازر بشعة وصار ذبح الناس كالخراف فى الساحات العامة مشهدا مألوفا وزج بعشرات الآلاف من الأبرياء فى سجون سرية وعلنية أدارها مراهقون وإرهابيون دون أى درجة من الضوابط ومورس بها صنوف تعذيب بحق الرجال والنساء الكبار والصغار ما لا يمكن للخيال أن يتصوره، لعل أبسط مشاهدها أن يرغم الناس على أكل العشب والأعلام الخضراء كوجبات غذائية وحيدة وأن يطبخ الناس أحياء فى قدور ويرغم المساجين على أكلها، وكثير من هذه المشاهد وثقت فى مشاهد مصورة مقززة وتسربت لإرهاب الناس وترويعهم.
فى يوليو ٢٠١٢ جرت انتخابات صورية فى ظل عدة قوانين إقصائية من أهمها النزاهة والوطنية والعزل السياسى وتمجيد الطاغية، حرمت أكثر من ثلث السكان من المشاركة ترشيحا وانتخابا، وأنتجت مجلس تشكل فى أغلبه من تحالف وطنى رغم ضعف المشاركة والسطوة المليشياوية التى صاحبت الانتخابات، إلا أن المتطرفين نجحوا فى تغيير مكونه من خلال فرض عزل بعض القيادات به، وتطبيق سياسة الإحلال أى أن يحل صاحب الأصوات الأقل محل صاحب الأصوات الأعلى إذا خلى المقعد لأى سبب!! وفى نفس الوقت مورس ضغط على الأعضاء الوطنيين على الاستقالة وهكذا بعد شهور أصبح المؤتمر الوطنى يتكون من عناصر غير منتخبة تنتمى لاتجاه سياسى واحد.
نتيجة الضغط الشعبى الرافض لنتائج التدخل الغربى غير المبرر فى ليبيا ولذر الرماد فى العيون نظمت منتصف ٢٠١٤ انتخابات قادت إلى فشل ذريع للتيار المتستر بالدين رغم إجرائها فى ظل نفس القوانين الإقصائية التعسفية، وفى نفس الوقت تقريبا قاد ضباط الجيش هجومًا مسلحًا ضد المجموعات الإرهابية فى الشرق ونجحوا فى فترة قصيرة من طردهم منها، وتمكن أعضاء مجلس النواب من تأمين اجتماع بحرية فى مدينة طبرق، لكن الأمر لم يعجب على ما يبدو الدول الغربية، فأشعلوا حربا فى طرابلس سميت فجر ليبيا، وطلبوا ضرورة إعادة ١٢ نائبا محسوبين على الإسلام السياسى للمجلس، تحت ادعاءات ضرورة المصالحة الوطنية والاستقرار، من هنا تحولت فكرة المصالحة إلى مشروع غربى لإبقاء ذلك التيار المرفوض شعبيا فى السلطة ربما لاستكمال مهمته فى تدمير الدولة وإخضاعها للدول الكبرى، كما فعل فى العراق ويفعل فى سوريا.
لو وجدت نية حقيقية لإجراء مصالحة وطنية ليبية ينبغى أن نعود إلى أصل الأزمة وليس معالجة آثارها العديدة والمختلفة التى من بينها وليس أهمها الفشل فى تكوين سلطة واحدة قادرة على إدارة الدولة.



مع أن أصل المشاكل فى ليبيا ناتج عن موقف الغرب من النظام الوطنى التحررى، لكن لنسلم جدلًا بوجود معارضة وطنية ضد النظام الجماهيرى السابق، فلقد حاولت الدولة وقتها وبعد حل بعض المشكلات مع الغرب أن تعقد مصالحة شاملة معهم سواء من كانوا بالسجن بالداخل «رغم كونهم ينتمون إلى جماعات إرهابية، وكنت من بين قيادات ثورية كثيرة يعارضون تلك الخطوة لمعرفتنا بأنه لا مواثيق لهم» ومع مجموعات المتجنسين بالخارج، ورجع أغلبهم وسوّيت كل مشاكلهم القانونية مع الدولة، لكن للأسف حدث ما توقعناه وأن تلك المصالحة لم تكن سوى خدعة نجحوا من خلالها فى التسلل إلى دوائر الدولة والتمهيد للتدخل الخارجي!
الآن وبعد هذه المعاناة القاسية لليبيين لا يجوز تحويل مطلب المصالحة إلى محاولة لتوزيع غنيمة السلطة بين أطراف فبراير، وألا تتجه إلى أصل الأزمة، فالمسألة الليبية ليست خلافًا على من يحكم، بل اختلافًا على أسس بناء الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، إلى درجة أن بعض الأطراف ترى فى الميليشيات وسيلة لتحقيق الاستقرار، وهكذا تسميها ولهذا السبب تغدق عليها بالأموال.
كما أن المصالحة ليست بين قبائل ولا جهات، فكلها منقسمة إلى طرفين أو أكثر!
المصالحة تتطلب الخوض فى المسائل الرئيسية، من قبيل تصفية آثار التدخل الخارجى ٢٠١١، وبناء مؤسسات وطنية قوية، والتوافق على نظامين سياسى واقتصادى عادلين يرتضيهما الليبيون جميعا، والتوافق على الرموز الوطنية التى يحترمها الكل دون إكراه، وبناء قوة عسكرية وأمنية تحفظ الاستقرار، وهذا فى نظرى يتأتى بجلوس الطرف الجماهيرى مع الطرف الفبرايرى بعيدا عن التدخل الخارجى وبعيدا عن عقد الماضى وبروح وطنية منفتحة لنتفق حول شكل جديد لليبيا يضمن تعايش الجميع سلميا بعيدا عن السلاح.
من المهم إيجاد آلية لحل الأزمة جذريا وليس إدارتها لمصلحة الدول الغربية المتدخلة.

معلومات عن الكاتب

د. مصطفى محمد الزائدى.. سياسى ليبى، تولى سابقًا منصب وزير الصحة، وكان نائب وزير الخارجية 2011، أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية، يستعرض فى هذا المقال السبب الحقيقى فى الأزمة الليبية ويراها فى تدخل دول الغرب والناتو فى محاولة لنصرةفصيل مرفوض من الشعب.