الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أوليفييه دوزون يكتب: أوضاع «متشابكة»

أوليفييه دوزون
أوليفييه دوزون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ما تأثير الحرب فى أوكرانيا على رقعة الشطرنج السورية؟
روسيا لعبت دورًا فى تقليص نفوذ طهران على الأرض فى مناطق حساسة وتحجيم دور الميليشيات المدعومة منها

دعونا نقول، إن الحرب فى أوكرانيا كان لها بالتأكيد تأثير على البيئة الجيوسياسية لسوريا. إن تحليل وضع النظام السورى يشكل تحديًا بالضرورة. لكن دعنا نجرب.
إذا بقيت روسيا فى سوريا، فإنها لا تزال مجبرة على إجراء تعديلات تكتيكية وتعزيز قواتها، وينطوى هذا بشكل خاص على انسحاب قواتها من الجنوب الغربى والشرق من سوريا، وإعادة انتشار نظام الدفاع الجوى S-٣٠٠ فى أوكرانيا؛ والأمر نفسه ينطبق على بعض الجنرالات الذين غادروا سوريا ليتم حشدهم فى أوكرانيا.
سيلاحظ الجميع أنه خلال الأشهر العشرة الماضية، كان لدى ثلاثة بلدان على الأقل القدرة على إعادة تشكيل مشهد الصراع فى سوريا وخارجها.. من هذا المنظور، نفكر فى تركيا، التى اتضح أنها متحمسة لأنها ستستفيد من روسيا أكثر من إيران.. فتركيا تستغل، ميزة تكتيكية على الأرض مع تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا؛ وإسرائيل التى يجب أن تحافظ على توازن، لا يزال موقفها هشًا رغم كل شىء، من أجل الحفاظ على مصالحها فى سوريا ودعمها لأوكرانيا والغرب بالطبع.
فى الوقت الحالى، تبدو واشنطن غير راغبة فى تلبية توقعات إسرائيل وعلى وجه التحديد لتقليل توترها مع تركيا ووضع حد لمستوى تنظيم داعش فى سوريا. وفى أعقاب العملية الروسية فى أوكرانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تتوقع ردود فعل القوة المتغيرة فى الصراع السورى. وهذا يعنى توقع إمكانية عمل تركيا وروسيا وبشار الأسد معًا لدفع القوات الأمريكية بعيدًا عن شمال شرق سوريا، فضلًا عن احتمال تصعيد الاشتباكات بين إسرائيل وإيران على هذه الأراضى السورية.
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، عقب الحرب فى أوكرانيا، وضع نفسه كوسيط بين روسيا والغرب ولكن أيضًا تسليح أوكرانيا بطائرات بدون طيار، والاستفادة من تركيا العضو فى الناتو لاحتجاز السويد وفنلندا كرهائن.
فى هذا السياق، فإن هذه النتائج الإيجابية تلعب دورًا لصالح تركيا على حساب موسكو لذلك ورد أن بوتين وافق على منح تركيا مساحة أكبر لشن ضربات بطائرات بدون طيار فى مناطق شمال شرق سوريا المحمية بالدفاعات الجوية الروسية، واستهداف كبار المسئولين العسكريين الأكراد والمقاتلين بكثافة أكبر.

ومع الإعلان عن الانتخابات التركية فى ١٤ مايو ٢٠٢٣، يمكن توقع توغل جديد - ربما محدودًا - من قبل القوات التركية فى سوريا وفى هذا السياق، من غير المرجح أن تمنع روسيا هذا الهجوم التركى.
فى الواقع، قد تكون رغبة روسيا فى تهدئة مخاوف تركيا فى سوريا أحد العوامل فى قرارها فى ٩ يناير ٢٠٢٣ بعدم الاعتراض على تجديد معبر الأمم المتحدة الحدودى الإنسانى فى سوريا، باب الهوى، شمال غرب سوريا.
وبالنسبة لأنقرة، كان تجديد الممر أولوية رئيسية أما فى حال عرقلة مروره من قبل روسيا فإن ذلك سيلقى بظلاله على العلاقات الثنائية. وفى الآونة الأخيرة، اقترح أردوغان عقد اجتماع ثلاثى بين تركيا وروسيا وسوريا لمعالجة المخاوف الأمنية التركية. لذلك، لا يمكن استبعاد فرضية التطبيع بين أنقرة ودمشق ومرحلة جديدة تهدف إلى تفكيك المشروع السياسى الكردى فى شمال شرقى سوريا.
وفى الواقع، رجحت قمة ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٢ بين وزراء الدفاع التركى والسورى والروسى كفة النضال من أجل تعميق الاتجاه نحو التطبيع. وفى هذا السياق، كان الرهان الآمن للولايات المتحدة هو أن تلجأ إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية مع تركيا من أجل نزع فتيل التوترات التركية الكردية فى شمال سوريا والعراق. وإذا فشل ذلك، فقد تواجه واشنطن التطبيع التركى مع القوة السورية وجهود ثلاثية - روسية وتركية وسورية - لتقليص الأكراد و«تحييدهم».. بشكل عام، سيكون هذا الجهد الثلاثى حول الضغط على الولايات المتحدة للانسحاب من سوريا.





ماذا عن إيران الانتهازية؟
لعبت روسيا دورًا «تنظيميًا» مع إيران، سعيًا إلى تقليص نفوذ طهران على الأرض فى مناطق حساسة وتقليص دور الميليشيات المدعومة من إيران فى الهياكل الأمنية الرسمية لإيران فى سوريا.. اليوم، تغيرت ديناميكية القوة، بالنظر إلى الحرب فى أوكرانيا.. فى الواقع، مع تضاؤل قدرات روسيا فى سوريا، يمكن أن تكون التحركات الإيرانية أكثر حسمًا.
هكذا يؤكد المحللون الروس أن طهران سعت إلى الاستفادة من انسحاب روسيا المحدود للغاية من بعض المناطق السورية، فى سعيها لسد الفجوات الأمنية الناشئة خاصة فى الجنوب الغربى، وهى منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لإسرائيل. ويتم اتهام إيران باستخدام المطارات السورية بشكل متكرر لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله، حليفها اللبنانى، وفى رد فعل أظهر العلاقات المتشابكة والمعقدة بين الأطراف الخارجية فى الصراع السورى خلال أوقات التوتر المتصاعد بشكل خاص مع الدولة اليهودية، غضت موسكو الطرف عن هذه التعديات الإيرانية. كما عملت روسيا وإيران بشكل مستمر على تعميق علاقاتهما الاستراتيجية بما يتجاوز تعاونهما فى سوريا؛ لقد زود الإيرانيون روسيا بالفعل بطائرات بدون طيار فى حربها ضد أوكرانيا وتتطور شراكة دفاعية «غير مسبوقة». ويسعى البلدان إلى إقامة حصن ضد الغرب، والتعاون لتفادى العقوبات، والسعى لتوسيع علاقاتهما الاقتصادية وتعميق قربهما الأيديولوجى بناءً على معارضتهما للنظام الدولى الذى تقوده أمريكا.. هذا التحالف الاستراتيجى الناشئ بين روسيا وإيران - الذى تم تشكيله جزئيًا فى سوريا - له الآن تداعيات إقليمية وعالمية.
وحقيقة، ستبقى العلاقات التى أقيمت بين موسكو وطهران محدودة إلى حد ما بسبب رغبة الروس فى تعميق علاقاتهم مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، فى ظل إدارة علاقاتهم مع إسرائيل وتركيا.
وفى الوقت نفسه، سيتعين على واشنطن بلا شك التفكير فى استراتيجية من المرجح أن تستجيب بشكل أكبر لبعد التهديد الذى يمثله تعميق التعاون الروسى الإيرانى فى مجال الأمن، خاصة فى مجال الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية وحتى الأسلحة الاستراتيجية.
شروخ فى العلاقات بين روسيا وإسرائيل 
فى الواقع، تفاقمت التوترات بين البلدين فى ظل إدارة رئيس الوزراء السابق نفتالى بينيت وخاصة مع خليفته، يائير لابيد؛ وكان هذا هو السبب الأكبر لاستراتيجية عسكرية روسية مكثفة فى سوريا وهذا يعود فى المقام الأول إلى غضب موسكو من موقف لابيد الموالى لأوكرانيا؛ وللتدليل على كل ذلك، أطلقت القوات الروسية صواريخ S-٣٠٠ على الطائرات الإسرائيلية فى الأجواء السورية فى مايو ٢٠٢٢؛ لكن عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة قد تنزع فتيل التوترات بين روسيا وإسرائيل، بالنظر إلى واقعيته وعلاقاته الشخصية الجيدة مع بوتين..هكذا تحدث وزير الخارجية الإسرائيلى الجديد مؤخرًا مع نظيره الروسى، ووعد بأن إسرائيل ستمتنع عن إدانة روسيا علنًا؛ لكن «المؤسسة الأمنية الإسرائيلية» أبدت قلقًا متزايدًا من التقارب العسكرى بين موسكو وطهران، مما يعد تحديًا شائكًا.
علاوة على ذلك، تواجه إسرائيل ضغوطًا مستمرة لتزويد كلا من أوكرانيا ودول الناتو المجاورة بأنظمة دفاع جوى وهى خطوة يمكن أن تثير انتقامًا روسيًا ضد إسرائيل فى سوريا.
ويتساءل المرء أيضًا عن رد فعل واشنطن على الدفع المتزايد لمثل هذا التعاون بين روسيا وإيران، إلى جانب انهيار الاتفاق النووى الإيرانى. وفى كلتا الحالتين، ربما فعلت موسكو المزيد لاستيعاب مصالح أنقرة فى علاقاتها مع سوريا مؤخرًا؛ لكن تقليص نفوذها فى سوريا، بالنظر إلى الصراع الأوكرانى، لا يمكن ترجمته إلى انسحاب.
فى الواقع، فإن إعادة سحب مجموعة فاجنر من المناطق الجنوبية الغربية والشرقية من سوريا إلى المعارك الأوكرانية، ونقل نظام الدفاع الصاروخى S-٣٠٠ المتمركز فى سوريا إلى دونباس، وحتى الانسحاب النهائى للوسائل العسكرية الإضافية لسوريا، لا يمكن إلا أن يكون تم تحليلها على أنها تعديلات تكتيكية بسيطة، ومن المفهوم أن روسيا لا تستطيع التخلى عن تواجدها العسكرى فى سوريا.
علاوة على كل هذا، تعرف روسيا كيف تستغل وجودها فى سوريا من أجل أن تشجع إسرائيل على تجنيب مصالحها فى سوريا ووقف مساندتها لأوكرانيا والغرب.
 

معلومات عن الكاتب
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: القرصنة البحرية اليوم، وماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟ والهند تواجه مصيرها.. يحلل فى هذا المقال، تشابكات الأوضاع على الأرض السورية فى ظل التطورات العالمية.