الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: نهاية زمن الحلول الخطية للأزمات.. والحاجة لحوار متعدد الأطراف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تراكمت وتشابكت أزمات العالم، وزادت تعقيدًا فى العام الماضى، مما أدى إلى ترحيلها للعام الحالى. النظام العالمى الذى يعانى حاليا من «التفتت» (fragmentation) لم يفشل فقط فى حل الأزمات، بل إن الحلول التى قدمها قد زادت الطين بلة، فتفاقمت حرب أوكرانيا، وتحولت إلى حرب يخوضها حلف الناتو بأسلحته حتى آخر أوكرانى.

وقدم مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى حلًا للتضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، زاد من حدة التضخم وانتشار الركود فى كل أنحاء العالم تقريبًا. ورغم أن العالم توافق على استراتيجية لمواجهة أزمة المناخ بتحقيق الحياد الكربونى بحلول منتصف القرن الحالى، فإن أزمة الطاقة التى رافقت فرض عقوبات على روسيا أفسدت برامج الحد من استخدام الوقود الكربونى.
وعلى الرغم من أن العالم توافق من حيث المبدأ على إنشاء صندوق للتعويضات البيئية والمساعدة على التكيف لمواجهة مخاطر البيئة، فإنه فشل فى الاختبار الأول عندما لجأت باكستان لطلب تعويضات ومعونات لمساعدة المناطق المنكوبة بسبب الفيضانات. وتعتبر الكوارث، سواء الطبيعية مثل السيول والفيضانات وموجات الجفاف، أو التى يصنعها الإنسان مثل الحروب والمجازر البشرية نموذجًا من نماذج المخاطر ذات الطابع الشبكى، من حيث محركاتها، والتداعيات الناتجة عنها، والحلول اللازمة لها، حيث تمتد تداعياتها من الهجرة، إلى إرباك سلاسل الإمدادات العالمية، وإثارة اضطرابات سياسية عبر الحدود.
ويحتاج مواجهة مثل تلك الأزمات إلى حلول متعددة الأطراف والمستويات، بالحوار وليس بالحرب.
وبسبب التغير فى طبيعة الأزمات العالمية، يحاول علماء السياسة والاقتصاد «نحت» مصطلح لغوى جديد يعبر عن طبيعتها؛ فقدم الاقتصادى الأمريكى نورييل روبينى (Noriel Rourbini) أستاذ الاقتصاد فى جامعة نيويورك وصفًا لطبيعة المخاطر بمصطلح «MEGATHREATS» وهو عنوان كتابه الصادر فى العام الماضى. وابتكر خبراء منتدى دافوس الاقتصادى مصطلحًا جديدًا هو«POLYCRISIS»، وذلك فى تقريرهم عن المخاطر التى يواجهها العالم فى عام ٢٠٢٣. هذه الرغبة فى نحت مصطلح سياسى جديد تعبر عن الطابع المركب والمتشابك للأزمة «الجيوستراتيجية/ بيئية/اقتصادية/تكنولوجية/اجتماعية»، وتؤكد أن كثيرًا من البديهيات والمسلمات التى نعتمد عليها فى البحث عن حلول للأزمات، تحتاج هى الأخرى لإعادة نظر. فالأزمات الحالية كما عبر عنها خبراء منتدى دافوس، وكما ذكر (روبيني) فى دراساته، تتصادم فى كلٍ منها المخاطر المختلفة، وتكشف حركتها عن اعتماد متبادل فيما بينها، أى أن كلًا منها، على الرغم من اختلافه عن غيره، ليس قائمًا بذاته، بل يرتبط بغيره فى حركته. ولهذا فإننا نقول إن الحلول غير الشبكية أو الحلول الجزئية تكون قاصرة، تطيل الأزمات وتزيدها اشتعالًا وترفع تكلفة مواجهتها أضعافا مضاعفة.
قطب واحد أم تعددية قطبية؟
ومع ذلك، فإنه لأسباب أيديولوجية أو سياسية توقف عدد كبير من علماء الاقتصاد السياسى والعلاقات الدولية عند حدود رصد وتحليل الأزمات التى يواجهها العالم، بدون تحديد ملامح البوتقة التى تجمعها وتغذى محركات عملها، الأمر الذى يمثل قصورًا فى محاولة استكشاف طبيعتها وطرق مواجهتها. وإدراكًا منهم لهذا القصور، فإن عددًا من علماء السياسة الغربيين، منهم هنرى كيسنجر، ومن الزعماء فى الدول الصناعية، منهم المستشار الألمانى أولاف شولتز، قدموا وجهات نظر تتجاوز التوقف عند محركات كل أزمة بمفردها، إلى رسم إطار عام لطبيعة تلك الأزمات، يعتمد على وحدة العالم، والحقائق البيئية والجيوستراتيجية/الاقتصادية المسيطرة. وأبدى كل من كيسنجر وشولتز، فى عدة مناسبات خلال العام الماضى، وجهات نظر قوية تربط بين تلك الأزمات، وبين الصراع الدائر بين قوتين، الأولى تميل إلى ترسيخ نظام عالمى «أحادى القطبية»، والثانية تقاوم ذلك، وتسعى لإقامة نظام «متعدد الأطراف». هذا الإدراك للعلاقة بين الأزمات وبين النظام العالمى مهم جدًا، لأنه ينعكس على فهم مسار الأزمات نفسها وفلسفة التعامل معها؛ فالنظام الأحادى القطبية يميل إلى فلسفة «إدارة الأزمة»، ولا يملك على الأرجح قدرات لحلها، بل إنه قد يحافظ عليها ليتربح منها، كما كانت فلسفة دونالد ترامب فى التعامل مع جائحة كورونا باعتبارها أزمة تحمل معها فرصًا للربح، وهو أيضا نظام يسرف فى استخدام الضغوط والعقوبات والحروب بالوكالة لتحقيق أهدافه. فى حين أن النظام متعدد الأطراف الذى تتوافر داخله آليات للتعاون والحوار وحل النزاعات، فإنه يقدر على امتلاك قدرات التعامل بفلسفة «حل الأزمة» وتصفيتها، لأن فى ذلك تحقيق لمصلحة جماعية للعالم كله. وتمثل الحرب الباردة الجديدة، بما تسببت فيه من أزمات مظهرًا مكثفًا للصراع بين القوتين.
الشرق الأوسط بين شقى الرحى
ما حدث فى الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة يؤكد أن سياسات الحرب الباردة الجديدة ليست فى مصلحة الولايات المتحدة، ولا فى مصلحة حلف الأطلنطى، ولا فى مصلحة دول الشرق الأوسط العربية على وجه الخصوص. خلال السنوات الخمس الأخيرة، تراجع نفوذ الولايات المتحدة فى المنطقة إلى أقل نقطة منذ نهاية الحرب الباردة، وزادت حدة الاستقطاب الإقليمى إلى أعلى مستوى، مدفوعة بمحركات إقليمية ودولية، ووصل مستوى الاستقرار السياسى الداخلى إلى أقل نقطة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأصبحت دول المنطقة، منصة انطلاق للهجرات غير القانونية من جنوب وشرق البحر المتوسط إلى أوروبا، وتحولت إسرائيل إلى دولة للتطرف الدينى والتعصب القومى، وبدأت روسيا فى تكوين محور سياسى/عسكرى جديد مع إيران، وأصبحت أسواق الصين والشرق الأقصى هى محور العلاقات الاقتصادية الخارجية لدول المنطقة.
إن أزمات المنطقة هى مثل كل أزمات العالم، ذات طبيعة مركبة، ترتبط بكل منها وتتداخل فيها محركات سياسية وبيئية وتكنولوجية واجتماعية واقتصادية وإقليمية ودولية، لا يصح معها نهج الإنكار أو استخدام المهدئات أو سياسات الحلول الجزئية. وتتوقف القدرة على الخروج من مصيدة الأزمات المركبة على ذكاء القيادة فى كل دولة، وقدرة السياسة على إطلاق التفاعل بلا قيود بين الدولة والمجتمع، فى اتجاه بناء القدرة على التحمل، والعمل على تعطيل أو محو تأثير عوامل الانحطاط والتأخر، ثم بناء طاقات الانطلاق والتفوق. بغير ذلك ستظل المنطقة طاردة لمواطنيها وفى طليعتهم الشباب الباحثون عن عمل، وهو ما يزيد من ضغوط الهجرة غير القانونية على أوروبا أكثر من غيرها. إن استمرار الحرب الباردة فى تجلياتها المختلفة يعنى بالنسبة للشرق الأوسط زيادة حدة التباين وتركيز الثروة فى ناحية، وانتشار الفقر وانعدام العدالة وسقوط الطبقة الوسطى، والتفاوت الصارخ فى مستويات المعيشة فى ناحية أخرى، وهذه وصفة مثالية لحدوث انفجارات اجتماعية واضطرابات سياسية، خصوصًا أن أخطر تداعيات الحرب الباردة الجديدة كما نراها يتمثل فى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والركود ونقص فرص العمل وتفاقم أزمات العجز المالى والمديونية وانهيار قيمة العملات المحلية. إن الدول العربية، خصوصًا الفقيرة، المستوردة للطاقة والغذاء، تدفع ثمن الأزمات العالمية المركبة أكثر من غيرها، وهى أحوج ما تكون إلى حوار وتعاون مع العالم من حولها، من أجل خلق ظروف أفضل للنمو والاستقرار، وزيادة قدرتها على خلق محركات القوة الداخلية الشاملة، لمواجهة تلك الأزمات وقهرها، وهو ما يتطلب حوارًا حقيقيًا بشأن تصفية الأزمات الممتدة، وليس مجرد إدارتها.

التعريف بالكاتب: 

الدكتور إبراهيم نوار خبير اقتصادى له العديد من الكتابات التى توضح بأسلوب السهل الممتنع أبعاد الكثير من القضايا الاقتصادية التى تشغل المتخصص وغير المتخصص.. تنشر مقالاته عدة صحف ودوريات مصرية وعربية.. بأسلوبه المعتاد، يعرض للقارىء فكرته حول نهاية زمن الحلول الخطية للأزمات، ويؤكد الحاجة لإقامة حوار حقيقى وفعال يصل بنا وبالآخرين من حولنا إلى بر الأمان.