الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مضاعفة الثواب والعقاب في الأشهر الحرم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استمدت الأشهر الأربعة الحُرم تسميتها وحرمتها حتى قبل الإسلام حيث كانت هذه الأشهر معظمة فى شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر ذلك التعظيم عند العرب حتى جاء الإسلام فأقره، وسبب تحريمهم لذى القعدة وذى الحجة والمحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرًا ليتمكنوا من السير إلى الحج، ويسمونه القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرِّمون ذا الحجة وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرًا ليعودوا إلى ديارهم، وحرموا شهر رجب فى وسط العام لأجل زيارة البيت والإعمار، حتى يأمن قاصدُ البيت الغارة فيه، وقال ابن كثيرٍ فى تفسيره: "كان الرجلُ يلقى قاتل أبيه فى الأشهُر الحُرم فلا يمُدُّ إليه يده"، إلا إذا بادر أحد فى الاعتداء على أحد فحينئذ يسوغ له مقاتلته دفاعًا عن النفس ودرءًا للضرر اللاحق به.

فضَّل اللَّه الأشهر الحُرم على سائر شهور العام، وجعل الطاعات والعمل الصالح فيها أفضل ثوابًا وأعظم أجرًا، كما جعل الظلم فيها أشد إثمًا وأعظم وزرًا عما سواها من شهور العام، بسبب شرف الزمان الذى حرّمه اللَّه، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة:36]، وقال القرطبى فى تفسيرها: "لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن اللَّه سبحانه إذا عظّم شيئًا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو عدة جهات، صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب"، والأشهر الحُرم أربعة هي: رجب، وذُو القعدة، وذُو الحجة، والمحرم، ولقد ورد تعيينها فى صحيحى البخارى ومسلم، فعن أَبى بكرةَ نفيع بن الحارث رضى اللَّه عنه عن النبى صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللَّه السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعةٌ حُرم: ثلاثٌ مُتوالياتٌ: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان» [متفقٌ عليه].

 

جعل اللَّه لعباده فى أيام دهرهم نفحات تأتيهم نفحة بعد نفحة، وقربة بعد قربة، وفرصة بعد فرصة، ولقد حثنا النبى صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، على اغتنام هذه النفحات التى تأتى فى مواسم الطاعات لعلَّ أن تصيبنا نفحة فلا نشقى بعدها أبدًا، حيث قال: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه، فإن للَّه نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا اللَّه أن يستر عوراتكم، وأن يؤمِّن روعاتكم» [أخرجه الطبراني، وحسَّنه الألباني] أى: افعلوا الخير فى عمركم، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه فى مواسم الخيرات وأزمنة البركات التى يصيب اللَّه بها من يشاء من عباده، ويجب علينا أن نحذر من المعصية فى الأشهرُ الحُرم، لأنّها ليست كالمعصية فى غيرها، بل المعصيةُ فيها أعظمُ، كما قال سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: 217]، أى: ذنبٌ عظيمٌ، وجرمٌ خطيرٌ، وكما أنّ المعاصى تعظُم فى الأشهر الحُرم، فكذلك الحسنات والطاعات تعظُم وتُضاعف فى تلك الشهور، والتقرب إلى الله عزّ وجلّ بالطاعة فى الأشهر الحُرم أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التعبد فى سائر الأيام، فالثواب والعقاب مضاعف فى هذه الأشهر، والحسنة تُضاعف فيها كما تُضاعف السيئة، ويُستحب فى هذه الأزمنة كثرة التقرب إلى اللَّه تعالى بالعبادات وسائر الأعمال الصالحة، من توبة، وصلاة، وصيام، وصدقة، وعمرة، وذكر، وإماطة الأذى عن الطريق، والبشاشة فى وجوه الناس، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والعطف على الفقير، والإحسان إلى المسكين، ومؤازرة الأرملة، ورحمة المصاب، والمسح على رأس اليتيم، وغيرها، وقد قال ابن القيم: "ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، وصدأ القلب بأمرين بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر"؛ فاحرصوا على أن تغتنموا هذه الأوقات وتعرضوا لما فيها من النفحات، وكل عامٍ وأنتم بخيرٍ.