السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

المسيح في السينما من المهد إلى الصلب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عندما نتحدث عن الأفلام التي تناولت حياة المسيح، سنجد أنه بين أيدينا مادة خصبة لصناع السينما العالمية لتسليط الضوء على سيرته وحياته المليئة بالعظة والمعجزات السماوية، ولكن قليلة هي الأفلام التي يستوجب التوقف عندها. غير أن هناك بعض الأعمال التي تناولت حياة وتعاليم المسيح بطريقة غير مباشرة. وعندما نقترب كل عام من ذكرى ميلاد السيد المسيح، لابد وأن يثار الجدل حول حرمة التجسيد وإشكالية الرمز الديني. فلطالما واجهت قصص تجسيد الأنبياء موجات من الغضب والرفض على مدى عقود طويلة من جانب المؤسسات الدينية والجمهور، حيث رأوا أن في ذلك انتهاكا لقدسيتهم ومخالفة لبعض النصوص الدينية.

اختلفت آراء المسيحيين فيما بينهم حول تقديم تصور فني للسيد المسيح،حيث رفض المسيحيون الأوائل تجسيد الأيقونات مرتكزين عن نص الوصية الثانية "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا" (خروج ٢٠:٤-٦)، إلى أن جاء القديس يوحنا الدمشقي، الذي عرف بفصاحة لسانه، ودافع عن الأيقونات والصور باعتبارها كوسيلة للتكريم. هذه الأفكار أتاحت الفرصة لاحقا للفنون بما فيها الفن السابع لإبراز هذه القصص في عشرات الأعمال الفنية بـ رؤى ووجهات نظر مختلفة.

ولم تتوقف حالة الجدل المثارة منذ قديم الأزل حول قصص التجسيد، بل ظلت مستمرة حتى يومنا هذا خاصة مع قيام العديد من المبدعين بتقديم تلك القصص بوجهات نظر ورؤى مختلفة، مثلما فعل سكورسيزي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك المخرج والممثل ميل جيبسون في العقد الأول من الألفية الجديدة. والذين واجهو عاصفة من الانتقادات الدينية وصلت إلى اتهام أحدهما بمعاداته للسامية.

المسيح في السينما.. مرحلة مبكرة

تناول شخصية المسيح قديم قدم السينما ذاتها، فالأخوان لوميير قاما بإنتاج فيلم عن المسيح عام ١٨٩٨ يحمل اسم "حياة وعذاب المسيح" ولم تتجاوز مدته الإحدى عشرة دقيقة. وبعدها بعامين قدم المخرج الفرنسي الشهير جورج ميليه، فيلما بعنوان "المسيح يمشي على الماء".

إلى أن جاء العام ١٩١٢، وقدم المخرج الأمريكي سيدني أولكوت، فيلمه"من المهد إلى الصلب"، وتجاوزت مدته الساعة، ويعتبر من الأعمال الروائية الطويلة الأولى التي تناولت حياة المسيح، وقام ببطولته النجم روبرت هندرسون بلاند.

ومع زيادة الأعمال الفنية التى قدمت عن حياة المسيح وما أثير حولها من جدل وانتقادات شهدت الأوساط الكنسية حوارا ممتدا وساخنا حول إمكانية وجدوى أن تتدخل الكنيسة وتمنع ظهور المسيح على الشاشة أم لا، وهل تقوم بمراجعة الأعمال التي تتناول سيرته قبل عرضها أم بعد العرض.

ويعتبر فيلم المخرج هنري كوستر "الرداء" إنتاج عام ١٩٥٣، واحدا من التجارب المهمة التي تناولت حياة المسيح في السينما، حيث توج بجائزتي أوسكار وقتها، وقام ببطولته النجم ريتشارد بيرتون. ودارت أحداث الفيلم في عهد بعثة المسيح (مارسيليو)، حيث يتم تعيينه على رأس المجموعة التي قامت بصلب المسيح.

تتم المهمة، ويفوز هو بردائه الصوفي، وهي عادة رومانية كانت تتم اقتسام ثياب المصلوب في إحدى نوبات سكره، تتراءى له كوابيس مخيفة تقلب حياته رأسا على عقب، فماذا يفعل؟ وهو لا يزال لم يؤمن به، يقرر السفر إلى (فلسطين) ليتعلم الكثير عن الرجل الذي ساهم في قتله.

وخلال فترة الستينيات من القرن الماضي كان العالم على موعد مع فيلم آخر عن المسيح هو "ملك الملوك"،  تم عرضه عام ١٩٦١ وتدور أحداثه حول العقبات السياسية والدينية التي واجهها المسيح خلال رحلته لنشر الإيمان، بالإضافة إلي الأيام الأخيرة التي عاشها قبل صلبه ليخلق الفيلم حالة من الجدل تزامنت مع طرحه وقتها.

اعترضت الكنيسة أيضا على فيلم "ملك الملوك" الذي أخرجه نيكولاس راي، وكانت أبرز الانتقادات التي تم توجيهها لهذا الفيلم هي أنه قدم المسيح على أنه أشقر أزرق العينين على عكس المعروف عن ملامح عيسى بن مريم، وقد تم عرض الفيلم بالقاهرة في منتصف الستينيات وأحدث جدلا هائلا أدى إلى سحبه من دور العرض بعد أقل من أسبوعين بسبب الحملة التي تعرض لها.

وفى عام ١٩٧٥ أثار فيلم «المسيح» للمخرج روبيرتو روسولينى جدلا واسعا وكان مصدر الرفض أن المخرج «يهودي» الديانة مما أثار غضب المتدينين المسيحيين واليهود فى نفس الوقت.

حالة الجدل تلك امتدت حتى منتصف السبعينيات، حينما قرر المخرج فرانكو زيفريللي، تقديم فيلم تلفزيوني مطول يحمل اسم "يسوع الناصري" أو  "Jesus of Nazareth "، وشارك في كتابته زفيري وأنتوني بورغيس وسوسو سيكي داميكو الذي يصور الولادة والحياة وصلب وقيامة المسيح.

قام ببطولة العمل الدرامي روبرت باول في دور يسوع، بجانب مجموعة من الممثلين المميزين ومن بينهم ثمانية فازوا بجوائز الأوسكار وهم: آن بانكروفت، إيرنست بورغنين، لورانس أوليفييه، كريستوفر بلامر، أنتوني كوين، رود ستيجر، جيمس إيرل جونز، وبيتر أوستينوف.

وقام العمل الدرامي على فكرة التناغم للإنجيل، إذ مزج أحداثه من روايات العهد الجديد الأربعة، حيث تم المحافظة على الترتيب الزمني للأحداث كخطوبة مريم ويوسف وزواجها لاحقًا؛ البشارة، الزيارة، ختان يوحنا المعمدان، ميلاد يسوع، زيارة المجوس رحلة الهروب إلى مصر مذبحة الأبرياء المكتشف في الهيكل.

وفاز العمل الدرامي بعدة جوائز "بافتا"، منه: أفضل عمل وممثلي موسيقى ومونتاج، ورشح كذلك لجوائز "إيمى" فى ذات العام، إلا أن الاستقبال الأهم كان فى الكنائس باعتباره عملًا دينيًا مأخوذًا عن أناجيل"متَّى ويوحنا ولوقا ومرقس".

الإغواء الأخير للمسيح

لم يفقد المخرج الأمريكي المخضرم مارتن سكورسيزي، الأمل طيلة السنوات الأربع التي استغرقها في إنتاج فيلمه المثير للجدل «الإغواء الأخير للمسيح»، المأخوذ عن رواية للكاتب نيكوس كازانتزاكيس، وصور خلاله المسيح في صورة الإنسان الضعيف أمام شهوات الجسد.

مما تسبب في حالة من الغضب العارم لدى بعض الجماعات المسيحية، وقت عرض الفيلم قامت الجماعات المسيحية بالاعتداء على عدد من دور العرض، وأقيمت دعاوى قضائية عديدة ضد الفيلم ومخرجه، كما منع من العرض في الكثير من الدول، من بينها مصر.

يقدم الفيلم الازدواجية الشديدة داخل المسيح (ويليام دافو)، الذي عرض عليه إمكانية عيش حياة بعيدة عن الجانب الإلهي فيها. مسيح سكورسيزي يكافح مع الجميع، ونضاله الأعظم والأشد ضراوة هو مع نفسه. صراع فضل "سكورسيزي" أن يبقيه في داخلنا الروحي، وهذا هو جوهر أفلامه. جروح جسده ومعاناته الجسدية هي في الوقت نفسه مرآة وتمثيل لآلامه الداخلية، في استعارة واضحة لمعاناة العالم.

الفيلم يصنف ضمن أكثر الأفلام جدلا، فهو خلق موجة من الانتقادات بسبب الصورة الجريئة التي أعطاها عن المسيح، وبالرغم من كونه فيلما دينيا وينتمي لأفلام السيرة الذاتية لشخصية مقدسة، إلا أن انطلاقة الفيلم تبدأ من شباب المسيح وليس من ولادته وطفولته، في مدة طويلة تصل إلى ساعتين و٤٤ دقيقة.

سيناريو الفيلم قائم على تصوير شخصية المسيح ليس كنبي، بل كشاب حكيم توصل لفكرة الوحي الإلهي، بعد عدة صراعات نفسية: هلوسة،تخيلات، سماع أصوات تنادي بإسمه، رؤى لكائنات خرافية، حالة صرع،وهذه الوقائع تبرز لنا الفكرة الأساسية للفيلم، هي محاولة تفسير حياة المسيح بعيدا على الرؤية الأسطورية التي قدمتها الأناجيل، بالإضافة إلى تصوير المسيح كالحائر والمتردد بين كل حالة إلى أخرى.

آلام المسيح في السينما

تدور أحداث الفيلم الذي أخرجه الممثل والمخرج ميل جيبسون، في فلسطين عام ٣٠ ميلادي حيث ظهور رجل يدعى يسوع الناصري (السيد المسيح) يدعو إلى تعاليم دينية جديدة غير اليهودية والوثنية، في الوقت الذي ينتظر فيه اليهود مولد (بالمسيا) الذي سيحقق لهم مجد دولتهم.

ومن هذا المنطلق اتبعه الكثير من اليهود إلى جانب تلاميذه الاثنى عشر،وإذا بالمجلس اليهودي الحاكم في هذا الوقت يبدأ التآمر عليه بمعاونة أحد تلاميذه وهو "يهوذا" حتى تم القبض عليه بتهمة خيانة الدولة الرومانية وحُكم عليه بالصلب خارج جدار القدس.

يبرز الفيلم بوضوح شديد الساعات الأخيرة من حياة المسيح بطريقة غير عادية، خاصة بالنسبة إلى فيلم ذي طابع ديني حيث يتم تخفيف حدة العنف إلى أقصى حد. أراد "جيبسون" أن يُظهر بالتفصيل وبوحشية طريق المسيح إلى الصلب. بهذا المعنى، سوف نرى خلال معظم الفيلم المسيء يواجه أشدّ أنواع العنف بطريقة تفصيلية. كل أعمال العنف الوحشية المعروضة في الفيلم هي استفزاز واضح وناجح للجمهور.

سيشعر الأشخاص ذوو الدم الحار بحاجة لاقتحام الشاشة لمساعدة المسيح. ومن ناحية أخرى، سيغطي الأشخاص الحساسون أعينهم عن هذه المشاهد وربما التوقف نهائيًا عن المشاهدة. العقوبة التي تواجه المسيح في الفيلم تتجاوز الإنسانية، وسادية إلى أبعد الحدود وكأنها تنفذ فينا مباشرة.

وكان جيبسون قدم الفيلم ليوضح بتفاصيل مثيرة كيف مات المسيح فداء للبشرية، وهو ركن أساسي في الديانة المسيحية، ولكن الفيلم يمكن أن يعتبر البعض أنه يظهر كيف خطط اليهود لقتل المسيح.

وسيجد المشاهدون في الفيلم تفاصيل مستمدة من الكتاب المقدس، منها مشهد يصف فيه متى الرسول كيف طالب اليهود بصلب المسيح وقولهم"دمه علينا وعلى أولادنا". مشاهد كهذه كانت موجودة غالبا في مسرحيات تصور آلام المسيح ازدهرت في العصور الوسطى وكانت البذور لقرون من المعاداة بين المسيحيين واليهود.

وبرغم حالة الجدل الواسعة التي خلفها الفيلم وقت عرضه في ٢٠٠٤، إلا أنه حقق أرباحا عالية في شباك التذاكر، فالفيلم الذى أنفق ٣٠ مليون دولار، حقق ٦١٢ مليون دولار بجميع أنحاء العالم