الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«زي النهاردة».. قناة السويس تشعل الشرق الأوسط بعد انسحاب القوات البريطانية والفرنسية.. انطلاق مؤامرات دولية لوقف حركة الملاحة.. المصريون يبهرون العالم بإدارتها.. وقوى الاستعمار ترد بالعدوان الثلاثي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في مثل هذا اليوم وقبل نحو 7 عقود كانت مصر على موعد مع الشرارة الأولى والتي أشعلت منطقة الشرق الأوسط عندما نجحت مصر في إتمام انسحاب القوات البريطانية والفرنسية من قناة السويس في 23 ديسمبر 1956، وذلك يعدما أعلن الزعيم جمال عبد الناصر، قبلها بشهور قليلة، وذلك في 26 يوليو عام 1956، عن تأميم الشركة العالمية لقنال السويس البحرية، وذلك بسبب رفض البنك الدولي تمويل الحكومة المصرية لبناء السد العالي، ولعل قرار التأميم وخروج الفرنسيين والبريطانيين من مصر كان السبب الرئيس للعدوان الثلاثي الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر بداية من 29 أكتوبر 1956.

كلمات من نور

 

 

بداية الحرب على مصر بدأت بعد الخطاب التاريخي للرئيس جمال عبد الناصر، فمن ميدان المنشية بالإسكندرية، أطلق "ناصر" كلماته التي لا تزال تدوي في آذان كل المصريين حتى الآن “باسم الأمة‏..‏ رئيس الجمهورية‏..‏ مادة‏ 1: ‏ تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية‏،‏ وينتقل الي الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات‏،‏ وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليا علي ادارتها‏،‏ ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها‏، مقدرة بحسب سعر الاقفال السابق علي تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية بباريس‏، ويتم دفع هذا التعويض بعد اتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة‏”.‏

رفض بريطاني فرنسي

وبعد أصداء فرحة وبهجة في مصر والوطن العربي، اشتعلت نيران فرنسا وبريطانيا لتعلنان رفضهما لقرار التأميم، وفى 27 يوليو أعلنت بريطانيا وفرنسا أنهما ترفضان الاعتراف بقرار التأميم، وأنهما سيتخذان التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما واحترام مصالحهما، كما قامت إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة أيضًا بتجميد كل ما لمصر لديهم من أرصدة.

ومنذ ذلك الحين افتعلت بريطانيا وفرنسا العديد من المؤامرات لشل حركة الملاحة في القناة والتي بدأت بأزمة المرشدين بغرض إظهار عجز القيادة المصرية عن إدارة القناة بعد تأميمها، وتنفيذًا لذلك صدرت الأوامر من باريس إلى الموظفين الأجانب من مرشدين وفنيين وكتبة بالانسحاب دفعة واحدة ليلة 14 /15 سبتمبر 1956.

وفى ساعة الصفر حسب المخطط الاستعماري غادر العمل 155 مرشدًا من 207 فلم يبق من جهاز الارشاد سوى 52 مرشدا، ومع هؤلاء انسحب أيضًا 326 من العاملين من بين 805، وهذه الانسحابات كانت كافية لشل الملاحة وغيرها من أعمال القناة، لو لم تتخذ مصر منذ البداية الاحتياطات اللازمة.

المصريون يتصدرون المشهد

ولم تعجز مصر أمام هذه المؤامرة، حيث تم على الفور احلال المرشدين المصريين لإدارة القناة عن طريق تعيين غيرهم من الخارج أو من البحرية المصرية، وكانت البداية بحشد متحمس من 53 مصريًا و12 أجنبيا من ألمانيا وإيطاليا والسويد وإسبانيا، وفى الوقت ذاته جند عبد الناصر 70 مرشدًا فور قرار التأميم وتدربوا نظريًا وعمليًا في دورة مكثفة لم تتجاوز شهرًا واحدًا.

ونجحت أول قافلة سفن بقيادة المرشدين الجدد في شق طريقها عبر القناة يوم 15 سبتمبر وعبرت 42 سفينة لم يعق سيرها عائق وتوالت الأيام والعمل في القناة ولم يقع أى حادث، ولم تتوقف الملاحة ولم يتعطل المرور ، ومع هذا النجاح تحول حذر الأوساط الملاحية إلى ثقة ويقين وتحولت مخاوف السفن وقلق مديرى شركات النقل البحرى والتأمين إلى الاطمئنان والإعجاب.

إدارة المصريين للقناة يبهر "ايزنهاور"

وأثار نجاح المصريين في كتب الرئيس الأمريكي "ايزنهاور" الذي كتب في مذكراته: "وكما اتضح فيما بعد فإن المسئولين والعمال المصريين لم يكونوا على كفاءة فى إدارة القناة فحسب بل انهم سرعان ما أثبتوا أنهم يمكنهم أن يفعلوا ذلك في ظل ظروف زيادة الدور وبمقدرة متزايدة".

مؤامرة جديدة.. "تدويل القناة"

النجاح المصري أثار حفيظة بريطانيا وفرنسا، حيث قامت إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة بإصدار بيان فى 2 أغسطس عام 1956 يدعون فيه أن القناة ذات صبغة دولية مطالبين بإنشاء إدارة لها تحت إشراف دولى واقترحوا عقد مؤتمر دولى من الدول التى لها مصلحة فى القناة فى لندن يوم 16 أغسطس عام 1956.

إلا أن مصر رفضت حضور مؤتمر لندن، كما أنها استنكرت صيحات التهديد والوعيد التى أخذت تنبعث من لندن وباريس، وعقد المؤتمر فى 16 أغسطس بلندن وتقدم وزير خارجية أمريكا بمشروع يستهدف تدويل القناة وإداراتها بواسطة مجلس إدارة دولى لا شأن له بالسياسة القومية لمصر، وأخفقت اللجنة التى قررها المؤتمر للحضور إلى مصر وعرض مباحثات المؤتمر على الرئيس جمال عبد الناصر الذى رفض أى إدارة دولية للقناة وأى إشراف دولى على إداراتها.

وعقد مؤتمر لندن الثانى فى 19 سبتمبر 1956 وابتكر مشروع تأليف جمعية أسماها (هيئة المنتفعين بالقناة) تتألف من انجلترا وفرنسا وأمريكا وتضم ممثلين عن الدول التى تستخدم القناة، تقوم هذه الجمعية بإدارة القناة وجمع رسوم المرور، وتزود السفن بالمرشدين، وتدفع لمصر إيرادًا معقولًا فى مقابل التسهيلات التى تقدمها مصر، وكان هذا  المشروع بمثابة مخطط جديد لتدويل القناة، ولكن ظهر خلاف بين أعضاء المؤتمر حول ذلك المشروع.

وفى مؤتمر لندن الثالث الذى عقد فى أول أكتوبر 1956 تشكلت هيئة تنفيذية لهيئة المنتفعين من سبعة أعضاء (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والنرويج وايطاليا وايران وممثل سابع يختار فى المستقبل)، ورفضت مصر فكرة الهيئة من أساسها وقال عبد الناصر " أنها ليست جمعية المنتفعين بالقناة أنها جمعية لاغتصاب الحقوق واغتصاب السيادة وإعلان الحرب"

ولم يخف على مصر أن بريطانيا وفرنسا كانتا تدبران أمرًا طوال تلك الأثناء وأن ثمة نية للعدوان كانت مبيتة وتم الاتفاق عليها بين هاتين الدولتين، وتقدمت فرنسا وبريطانيا بشكوى إلى مجلس الأمن فى سبتمبر 1956 للتستر على استعداداتهما الحربية للعدوان على مصر.

واجتمع مجلس الأمن يوم 5 أكتوبر لمناقشة مشكلة القناة وظل يناقش الموضوع حتى أصدلر قراراته فى 13 أكتوبر بأن تحل مشكلة القناة حلًا سلميًا عن طريق المفاوضات بين مصر من ناحية وفرنسا وانجلترا من ناحية آخرى، ووضع مجلس الأمن مبادىء ستة لتكون أساسًا لتلك التسوية السلمية هى:-

1- أن يكون عبور القناة حرًا مباحًا لجميع الدول دون تمييز صريح أو ضمنى، وهذا يتناول النواحى السياسية والفنية.

2- احترام سيادة مصر.

3- عزل إدارة القناة عن سياسة أى دولة.

4- تقرير طريقة تحديد الرسوم والمصاريف بالاتفاق بين مصر والدول التى تستخدم القناة.

5- تحديد نسبة عادلة من الرسوم المحصلة لتحسين القناة.

6- فى حالة النزاع يجب حل الشئون المتعلقة بين شركة القناة السابقة، وبين الحكومة المصرية عن طريق هيئة للتحكيم تحدد مهمتها واختصاصها تحديدًا واضحًا.

ولم يسع مصر ـ وهى الدولة الحريصة على احترام قرارات هيئة الأمم ـ سوى الاستجابة لقرارات مجلس الأمن، فاستعدت للمفاوضات التى قررها المجلس، وفى اليوم المحدد لإجراء هذه المفاوضات وهو يوم 29 أكتوبر عام 1956 فوجىء العالم بالعدوان الذى دبره الاستعمار على مصر.

بدء العدوان وخطة المؤامرة الثلاثية 

دبرت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مؤامرة ثلاثية على مصر أطلق عليها المصريون “العدوان الثلاثي” وأطلق عليها الغرب “حرب السويس”، على إثرها بدأ هجوم إسرائيلي مفاجئ يوم 29 أكتوبر 1956، تلاه تقديم كل من بريطانيا وفرنسا إنذارا لمصر يوم 30 أكتوبر يتضمن  إيقاف جميع الأعمال الحربية فى البر والجو والبحر، وسحب جميع القوات العسكرية إلى مسافة عشرة أميال من قناة السويس ، وأن تقبل مصر احتلال القوات البريطانية والفرنسية للمواقع الرئيسية فى بورسعيد والاسماعيلية والسويس.

وعلى مدار الأشهر التي تلت هذه الإنذار شنت انجلترا وفرنسا وإسرائيل حرب عاصفة على مصر قابلها الشعب المصري باستبسال، لتمنى الدول المعتدية بالفشل، فلم تفلح الجيوش المعتدية فى إحراز نصر أو تقدم أمام مقاومة المصريين لهذا العدوان، وهكذا باءت الدول المعتدية بالفشل، فاضطرت إلى وقف إطلاق النار فى 7 نوفمبر عام 1956.

وتلكأت القوات البريطانية والفرنسية فى تنفيذ الجلاء ولكن المقاومة الشعبية لم تهدأ حتى بدأ الانسحاب فى شهر ديسمبر ورحل آخر فوج من المعتدين يوم 23 ديسمبر عام 1956، كما بدأت القوات الاسرائيلية فى الانسحاب بعد الاتفاق على وجود قوات طوارىء دولية فى شرم الشيخ لتكون حاجزًا بينها وبين القوات المصرية، حتى غادرت القوات الاسرائيلية العريش في 14 يناير 1957 ثم رفح وخان يونس وأخيرًا انسحبت من غزة فى 6 مارس عام 1957.

وأمام تمزق الموقف الشعبى فى بريطانيا وفرنسا ووجود مظاهرات معادية متزايدة اعتزل انطونى ايدن رئيس وزراء بريطانيا منصبه بالاستقالة فى 9 يناير 1957، كما سقطت وزارة جوموليه رئيس وزراء فرنسا فى 21 مايو 1957.