الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

فورين بوليسي: صراع القوة بين الغرب وروسيا يهدد عمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا

 وزير الخارجية الروسي
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الوقت الذي يرى فيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن مشاكل كبيرة تراكمت في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وأن الغرب يحاول السيطرة عليها ويرفض فرصة تحويلها إلى جسر حقيقي للتواصل مع روسيا بعد الحرب الباردة، فإن الغرب يرى في المقابل أن روسيا هي التي تحاول القضاء على هذه المنظمة ونسف دورها.
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنه بعد تسعة أشهر من الحرب على أوكرانيا، شنت روسيا هجوما آخر، ولكن على الجبهة الدبلوماسية، إذ حذر دبلوماسيون غربيون من أن روسيا تقوض عمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تعد أكبر منظمة أمنية إقليمية في العالم.
وتعود نشأة المنظمة، ومقرها فيينا، إلى الحرب الباردة حيث كانت حينها بمثابة المنصة الوحيدة للحوار بين الشرق والغرب، ومنذ ذلك الحين، لعبت دورا مهما في مجموعة متنوعة من جهود منع النزاعات وإدارتها في أوروبا، بما في ذلك في أوكرانيا وجورجيا وكذلك في منطقتي ناجورنو كاراباخ وترانسنيستريا الانفصاليتين.
لكن روسيا –وفقا للمجلة الأمريكية- تعيق حاليا القرارات المتعلقة بالميزانية السنوية للمنظمة ورئاستها لعام 2024، والتي تعد حاسمة لسير العمل الطبيعي في المنظمة، وبالتالي ستؤدي إلى أزمة وجودية لها، إضافة إلى ذلك، رفضت روسيا تمديد ولايات العمليات الميدانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أوكرانيا؛ ما أدى إلى إغلاقها بالكامل هذا العام، حيث يجب اعتماد جميع القرارات ذات الصلة بإجماع الأعضاء الـ 57، وهو ما يمنح روسيا الفرصة للتحكم في عملية صنع القرار في المنظمة.
وتعد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا المؤسسة الأمنية الوحيدة التي تجمع الولايات المتحدة، وكندا، وجميع الدول الأوروبية وجميع دول الاتحاد السوفييتي السابق، بما في ذلك روسيا، وتقوم على نهج شامل للأمن، الذي لا يشمل فقط جوانب الأمن العسكري ولكن أيضا حقوق الإنسان والقضايا الاقتصادية والبيئية التي تعد حيوية للأمن الأوروبي الأطلسي.
وتقود المنظمة أيضا أنشطة لدعم الإصلاحات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية وسائل الإعلام، وحقوق الأقليات القومية، وسياسات مكافحة الفساد، بالإضافة إلى دعم تدابير الحد من التسلح وبناء الثقة والأمن العسكري، مع اضطلاعها بمهام مراقبة الانتخابات في الدول الأعضاء.
وترى "فورين بوليسي" أن جميع الأنشطة سالفة الذكر مهددة الآن بشكل خطير بالنظر إلى مواقف روسيا الي وصفتها بـ "المتشددة".
بدورها، تتهم روسيا دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بالتركيز الشديد على حقوق الإنسان وحرية الإعلام ومراقبة الانتخابات بدلا من العمل بشكل أكبر على الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والبيئية.
وتشعر موسكو أيضا أن مؤسسات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تعمل في مجال حقوق الإنسان وحرية الإعلام "منحازة بشكل كبير" لصالح الرواية الغربية، وهو الاعتقاد السائد لدى موسكو منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كما اتهمت روسيا بعثة المراقبة الخاصة (مجموعة العمل الميداني الرئيسية للمنظمة في أوكرانيا والتي توقف عملها بسبب الضغط الروسي) بإصدار تقارير متحيزة سياسيا، وتجاهل مشاكل السكان الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، ما دفع موسكو لرفض الموافقة على تمديد تفويض البعثة في مارس الماضي، وذهب الأمر إلى حد إعلان وكلاء روس في شرق أوكرانيا أن مهمة المراقبة الخاصة التابعة للمنظمة غير قانونية ويتعاون بعض أعضائها مع أجهزة المخابرات الأمريكية والأوكرانية.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن أحد أكبر المخاطر التي تواجه منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حاليا هو المأزق المستمر بشأن الميزانية، فعلى مدار الاثنى عشر شهرا الماضية، رفضت روسيا الموافقة على اقتراح ميزانية 2022 البالغ نحو 138 مليون يورو (143 مليون دولار)، كما أن هناك عددا قليلا من الدول الأعضاء الأخرى في المنظمة، بما في ذلك أرمينيا وأذربيجان، ترفض أيضا مقترح الميزانية، وذلك لإلحاق الضرر ببعضها البعض (بحسب المجلة).
وتستخدم روسيا الميزانية – وفقا للمجلة الأمريكية - كأداة سياسية لتقويض أنشطة المؤسسات الحيوية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مثل مكتب المنظمة للمؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك ممثل المنظمة المعني بحرية وسائل الإعلام. 
وتجدر هنا الإشارة إلى أن المنظمة وبدون ميزانية متفق عليها، استطاعت العمل بشكل محدود خلال الأشهر الماضية على أساس المخصصات الشهرية المؤقتة، حيث وفقا للوائح المالية للمنظمة، لا يُسمح بتنفيذ مشاريع جديدة أو إطلاق أنشطة جديدة أو إبرام عقود جديدة مع المنظمات الأخرى قبل إقرار الميزانية، لذا فإن الطريقة الوحيدة للتغلب على حالة الشلل شبه التام وعدم القدرة على الاستجابة للأزمات الجيوسياسية أو مزيد من التدهور في البيئة الأمنية العامة، تتمثل في تقديم الدول الأعضاء في المنظمة ما يسمى بالمساهمات الخارجة عن الميزانية الأساسية لمشروعات محددة، وإن كان هذا الحل في أفضل الأحوال هو حل مؤقت.
وتتجسد المعضلة الأكبر بالنسبة للمنظمة في أن أي تعديل لقواعد وإجراءات المنظمة يتطلب قرارا بالإجماع، وهو الأمر الذي من المحتمل أن تعترض عليه روسيا حاليا، وربما أيضا من جانب دول غربية تفضل الإبقاء على منظمة الأمن والتعاون في أوروبا كمنتدى بين أنداد (متنافسين).
كما تتمثل أحد الجوانب الأخرى التي تسبب مشاكل للمنظمة في حقيقة أن الرئاسة البولندية الحالية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا غير قادرة على صياغة إجماع حول المرشح لرئاسة المنظمة لعام 2024، حيث تتولى بولندا الرئاسة حتى 31 ديسمبر الجاري، ومقدونيا الشمالية خلال عام 2023، وفنلندا لعام 2025، فيما يظل عام 2024 بدون توافق على الرئيس حتى الآن.
وكانت إستونيا طرحت نفسها قبل عامين كمرشح لعام 2024، وهو ما حظي حينها بتأييد العديد من الدول، لكن روسيا تعارضه بشكل تام حاليا، لذا، في حال لم يتم التوصل لقرار بشأن رئاسة عام 2024 بحلول نهاية العام الحالي، فسيتم ترك منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بدون ترويكا عاملة (هيئة تتكون من الرئيس الحالي والسابق والقادم للمنظمة)، حيث عادة ما توفر الترويكا دعما لأنشطة المنظمة ووسيلة للرئيس لتلقي الدعم من عضوين آخرين في الترويكا.
ومن شأن ذلك أيضا التسبب في فراغ بالقيادة السياسية، يترتب عليه مشاكل كبيرة لأن وزير خارجية الدولة الرئيس، يتولى عادة مجموعة متنوعة من الوظائف السياسية الرئيسية، من بينها: المساعدة في تشكيل توافق في الآراء واستضافة المجلس الوزاري السنوي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي يرسم خارطة الطريق للفترة المقبلة، إلى جانب زيارة رئيس المنظمة بؤر الأزمات ولقاء القادة السياسيين لتعزيز أنشطة المنظمة في مجال السلام ومنع نشوب النزاعات.
ويرى العديد من دبلوماسيي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن مقدونيا الشمالية - البلد الذي سيتولى رئاسة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا العام المقبل - سيتعين عليها بدء مفاوضات بسرعة لتشكيل إجماع حول مرشح الرئاسة لعام 2024 بدلا من إستونيا، لتجنب حدوث أزمة قيادة، وهناك بالفعل عدد من الأسماء المطروحة، بينها: كازاخستان واسبانيا.
ولكن حتى تبدأ هذه المفاوضات، سيتعين على استونيا أولا أن تسحب ترشيحها، وهو الأمر الذي قد لا ترغب فيه استونيا وبعض الدول الغربية تحت مسمى "عدم الاستسلام للضغط الروسي"، وبالتالي قد تتمسك هذه الدول بدعم ترشيح إستونيا لعام 2024، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى مأزق كامل في عملية صنع القرار وفراغ في القيادة مع عواقب وخيمة على قدرة منظمة الأمن والتعاون على الاستجابة بفعالية للتهديدات الأمنية في منطقتها.
ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن الوقت ينفد لأن أي مرشح لعام 2024 سيحتاج إلى وقت كاف (12 شهرا على الأقل) للتحضير لهذه المهمة المعقدة، إذ يجب اتخاذ قرارات سياسية حول الأولويات خلال فترة تولي المنصب، وتخصيص الموارد المالية والبشرية، كما أن الأنشطة الميدانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا تعرضت لضربة منذ العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بسبب اعتراضات موسكو، حيث اضطرت المنظمة إلى إيقاف كافة عملياتها الرئيسية في أوكرانيا، ومن بينها: بعثة المراقبة الخاصة، التي تم نشرها لأول مرة في عام 2014 وكانت بمثابة عيون وآذان المجتمع الدولي على الأرض في أوكرانيا. 
ولا يجب إغفال أن المنظمة ما تزال تحتفظ بـ 13 مهمة ميدانية في مناطق أخرى، بما في ذلك في جنوب شرق أوروبا وآسيا الوسطى وأوروبا الشرقية، ولكن التفويضات الخاصة بهذه البعثات سوف تنتهي في 31 ديسمبر الجاري، وبدون التمديد في الوقت المناسب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى المزيد من عمليات الإغلاق؛ ما قد يحرم المنظمة من عملها الميداني القيم لدعم بلدان مثل ألبانيا ومولدوفا وكازاخستان وطاجيكستان.
ويؤكد دبلوماسيون في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أنه من السابق لأوانه تحديد نوايا موسكو الدقيقة، وما إذا كانت ستوافق على تجديد التفويض للمهام الميدانية المتبقية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا أم لا، إذ أن هناك اعتقاد عام بأن روسيا تدعم بعثات المنظمة في آسيا الوسطى وكوسوفو، ولكن لا يوجد شيء مؤكد حتى الآن. 
لذا، إذا قررت دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الغربية اتباع نهج "كل شيئ أو لا شيئ"، فإن ذلك يعني أنها ستوافق فقط على تمديد الحزمة الكاملة لجميع تفويضات مهام المنظمة منتهية الصلاحية، ولكن إذا أصرت روسيا في نفس الوقت على التجديد لبعض المهمات فقط، فإن الخلافات بين الجانبين ستكون لها عواقب وخيمة للغاية، حيث قد يصل الأمر إلى فراغ في قيادة المنظمة، وتوقف أنشطتها، وبالتالي ستمضي في مسار صعب أو ما يمكن وصفه بـ "الموت البطيء".