السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أعوام الموت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الأزمة هنا لم تكن أبدا في الطعام والشراب بل كانت دائما في الحلم في شغف الحياة، حتى الذين يملكون الأموال هنا يطاردون الشغف ولا يجدونه، يثملون كثيرا ويغيبون عن الواقع الخاص مع أنه للعوام أحلام بعيدة المنال.
وكأننا جميعا نقف صامتين أمام ماكينة الأيام نقرأ أوراقها يوم بيوم.. تتغير فيها الأرقام ونحن جميعا غارقون في حساباتها المعقدة، حتى أننا أصبحنا لا نبالي بمن يبكي أو يفرح من حولنا.
لا قاعدة هنا للاستمتاع.. لا فرق بين الجدل والهزل فالحياة باتت "كنكتة معادة".
وقع يسير أتوماتيكيا وكأننا قوالب بلا روح ربطت بخط سير يومي.

أتساءل هل أنا فقط الذي أشعر بذلك أم أنه شعور جمعي بأرق وقلق وسهر في انتظار صبح لا يجىء.
ليل طويل أمام شاشات تعيد ما حفظناه من سنوات وأحاديث سئمنا سماعها حتى وسائل التواصل الافتراضية دخلت دائرة الملل.
ربما كان ثبات المشهد نعمة للبعض يتمنى دوامه لكن ما معنى الحياة إذا تحول الناس إلى دواب؟ إذا لم يكسرهم الحزن ويقيم ظهورهم الفرح؟ إذا لم يفشلوا وينجحوا ويصرخوا ويضحكوا ويشيعوا الأمس ويستقبلوا الغد.
حتى الذين يندسون بين الجمع محاولين التيه من سؤالهم الأبدي: أين الشغف؟ في كل موضع يجدون أمامهم نفس السؤال.
بات أمر الحياة هينا في أمة كانت تتفنن في صنع سبل للحياة، ابن ينتحر ويعلق المشنقة في عنق أبيه أنه السبب في فشل حبه، وأب يمضغ حبة غلة سامة دون رواء ويترك غصة لابنته لن تزول: سامحيني يا بنتي.. موت ثمل في الطرقات يستقل "باص" أو "قطار" أو يقطع الطريق عنوة ليس له وجهة لكنه يعبث بالمارة ثم يترك ابتسامة تشفي ويركض دون حتى أن يحصر أعداد الجثامين، أخبار متواترة متضاربة عن عدد الوفيات وصحف فرغ محتواها وقلت أعدادها إلى الحد الذي لم نجد معه أوراق منها تغطي جباة الجثامين على الطرقات.. كلمات صارت كعلكة تتشدق بها بائعات الهوى ليال طويلة حتى يمضغن مرارتها دون أن يطرق الباب أحد زبائنها.
هي إذن أعوام الموت دون تجمل وزيف ومحاولات للحياة.. البعض يعي ذلك فيستسلم والبعض الآخر يقاوم على أمل أن بعد هذا البرزخ شغف فيبني أمنيات من الثرى بدلا من أن يهيله على رأسه.
ورغم كل ذلك لا نملك غير أن نقاوم.. نقاوم ساعات الملل الطويلة.. نقاوم تيار اليأس الجارف.. نقاوم سطوة الليل.. نقاوم طرقات الموت على الأبواب.. نرقص نكاية في الحزن.. نرقص على الأشواق.. ونستدعي الحلم ولو في الخيال.. فعسى أن يأتى صبح غير هذا يحمل معه شيئا مما عشنا وتمنيناه.