الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الوالي ومشايخ الحكم الديني (1-2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لتعلم حجم ما أنجزه محمد علي باشا في تحديث مصر، وإنقاذها من الحكم الديني تأمل معي السطور القادمة من موقع "أعمال العقل فريضة" كتبها. 
أولًا: مصر قبل محمد علي كان يحكمها رجال الدين في الواقع، فهم الذين يختارون الحكام ويباركون أمراء المماليك، اقرأ عن ثورات "الحسينية الأولى 1786م والحسينية الثانية 1790م" واقرأ عن ثورة بلبيس سنة 1795م فجميعها كانت ثورات دينية يشعلها رجال الأزهر ضد المماليك، ولا تخمد الثورة إلا باعتذار الوالي ووعوده بألا يخرج عن خط الشيوخ ورجال الدين..
ثانيا: جاءت الحملة الفرنسية وعززت نفوذ رجال الدين، فأشعل الشيخ "أبو الأنوار السادات" ثورة القاهرة الأولى، والشيخ "عمر مكرم" ثورة القاهرة الثانية، والسبب في تعزيز نفوذهم أن هذه الحملة كانت أول دخول (مسيحي أوروبي) مصر بعد الحروب الصليبية، فالناس رأوا نابليون (قائد صليبي) وشيوخ الأزهر أقنعوا الناس أن جيش نابليون هو امتداد للحروب الصليبية، فأعلنوا الجهاد الديني واشتهر شيوخ الأزهر حينها برفع (البيرق النبوي الأخضر) في المعارك، وهو نفس البيرق المرفوع في الموالد وعلى رؤوس الأضرحة..
ثالثا: قيادة الأزهر وقتها لم تكن للأعلم والأكثر صدقا وأمانة بل كانت بالوراثة، والتاريخ يسجل أن (الجد والأب والحفيد) كانوا كلهم شيوخ أزهر، فالجد هو الشيخ "أحمد العروسي" وتقلد منصب شيخ الأزهر من عام 1778- 1793 م والإبن "محمد العروسي" شيخ الأزهر من عام 1818- 1829م، والحفيد "مصطفى العروسي" شيخ الأزهر من 1864-1870م، ومحمد علي كان ذكيا أبصر ذلك ورأى أن أفضل وسيلة للتعامل مع الأزهريين هي سياسة (العصا والجزرة) بعدما كان الأزهر هو الحاكم الفعلي لمصر قبل ولاية الباشا الألباني، ولم يفلح من سبقوه في تهديد الأزاهرة بالعصا، لكنه ابتكر سياسة الجزرة معهم لترغيبهم في النفوذ والثروة..
رابعا: الباشا الألباني كان يرى شيوخ الأزهر "بتوع مصلحتهم" والقصة ليست شريعة ولا دياولو، فهم من تعاونوا مع نابليون بونابرت في تأسيس الديوان الوطني سنة 1798م الذي تكون من 10 مشايخ وقتها من ضمنهم "عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر" فتخيل حضرتك أن شيخ الأزهر بنفسه كان متعاونا مع نابليون، صحيح انقلب عليه بعد ذلك لكن التعاون وقصة تأسيس الديوان الوطني الحاكم لمصر من 10 فقهاء (ولاية فقيه يعني) تثبت أن الشيوخ يمكن تدجينهم وترغيبهم بالتوازي مع تهديدهم وقمعهم، وهذا ما فعله معهم محمد علي وتسبب في إزاحة الأزهريين من حكم مصر والشعب حتى الآن..فمصر الحديثة تدين بالفضل لمحمد علي بتغيير حكم الأزهر ورجال الدين منذ القرن 19 م
خامسا: بعد رحيل الفرنسيين عن مصر سنة 1801م كانت قوة الشيوخ في اثنين، الأول "عبدالله الشرقاوي" شيخ الأزهر والثاني "عمر مكرم" نقيب الأشراف، ولأن الشرقاوي كان متعاونا مع نابليون استعمل معه محمد علي سياسة العصا والجزرة فخضع الشيخ وبدأ في إحياء فتاوى "طاعة الحاكم" والتخلي عن فتاوى "الثورة" خلافا لعمر مكرم الذي ظل ثائرا فكانت النتيجة نفيه بدمياط سنة 1809 م وعزله تماما عن الحركة الشعبية في القاهرة والمحافظات، فكان أول انتصار لمحمد علي ضد خصومه المحليين ولم يعد يتبقى سوى المماليك الذي تخلص منهم بعد ذلك بعامين..
سادسا: اختار محمد علي التوقيت المناسب في القضاء على نفوذ المماليك ورجال الدين الذي كان شائعا قبل صعوده سدة الحكم سنة 1805 واستغل جيدا فرصة انشغال الدولة العثمانية بالصراع على المُلك بين "مصطفى الرابع وسليم الثالث ومحمود الثاني" وانشغالها أيضا بالثورات ضدها في البلقان وحروبها ضد روسيا وإيران، وثورات الانكشارية ضد الباب العالي عامي 1807- 1808م، فالباب كان مفتوحا على مصراعيه أن يفعل ما يشاء دون اعتراض السلطان العثماني، علاوة على ذكائه في كسب ثقة الأتراك وتحييدهم تماما عن مصر بالحملة ضد الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية سنة 1811، ونجاحه في تدمير الدولة السعودية الأولى كان هو قربان الصمت العثماني عن بدء إصلاحات جوهرية في الدولة المصرية وقرار تحديثها وبناء جيشها وتنميتها عن طريق الخبراء والعلماء الأوروبيين..
سابعا: استفاد أيضا محمد علي من فشل "حملة فريزر" البريطانية سنة 1807 م وعقد معاهدة دمنهور في نفس العام، والتي كانت تنص على جلاء الإنجليز بعد هزيمتهم على يد المقاومة الشعبية في رشيد..
ثامنا: أول جريدة مصرية أنشأها محمد علي كانت "الوقائع المصرية" سنة 1828، وهي أول جريدة تُطبع في الشرق الأوسط بالكامل..وحدثت بفضل المطبعة التي جاء بها نابليون بونابرت وكانت قد طبعت بعض الصحف أيام الحملة الفرنسية التي كانت هي مصدر موسوعة "وصف مصر" لاحقا، فنابليون عندما جاء لمصر كانت معه مطبعة أصدر فيها صحيفتين الأولى سياسية والثانية علمية..تصدر كل 10 أيام، هذه الفكرة ألهمت محمد علي بتكرار الفكرة ونجح بعد رحيل الفرنسيين وبتشجيع من علمائهم في البعثات العلمية بطبع صحيفة الوقائع..
ولما توفى محمد علي ظهرت مجلات "اليعسوب ونزهة الأفكار وروضة المدارس..وغيرها" والأخيرة كان يكتب فيها علي مبارك ورفاعة الطهطاوي ومحمود باشا الفلكي والشيخ حسونة النواوي..وغيرهم، لكن الفضل لذلك يعود لمحمد علي صاحب المبادرة، علما بأن فكرة إصدار جريدة تحمل رأيا سياسيا أو فكريا أو دينيا (كان زلزال) في حد ذاته هو الذي فتح الباب لاحقا لإنشاء عشرات الصحف اليومية.  (يتبع)