الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

فى الذكرى الـ66 لمؤامرة انسحاب المرشدين.."البوابة نيوز" ترصد كواليس المؤامرة الكبرى وخطط مواجهتها.. الصحف البريطانية تعلنها: "انتصر ناصر".. وما قصة خطاب القنصل الفرنسي لـ"المرشد دوجول"؟

ستاندر تقارير
ستاندر تقارير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

29 ضابطًا من السلاح البحرى والبحرية التجارية انضموا للمرشدين المصريين واليونانيين

رجال البحرية المصرية الذين استدعتهم إدارة القناة تحسبًا لانسحاب المرشدين الأجانب

 الصحف البريطانية تعلنها: "انتصر ناصر".. وما قصة خطاب القنصل الفرنسى لـ«المرشد دوجول» الذى كشف المؤامرة؟

تحتفل هيئة قناة السويس يوم 14 سبتمبر من كل عام بعيدها القومي، ذلك اليوم الذي أفشلت فيه الإرادة المصرية سلسلةمؤامرات حاكتها فرنسا وإنجلترا بغرض عرقلة قرار تأميم قناة السويس، الذي اتخذه الرئيس الراحل جمال عبدالناصرفي 26 يوليو 1956. وكانت الحلقة الأهم في سلسلة المؤامرات هي الانسحاب الجماعي للمرشدين الأجانب في ليلة 14 سبتمبر 1956 كمحاولة يائسة لإثبات عدم قدرة المصريين على إدارة هذا المجرى الملاحي العالمي بعد أن فشلت فرنساوإنجلترا في إثناء مصر عن قرارها الوطني بتأميم القناة، ووصفت الصحف البريطانية قرار التأميم بأنه انتصار كبير لمصر وناصر، كانت الإدارة الأجنبية تعتقد أن نجاح العمل في القناة يرجع إلى موظفيها الأجانب، وأن المصريين لن يستطيعوا إدارةالقناة بمفردهم، ومن ثم خلصت إلى أن انسحاب المرشدين والموظفين الأجانب دفعة واحدة سيؤدي إلى اضطراب العملوتوقف الملاحة في القناة ما يشكل خرقًا صريحًا لاتفاقية القسطنطينية، وبذلك لا يكون أمام القوات البريطانية والفرنسيةإلا فرض إرادتها بالقوة على مصر، واللجوء إلى التدخل المسلح بحجة إعادة الملاحة في القناة.

 

إنسحاب المرشدين الأجانب


انسحاب جماعى للمرشدين الأجانب

تقول الوثائق الرسمية لهيئة قناة السويس، إن الشركة الأجنبية طلبت عدم عودة المرشدين الموجودين في إجازة إلىعملهم، وفي يوم ٢٦ أغسطس ١٩٥٦، بلغ عدد المرشدين المتغيبين ٥٩ مرشدًا، وفي منتصف ليلة ١٤-١٥ سبتمبر ١٩٥٦انسحب جميع المرشدين والموظفين والعمال الأجانب ماعدا اليونانيين، فلم يبق في جهاز الإرشاد إلا ٥٢ مرشدًا، من أصل٢٠٧ مرشدين، وانسحب مع المرشدين ٣٢٦ موظفًا فنيًا وإداريًا من أصل ٨٠٥. 

وأكدت الوثائق أن الإدارة المصرية كانتقد أعدت خطة لمواجهة المؤامرة، فعززت جهاز الإرشاد، لديها بعناصر جديدة من البحرية المصرية، وعدد من المرشدينالأجانب الجدد، وبلغ عدد المرشدين ٥٣ مصريًا و٦ يونانيين و٩ من جنسيات مختلفة حصلوا جميعًا على تدريب مكثفمكنهم بالعزيمة والإصرار من مقاومة الانسحاب الجماعي.

 

رجال البحرية المصرية الذين استدعتهم إدارة القناة تحسبأ لانسحاب المرشدين الأجانب

بداية المؤامرة

في ليلة ١٣ سبتمبر، بدأ يحاك أول خيوط المؤامرة، إذ أخطر الفرنسي بول ريموند، مدير إدارة الملاحة بقناة السويس،المهندس محمود يونس، رئيس هيئة قناة السويس قرار الانسحاب الجماعي للمرشدين الأجانب البالغ عددهم ٢٠٧مرشدين بحجة استيائهم من معاملة الإدارة المصرية، رغم أن القرار جاء بناءً على تعليمات إدارة الشركة في باريس،وفي الليلة التالية مباشرة ترك ٥٥ مرشدًا أعمالهم وجلس بعضهم في النوادي المطلة على مياه القناة وبجوارهم مراسلوالصحف الأجنبية الذين تجمعوا ليسجلوا الحدث المتوقع بتوقف الملاحة في قناة السويس، غير أن المؤامرة تحولت إلىملحمة بطولات بفضل دقة القراءة المسبقة للإدارة المصرية، حيث توقعت مصر منذ بداية التأميم اتخاذ فرنسا وإنجلتراهذه الخطوة وعلى أثر ذلك، رتبت الإدارة المصرية لإلحاق ٦٨ مرشدًا تم تدريبهم بواسطة المرشدين القدامى.

 

كشف خيوط المؤامرة

وأكد المهندس عبدالحميد أبوبكر، واحد من ثلاثة قادوا عملية تأميم قناة السويس في مذكراته الشخصية، أن المديرينالفرنسيين لم يكتفوا بعصيان أوامر الإدارة المصرية، بل حاولوا تحريض المرشدين الأجانب والمصريين الذين كانوايعملون بالشركة قبل التأميم ليحذوا حذوهم، ولكن المصريين لم يستجيبوا لمحاولاتهم، وكان هؤلاء المصريون عونًا كبيرًافي تشغيل المرفق، مشيرًا إلى أنه منذ صبيحة يوم التأميم كانت الشكوك كلها تؤكد أن انسحاب المرشدين والموظفينالأجانب سيكون أول حلقة في الصراع الطويل الذي بدأ بعد تأميم قناة السويس وانتهى بالعدوان.

وأضاف: «كانت الشركة المؤممة توقن أن المصريين مهما بلغوا من خبرة فلن يستطيعوا أبدًا النهوض بمسئوليات المرفقولن تتوافر لهم الإمكانيات اللازمة للإدارة، لذلك كانت ترى أن انسحاب المرشدين والموظفين والفنيين الأجانب من الشركةدفعة واحدة سوف يضرب دولاب الحركة وتتعطل الملاحة في القناة، ولما كان تعطيل الملاحة في القناة يشكل خرقًا صريحًالاتفاقية القسطنطينية، التي تكفل لجميع دول العالم حرية المرور في قناة السويس في أوقات السلم والحرب، فسوفتكون القوات البريطانية والفرنسية في حل من فرض إرادتها على مصر واللجوء الى التدخل المسلح».

خطة المواجهة

وتابع: «لذلك منذ اللحظة الأولى للتأميم تم تحديد الوظائف الحيوية وأغلبها كان في أقسام الملاحة، وقام كل مسئول فيمجموعة التأميم بالعمل مع إدارة بمراقبة ودراسة كل شىء فى موقعة، وتم جمع أكبر قدر من المعلومات عن تشغيل هذاالموقع».

وذكر «أبوبكر» أنه تم توزيع المهام، حيث تولى سعيد الرفاعي وفؤاد الطودي العمل مع مدير الملاحة ريمون ومساعده،وتولى مشهور وقاسم سلطان مكتب الحركة الرئيسي في الإسماعيلية، وقام المهندس إبراهيم زكى وحسن إسماعيلومحمد حسان بالعمل مع ديركور مدير الأشغال ومساعديه، وواصل في مذكراته: «كان على كل واحد من هؤلاء أن يدرسبكل دقة الأسلوب الأمثل لدراسة الموقع الذي يعمل فيه، فلم يكن التأميم مجرد الاستيلاء على المرفق وإنما استمرارالملاحة». وأشار، إلى أن عدد المرشدين في القناة كانوا ٢٠٥ مرشدين، منهم ٢٩ مرشدًا مصريًا، منهم ٥ مرشدين تحتالتدريب، و١٧٦ مرشدًا أجنبيًا منهم ٦١ فرنسيا و٥٤ إنجليزيا و١٤ هولنديا و١١ نرويجيا و١١ يونانيا و٣ دنماركيينومثلهم بليجي وأمريكي وسويدي والباقي من جنسيات أخرى.

وتابع: «السفينة تحتاج لعبور القناة ٥ مرشدين، وكان متوسط عمل المرشد ١٥ سفينة في الشهر، ومرشد احتياطي يحلمحل المرشدين الأساسيين في الإجازات، وهذا يعني وجود نقص كبير في نسبة المرشدين المصريين إلى الأجانب المعينينبعد الاتفاقية التي وقعتها الحكومة المصرية مع الشركة المؤممة عام ١٩٤٩ فيما يخص نسبة الموظفين المصريين أمامالأجانب، وهذا يرجع إلى الشروط التعسفية التي وضعتها الشركة لتعيين المرشدين المصريين».

كان موضوع المرشدين نظرًا لأهميته الشديدة يطرح نفسه للنقاش كل ليلة واستقر الرأى أخيرًا على ضرورة دراسةعمليات المرشدين في القناة دراسة وافية، وقرر المهندس عبدالحميد أبوبكر وفؤاد بكر وعادل عزت بمرافقة المرشدين فيرحلاتهم عبر القناة لدراسة طبيعة هذا العمل.

وبدأت التجربة

وأضاف «أبوبكر» فى مذكراته: «رافق ناقلة بترول سويدية من بورسعيد مع مرشد فرنسي، بدأنا تدوين كل شىء يقومبه المرشد، وكانت أهم الملاحظات أن الذي يقود السفينة والمسئول عنها أثناء عبورها القناة هو قبطان السفينة، وهذاخلاف ما كنا نعتقد ونتصور ونفهم، فقد كنا نفهم أن المرشد هو الذي يقود السفينة، وأنه مسئول عنها أثناء عبورها القناةكما أن عمل المرشد الرئيسي مراقبة علامات إرشاد السفن التي تعلنها ١١ محطة إرشاد على طول القناة، وتعليماتمكتب الإرشاد الرئيسي، كي يعرف سرعة السفينة ومدى مطابقتها المعدل المطلوب، وإعطاء بيانات عن الرياح والتياراتالمائية والضباب وكل ما له علاقة بالملاحة».

وواصل في مذكراته: «على المرشد نقل هذه المعلومات إلى قبطان السفينة مع إعطائه النصائح والتوجيهات اللازمة، وقدلوحظ أن كثيرا من قباطنة السفن القدامى الذين عبروا القناة عشرات المرات يتقنون هذه العملية، ويظل المرشد علىاتصال دائم بمكتب الحركة، فهو: أولًا: يتلقى أى تعليمات خاصة بالملاحة، ثانيًا: يبلغ المكتب بالملاحظات التي يرىضرورة لإبلاغها، كما أن عمل المرشد هام جدًا، خاصة في حالة المنحنيات في القناة، أو المد والجزر والتيارات المائية أوالضباب، أو الأعطال أو الحوادث، خاصة بالنسبة لقباطنة السفن الذين يعبرون القناة وليست لديهم خبرة طويلة سابقة،لذلك عملية الإرشاد تحتاج إلى تدريب وخبرة وحنكة».

وبحسب مذكرات «أبوبكر»: «لم تمر الأيام الأولى من شهر أغسطس إلا واحتمال انسحاب الأجانب يقفز من موقعالاحتمال إلى دائرة اليقين، كانت شواهد كثيرة قد ظهرت في الأفق تؤكد أن في النية شيئًا، فبدأت اجتماعات المرشدينالأجانب في النادي الفرنسي في بور توفيق وفي الإسماعيلية وفي بورسعيد تنحو منحى جديدًا، وكان الحديث الذييدور في هذه الاجتماعات يتركز حول موضوع واحد، عن مصدق وإيران وفشل التأميم هناك، وشائعات أخرى عن أنالهيئة الجديدة التي تولت إدارة قناة السويس سوف تسحب من الأجانب امتيازاتهم، رغم تأكيدنا المستمر بما يفيد عكسهذا تمامًا».

وواصل «أبوبكر» فى مذكراته: «كان الملاحظ منذ اللحظة الأولى أن المرشدين والموظفين الفنيين الأجانب الغائبينبالخارج فى الإجازة السنوية لا يعودون إلى مصر، عند انتهاء إجازاتهم، وأن بعض المرشدين الأجانب العاملين فى الهيئةيتمارضون ويمتنعون عن العمل كم ظهرت في أسواق الإسماعيلية وبورسعيد عمليات بيع أثاث منازل كثير من المرشدينوالموظفين الأجانب، الذين كانوا في الخارج، واتضح أنهم أرسلوا لزملائهم يطلبون منهم تصفية ما تبقى لهم في مصر،وعثر في شقة (دوجول) الفرنسى على خطاب من القنصل الفرنسي، وكان (دوجول) في إجازة وقد كلف أحد زملائه منالمصريين بالمرور على شقته، وأعطاه مفتاحها حتى يتفقدها بين حين وآخر، وطلب منه في الخطاب مغادرة البلاد».

وأضاف: «كانت تقارير أجهزة الأمن تحمل إلينا صورة عن النشاط الذي يقوم به القنصلان البريطاني والفرنسي فيبورسعيد والإسماعيلية، واجتماعاتهم ليس مع المرشدين فقط، وإنما مع بعض المكلفين بأعمال هامة في أقسام الملاحة».


حل الأزمة

وتابع المهندس عبدالحميد أبوبكر فى مذكراته، أنه لمواجهة مؤامرة الانسحاب بدأ التفكير فى تخفيض مدة تدريبالمرشدين وتخفيف كثير من الشروط التعسفية التي فرضتها الشركة المؤممة لتعين مرشدين مصريين وضرورة الاستعانةبمرشدين من السلاح البحري والبحرية التجارية ومصلحة الموانئ، وكذلك الاستعانة بمرشدين من دول العالم المختلفة،وبالفعل تم الاتصال بالقائد العام للقوات المسلحة لطلب بعض ضباط السلاح البحري والبحرية التجارية للمساهمة فيالعمل بقناة السويس، وفي صباح اليوم التالي وصل الفريق سليمان عزت إلى الإسماعيلية واجتمع مع المهندس محموديونس لدراسة الموقف، وعلى الفور انضم للعمل في القناة ١٢ ضابطا من السلاح البحري كدفعة أولى، بالإضافة إلى ١٧ضابطا من رجال البحرية التجارية.

وأضاف: «تم الاتصال باللواء يوسف حماد، مدير مصلحة الموانئ لتوفير ٦ مرشدين من هيئة إرشاد ميناء الإسكندرية،وبالفعل وافق على الطلب وقد أمضى المرشدون الستة أيامًا مضنية، فى محاولة تحصيل الخبرة اللازمة عن الميناء منالمرشدين الأجانب، فميناء بورسعيد ليس ككل الموانئ، وذلك لأن مرابط السفن متلاحقة متجاورة، سواء على الشاطئالأفريقي أوالشاطئ الآسيوي، وعلى مرشد الميناء أن يكون قادرًا على السيطرة على حركة السفينة في مسافة تقل عنطولها كما تم التواصل مع وزارة الخارجية ومفوضياتها في البلاد البحرية للإعلان في الصحف، حتى صحف فرنساوإنجلترا، عن الحاجة إلى مرشدين للعمل في القناة وانهالت الطلبات رغم المحاولات التي قامت بها فرنسا وإنجلترا لمنعربابنة السفن في دول أوروبا المختلفة، من التعاقد، والتحق في الأسابيع الستة التي أعقبت التأميم ١٤ مرشدًا، منهم ستةيونانيين، وثلاثة ألمان واثنان من هولندا ومرشد واحد من كل من إيطاليا وإسبانيا والسويد مثلًا.


الضباب يخيم على المجرى الملاحى

وتابع «أبوبكر» فى مذكراته: «في الموعد المحدد ترك المرشدون الأجانب العمل في قناة السويس دفعة واحدة وكانت علىوجوههم ابتسامة السخرية والتحدي واثقين من العودة مرة أخرى لإدارة المرفق العالمي، وفي وسط كل ذلك وصل إلىالمهندس محمود يونس، الرئيس الأسبق لقناة السويس معلومات تفيد بوجود ضباب يخيم على بعض أجزاء القناة ويجعلالرؤية منعدمة، وكان الضباب من الظواهر التي تجعل الشركة المؤممة تصدر أوامر بتعطيل الملاحة بمجرد ظهوره، لكنفي ليلة الانسحاب لم يكن مسموحا بذلك القرار، لذلك أمر يونس بحشد أكبر عدد ممكن من السيارات على ضفاف القناةلإضاءة المرفق بكشافاتهم وواصلت السفن سيرها دون توقف حتى زال الضباب ووضحت الرؤية ليرى العالم النصرالمبين للإدارة المصرية»، وعبرت قناة السويس في ليلة الانسحاب ٥٠ سفينة، وفي اليوم التالي عبرت ٤٢ سفينة لم يعق سيرها عائق واستطاعالمرشدون المصريون واليونانيون أن يسيروا العمل في القناة.

 

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر


«ديلى سكيتش»: فاز جمال عبدالناصر بقناة السويس.. ولن نسترجعها مرة أخرى

عبر أشد الصحف البريطانية عن عدم تمسكها بالمبادئ الاستعمارية، وأعلنت انتصار الرئيس جمال عبدالناصر، وكتبتصحيفة «ديلي سكيتش» تقول: «يجب أن نكف عن خداع أنفسنا بعد اليوم في مسألة قناة السويس فقد فاز بها الرئيسجمال عبدالناصر ولا يبدو من المحتمل أننا سنسترجعها ثانيًا قبل مضي وقت طويل».

أما المجلة الأمريكية «تايم» نشرت فى صفحتها الـ٢٧ بالعدد الصادر أول اكتوبر ١٩٥٦ مقالًا عنوانه «تحت ظل الإدارةالجديدة» يعتبر وثيقة تاريخية نادرة بصفة اعتراف علني بنجاح العرب من مجلة تمثل جزءًا كبيرًا من الرأى العام في بلدلم يكن موقفه من القضية محايدًا.

وأهم ما جاء في هذا المقال، أن الرئيس جمال عبدالناصر قال بعزة وشمم إننا قادرون على إدارة القناة ونعني إدارتهاوبعد ثمانية أسابيع من تأميم شركة القناة وبعد أسبوع واحد من الانسحاب يبدو أن «ناصر» كان يفخر بما حدث فقد مرمنذ التأميم ٢٤٣٢ سفينة بسلام منها ٣٠١ عقب الانسحاب الجماعي.

قام جون مكلين، مراسل «التايم»، برحلة على طول القناة قطع خلالها مـسافة المائة والثلاثة أميال على ظهر ناقلة البترولالإيطالية الضخمة «كوراجيو» ثم أبرق قائلًا:

رفعت الناقلـة «كوراجيـو» مرسـاهـا مـن ميناء بورسعيد متجهـة صوب الجنوب في منتصب الساعة الثامنة صباحًا وكانترتيبها الرابع عـشـر فـي قافلة مكونة من ٢٤ سفينة. فأصدر المرشد المصرى إبراهيم الشيتي- الذي يجيد اللغةالإيطالية- تعليماته الأولى «Avanti adaio، venti a dritta» إلى الأمام،ببطئ، ٢٠ درجة إلى اليمين.

فسرنا بتـؤدة ومررنا أمـام تمثال فردينانـد ديليـسبس البرونزي المنبسط الذراع، ثم رأينا مكاتب القناة يرفرف عليها العلمالأخضر بعـزة وإبـاء، ثـم سـفينتين حربيتين صغيرتين كانت الحكومـة المصرية قد اشترتهما من الإنجليز في أيام أفضلمن هذه.

وفي البداية كان يسود غرفة القيادة شىء من التوتر. إنالشيتي من المرشدين القدامى. له خبرة بحرية طولها ٢٧ عامًاقضى منها عشرة في ميناء القناة، وهو أحد المرشدين المصريين الثلاثة الذين استطاعوا أن يرتقوا إلى مرتبة «مرشدأول» تحت إدارة الشركة المؤممة، «علمًا بأن مصريًا واحدًا لم يبلغ مرتبة مرشد ممتاز فى عهدها».

و«الشيتي» أحد المصريين السبعة الذين كانت تسمح لهم نظم أنبار «٢» الـشركة السابقة بإرشـاد البواخر الضخمة،ولكـن الناقلـة ٢٣، ٢٠ «كوراجيـو» كـانـت مـن تـلـك السفن الصعبة القيـادة التي تعرض المرشد لأعوص المشاكل وأشقالمخاطر. كانت مصممة بحيث تستطيع أن تحمل أقصى كمية ممكنـة مـن البترول عبـر وكانت مزودة برفاصين يمخضانالطين عن بضعة بوصات من قاع المجرىالملاحي، فيدفعان السفينة إلى التمايل يمنة ويسرة، وفضلًا عن ذلك، كانت الناقلةممتلئة بغازات شديدة التفجر بقيت اتسلیت باد نان میکان في صهاريجها من آثار آخر شحنة نقلتها من البترول الخام،ولم يتسن تنقية الصهاريج بسبب تعطل جهاز التهوية. فأقل صدمة، بل مجرد شرارة، كانت كفيلة بأن تحيل الناقلة، فيلحظة واحدة، شعلة من اللهيب.

وكان ربان السفينة، «أنيللي كوبولا»، لا يفارق مركز القيادة ويترقب كل حركة، ووقف إلى جانبه مرشد ألماني، اسمه«هلموتهیلترز»، كان قد ترك العمل بقناة كييل ليلتحق بخدمة قناة السويس، وكان «هیلترز» منهمكًا في تدوين المذكراتليستكمل في أقصر فترة ممكنة التدريب السريع الذي كان يمارسه مع باقى المرشدين الجدد ليحلوا محل المنسحبين،وكان الشيتى يتولى تعليمه بمنتهى الدقة.

وعند الظهر دعاني الربان «كوبولا» إلى تناول طعام الغذاء وقال مفرجًا عما يجيش في صدره: «إذا كان لدى المصريينعدد كـاف من الرجـال مـن طـراز هذا المرشـد فـإنهم يستطيعون إدارة القنـاة بسهولة».

وكان «الشيتي» يقوم برحلته الثالثة على القنـاة بكامل طولها، دون تناوب في الإسماعيلية، أى أنه استوفى ثلاث رحلاتكاملـة فـي خمسة أيام. فقال لي، وهو يتناول طعامه، قطعة من الساندويتش: «هذا بحق عمل قاتل، ولكن علينا أن نؤديه! إنها بلادي، ولو كنت أنت محلى، أما كنت سلكت مسلكي؟».

عشر ساعات فقط.. إني أعبر قناة السويس منذ ثلاثين سنة، ولم أذكر أني عبرتها بمثل هذه السرعة!! لقد استغرقترحلتي السابقة ١٨ ساعة، بإرشاد مرشد فرنسي كان قد أكثر من شرب النبيذ حتى صار مخمورًا. فكنا مضطربين إلىمداومة تنبيهه بشرب القهوة!! إني لجد سعيد بذهاب أولئك الأجانب. فأردف «الشيتى»: «لسنا في حاجة إليهم، ولنيعودوا أبدًا».

ثم شد على يد القبطان مصافحًا وانصرف، وكانت الساعة إذ ذاك الخامسة والنصف مساءً وفى الفجر يتولى «الشيتي» إرشاد سفينة أخرى.

وأشاد وكلاء شركات الملاحة البريطانيـة فى بورسعيد بكفاءة الهيئة العربية التي تدير القناة فقالوا:

«إن مصر أدارت القناة خلال الأسبوعين الماضيين، بكفاءة تسترعي الأنظار وأن الجهود العظيمة التي تبذلها هيئة إدارةالقناة هي أحد الأسباب التي ساعدت إدارة المرفق على هذا الوجه الرائع». وكـان مـن نتائج هذا التقدير الاجتماعي أنخفضت شركات التأمين أسعارها، بالنسبة للبضائع المارة بقناة السويس، إلى المستوى الذي كانت عليه قبل انسحابالمرشدين، وألغت شركات الملاحة البريطانية الرسوم الإضافية التى كانت قد فرضتهاعلى الشحن عبر القناة، ورجع إلىطريق السويس عدد كبيرمن السفن التي كان قد تقرر تحويلها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.