الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اقتصاد التعليم بمصر بين الفرص والتحديات فى مواجهة التطور المستدام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع صبيحة كل يوم جديد تتغير ملامح العالم من حولنا تجاه تقدم وشكل جديد تتشكل معالمه وفق أليات التكنولوجيا المعاصرة لتطال كل ما هو متعلق ببني البشر سعيًا في أرضاؤه وتحقيق رفاهيته داخل المجتمعات، وفي سبيل ذلك تتغير معه بطبيعة الحال جميع مخرجاته لتجعله أكثر تطويعًا للتجدد والتحديث لتبقي المجتمعات فى حالة تهافت لهذا التجديد والتحديث الأمر الذي يؤثر بشكل أو بأخر على مسألة فرص العمل والتوظيف بين مفهومي الإندثار للوظائف التقليدية والمتطلبات الحديثة وما تشترطه من تعليم وتدريب وفق رؤية اقتصادية تجعل من العملية التعليمية أكثر نفعًا وجدية من ذي قبل.

لتبقي الدول النامية حبيسة التمسك بالطرق التقليدية للتعلم ومخرجاته لتصطدم فى نهاية الأمر بإنعدام إنتاجيتها وبطء نموها، بل والإنفاق على تعليم بلا عائد أو منفعه تذكر لتجد تلك الدول نفسها ضحية الوقوع فى براثن البطالة وما يتبع هذا المصطلح المنمق من ظواهر اجتماعية في غاية الأهمية لتتلاقى وجها لوجه بشبح الفقر والعوز وما يتبعه من فقدان للأمان الاجتماعي بتلك المجتمعات.

وتعد قضايا التعليم ومستجداته ضمن أهم المحاور التى يتم معالجتها من خلال علم الاقتصاد تقوم على مفاهيم الطلب على مخرجات التعليم وما يستتبعه من تمويل لتتحقق نتيجة لذلك الكفاءة المطلوبة للبرامج التعليمية لتتواجد العلاقة بين تلك المدخلات ومتطلبات سوق العمل ونتائجه، وينظر علم الاقتصاد إلى رأس المال البشري كونه جزء أصيل ومكون أساسي ضمن مكونات نظريات الإنتاج والتى تتطلب إنفاقًا متزايد مثله كمثل رأس المال المادى، الأمر الذي سوف يؤدى فى النهاية إلى زيادة الإنتاجية باكتساب رأس المال البشري لخصائص مستحدثة تمكنهم من زيادة الإنتاجية لينعكس على الناتج القومي إضافة إلى تزايد العائد على الإستثمار.
ويندرج الإنفاق على التعليم ضمن أهم بنود الإنفاق او الاستهلاك الحكومي، الأمر الذى ينكشف بديهيًا أنه مع تزايد الحاجة إلى تحديث للبرامج التعليمية لتأهيل الخريجين بمتطلبات العصر الحديث ليتواكب مع اشتراطات الثورات الصناعية المتعاقبة تزداد معه تكاليف الإستثمار وزيادة الإنفاق على العملية التعليمية، ليكتسب بذلك رأس المال البشري المؤهل نتيجة هذا الإنفاق لإرتفاع الدخل فى بعض البلدان المهتمة لوجود إرتباط قوي بين الناتج المحلى الإجمالي والتعليم بشكل واضح ومميز ليظهر لنا هذا جليًا فى البلدان المتقدمة.

وتمتلك مصر من  المقومات العددية لرأس المال البشري الكثير حيث يصل ما يتم ضخه لسوق العمل سنويًا ما يقارب نحو 700 ألف خريج سنويًا وفقًا لأحدث نشرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى مختلف البرامج التعليمية المتاحة عبر العديد من المؤسسات التعليمية سواء الحكومية منها أو الخاصة، لتسجل مصر نحو ثلاثة ملايين طالب وطالبة مقيدين بتلك المؤسسات التعليمية المختلفة، ونتيجة لذلك تتزايد حجم الإنفاقات على قطاعات التعليم المختلفة بمصر سنويًا وفق رؤية التغيير المنشود وخلق كيانات تعليمية بشكل مغاير تتوافق مع متطلبات التغير والتحديث المطلوب ومنها بعض المراكز والجامعات التكنولوجية المتكامله ببعض المناطق الصناعية وكذلك إفتتاح جامعات أهليه وفق برامج جديدة تتفق ومتطلبات العصر الحديث فى مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات والتى أضحت مطلوبة وبشدة سواء على الساحة المحلية والدولية.

وتأتى تلك الجهود نتيجة ما أفادت به البيانات الإحصائية والتى أكدت على تزايد نسبة البطالة لدى خريجي الجامعات لتفوق بكثير نسبة البطالة لدى غيرهم من الأميين، مما يدل على متطلبات سياسات الإنتاج والتصنيع بمصر أمًلا فى ملاحقة حركة التقدم التكنولوجى والتقني العالمي وما تتطلبه إعتمادًا على عمالة ذات تأهيل مهني جيد وتدريب مستمر لا ينقطع غير معتمدة على اليات الالتحاق بالجامعات بشكل عشوائي وغير مدروس بل وغير متكافئ مع أهداف التنمية المستدامة واحتياجات سوق العمل المستحدثة في ظل البرامج التقليدية المعتمدة على الكم لا الجودة مما أدى إلى تشبع السوق بخريجي الدراسات النظرية نتيجة تكدس الآلاف من الطلاب بكلياتها.

ولذلك ونتيجة تلك التحديات ووفق رؤية اقتصادية خالصة قد يصعب تحقيق التنمية الاقتصادية والنمو المنشود الأمر الذى ينعكس على بيئة التصنيع المحلية وتشجيعها رغبة في زيادة الإنتاج ومن ثم حجم الصادرات إلى العالم الخارجي فى ظل برامج تعليمية تقليدية يغلب عليها طابع الدراسات النظرية والاجتماعية مقابل نسبة ضئيلة جدًا من البرامج التطبيقية والعلمية والتى لا تحقق بأى حال من الأحوال طموحات ومتطلبات سوق العمل سواء الخارجي أو المحلي مما يعني معه بطالة متزايدة بين خريجي الجامعات ما دامت تعتمد العملية التعليمية على برامج تقليدية دون تغيير أو تحديث من جانب وإهتمامًا بالتدريب المستدام من جانب أخر.