السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الهجرة الدائمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الهجرة أنواع فمنها الهجرة الدائمة والهجرة المنقطعة، والمنقطعة هي الهجرة المعروفة لدينا جميعًا وهى هجرة الأنبياء وعباد الله الصالحين من ديار الكفر والفتنة إلى أرض الله الواسعة فرارًا بالدين من التعذيب والتنكيل على أيدى المشركين وقد فعلها من الأنبياء والصالحين لوط وإبراهيم وفتية الكهف ونبينا محمد وصحابته الكرام وقد انتهى ذلك النوع من الهجرة بفتح مكة لقوله «صلى الله عليه وسلم»: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا» رواه الشيخان.

وهي منقطعة لأنها انتهت بزوال أسبابها، إلا لمن تشابهت أحوالهم مع السابقين من المهاجرين فقد قال تعالى فيهم: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا». (النساء 97-99)

أما النوع الثانى من الهجرة فهو الهجرة الدائمة، وهي التي سماها الرسول بالجهاد الأكبر والذي قال عنه في الحديث: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» ويقصد به جهاد النفس وذلك النوع من الهجرة هو الهجرة الواجبة على كل مسلم ومسلمة ولذا فهى الهجرة الدائمة التى لا تنقطع فى كل زمان ومكان وتلك هى هجرة الذنوب والمعاصى المأمور بها فى قوله تعالى: «والرجز فاهجر» (المدثر 5).

وهى الهدف الأسمى الذى هاجر النبى صلى الله عليه وسلم من أجله لبناء مجتمع مسلم صالح يقوم على التقوى وعبادة الله ومحاسبة النفس ومراقبة الله وأداء الواجبات قبل البحث عن الحقوق، واجتناب الذنوب والمعاصى يكون بالتخلى عن الرذائل قبل التحلى بالفضائل، وما أكثر الذنوب والمعاصى التى يقبل عليها الناس والواجب عليهم أن هجرها في زماننا، فنحن فى زمن نحتاج فيه إلى هجرة الكثير، ولننصت لقول رسولنا الكريم وكأنه يوجه كلامه لنا فى زمننا فيقول صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع: «ألا أخبركم بالمؤمن المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» رواه أحمد فى مسنده وإسناده صحيح.

إنها الهجرة التي ترقى بالمجتمع، نحتاج إلى هجرة بذاءات اللسان وآفاته وموبقاته من الكذب والسب والقذف والفاحش من القول والغيبة والنميمة والغش والاتهام بالباطل واللعن والطعن والاحتيال ونكران الجميل وإفشاء الأسرار والنفاق والتقعر فى الكلام والجدال والمراء الذى ساد مجتمعاتنا الإسلامية.

نحتاج إلى هجرة آفات اليد وآثامها من الضرب والحرق والقتل والتعذيب والجرح وحمل السلاح وترويع الآمنين، والسرقة والنقص من المكاييل والموازين والغش والاحتكار والتدليس والخداع وكذا الإشارة باليد بالتهديد والقبائح.

نحتاج إلى هجرة موبقات الأقدام وذنوبها من السعى فى الهدم والتخريب والتجسس والذهاب إلى أماكن المجون والفساد والسعى للوقيعة بين الناس والركل والإهانة، ونحتاج إلى هجرة آثام الأذن من التجسس والإنصات إلى كل ساخر وناقد وفاسد وحاقد على مجتمعنا ووطننا وديننا وكذا الإنصات إلى الشائعات وترويجها من الساعين فى الوقيعة بين أبناء الوطن وفصائله.

نحتاج إلى هجرة ذنوب البطن التى لاتشبع من المال الحرام وأموال اليتامى والربا، والإسراف في المأكولات والمشروبات.

نحتاج إلى هجرة العلاقات المحرمة بين الرجال والنساء مهما كانت مسمياتها ومبرراتها الواقعية والافتراضية.

إذا هجرنا كل تلك الرذائل وتخلينا عنها فعلينا أن نتحلى بعكسها من الفضائل الواجبة علينا، وللحديث عنها بقية.