الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ماذا بعد الاستفتاء على الدستور التونسي؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمّتْ الموافقة على الدستور الجديد يوم 25 يوليو 2022 بنسبة مرتفعة للغاية بلغت 94.6% وهي تُترجم بأنها تأييد واسع للرئيس قيس سعيّد، وقد وصفها سعيّد نفسه بأنها بداية "مرحلة جديدة" للبلاد. ويسير بذلك الرئيس التونسي في مساره الذي رسمه للدولة منذ قرارات 25 يوليو 2021 بتعطيل البرلمان الذي يرأسه مرشد الإخوان راشد الغنوشي ويسيطر عليه فريقه الإخواني؛ تلاها تعيين حكومة من خبراء وكوادر لتصريف الأمور، كما تمّ اتخاذ عدة قرارات جريئة كانت محل جدل خاصة وأنها طالت بعض الشخصيات المتنفذة داخل السلطة القضائية والتنفيذية، في محاولة لفتح ملفات فساد ذاع صيتها بعد أن أصبح الفساد السمة البارزة في المشهد التونسي اليومي.

ولم يتراجع الرئيس رغم قلة الدعم الداخلي والخارجي بل استمر في نهجه لتنفيذ خريطة الطريق مرورًا بالدعوة للاستفتاء على الدستور الجديد، ووصولًا إلى مشهد الاحتفال بالموافقة على الدستور وسط حشودٍ من المؤيدين في شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الأكبر في العاصمة التونسية وهؤلاء المؤيدون للرئيس فقدوا الأمل في الطبقات السياسية التي قادت البلاد منذ ثورة 2011 ويبحثون الآن عن الاستقرار السياسي وإصلاح أوضاعهم المتراجعة إلى الهاوية دون توقف. وهنا تكمن القصة التونسية الحقيقية التي تعكس فشل الديمقراطية في توصيل الخبز والدواء والاستقرار والسلام للمواطنين. 

إن درس تونس بليغ المعاني لأنه درس كان يجب أن تتعلمه بنفسها على ما يبدو. وتستمرُّ مع ذلك الانتقادات الداخلية والخارجية لعملية تمرير الدستور من خلال الاستفتاء، وكان آخرها تصريح وزير الخارجية الأميركي الذي قوبل برفضٍ شعبي للتدخل الأجنبي في شؤون تونس، بما في ذلك الرفض من بعض القوى التي لم تكن تساند خطوات الرئيس سعيّد أو دستوره. 

ولعلّ نسبة المشاركة الضعيفة في الاستفتاء، والتي لم تتجاوز 27.5% فقط من إجمالي الناخبين، قد أعطت المزيد من المبررات للانتقادات الداخلية والتدخل الخارجي في الشأن التونسي. ولهذا التراجع في الإقبال على التصويت أسباب لا يمكن إغفالها، منها أن جموع الناخبين العاديين انصرفوا عن الاهتمام بالأوضاع السياسية والاستحقاقات الانتخابية وانكبُّوا على أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة للغاية على إثر الأزمات المتلاحقة وآخرها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية؛ إضافة إلى كون الأحزاب والتيارات المعارضة قادت خلال الأسابيع الأخيرة حملات واسعة لحث التونسيين على مقاطعة الاستفتاء على الدستور، مما تسبب في تشويش للناخبين. 

ورغم أن الكتلة التصويتية كانت ضعيفة إلا أن الموافقة على الدستور الجديد أعطت في النهاية شرعية للرئيس سعيّد؛ وهو مطالب الآن باستكمال الاصلاحات ذات الأولوية التي وعد بها شعبه وفي المقدمة منها دفع مشروعات التنمية وإيجاد المزيد من فرص العمل بالتوازي مع تخصيص حزمة من التدخلات لصالح الفئات الفقيرة والمهمشة خاصة بعد اتساع دائرة الفقر خلال السنوات الأخيرة 1.1 نقطة حسب البنك الدولي، وأصبح هناك 4 ملايين فقير في تونس وفقًا لدراسات حديثة، وهو عدد يمثل حوالي ربع عدد السكان. وهناك 310 ألف أسرة تتلقى مساعدات من الدولة وينتظر أن يزيد هذا العدد في الفترة المقبلة مع العودة المدرسية وقرب حلول فصل الشتاء. ومن المتوقع ارتفاع معدل الفقر 2.2 نقطة مع تفاقم الأزمة الدولية وارتفاع أسعار الغذاء ومعدلات التضخم الناتجة عنها. وتوقعت أطراف حكومية قرب التوصل لإبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي خلال الشهور القادمة وهو ما أكدته وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قبل عدة أيام متوقعةً أن تحصل تونس على اتفاق تمويلي مع صندوق النقد الدولي في النصف الثاني من عام 2022. ومع ذلك، لاتزال الخلافات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل تشكل عقبات أمام إبرام الاتفاق. وفي الوقت الذي تشدد الأطراف الحكومية على أن تأخّرَ التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يقّلل من قدرة الحكومة على إبقاء برنامج الإصلاح على المسار الصحيح، يرى بعض قيادات اتحاد الشغل وخبراء اقتصاد أنَّ المساعدات ما هي إلاَّ حلولًا موقتة وأنّ هناك حاجة ملحة حاليًّا لمنوال تنمية مختلف يعمل على دعم القطاع الخاص ووضع تيسيرات ليعود لسابق عهده في القدرة على التصدير إلى الأسواق الخارجية وتعظيم عائدات البلاد من العملة الصعبة من خلال قطاعات النسيج كثيفة العمالة والصناعات التحويلية والغذائية.

ولاشك أنَّ النجاح الاقتصادي الآن هو التحدّي الأكبر أمام الرئيس وحكومته وهو الذي سيكتب النجاح أو الفشل للتجربة التونسية، وإن كانت التحديات مضاعفة بسبب الظرف الدوليّ شديد السوء واستمرار تفاقم تداعياته على الداخل وما قد يخلقه ذلك من احتمالات للمخاطر وتزايد الغضب الاجتماعي وهو ما قد يؤخر الحكومة في تنفيذ الإصلاحات. لكنّ الشركاء، خاصة الأوروبيين، سيظلون على استعداد لدعم البلاد بعد أن تمت الموافقة على الدستور الجديد، ربما ليس من باب الاقتناع بالمسار بقدر ما أنهم يرون أن هذا الدعم يعزز الاستقرار في المنطقة ويساعد على احتواء تدفقات الهجرة عبر البحر المتوسط.