الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

علي جمعة : لا بركة في مال جمع بالغش

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قال الدكتور علي حمعة، مفتي الجمهورية السابق، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن  النبي "صلى الله عله وسلم" حرص على توجيه المجتمع وتربيته بالأخلاق الحسنة‏، وكان السبيل إلى ذلك بتخلية النفس من التصرفات والأخلاق الذميمة وتحليتها بأضدادها من جميل الصفات، واستخدم "صلى الله عليه وسلم" بما أعطاه الله من الحكمة أساليب عدة لتربية أصحابه وأمته على ذلك، ومنها أسلوب القصص.

وعن خلق الأمانة والبعد عن غش الناس وخداعهم قال "جمعة"، إنه يروي أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: إن رجلا حمل معه خمرا في سفينة يبيعه، ومعه قرد. قال: فكان الرجل إذا باع الخمر شابه بالماء ثم باعه، قال: فأخذ القرد الكيس، فصعد به فوق الدقل أي: الصاري- قال: فجعل يطرح دينارا في البحر، ودينارا في السفينة حتى قسمه (أخرجه أحمد).

وتابع الدكتور علي جمعة حديثة عبر حسابة الرسمي على "فيس بوك": "وإنما كان هذا الرجل يبيع الخمر لأنه كان جائزا في شريعتهم على قول من يرى ذلك، أما في شريعتنا فقد حرمت الخمر، ولكن نسوق القصة للعظة والاعتبار، ولندرك مدى اتساق الكون بمخلوقاته مع ثوابت الدين وقواعده،  ففي القصة يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أحد ألوان الغش، وهو غش الناس ببيع ما لا ثمن له مع ما له ثمن، أو بيع منخفض الجودة على أنه عالي الجودة، وفيها أضاف الرجل الماء الذي لا ثمن له على المبيع وباعه كأنه خال من الماء، ومثل هذا في أيامنا من يخلط اللبن بالماء أو يبيع البضائع سيئة الصنع على أنها جيدة الصنع.

أمثلة الغش كثيرة ورسولنا حذر الغشاشين بتلف مالهم
وصرح رئيس اللجنة الدينية، أن صور الغش تتعدد، ويجمعها أن يعلم صاحب السلعة أو نحوها عيبا فيها، بحيث لو اطلع عليه مريد أخذها لزهد فيها بالمرة، أو قلل من الثمن المدفوع فيها، وأمثال هؤلاء حذرهم النبي ﷺ في سياق هذه القصة من أن الله "تعالى "سيتلف مالهم بسبب غشهم وخداعهم، إذ الغش في المبايعات يؤدي إلى ذهاب بركة المال وانتزاع الخير منه، فهذا الرجل قد سلط الله عليه القرد فأتلف نصف ماله وخلص له النصف, ولا يظن أحد أن هذه قاعدة مطلقة للتعامل مع الغاش، بل الغالب أن الحرام يذهب جميعه ويجور أيضا على غيره فيذهبه معه. وفي الحديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا, فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" (صحيح البخاري).

رزق الإنسان قد كتبه الله تعالى في الأزل
وعن الرزق قال "جمعة": إن القرآن الكريم يدل في آيات عدة على أن رزق الإنسان قد كتبه الله تعالى في الأزل، وأنه لا يتخلف، فهو قد ضمن لكل مخلوق ما دامت فيه حياة، قال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود:6]، وقال: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات:22-23].
 الثراء ليس مفتاح السعادة

وأوضح "جمعة"، أن الغش قد يؤدي إلى ثراء الغاش في العاجلة، ولكن الثراء ليس هو الغاية المؤدية للسعادة في الدنيا، فقد يكون الإنسان واسع الرزق وافر المال ولكنه غير سعيد، وقد يكون حظه من متاع الدنيا قليلا ولكنه هادئ البال سعيد النفس، وسر هذا يرجع إلى ما يعرف لدى المسلمين بالبركة، يقول أبو حامد الغزالي: الدرهم الواحد قد يبارك فيه حتى يكون سببا لسعادة الإنسان في الدنيا والدين، والآلاف المؤلفة قد ينتزع الله البركة منها حتى تكون سببا لهلاك مالكها، بحيث يتمنى الإفلاس منها, ويراه أصلح له في بعض أحواله (إحياء علوم الدين).

العبرة ليست بكثرة الأشياء إنما بيركتها
والعبرة ليست بالكثرة وإنما بالبركة، ويؤيد ذلك قول الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276]، فعلى الرغم من وجود الكثرة العددية مع الربا فإن البركة تعدم منه ويصيبه النقص والزوال, وبالمقابل نجد الصدقة قد تنقص المال في الظاهر، ثم سرعان ما نجد الخلف والبركة تدب فيه فينمو ويزيد.

الغشاش تناسى أن غشة يساعد على تقليص دينة
وتابع "جمعة" حديثة مردفًا: لقد استمرأ بعض الناس الغش اليوم،حتى ارتاب كل مشتر من البائع له وكل بائع من المشتري منه، وغلبت الريبة بدلا من الثقة، وتناسى الغاش أنه بغشه يساعد على تقليص دينه ويبعد عن رحمة ربه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش أمتي فليس مني (صحيح مسلم).

خلق البشر لإعمار الدنيا وإقامة الدين ونشر مكارم الأخلاق
وإختتم مفتي الجمهورية السابق حديثة قائلًا: لقد أحاط الإسلام التعاملات بين الناس في البيوع وغيرها بجميع الضمانات التي تسهم في تبادل الثقة وشيوع الأمانة بين أفراد الأمة، ليظل المجتمع سالما من التنازع، قائما على التناصح والتعاون والتآخي، فيستقيم الأمر ويتقدم المجتمع ويتفرغ الناس إلى ما خلقوا لأجله من إعمار الدنيا وإقامة الدين ونشر مكارم الأخلاق في العالمين.