الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الولايات «المنقسمة» الأمريكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هذا هو وصفها الأقرب للواقع الآن بعد أن أدى قرار المحكمة العليا الأمريكية بإلغاء القضية التي تُعرفُ باسم "رو ضد وايد" إلى اعتراض واسع عبرت عنه الجموع المحتجّة في شوارع عدة ولايات أمريكية ضد منع الإجهاض، في مقابل تأييد من البعض الآخر لمنعه. وهو ما يمثِّلُ نقطة تحولٍ تاريخيةٍ في دولة أصبحت منقسمة بشكل متزايد.

يأتي هذا التحوّلُ بعد نحو خمسين عامًا من قرار تاريخي صدر عام 1973، قضت خلاله المحكمة العليا الأمريكية بأن الدستور يضمن حقوق الإجهاض في جميع الولايات الأمريكية. وجاء ذلك الحكمُ ليلغيَ العديد من قيود الإجهاض التي وضعتها الولايات الأمريكية بعد تداول القضية المعروفة باسم "رو ضد ويد". وأبطل قضاة المحكمة العليا الأمريكية مؤخرًا هذا الحكم. 

مرة أخرى، أصبح الآن من حق الولايات أن تقرر شرعية عمليات الإجهاض. ومن المتوقع أن تحظر 20 ولاية على الأقلّ هذه الممارسة، حتى في حالات الاغتصاب. ومضت عدة ولايات قُدمًا في هذا النهج مثل أركنساس وكنتاكي ولويزيانا وميسوري وأوكلاهوما وساوث داكوتا ومنعت بالفعل الإجهاض  .

ولابد من فهم ما يدور من تحولات مهمة في دولة عظمى كانت تقود العالم من خلال الضغط على دوله، مباشرة أو عبر منظمات الأمم المتحدة، لتبنّي قوانين ترسّخُ الحقوق الشخصية، ومن بينها حق الإجهاض، حيث كان الإطار الذي أحاط بحكم المحكمة العليا بشرعية الإجهاض قبل حوالي 50 عامًا ينضوي تحت ما يسمى بالإصلاحات الليبرالية الحديثة التي علت المطالبات بها في الدول الغربية وقادت أمريكا تلك المبادرات. وقد مثًل ذلك تحدٍّ للكنيسة ورجالها والمتدينين والمحافظين بصفة عامة من كافة المشارب. ولم يكن الأمرُ سهلًا لكنه أحد أكبر الحروب الثقافية التي خاضتها الولايات الأمريكية ودارت حول شرعية الإجهاض. وظنَّ السياسيون وقادة الفكر الليبرالي والعامّة أن الملفَّ أُغْلِقَ للأبد وطُويتْ هذه الصفحة. وكتب الكثير من المفكرين أن القطيعة مع الأديان وتدخلها في الحرية الشخصية هي قطيعة "ابيستيمولوجية"؛ وهو مفهوم يعبر عن فترات الانتقال الكيفي في تطور العلوم حيث تحدث قطيعة بين المعرفة العامة والمعرفة العلمية، وتفتح الباب للحريات العامة ويصبح للمواطن الحق في اختيار ما ينفعه وفقًا لمصلحته بعيدًا عن الأديان والمعتقدات.

لكنَّ ما يحدث اليوم من عودة لطرح أحد الأسئلة المهمة التي دارت حولها المعارك والحروب الثقافية سابقًا سوف يدعو من جديد المفكرين لتفسير أسباب العودة لمناقشة هذه القضايا التي كانت مقتصرة على المجتمعات التي توصف بالنامية أو المتخلفة. وربّما نرى ونسمع عن نظريات جديدة في الشأن الثقافي والعلمي قريبا. 

خلال فترة ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب عيَّنَ ثلاثة قضاة "محافظين" في المحكمة العليا، مما عزز الأغلبية المحافظة في المحكمة وزاد من تأثيرهم على الأحكام.

وأدى التحرك التاريخي للمحكمة العليا لإلغاء قضية "رو ضد وايد" مؤخرًا  إلى تعميق الهوة التي تقسِّمُ المجتمع الأمريكي. هناك معسكران حاليا كلاهما غاضب وكلاهما محتج في الشوارع يرفع اللافتات التي تدافع عن موقفه.

 وهذا يعني أنَّ النساء اللواتي يرغبن في الإجهاض سوف يسافرن إلى ولايات لا يزال هذا الحقُّ مكفولًا وممكنًا فيها. 

أمَّا أولئك اللواتي يفتقرنَ إلى المال للسفر فقد يلجأنَ بدلًا من ذلك إلى الإجهاض الذاتي، مما يزيد من مخاطر المضاعفات ويشكّلُ تهديدًا لحياتهنَّ وصولًا لخطر الوفاة.

هكذا أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الولايات المنقسمة. وفي الوقت الذي يحتجُّ الليبراليون في حزن صارخ على انتكاس الأفكار الليبرالية وتراجع الولايات المتحدة عن قيادة العالم الغربي نرى المحافظين والانجيليين ومعتنقي الأديان يرقصون فرحًا ليس فقط للانتصار في معركة تقييد الإجهاض وإنما أيضا لأن هذا الحكم يفتح البابَ لإصدار المزيد من الأحكام، من ذلك التراجع عن الحق في زواج المثليين، وهو الأمر الذي أثار جدلًا هو الأكبر من نوعه في عديد الولايات الأمريكية