الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

د. هاني سليمان يكتب: ملاحظات أساسية حول الاتجاهات البحثية العربية والإنجليزية فى مجال التطرف والإرهاب

جانب من المؤتمر
جانب من المؤتمر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عقد مركز سلام لدراسات التطرف مؤتمرًا دوليًا مهمًا بالقاهرة في الفترة من 7-9 يونيو 2022؛ تحت عنوان «التطرف الديني.. المنطلقات الفكرية واستراتيجيات المواجهة»؛ بمشاركة نخبة من المتخصصين على مستوى العالم ومن أكثر من 45 دولة؛ استمر المؤتمر ثلاثة أيام، وكان حافلًا بالمشاركات والنقاش ومعالجة العديد من القضايا الشائكة بشكل علمي ومتخصص وعلى نطاق واسع.
كانت واحدة من أهم الفعاليات التي عقدت في اليوم الثاني للمؤتمر الأربعاء 8 يونيو 2022؛ الورشة الأولى عن «الإسهامات البحثية العربية والانجليزية في مجال التطرف والإرهاب»، بمشاركة العديد من المراكز البحثية الأجنبية والعربية والمصرية؛ وعدد من الشخصيات والقامات العلمية والبحثية الكبيرة؛ وقد كان المركز العربي للبحوث والدراسات أحد المشاركين في تلك الورشة المهمة.
 

د. هاني سليمان

على الرغم من الأهمية القصوى لبرنامج المؤتمر وجلساته وورشه المختلفة؛ إلا أن هذا المحور موضوع الورشة الأولى كان شديد الأهمية؛ نظرًا لأننا بصدد تقييم واستكشاف ماذا أنتج البحث العلمي في معالجة ودراسة ظاهرة التطرف والإرهاب؛ بما يجعلنا نتوقف لمحاولة تقييم الواقع والانطلاق نحو المستقبل؛ ولكن بآليات أكثر تعاونًا وتشبيك بين المراكز البحثية المختلفة.
ومنذ الوهلة الأولى؛ كان محور الاهتمام في هذه الورشة بالنسبة للمركز العربي للبحوث والدراسات هي محاولة فهم إشكاليات البحث في العلوم السياسية؛ وفي ظاهرة التطرف والإرهاب؛ تقييم سريع للمعالجات التي قدمت خلال الفترة السابقة وعملية التطور والتحول في اتجاهات دراستها؛ والوقوف على طبيعة تلك الظاهرة ضمن دراسات النظم والعلاقات الدولية؛ بما تتضمنه من مفاهيم ومقاربات جديدة لفهم الظاهرة وتحولات النظام الدولي؛ تحديات المعالجة في دراسات التطرف والإرهاب؛ ثم الوقوف على إشكالية البحث والتنبؤ في حقل العلوم السياسية وظواهر التطرف والإرهاب.
أولًا- تطور وتحولات اتجاهات تناول دراسات الإرهاب والتطرف في المراكز البحثية
لقد مرت مسألة تناول دراسات الإرهاب والتطرف بمراحل مختلفة ما بين المراكز البحثية العربية والأجنبية؛ فقد كان هناك انتباه مبكر من جانب بعض المراكز البحثية العربية بمسألة العنف والإرهاب وخاصة مع تجربة الجماعة الإسلامية والجهاد، وخاصة بعد عدد من العمليات الإرهابية في دهب وشرم الشيخ وغيرها، وأيضًا في المعالجات المبكرة لمسألة الإخوان؛ غير أن المراكز البحثية الأجنبية كانت تولي أهمية أكثر لقضايا ما بعد الحرب الباردة وطبيعة النظام العالمي وتحولاته وبعض قضايا العلاقات الدولية والنظم السياسية، لنجد أن التناول لمسألة التطرف والإرهاب قد تطور من المعالجة المحدودة والنادرة إلى المعالجة الشاملة؛ فقد كانت هناك ندرة في المخرج البحثي ثم بدأ الاهتمام تدريجيًا مع صعود ما يسمى بالجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى وتنظيم القاعدة، إلا أن هذا التناول بلغ ذروته عقب أحداث ١١ سبتمبر، ليشهد الحقل البحثي العربي والغربي تحديدًا مرحلة الإسراف في الإنتاج العلمي لفهم وتأويل الظاهرة؛ وبعضها افتقد للدقة والاستقلالية نظرًا لضغوط الأزمة وما شكلته من فرض نفسها وسياقها.
وعلى نفس النهج؛ تطورت اتجاهات الجماعة البحثية العربية والأجنبية من التناول الأفقي إلى الرأسي العمودي؛ حيث تم معالجة الظاهرة بشكل عرضي والدخول في فهمها وتحليلها بشكل جزئي وأكثر تخصص، وهذا ساهم في نمو الدراسات الأمنية، ودراسات علم النفس الديني، ودراسات الاقتصاد السياسي؛ كدراسات أفقية؛ مع الدخول بشكل أعمق في بحوث رأسية وهنا طغت دراسات الماكرو والميكرو؛ بما أعطى مساحة أوسع لتفكيك الظاهرة ودراسة جزئياتها.
تطور آخر تمثل في الانتقال من المداخل التقليدية لدراسة ظاهرة الإرهاب إلى المداخل التكاملية؛ بمعنى عبور المقاربات الأمنية والتحليل الأحادي إلى تفكيك الظاهرة من مداخل ومقاربات مختلفة؛ بحيث لم تعد مؤشرات مثل الفقر والبطالة أو الجهل وغيرها، كافية لفهم وتفسير ظاهرة العنف والتطرف؛ وأضحت غير قادرة - وحدها - على تفسير وتحليل بعض الجوانب مثل مسألة المقاتلين الأجانب،أو تفسير حالة التعاطف مع بعض التنظيمات أو الإرهابيين.
وتعد أحد أهم التحولات في دراسات التطرف والإرهاب هي العبور من مربع الوصف إلى مراحل التفسير، وصولًا إلى التنبؤ بمسارات وهياكل التنظيمات وأطرها الفكرية والتنظيمية والحركية؛ الأمر الذي شهد تحولا كبيرا وزخما في حجم ونوعية الدراسات.
ثانيًا- ظاهرة التطرف والإرهاب كاتجاه في تفكيك النظم السياسية والعلاقات الدولية
ظاهرة التطرف والإرهاب ليست منعزلة عن حقل العلوم السياسية؛ بل أضحت متغيرا أصيلا في فهم العلاقات الدولية وتجاذباتها؛ وليس فقط الفكر السياسي أو دراسة النظم السياسية؛ بل اتسع نطاق دراسة الظاهرة وتأثيراتها؛ وقد نشأ اتجاه بحثي نوعي مهتم بدراسة بحوث الإرهاب وتأثيراتها على العلاقات الدولية وموازين القوى مثل الفاعلين من غير الدول والحروب غير التقليدية والفاعلين الجدد.
كما نمى هذا الاتجاه مع بروز تحديات جديدة متمثلة في مداخل دراسة عملية صناعة الإرهاب ورعايته وأثره في بناء النفوذ وتنفيذ الأجندات السياسية وخلق أدوار جديدة. وهنا يمكن القول أن الربط الطبيعي والمنطقي في ارتباط مسألة الفهم والتطويع الخاطئ للدين وحده بالتطرف والإرهاب ليس كافيًا؛ حيث بات هناك نوع من «غسيل الأدمغة»، وتطويع الظاهرة لخدمة الصراعات السياسية؛ واستخدام بعض الدول للإرهاب كمقاربة لبناء الأدوار والنفوذ، وتسخير مشاكل وتصدعات المجتمعات مثل الطائفية والأيديولوجيا لإذكاء مثل تلك الظاهرة.
ومن خلال المعالجات البينية للإرهاب والتطرف في حقل البحث في العلوم السياسية، نجد أنها ليست منفصلة عن جملة التجاذبات السياسية؛ فأصبح هناك نوع من التطويع والتأثير السياسي المتبادل لبعض الاتجاهات البحثية بشكل عام، وفي عملية صنع القرار بشكل خاص. وهو ما يعكس خطورة دور مراكز الأبحاث في عملية صنع القرار، وبالعكس؛ أي التأثير السياسي على الاتجاهات البحثية والمراكز المتخصصة؛ ليست في الدول العربية؛ وإنما في الغرب أيضًا. 
يمكن فهم ذلك من خلال تعقب الدور الذي قامت به مؤسسة راند البحثية وتأثيرها في عهد الرئيس أوباما والتي أوصت في دراساتها على ضرورة دعم حركات الإسلام السياسي وتمكينها؛ وربما كان ذلك مقدمة لمرحلة ما بعد ٢٠١١ بما شهدته من اضطراب سياسي وعدم استقرار، ودخول المنطقة في مرحلة (الربيع العربي) بتشابكاتها وتعقيداتها.
وتترسخ تلك الإشكالية في تعاطي بعض الدول؛ الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، مع مسألة تصنيف بعض الجماعات كمنظمات إرهابية؛ مثل الإخوان وتنظيمها الدولي، وحزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني، وجماعة أنصار الله «الحوثيين»،.. وغيرها. والذي تجعله مرهونًا ببعض الحسابات السياسية وتوازنات الربح والخسارة، ومعالجات الضغط السياسي والتوازن؛ وهو ما ينعكس على أدوار واتجاهات بعض المراكز البحثية. علاوة على عملية «تسييس» بعض الاتجاهات البحثية لخدمة وتأكيد بعض المواقف السياسية؛ وهذا موجود في عدد من الدول وليس فقط في الدول العربية.
ثالثًا- بروز مفاهيم ومقاربات جديدة لفهم الظاهرة وتحولات النظام الدولي
إن تطور ظاهرة التطرف والإرهاب ساهمت بشكل كبير في بروز مفاهيم جديدة في حقل البحث والدراسات العلمية؛ على سبيل المثال: سيكولوجية الإرهاب، المقاتلين الأجانب، استراتيجيات التجنيد، اقتصاديات الإرهاب، إعلام التنظيمات الإرهابية..إلخ، وغيرها من المفاهيم التي استحدثتها الظاهرة وأوجدتها التجربة.
وفي ذات الوقت استدعت دراسات وبحوث التطرف والإرهاب مفاهيم ومقاربات قديمة؛ وإعادة فهمها وإنتاجها في قوالب جديدة؛ تساعد على إدراك أوسع للتحولات الكبرى في النظام العالمي؛ فقد استدعت بحوث الإرهاب والتطرف مفهوم عصر الاضطراب العالمي Turbulence الذي وضعه عالم السياسة الأميركي المشهور جيمس روزناو في كتابه «الاضطراب في السياسة الدولية: نظرية في الاستمرار والتغير» الذي نشره عام ١٩٩٩؛ حيث يرى أن النظام العالمي يمر بمرحلة انتقالية يسودها الاضطراب، وما تفرضه من ضبابية المشهد وصعوبة إنتاج وفهم شكل النظام العالمي سواء أكان أحاديا أو في طريقه لنظام متعدد الأقطاب؛ وأحد مفردات هذا الاضطراب هي ظاهرة التطرف والإرهاب والتي باتت تشغل مساحة كبيرة في أدوات التأثير في شبكة العلاقات الدولية والفاعلين.
كما ظهر مفهوم مجتمع المخاطر العالمي Global Risk society الذي صاغه المفكر الألماني أولريش بيك في كتابه بنفس الاسم؛ والذي يؤكد فيه وجود مخاطر جديدة على الدول والمجتمعات غير المخاطر التقليدية مثل الحروب والأزمات؛ حيث يعيد قراءة خريطة تلك المخاطر من الفقر والبطالة ونمو ظاهرة الترف والإرهاب.
وهناك مفهوم آخر صاغه علام الاجتماع البولندي زيجمونت باومان ما اسماه «سيولة العلاقات الدولية» أو «العصر السائل» بما يشير لتغير نمط العلاقات الدولية بشكل متواتر وعدم وجود صيغ ثابتة وقوالب جامدة تحكم طبيعة تلك العلاقات والتحولات وتوازنات القوى وقدرات وتأثير الفاعلين من غير الدول والفاعلين الجدد ومنها التنظيمات الإرهابية والتي بات لها قدرات نوعية واقتصادات وموارد وأنشأت كيانات تنظيمية بما لها من أشكال مؤسسية مثل تنظيم داعش وإقامة ما أسماه "الدولة الإسلامية" وصك العملة والسيطرة على أراض والقيام ببعض أدوار الدولة؛ وكذا تنظيمات أخرى مثل شباب المجاهدين أو بوكو حرام،...إلخ.
رابعًا- تحديات المعالجة في دراسات التطرف والإرهاب
هناك بعض الإشكاليات والتحديات التي تعاني منها بحوث ودراسات التطرف والإرهاب؛ منها:
الوصف وعلاقة التنظير بالواقع: وهنا نجد يطرح تحديًا عريضًا مرتبطًا أساسًا بعلاقة عملية التنظير بالواقع، ومختلف تطوراته وتناقضاته وصراعاته وأزماته تأثيرًا وتأثّرًا. فدراسة ظاهرة التطرف والإرهاب عملية معقدة؛ وهنا نسأل هل مطلوب من النظرية فهم وشرح وتحليل ونقد الواقع والتنبؤ بمآلاته؟ أم المطلوب هو الاكتفاء فقط بوصف الواقع وتبريره عبر الاستسلام لعلاقات القوة التي تحكمه والبحث في العلاقات السببية التي أنتجته؟. هذا الأمر ينطبق على دراسات نظرية في فهم وتفسير ظاهرة التطرف والإرهاب؛ فالبعض أنتج دراسات وصفية نجحت في كشف غموض التنظيمات وإطاره الفكري والتنظيمي والحركي؛ لكن هناك حاجة أيضًا للفهم والتفسير والإجابة عن أسئلة أكثر تعقيدًا لا تكتفي فقط بالوصف.
الحاجة إلى منطق التأمل وليس فقط نقد الظاهرة: من المهم في دراسات التطرف والإرهاب النظر في كيف وصلنا إلى هنا؛ فبعض الاتجاهات ذهبت إلى معالجة بحوث الإرهاب من منطلق حل المشاكل (Problem-Solving ) وليس منطلق التأمل (Reflection). هناك حاجة لمعرفة كيف وصلنا إلى هنا؟ أين أخطأنا؟ ماهي الرؤى السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والروحية البديلة التي قد تقودنا إلى مسار أكثر إنسانية ومسئولية وأمنًا؟.
مدى جاهزية النظريات الكبرى، وافتراضاتها لتفسير الظاهرة: هذا النمط في الحركة نحو إنتاج معرفة تفصيلية تقنية للإجابة عن أسئلة عملية وحل مشكلات واقعية بعيدًا عن التأمل والنقد للافتراضات يجب أن يتغير؛ فهناك حاجة إلى التخلي عن النظريات الكبرى Grand Theories في العلاقات الدولية وما تشكل حولها من برامج بحثية، وتَبَني نظريا تم توسطه النطاقMid-range Theories بدلًا من ذلك، بل والتركيز على اختبارا لفرضيات Hypothesis Testing إمبريقيًا.
إشكالية التشبيك وحالة المنافسة: حيث هناك حالة غياب للتشبيك بين الجماعة البحثية –وخاصة العربية- بما يخدم وجود مشروع بحثي كبير تتكاتف فيه الجهود والإمكانيات؛ وربما ذلك مرتبط بنظرة التنافسية والتعارض التي تحكم عمل بعض المراكز البحثية حتى داخل البلد الواحد، سطحية بعض معالجات المراكز البحثية؛ إما تحت دوافع وغرض التبسيط للعوام، أو تحت ضغوط عدم توافر المعلومات والبيانات، أو في ظل المعالجات السريعة ووطأة الاستسهال.
آفة الباحث الشامل؛ وهي ظاهرة عدم احترام التخصصات في بعض المدارس البحثية والتي تجعل البحث في مجال الإرهاب والتطرف على المشاع؛ أو بحكم «الترند البحثي» والحاجة في تناول هذا المجال مع موجة صعود الاهتمام بالظاهرة وبخاصة بعد أحداث ١١ سبتمبر.
غياب البحوث الميدانية؛ وصعوبة الاقتراب من الظاهرة ومعايشتها؛ ويتضح ذلك في بعض المعالجات العربية؛ نظرًا لعدم ترسخ قيمة البحث الجدي في الفكر البحثي، أو الصعوبات المادية أو المعوقات المختلفة على الأرض، وخاصة الأمنية منها.
خامسًا- إشكالية البحث والتنبؤ في حقل العلوم السياسية وظواهر التطرف والإرهاب
رغم أن هناك إشكالية في البحث في العلوم الإنسانية بشكل عام؛ وبخاصة العلوم السياسية والعلاقات الدولية؛ وعدم وجود دقة في التأويل والتنبؤ ظهرت بشكل واضح في دراسات الإرهاب والتطرف بشكل خاص؛ من حيث مسار التنظيمات ومستقبلها وطبيعة التكوين الفكري والتنظيمي والحركي وتطوره؛ ونجد أن هناك عدة أسباب لذلك:
التعدد اللانهائي للمعطيات: حيث تتسم التحولات الصاعدة مثل التطرف والإرهاب بالتعدد اللانهائي لأبعادها وعناصرها بصورة غير قابلة للاستيعاب.
التداخل الزمني وسرعة الوتيرة: تتسم الظواهر السياسية المعقدة مثل الإرهاب والتطرف بتجاوز التصنيفات الزمنية التقليدية، حيث تتداخل مسارات الماضي والحاضر بصورة غير قابلة لتحديد نطاقات زمنية للظواهر.
عدم وجود علاقات خطية واضحة بين الأسباب والنتائج: بما يعني انتفاء السببية، فالتفسيرات المطروحة للظواهر عادةً ما تكون مجرد اجتهادات منطقية من جانب المحللين أكثر منها علاقات ارتباطية واقعية بين الأسباب والنتائج.
السيولة وانعدام اليقين: تقع أغلب التحولات السياسية والاجتماعية المعقدة –ومنها الإرهاب والتطرف- ضمن فئة التطورات غير المعروفة في ظل الغموض وعوامل المفاجأة التي تحيط بتفجر هذه التحولات، وهو ما دفع البعض إلى إطلاق اسم «عصر اللا متخيل» على الأوضاع الراهنة.
اندماج السياقات: لا يمكن عزل التطورات والأحداث الجارية -وخاصة المعقدة- عن السياقات المحيطة، في ظل عدم وجود حواجز أو حدود فاصلة بينها، مما يؤدي إلى تدفق المُدخلات بصورة ضخمة إلى منظومات التفاعلات.
التطور المفاجئ والتفجر المتتالي: حيث لم يعد بمقدور المتابعين والمتخصصين التنبؤ بشكل كامل بمسار التطورات الإقليمية للمد الإرهابي والتطرف نظرًا لحالة الفجائية؛ علاوة على بقاء جذور وآثار بعض الأزمات الاقليمية حتى بعد انقضاءها، حيث تكون خاملة وكامنة في انتظار محفزات جديدة تؤدي إلى تفجرها من جديد بصورة أكثر حدة؛ وبالتالي الحديث عن انهيار أو القضاء على الإرهاب هي عملية ليست مؤكدة في ظل ظهور تنظيمات جديدة وأفول أخرى قديمة؛ والتحول بين حالة النجاح والسيطرة وحالة التشرذم.
التصعيد غير المحدود والتغير المتواصل: حيث لم يعد لدى الفاعلين -والفاعلين الجدد تحديدًا من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة- في الأزمات الإقليمية حدود معروفة للتصعيد المتبادل؛ كما أنه لم تعد التطورات الإقليمية تتسم بالثبات والانتظام في مساراتها، بحيث لم يعد من الممكن التنبؤ بالتطور القادم حتى ولو بدرجة محدودة من اليقين.
التداعيات غير المقصودة: تتسم التحولات الإقليمية المفاجئة في نشأة ومسار وتوسع الجماعات المتطرفة بالتداخل والتعقيد في أسبابها وتداعياتها والأطراف المنخرطة بها، وقد يترتب على هذه الأحداث بعض التداعيات غير المقصودة (Unintended Consequences).
انكشاف الداخل: تتسم ظاهرة التطرف والإرهاب بقدر كبير من التداخل ما بين الداخل والخارج، خاصة أنها لديها تشابكات اقليمية وممتدة وعابرة وتشبيكات مع تنظيمات أخرى؛ بما يعني عدم وجود حدود فاصلة بين النطاقات الداخلية والخارجية، إلا أن المحصلة النهائية لهذه الأزمات تؤدي إلى تصاعد مستويات الانكشاف الداخلي لعدد كبير من دول الإقليم.
وبهذا المعنى؛ نجد أنه رغم كثافة حجم ونوع المنتج البحثي في معالجة ظاهرة التطرف والإرهاب سواء في الدراسات العربية أو الأجنبية؛ نجد أن هناك إشكالية تتعلق بالبحث بشكل علم والتنبؤ بمسار التحولات والتغيرات؛ علاوة على بعض الانحيازات والمقاربات المختلفة التي تحكم بعض المعالجات الأجنبية؛ وفضاءات أخرى ما زالت في حاجة إلى جهد وعمل في البحوث العربية التي قدمت جهدًا معتبرًا لكنها في حاجة إلى مزيد من الاقتراب والتدقيق والفصل، والتشبيك.

284
284
283
283
285
285
286
286
287
287
288
288
289
289
290
290
291
291