الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

اقتصاد

" البنك الدولي " يقدم لمصر روشتة لـ"التعايش مع الديون"

مجموعة البنك الدولي
مجموعة البنك الدولي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قفزة غير متوقعة لمعدلات التضخم في مصر، والتي وصلت إلى 8.8% خلال فبراير2022 أي بأكثر من 2.7 % عن متوسطة منذ بداية السنة المالية 2021-2022، مما يعكس التداعيات المبكرة للحرب الروسية علي أوكرانيا، ومنذ ذلك الحين والمتابعين للشأن السياسي والاقتصادي يتابعون تطورات الأوضاع وتأثيرها على الاقتصاديات العالمية وتبعات الأزمات المتلاحقة سواء كانت حروب أو أوبئة، فمنهم من يتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية على أنها صراع القوى العظمى في العالم وأن دول العالم الثالث لا دور لها إلا أن تتحمل أعباء تلك الحرب، ومنهم من يدعم نظرية المؤامرة ومقتنع بأن جائحة كورونا كانت أحد الأسلحة المستخدمة لتغيير موازين القوى العالمية، وما بين هذا وذاك ما كان لحكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعلى رأسهم مصر إلا مواكبة التطورات والتغييرات العالمية للحفاظ على الأمن الاقتصادي والاجتماعي لبلادهم.

تباطؤ النمو

ويتوقع البنك الدولي تباطؤ النمو في مصر إلى 5% في السنة المالية 2022-2023، كما يتوقع أن يتجاوز التضخم النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري «7% (+/-2)%» خلال الفترة المتبقية من السنة المالية 2021-2022 بسبب تأثير خفض قيمة الجنيه، والتضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الواردات، والاختناقات المحتملة في جانب العرض، إلى جانب استمرار تعديل أسعار الوقود بالزيادة، متوقعا تزداد حدة الفقر نتيجة تقويض التضخم للدخل الحقيقي رغم توقع أن تسفر بعض تدابير التخفيف الاجتماعية من حزمة المالية العامة الأخيرة وبرامج الدعم الغذائي والتحويلات النقدية الحالية، فضلًا عن الاحتياطيات الكبيرة نسبياً من القمح وغيره من الحبوب عن تخفيف بعض التداعيات.

تقييمات البنك

حصلت «البوابة نيوز» على تقارير تقييم مجموعة البنك الدولي لأداء عدد من القطاعات الاقتصادية في مصر، بعدما أصدرت تقارير توقعت فيها انخفاض النمو من 3.6% في السنة المالية 2019‏-2020 إلى 2.3% في السنة المالية 2020-2021، بالتزامن مع استمرار تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد، وخاصة مع تجدد ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، فضلاً عن البطء في توزيع اللقاح في الداخل والخارج، بالإضافة إلى توقعات دعم الاستهلاك الخاص جزئيًا بتدفقات التحويلات المالية، والحماية الاجتماعية الموسعة، وانخفاض التضخم في صالح القوة الشرائية للأسر المعيشية، بالإضافة إلى تيسير السياسة النقدية لمواجهة تفاقم الاتجاهات السائدة في أسواق العمل قبل الجائحة، مثل انخفاض الأرباح الحقيقية وارتفاع نسبة القطاع غير الرسمي، بفعل خسائر الدخل الناجمة عن صدمة جائحة كورونا، وخاصة بين العمالة غير المنتظمة الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر.

إصلاحات.. ولكن

وتؤكد تقارير البنك الدولي على أن الإجراءات الاصلاحية التي اتخذتها مصر، على صعيد الاقتصاد الكلي في تثبيت استقرار الاقتصاد في السنوات الأخيرة، سمحت للحكومة بدخول أزمة كورونا في وضع يتسم بتحسن في حسابات الخزانة العامة ومستوى وافر نسبيا من الاحتياطيات الأجنبية، مشيرين إلى أن الاجراءات الإصلاحية التي تم اتخاذها في  قطاع الطاقة ساعدت في تعزيز إمدادات الطاقة الكهربائية وتصدير الغاز، وفتح سوق الطاقة أمام نشاط القطاع الخاص، وخاصة في مجال الطاقة المتجددة.

لكن قوضت التداعيات السلبية للجائحة ما تحقق من تقدم في الآونة الأخيرة بل وسلطت الضوء على التحديات القائمة منذ أمد بعيد، والتي جاء على رأسها: تباطؤ النشاط غير النفطي للقطاع الخاص، وضعف أداء الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي رغم الانخفاض الكبير الذي حدث مؤخراً، وتدني معدلات تعبئة الإيرادات إلى ما دون المستوى المحتمل، وعدم ملاءمة هيكل الموازنة العامة للدولة لطبيعة هذه الأزمة، ونقص المخصصات الموجهة لقطاعات الصحة والتعليم.

يرى البنك الدولي أن الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد المصري ترجع إلى مصادر الدخل الأجنبي المتأثرة بشكل كبير بالجائحة كالسياحة وصادرات السلع والاستثمار الأجنبي المباشر، ومع ذلك فانه يؤكد أن التحويلات، والتدفقات الوافدة لمحافظ الاستثمار والتمويل الخارجي، لا تزال تدعم الاحتياطيات الدولية، مؤكدًا على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لتحقيق تعافٍ قوي لاحتواء الجائحة، والمضي قدمًا فى إصلاح الاقتصاد الكلي والمالية العامة وإجراء إصلاحات هيكلية، وتعزيز الحماية الاجتماعية، والنهوض بأجندة رأس المال البشري.

قروض.. وروشته

4.12 مليار دولار.. قيمة إجمالي القروض التي تم الاتفاق عليها بين مصر ومجموعة البنك الدولي حتى العام الجاري، وبحسب بيانات البنك الدولي، فان الحكومة المصرية سحبت مليار و60 مليون دولار فقط بنهاية شهر أغسطس من العام الماضي 2021، فضلًا عن 2 مليار و25 مليون دولار مبالغ مازالت في محفظة مصر في البنك الدولي لم يتم سحبها أو طلبها حتى الآن من قبل الحكومة.

ولكن مع التلويح من قبل الحكومة المصرية بضرورة طلب دعم مالي آخر من صندوق النقد، بدأ البنك الدولي بوضع روشتة للحكومات والشعوب لبدء التعايش مع الديون، مؤكدا أن الاقتراض الضخم الذي كان على حكومات المنطقة تحمّله لتمويل الإجراءات الأساسية للرعاية الصحية والحماية الاجتماعية قد زاد من حجم الدين الحكومي زيادة كبيرة، من المتوقع أن يرتفع متوسط الدين العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنحو 8 %، من حوالي 46% من إجمالي الناتج المحلي عام 2019 إلى 54% في 2021، مشيرًا إلى أن الدين بين الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي من بينها مصر من المتوقع أن يبلغ في المتوسط حوالي 93% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2021.

أولويات الانفاق

يؤكد البنك الدولي أن الرأي التقليدي دائما ما يدعو إلى دور قوي للإنفاق الحكومي في مواجهة التقلبات الدورية، رغم أن الأبحاث الحديثة تدعو إلى الشك في هذا المنهج، ومع ذلك كان من المهم ملاحظة أنه خلافا لما كان عليه الوضع في فترات الركود السابقة، إلا أن سياسات المالية العامة لا تستهدف تعزيز الطلب الإجمالي أثناء جائحة كورونا، لأن انهيار الطلب الإجمالي خلال الجائحة كان مدفوعا بالشواغل الصحية وليس بسبب المسائل الاقتصادية الأساسية، لأن التباعد الاجتماعي كان يحدث بالفعل سواء فرضته الحكومات أو لم تفرضه حيث تركز انهيار الطلب على قطاعات تتطلب السفر والتواصل المباشر كشركات السياحة والفنادق والمطاعم وتجارة التجزئة والخدمات الشخصية، ويتوقع البنك الدولي صعوبة الدفع بالمحفزات لزيادة الطلب ما دام خطر الإصابة بالفيروس ما زال موجودا.

الأسر الفقيرة

يقول البنك الدولي إن هناك دورين رئيسيين للإنفاق المالي وهم: حماية الأسر الأولي بالرعاية والاستثمار في الصحة العامة، مشيرًا إلى أن الأسر الفقيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحملت العبء الأكبر من الضرر بشكل غير مناسب، مؤكدا ضرورة مساندة تلك الأسر، كما أعرب البنك الدولي عن تفاؤله بتوجيه التحويلات النقدية بشكل جيد، حيث أنه هناك مجال لتحسين أوضاع الأسر لأن التحويلات الاجتماعية لا تصل إلا على نسبة صغيرة من الأسر الأشد احتياجًا.

الاستثمار في الصحة

يقول البنك الدولي إن الاستثمار في الصحة العامة بوصفه استجابة قصيرة الأجل للجائحة يمكنها أن تحقق عائدا اجتماعيا كبيرا طويل الأجل، مثل تحسين إمكانية حصول الفقراء على الرعاية الصحية، مضيفا أنه يمكن للحكومة تعزيز الانفاق الصحي لإنتاج أو شراء معدات الحماية الشخصية وأدوات الاختبار والفحص ونظم تتبع المخالطين وتحسن شفافية البيانات يكتسب أهمية خاصة لأن هذه الخطوات تمكن السلطات من تحديد حجم الإصابات والكشف عن الحالات وعزلها وتشجيع السكان على تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي، ويشير إلى أنه مع توفير اللقاحات والتواصل الواضح والفعال لزيادة الوعي وتحفيز الطلب على التلقيح وبناء شبكات لمقدمي التلقيح المحليين، حيث أن تنفيذ حملات التطعيم من شأنه تمهيد الطريق أمام التعافي الاقتصادي وتعزيز أسس البنية التحتية للصحة العامة، وتشير الحسابات البسيطة إلى تكلفة ومنافع الاستثمار في برامج التلقيح إلى معدل المنفعة الي التكلفة المرتفعة جدًا.

تكلفة الدين العام

يقول البنك الدولي إن هناك ضرورة لمعظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتخاذ إجراءات من شأنها تخفيف تكلفة الدين العام، حيث إنه من المرجح أن يظهر تأثير تكلفة ارتفاع الديون في نهاية المطاف وربما الأجل القصير، ورغم طرح مجموعة العشرين للاقتصاديات المتقدمة مبادرة تعليق خدمات الدين خلال عام 2020 إلا أنه لم يدخل عدد كبير من الدول المستحقة ضمن تلك المبادرة فتم تمديدها لنهاية يونيو 2021 ولم يحصل عليها سوى اليمن وجيبوتي، في حين كانت هذه الفترة بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس.

المنقذ.. «المركزى المصرى»

يؤكد مسئول بالبنك الدولي على أن النشاط الاقتصادي في مصر كان يتعافى بقوة قبل الصدمات الخارجية التي أدت إلى هذه الإجراءات على صعيد السياسات، وذلك رغم أن معدلات التضخم والضغوط على حسابات المعاملات الخارجية كانت أخذة في الازدياد، مشيرًا إلى ارتفاع معدل النمو بقوة ليصل إلى 9% خلال النصف الأول من السنة المالية 2021-2022 مقارنة بمعدل متواضع بلغ 1.4% قبل عام واحد.

وأضاف: «استئناف رحلات السفر والتجارة الدوليين، وانتعاش الطلب العالمي وغيرها من العوامل أدت إلى انتعاش قوي في قطاعات التصدير، وعلى صعيد الطلب، تحسن الاستهلاك والاستثمار، رغم اتساع العجز في صافي الصادرات، ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن الارتفاع في سعر الصرف الحقيقي على مدار السنوات السابقة شجع نمو الواردات، كما أدى الارتفاع المتسارع في أسعار السلع الأولية العالمية إلى تضخم فاتورة الواردات المصرية».

ويقول مسئول البنك إن تراجع مركز صافى الأصول الأجنبية لدى البنوك المحلية منذ بداية السنة المالية 2021-2022، يشير إلى أن حسابات المعاملات الخارجية قد تعرضت لضغوط قبل تصاعد الحرب في أوكرانيا، وأن الجهاز المصرفي ربما تحمل جانبًا من هذه النتائج، وساند بشكل غير مباشر احتياطيات النقد الأجنبي، وكانت الأسعار المحلية ترتفع تدريجيًا، وقفز معدل التضخم إلى 8.8% في فبراير2022 «بأكثر من 2.7% عن متوسطه منذ بداية السنة المالية 2021-2022» مما يعكس التداعيات المبكرة للحرب في أوكرانيا.