الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هاتولي حبيبي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوما ما كان اللورد كرومر، المعتمد العام البريطاني في مصر وقت الاستعمار، مدعوًا لإحدى حفلات الزفاف المصرية، وكان يستمع لأغنية مشهورة للمطرب عبده الحامولي يقول مطلعها «..حبيبي راح هاتوه لي يا ناس..» دفعه الفضول لمعرفة معنى العبارة، وطلب ترجمتها، عندها علّق مندهشًا قائلًا.. حتى في العشق لا يُكلف المحب عندكم خاطره للبحث عن حبيبه، طالبا من الناس أن يجيئوا به إليه!!

وفى رواية أخرى ان اللورد كرومر وهو يستمع إلى سى عبده الحامولى الذى تسلطن فأخذ يعيد ويزيد وهو يغنى (هاتولى حبيبى) ومرت ساعة ثم ساعتان وسى عبده يغنى جملة واحدة هى (هاتولى حبيبى) ففاض الكيل باللورد كرومر وقال للوزير صاحب الحفل، ترجم لى أغنية سى عبده، فلما ترجمها الوزير، صاح اللورد: ( ولماذا لا ترسل أحد خدمك لكى يأتى..... هذا بحبيبته حتى أذهب إلى فراشى وأنام».

"هاتولى حبيبى" لم تكن يوما أغنية للمطرب عبده الحامولى وإنما دستور حياة، أما حكاية "لا تؤخذ الدنيا الا غلابا" فلا مكان لها بل يمكن اتهام من يسير عليها أنه يرمى نفسه فى التهلكة.

فى ذكرى وفاة عبده الحامولي سلطان الطرب فى القرن التاسع عشر، والتى تتجدد فى شهر مايو من كل عام، نشرت "بوابة الأهرام" العام الماضى، قصصا مجهولة عن حياة الرجل الذى ملأ الدنيا طربا وغناء.

كان الحامولي مصريا خالصا، ساهم مساهمة كبيرة فى الفن المصري، بل كان مضرب الأمثال بسمات أخلاقية عالية، منها كرمه الزائد على الحد، والخوف على من يستنجد به، وغيرها من الصفات التى دونتها الكتب والصحف التى تتبعت سيرته بعد مماته.

ولد عبده الحمولى بقرية الحامول بمنوف، وانتقل إلى القاهرة؛ كى يصاحب أساطين الطرب آنذاك، وقد استخدم مقامات موسيقية لم تكن موجودة فى عصره وأدخلها فى الغناء العربى، وقد أُعجب به الخديو إسماعيل؛ بسبب حلاوة صوته وتمكنه من فنه، وقد كان تأثيره كبيرا فى حركة الغناء وارتبط اسمه ارتباطا كبيرا بالمطربة سكينة الشهيرة بـ"ألمظ" فى التاريخ، وقد تعاون مع أبرز شعراء عصره مثل محمود سامى البارودى، وإسماعيل صبري، وعائشة التيمورية، وغيرهم. 

"مجلة الكواكب" أكدت فى عدد أغسطس عام 1932 على ثلاث صفات كانت تلازم فقيد الغناء والموسيقى عبده الحامولي، وهى براعته فى فنه، وغيرته الشديدة على زوجه ألمظ، وكرمه الذي فاض على كل من كانت به صلة، مؤكدة أن براعته فى فنه جعلته مضرب الأمثال، فما من مجلس حضره الحامولي إلا وكانوا يتقاطر عليه الناس، حتى أنهم كانوا يطوفون منزله على أمل أن يسمعوه يُنشد أغنية بصوته الرنان.

كان عبده الحامولي شديد الغيرة الشديدة على زوجته ألمظ، فقد اشترط عليها عند زواجه منها ألا تظهر فى مجالس الرجال، وقد قبلت منه هذه الشروط، التى جعلت الخديو إسماعيل يغضب منه، فقد رفض الحامولي طلبه أن تغنى ثانية عنده، وقد أراد الخديو إسماعيل معاقبته، غير أنه تراجع بناء على نصيحة أحد أعوانه الذي أكد له أنه لا يصح أن يتدخل فى مثل هذه الأمور.

لكن ألمظ لم تكن زوجة عبده الوحيدة، بل إنها كانت الثانية، حيث تزوج الأولى من ابنة المعلم شعبان القانونجى من طنطا، وتزوج مرة ثالثة بامرأة من قسم الخليفة أنجبت له نجله محمود، والرابعة رزق منها بنات فقط، منهن زينب، أما الأخيرة فهى سيدة تركية اسمها جولنا هانم، أنجبت له محمد الذى كان فى الرابعة من عمره حين توفى عبد الحامولى".

تناولت الأفلام السينمائية، والمسلسلات الدرامية شخصيته أبرزها فيلم "ألمظ وعبده الحامولي" من بطولة وردة وعادل مأمون، ومسلسل 'بوابة الحلوانى" الذي تم عرض الجزء الأول فيه فى شهر رمضان عام 1992، بالإضافة للكتب والصحف والمجلات.

ويُحسب لعبده الحمولى أنه قام بطبع أسطوانات من الشمع لأشهر أغانيه، وهى الأسطوانات التى أعادتها فرقة الموسيقى العربية التى أسسها عبدالحليم نويرة فى ستينيات القرن الماضي.

ومن موقع الهيئة الوطنية للاعلام نتعرف على جزء من سيرة سى عبده:

فقد التقى مصادفة بأحد من يجيدون فن التواشيح يدعى شاكر الحلبي، فتلقى على يديه أصول الغناء وحقق شهرة واسعة فى عالم الغناء والطرب وكون فرقة موسيقية خاصة به وتولى الشيخ محمد عبدالرحيم، التلحين له.

أصبح الحامولى حديث القاهرة فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وكتب له الموشحات والأدوار العديد من المشاهر فى ذات الفترة، منهم " محمود سامى البارودى"،"إسماعيل صبرى"،"الشيخ عبدالرحمن قراعة" مفتى الديار المصرية.

كذلك لحن له كبار العازفون وأمهرهم واشتهر فى الوسط الفنى المصرى بجمال صوته، وغنى العديد من الأدوار والموشحات، وفى بعض الأحيان كان يقوم بالتلحين والغناء معا.

أعجب السلطان عبدالحميد بعبده الحامولى، وقربه إليه وذهب الحامولى مع الخديو إسماعيل إلى مدينة للآستانة بتركيا، وقدم العديد من المواويل والموشحات الدينية،وذاعت شهرته بذات بتركيا.

عاد عبده الحامولى لمصر وقدم بعض الأغانى التى جمعت ما بين التراث الموسيقى الغنائى التركى والمصرى

لم يعتمد عبده على مهنة الغناء فقط بل مارس العديد من المهن الأخرى ؛ حيث افتتح شركة لتجارة الأقمشة،ولكنها لم تستمر كثيرًًا

كان "عبده الحامولي" يتمتع بصفة الكرم على كل من حوله حتى في أشد لحظات حياته حسب ما نشره مركز معلومات أخبار اليوم، في حفلة زفاف ابنه وأثناء غنائه على المسرح أمام المدعوين، صعد أحد أقاربه إليه وأبلغه نبأً مفجعا وهو "سقوط ابنه العريس ميتا" قبل أن يزف.

ولم يخر قواه عبده بل تمالك نفسه، وكتم حزنه في قلبه ولم يشأ من فرط كرمه أن يعلن هذا النبأ الأليم على المدعوين الذين كانوا يستمعون إليه بمتعة.

وظل عبده الحامولي يغني حتى الساعات الأولى من الصباح غناء أبكى جميع الحاضرين، واستطاع دون أن يشعر أن يقلب بغنائه الفرح إلى مأتم.

وكان شديد الكرم حتى مع "العربجي" الذي يحمل تخته على حماره، حيث أراد "العربجي" أن يزوج ابنه وأقسم بالطلاق أن "عبده الحامولي" سوف يغني في الفرح، وذهب "العربجي" لعبده الحامولي، ومعه جنيهان وطلب أن يأخذهما، ويقول في فرح ابنه كلمتين فقط يا ليل يا عين. 

فرحب عبده الحامولي ورد إليه فلوسه، وأخبره أنه سيقوم بإحياء فرح ابنه، وزاد بأنه سيُقيم سرادق الفرح على نفقته، كما احضر هدية للعروسين.

ومات سى عبده فى  مايو عام 1901، دون أن يأتيه أحد محبيه!