الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب لوكاس الفرنسيسكاني لـ"البوابة نيوز": كل كنائسنا تشهد حاليا الشهر المريمي احتفاء بمريم العذراء.. وندعو الله من أجل بلدنا وإحلال الأمن والاستقرار

الأب لوكاس حلمي
الأب لوكاس حلمي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ـ حديث القديس فرنسيس مع الملك الصالح أول حوار إسلامي مسيحي 
ـ رفض القديس الحروب الصليبية ووصل إلى مفاتيح بيت المقدس بدون حروب
- توقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" لخدمة السلام في كل أنحاء العالم 
 

حوار- سليمان شفيق

أكد الأب لوكاس حلمي الفرنسسكاني وهو كاتب ومؤرخ وراهب في الرهبنة الفرنسسكانية أن  كل كنائسنا تشهد حاليا شهر مايو وهو الشهر المريمي الذي نقدّم فيه الإكرام اللائق بسيدتنا مريم العذراء من صلوات وقداسات نرفعها إلى الله من أجل النفوس ومن أجل بلدنا ونمائه ومن أجل السلام في كل العالم.

وأضاف في حواره لـ"البوابة نيوز" أن الرهبنة الفرنسسكانية التي أسسها القديس فرنسيس الأسيزي وتركز روحانية القديس فرنسيس الأسيزي على الاهتمام بالفقراء والعمل على تنمية وضعهم بتنمية مستدامة، فالأسيزي الذي كان من عائلة إقطاعية ثرية وهب أملاكه للفقراء، متخليًا عن الثراء الشخصي، ليعيش فقيرًا كالمسيح. كذلك فإن الاهتمام بالبيئة وحركة إصلاح دائمة في الكنيسة، هي من أبرز مقومات الرهبنة الفرنسيسكانية الروحية. تتولى الرهبنة الفرنسيسكانية حماية الأراضي المقدسة في فلسطين، مثل كنيسة كل الأمم في جبل الزيتون، أو كنيسة البشارة في الناصرة، أو كنيسة نياح العذراء في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم إلى جانب قسم من كنيسة القيامة. يدعى الرئيس العام للرهبنة الفرنسيسكانية نظرًا للدور التاريخي المنوط به "حارس الأراضي المقدسة"، وهي مهمة متوارثة منذ عام 1217، حين استحدثت الرهبنة "إقليم سوريا"، ورسميًا بعد تكريس البابا كلمنت السادس له عام 1342 وما زالت الرهبنة الفرنسيسكانية تواصل تحقيق هويتها في كل مكان في خدمة الله والإنسان. فالرهبان الفرنسيسكان، يواجهون مخاطر الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا فاتحين أديرتهم ومستضيفين كل الفارين من أهوالها ويخدمونهم بكل حب وتضحية… وإلى نص الحوار.

ــ نعيش الآن في شهر مايو ما تسموه الشهر المريمي حدثنا عن ذلك الشهر؟ 
نعيش في مصر، في كل كنائسنا، شهر مايو الذي نقدّم فيه الإكرام اللائق بسيدتنا مريم العذراء من صلوات وقداسات نرفعها إلى الله من أجل النفوس ومن أجل بلدنا ونمائه ومن أجل السلام في كل العالم.
فمكانة مريم العذراء عظيمة في نفوس كل المسيحيين، فهي التي اختارها الله ليولد منها السيد المسيح الذي يعطي الخلاص للعالم. لذا تنتشر أديرة ومزارات إكراما لها. ومنها دير ومزار السيدة العذراء بدير درنكة (أسيوط). قد اعتاد المؤمنون، من القرن الماضي، على الذهاب إلى هناك سنوياً خلال شهر أغسطس في الصوم المخصص إكراماً لها. زاد الإقبال على زيارتها على مستوى محافظات مصر كلها، يزورها مسيحيون ومسلمون حيث يعتبرون ذلك الوقت من الأوقات المحببة والمليئة بالبركة. وتظل هذه المزارات مناسبة محبذة للتعبير عن المحبة والتآخي بين المصريين وتقاربهم بعيداً عن أي تعصب أو تطرّف.
ــ ماذا عن لقاء مع الملك الكامل سلطان مصر مع القديس فرنسيس؟
إذا كان لقاء فرنسيس مع الملك الكامل سلطان مصر مجرد فعل شجاعة وإقدام من جانب فقير أسيزي ورفاقه وظل بلا طائل من ورائه وبالتالي صار مجرد حدث أو واقعة تاريخية، أم أنه أحدث تأثيرات: بمعنى أنه كان بذرة ألقيت في صحراء جرداء فصارت نبتة حية هي أولاً الكنيسة الكاثوليكية ثم بعدها الكنيسة القبطية الكاثوليكية التي صارت اليوم شجرة يافعة عظيمة الفاعلية ومن ثم أثره على المجتمع وبالذات في العلاقات مع أصحاب الديانات أي ما بين المسيحية والإسلام. 
في الواقع أنه في المجمع العام الذي عقد عام 1217م برئاسة القديس فرنسيس، قرر الرهبان الفرنسيسكان أن يحملوا شهادة حياتهم إلى جميع أرجاء العالم المعروف في ذلك الوقت، بحسب طابع القديس فرنسيس النبوي والإنجيلي: ألا وهو تأصيل كل أمور الحياة في مصدرها، في لُبها أي في الإنجيل.
منذ عام 1217م قام فرنسيس ورفاقه بتأسيس "أقاليم فرنسيسكانية " في شتى أرجاء العالم كله، إذ بدأ الرهبان انطلاقهم من أسيزي، كأنهم سرب من النحل، متوجهين إلى جهات العالم الأربعة. 
لقد عمل الرهبان الفرنسيسكان في مصر، ويرجع تاريخ أول استقرار لهم في مصر قبل الحملة الصليبية على دمياط عام 1220م. فقد قام الآباء الكهنة من رهبنتنا بتقديم أول خدمة لهم في أرض مصر للجنود، حيث إنهم حضروا باعتبارهم كهنة يخدمون الجيش. فقد جاء القديس فرنسيس وبرفقته خمسة من رفاقه (بطرس كتّاني، باربارو، ساباتينو، ليوناردو دي كسليريو، الوميناتو ديللارش) إلى مصر قبل ذلك التاريخ. إذ أبحروا في 24 يونيو عام 1219 من ميناء "أنكونا"، ويروي آخرون أنهم أبحروا من أحد موانئ "بوليا"، ومرت سفينتهم على "كريت" ثم توجهت إلى "سان جيوفاني بعكا"، ثم فردت أشرعتها متوجهة إلى مصر. فور وصول القديس فرنسيس في شهر يوليو أبدى رغبته للحال في مقابلة السلطان، ذلك الأمر بدا للجميع حماقة لا يفعلها سوى "مخبول"، لأنه حينما وصل فرنسيس أرض مصر، حسبما روى المؤرخ "جروسيه" ، كانت القاهرة هي مفتاح الحسم في الحرب الدائرة بين الصليبيين والمسلمين وذلك لأن السلطنة الإسلامية بقيادة السلطان صلاح الدين والتي كانت تضم مصر وسوريا. كان سلطان مصر من سلالة الأكراد، أي حفيد صلاح الدين، قد تولى الحكم منذ فترة قصيرة ويُدعى "الملك الكامل"، رجل ذو علم عالِ وشهامة ومتفتح، بصفة عامة كان حاكماً مثالياً من الناحية الإنسانية. من الناحية السياسية، بالتأكيد، كان لقاء فرنسيس مع السلطان في لحظة فارقة، حيث إن السلطان كان قد قدم للصليبيين عرضاً بالتنازل لهم عن أورشليم (القدس) في مقابل جلاؤهم عن المنطقة التي سيطروا عليها في مصر. 
اصطحب فرنسيس الأخ الوميناتو معه وتوجها إلى مقر السلطان فلما رآهما الحراس المصريون ضربوهما وأوشكوا أن يقتلوهما لولا صراخهما "السلطان، السلطان" الذي جعل الحراس يعتقدون بأنهما موفدان من جانب الفرنجة للقاء السلطان وبالتالي رافقوهما إلى مجلس السلطان. 
وقف فرنسيس أمام السلطان وحدث حوار عميق جعل جميع المؤرخين تساءلوا حول الأسباب التي جعلت ذلك السلطان القوي، حتى وإن كان شهماً، يستقبل فرنسيس ويعامله بتلك المعاملة اللطيفة. قد تكون قناعته الراسخة، أو بساطته المتواضعة، أو كياسته الكاملة كراهب أصغري، أم احترامه للنفوس الذي يجعله يتجنب كل كلمة مهينة وكل مظاهر الجدل. أو ربما لأنه تقابل مع زعيم لا يعبأ بمظاهر العظمة، لديه روح التدين. على أى حال، هناك شيئان أدركهما فرنسيس جيداً للوهلة الأولى. أولهما هو أن جيوش الحملة الصليبية ظهرت عليها ملامح الإرهاق، ملامح نكبة واضحة تعلن عن نهايتهم، وهذا ما حدث.
 ثانياً: أدرك هو ورفاقه الخمسة، أن طريقة التعامل مع المسلمين، والعالم الإسلامي، ينبغي تكون ببساطة ينبغي أن تكون شهادة بالحب والتفاهم والمساعدة والتحمل وحينئذ تتفاعل العناية الإلهية فيتحقق مقصد فرنسيس. ويبقي ذلك الأساس حتى اليوم، الذي دفع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ( 1962 ـ 1965 )، أصبح الطريق الوحيد المتاح: شهادة، تحترم عقائد الجميع، وخصوصاً ديانات التوحيد، الإسلام واليهودية.
- إذن، هل كانت محاولة فرنسيس ورفاقه فاشلة تماماً؟

كلا، على الإطلاق، لأنه قبل كل شيء توصل لمقابلة السلطان بعد هزيمة ساحقة للجيوش المسيحية فاستقبله بلطف واستمع له بانتباه، وهذه حقيقة واقعة بشهادة الجميع، بل إنها معجزة حقيقية. هذا لأن الفرنسيسكان منذ ذلك اليوم التاريخي لم يغيبوا عن أرض مصر، رغم إدراكهم حسبما قلنا من قبل، أن البشارة بالإنجيل في العالم الإسلامي مستحيلة، وهذا شيء لا يمكن لأحد أن ينكره. 
على كل حال، تلك كانت خطوة سريعة وغير متوقعة بل وغريبة، أُطلق عليها "مغامرة فرنسيس في مصر". إذن، القديس فرنسيس جاء إلى مصر ما بين عامي 1218-1219 م، ومنذ ذلك الحين لم يترك الفرنسيسكان هذه الأرض. 
- ما دور الفرنسسكان بعد ذلك في الأراضي المقدسة؟
وأقام أيضاً الرهبان الفرنسيسكان في الأراضي المقدسة بروح القديس فرنسيس أي بعيش الحوار بين الأديان بكل أبعاده. 
نتحدث عن لقاء كان بمثابة منعطف في حياة القديس فرنسيس وفي تصوره لمهامه. حذر فرنسيس بعد لقائه مع السلطان قائلاً: لا تفتعلوا الصراعات أو المشاكل وفي الوقت نفسه طلب أن نكون في خدمة الجميع مع هويّة مسيحيّة واضحة. ويشكل ذلك الدليل الذي أرشدنا خلال القرون الثمانيّة الماضيّة.
في الواقع، خلال تلك الحقبة، أي الحرب الصليبيّة الخامسة لم تكن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة تلاقي بل خصام فعاش فرنسيس هذا اللقاء ودعا إليه ولا تزال هذه الدعوة صالحة حتى اليوم. تظل العلاقة بين المسيحيين من مختلف الطوائف والحوار المسكوني من التحديات التي تواجه الفرنسيسكان في الأراضي المقدسة. 

- حدثنا عن القدوم إلي مصر حتي الآن؟
ينبغي ألا نعتقد أنهم استقروا فيها على الفور، فالواقع هو أن إقامتهم الثابتة بدأت بعدها بحوالي مائة عام، بالضبط في عام 1324م. 
منذ عام 1324م ولأعوام عديدة تالية، ظل استقرار الفرنسيسكان في مصر قاصراً على منطقة الدلتا في الوجه البحري. أما في الصعيد، مصر العليا، اقتصر الأمر على بعض الزيارات من جانب بعض الرهبان الفرنسيسكان ولم يكن هناك مقر ثابت لهم حتى عام 1666م.
هكذا، بالتدريج، بعد تجاوز صعوبات لا نهائية خصوصاً في عصر حكم الأتراك، بدأ انتشار الأديرة الصغيرة العديدة كما تنتشر الأعشاب على ضفاف نهر النيل: بداية من أخميم، بلدة أو مسقط رأس القديس باخوميوس، حيث كان هذا الدير واحدا من أكثر محطات الإرسالية إزدهاراً ، ثم دير فرشوط ودير طهطا، نقادة وجراجوس وحجازة، بني سويف وبوش، الفيوم وطامية (بلدة المتنيح الأنبا يوحنا نوير). وأيضاً، نجع حمادي والبلينا، أسيوط ودير درنكة، الأقصر والسلامية والسواقي، وقمولا.
بحضور الفرنسيسكان، صارت التعاملات مع الناس ذات طابع أكثر عمقاً وأكثر تلقائيةً، كما صارت العلاقات بين المسيحيين والمسلمين أكثر سلاسة.
لا يمكن أن نغفل تاريخاً آخراً له نفس أهمية ألا وهو 10 أبريل عام 1992. ففي هذا اليوم أصدر الخادم العام لرهبنة الإخوة الأصاغر قراراً يعتمد رسمياً إرسالية صعيد مصر "إقليماً فرنسيسكانياً قبطياً  مصرياً" ، بمقتضاه صارت جميع الأديرة الموجودة في مصر، فيما عدا دير الموسكي، إقليماً واحداً ذو هوية واحدة. 

** لكن ما هي الثمار الحالية، الفعلية والعملية لعمل الفرنسيسكان؟ 

نجد الثمار وفيرة في أشكال عديدة: في العلاقات، أي العلاقات مع الأشخاص من خلال المدارس، والمستوصفات.. الخ. هؤلاء عديدون إذا ما وضعنا في حسباننا عدد الكنائس التي شيدناها والتعليم الديني، والعديد من الروابط الأخرى وصولا للاهتمام بالفن والسينما في المركز الكاثوليكي للسينما الذي مديره الأب بطرس دنيال. ولا يمكن أن ننسى لقاء قداسة البابا فرنسيس مع فضيلة إمام الأزهر ووقع معه في أبو ظبي وثيقة "الأخوة الإنسانية" بين الشعبَين في خدمة السلام، والتي تعتبر استمرارية لروح القديس فرنسيس وأبنائه اليوم.
عليهم جميعاً أن يحافظوا على هويتهم كأبناء للقديس فرنسيس: بسطاء، فقراء، غيورون لكنهم سعداء، دائماً سعداء جداً بانتمائهم لعائلة فرنسيس الكبيرة.

سطور
الأب لوكاس حلمي الفرنسسكاني كاتب ومؤرخ وراهب في الرهبنة الفرنسسكانية التي أسسها القديس فرنسيس الأسيزي هي رهبنة في الكنيسة الكاثوليكية، تأسست على يد القديس فرنسيس الأسيزي في شمال إيطاليا في القرن الثالث عشر تحديدًا عام 1208 وثبت قوانينها البابا إينوسنت الثالث عام 1209، وتعتمد على روحانية القديس فرنسيس، والقوانين التي وضعها بشكل أساسي. تتألف الرهبنة من ثلاثة فروع رهبنة رجالية، ورهبنة نسائية، وما يعرف بالرهبنة الثالثة التي ينضم إليها المدنيون، الذين يبقون في العالم لا في الدير، ويحق لهم الزواج وإنما يلتزمون بفروض وصلوات الرهبنة وتأملاتها.

4311B043-D6EE-4CD0-8E15-698931B360AD
4311B043-D6EE-4CD0-8E15-698931B360AD
69F00DA0-71A9-41B8-8FA8-75A9B4612189
69F00DA0-71A9-41B8-8FA8-75A9B4612189
A9B0F422-2268-4322-AE74-79DF5FD6B6D1
A9B0F422-2268-4322-AE74-79DF5FD6B6D1
59B8F565-F791-4DAE-96D6-517AA1B73D15
59B8F565-F791-4DAE-96D6-517AA1B73D15