الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

اشتعال التنافس بين «الكبار» للتواجد والسيطرة في الساحل الأفريقي

 أرشيفية
أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يثير وجود قوات روسية في مالي المزيد من التوترات والتعقيدات، فضلا عن غضب الدول الأوروبية وخاصة الدول المشاركة فى المهمات العسكرية فى أفريقيا، وعلى رأسها فرنسا التى أنهت عمليات برخان العسكرية، وألمانيا التي أعلنت انسحابها ووقف تدريب قوات مالى ضمن بعثة للاتحاد الأوروبي.

من جانبها اعترفت الحكومة فى مالى بوجود عسكريين روس فى البلاد لتدريب الجنود على الأسلحة الروسية.
 فيما أعلن الاتحاد الأوروبى عن خفض انتشاره العسكرى فى مالي، إضافة إلى إعادة جدولة بعثاته التدريبيّة فى دول الساحل الأفريقى.

وتتصاعد الأزمة بين الدول الأوروبية وبين مالى بسبب علاقات حكومتها بالروس، بدأت بإعلان الانسحاب الفرنسى والتحذيرات والتهم المتبادلة، وآخرها ما أعلنت عنه مالى من إحباط محاولة انقلاب عسكرية مدعومة من الغرب.
 قبل أيام، وتحديدا فى ١١ مايو الجاري، اجتمع وزراء دول التحالف الدولى ضد داعش، لأول مرة فى العاصمة المغربية مراكش، الذى أعلن عن قلقه حيال تواجد قوات لـ«شركة عسكرية خاصة» فى إشارة لقوات فاجنر الروسية، وجاء فى البيان أن اجتماع الوزراء لاحظ بقلق نشر قوات من قبل شركات عسكرية خاصة مزعومة فى الوقت الراهن فى منطقة الساحل، مما قد يزعزع الاستقرار ويزيد من هشاشة البلدان الأفريقية ويمهد الطريق لتنظيم داعش والمنظمات الإرهابية والمتطرفة العنيفة الأخرى فى نهاية المطاف.
 انسحاب ألمانيا
وفى مطلع الشهر الجاري، قالت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبرخت، إن ألمانيا ستنهى مشاركتها فى مهمة تدريب الاتحاد الأوروبى فى مالي، لكنها مستعدة لمواصلة مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى البلاد فى ظل شروط معينة.
 وعللت وزيرة الدفاع القرار الألماني، أنه فى ظل الحكومة المالية الانتقالية الحالية، يوجد خطر من أن الجنود الذين دربتهم ألمانيا يمكن أن يقاتلوا مع القوات الروسية، ويرتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان. وأضافت: «لا يمكننا دعم مثل هذا النظام بعد الآن».
 وأوضح جاسم محمد، مدير المركز الأوروبى لدراسات ومكافحة الإرهاب، أن قرار ألمانيا بإنهاء مشاركة قواتها فى مالي، فى أعقاب سحب فرنسا قوة برخان، جاء بالتوازى مع مطالب من داخل البرلمان الألمانى لسحب الجنود.
 وقال مدير المركز إن فرنسا كانت تنشط فى المنطقة بآلاف العسكريين فى الحرب ضد الإرهاب، وتنتشر القوات المسلحة الألمانية فى مالى مع حوالى ١٣٥٠ جنديًا كجزء من بعثة الاتحاد الأوروبى وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام «مينوسما».
 

وأكد «جاسم» أن القوات الأوروبية والقوات الأممية أصبحت فى وضع لا يمكنها من محاربة التطرف والإرهاب فى الساحل الإفريقي، ولا حتى القدرة على حماية نفسها من هجمات التنظيمات المتطرفة، فإن ما يقرب من ٤١ هجومًا إرهابيًا شنته داعش والجماعات المتطرفة مؤخرًا فى القارة الأفريقية يوضح خطورة التهديد الذى تمثله التنظيمات هناك، كما أن وضع ٢٧ كيانًا إرهابيًا على قوائم مجلس الأمن يوضح التحديات الكبيرة أمام القارة وأمنها.
 

ويرى «جاسم» أن السبب يعود إلى أن معالجات دول أوروبا للتطرف والإرهاب تتركز على عسكرة الأمن، دون وجود معالجات حقيقية لأسباب التطرف والإرهاب والفقر فى دول الساحل الإفريقي، وهذا يعنى أن فرنسا تحديدًا ودول الاتحاد الأوروبى قد تعمل على ترتيب قواتها من جديد، وبإشراك قوات دولية أخرى مثل الولايات المتحدة، لتعود من جديد إلى الساحل الإفريقى.
 

وحول اجتماع التحالف الدولى فى العاصمة المغربية، قال مدير المركز، إن الاجتماع يأتى بالتوازى مع حرب أوكرانيا وانشغال العالم فى هذه الحرب التى أعطت فرصة لانتعاش المنظمات المتطرفة وخاصة داعش فى سوريا والعراق وفى أفريقيا.
 

ولفت إلى أن انعقاده فى المغرب حدث مهم، حيث يعزز التحالف الدولى من وجوده وقوته من جديد، خاصة أن الشمال الأفريقى يعانى من الجماعات المتطرفة، وهذا بالنظر إلى ما يحدث فى ليبيا ودول الساحل الأفريقي، بالإضافة لانسحاب قوة برخان وغالبية دول أوروبا، حيث يأتى الاجتماع فى توقيت مهم على إثر مخاوف من تعرض دول القارة لموجات عنف.
 

قلق أوروبى ورغبة أمريكية
قالت الدكتورة نرمين توفيق، الباحثة فى الشئون الأفريقية، المنسق العام لمركز فاروس للدراسات، إن اجتماع التحالف الدولى التاسع انعقد لأول مرة فى أفريقيا، التى تعانى من الإرهاب وانتشار الحركات الإرهابية مثل داعش، الذى يسعى إلى أثارة الفوضى وقتل الأبرياء.
 

وتحدثت «نرمين» عن دلالات عقد المؤتمر هذه المرة فى أفريقيا، ومنها بالطبع تنافس القوى الكبرى على التواجد فى أفريقيا، حيث يظهر الاجتماع رغبة أمريكا فى استغلال ما يحدث فى غرب أفريقيا من تلويح فرنسا بانسحاب قواتها من مالي، لتعزيز تواجدها، خاصة مع المتغير الجديد وهو الانتشار الروسى فى مالى وأفريقيا الوسطى.
 

وأضافت الباحثة فى الشئون الأفريقية، أن المؤتمر ركز على رصد تطور التكتيكات الإرهابية التى حدثت فى الفترة الأخيرة من خلال زيادة استخدام الطائرات بدون طيار لأغراض كل من الاستطلاع والهجوم، وكذلك استخدام التكنولوجيات الجديدة للقيام بعمليات التمويل، مثل استعمال العملات المشفرة، مما يعنى أن هذه الحركات تسعى إلى الاستفادة من المتغيرات التكنولوجية للبقاء، وهذا يتطلب مزيد من الحيطة من الأجهزة الأمنية لتعقب الإرهابيين واستباق أعمالهم الإجرامية قبل أن تحدث.
 

ونفذت فرنسا انسحابًا من قواعدها العسكرية فى مالى بطريقة وصفتها بأنه كان تدريجيا ومتقنا ومنسقا بشكل وثيق مع القوات المسلحة المالية وبعثة الأمم المتحدة «مينوسما»، حيث أخلت وجودها من قاعدة «كيدال» منتصف أكتوبر الماضي، ثم إخلاء قاعدة «تيساليت» منتصف نوفمبر الماضي، وإخلاء قاعدة «تمبكتو» ديسمبر الماضى.
وأسهم الانسحاب الفرنسى فى تأزم الموقف المالي، فرئيس الوزراء، شوجيل كوكالا مايغا، وصف إعلان فرنسا إنهاء عمليتها العسكرية فى مالى المعروفة باسم «برخان» بأن فرنسا تتخلى عن بلاده فى منتصف الطريق، وأنه سيسعى لبحث السبل والوسائل التى تحقق الأمن. وفى نفس الإطار أعلنت مالى عن التوجه للاستعانة بقوات أمنية روسية تابعة لشركة «فاجنر» ليزيد الأزمة اشتعالا، لتشتعل أزمة التصريحات وتبادل الاتهامات بين البلدين.
 

وترى فرنسا أن الاستعانة بالمقاتلين الروس لتعزيز الأمن داخل مالي، خاصة بعد الانسحاب الفرنسي، يعد نوعًا من إعطاء الفرصة لروسيا كى توسع نفوذها بمنطقة الساحل التى هى منطقة نفوذ لفرنسا، الأمر الذى زاد من انزعاج باريس، ما جعلها تهدد الحكومة المالية بفقد دعم المجتمع الدولى والدخول فى عزلة إلى جانب التخلى عن مقومات سيادية.
 

المجلس العسكرى فى مالى
أعلن المجلس العسكرى الحاكم فى مالى فى ١ مايو ٢٠٢٢ الانسحاب من اتفاقات الدفاع مع فرنسا، وأدان «الانتهاكات الصارخة» لسيادته الوطنية من قبل القوات الفرنسية هناك، وقال المتحدث العقيد عبدالله مايغا فى بيان متلفز: «منذ فترة، تلاحظ حكومة جمهورية مالى بأسف تدهور عميق فى التعاون العسكرى مع فرنسا».
ونقلًا عن تقرير للمركز الأوروبى لدراسات ومكافحة التطرف، فإن «مايغا» أشار إلى عدة حالات لانتهاك القوات الفرنسية المجال الجوى للبلاد، وقرار فرنسا فى يونيو ٢٠٢١ بإنهاء العمليات المشتركة مع القوات المالية. مع تصاعدت التوترات منذ سيطرة المجلس العسكرى فى مالى على السلطة فى أغسطس ٢٠٢٠.
اعترفت الحكومة المؤقتة التى يهيمن عليها الجيش فى مالى مؤخرًا بوجود مدربين روس فى البلاد، وشددت على أنهم حصلوا على نفس التفويض الممنوح لبعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي، واتهمت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى الحكومة المالية المؤقتة بإحضار مرتزقة من شركة فاجنر الروسية، ما تنفيه باماكو حتى الآن، ويتهم الاتحاد الأوروبى «فاجنر» بإثارة العنف وترهيب المدنيين وفرض عقوبات على المنظمة فى ١٣ ديسمبر ٢٠٢١.