الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين شهدائنا في سيناء وشيرين أبو عاقلة..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

المتابع لفتاوى تحريم طلب الرحمة والمغفرة وجنات الخلد للصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، يدرك سريعًا مصدر جماعات الإرهاب من الوقود البشرى الذى يستهدف ضباطنا وجنودنا بعمليات الغدر والخسة فى شمال سيناء.
مهما كانت بشاعة ووقاحة المحتل الإسرائيلى، ومهما كان إرهابه وجرمه فى اعتداءاته المتكررة على الشعب الفلسطينى واستهدافه المتعمد للمراسلين الصحفيين والإعلاميين لإخفاء جرائمه وطمس آثارها؛ فلن يقل عنه بأى حال بشاعة وصدمة من ردود أفعال المتأسلمين وبعض المتحزلقين على دعوات طلب الرحمة والمغفرة للإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة بعد استشهادها نتيجة لعملية اغتيال سافرة ارتكبها جنود الاحتلال الإسرائيلى.
جرائم العدو الإسرائيلى اعتدنا بشاعتها منذ بدأت هجمات العصابات الصهيونية قبل حرب 1948 وصولًا إلى اليوم، وقيام جنوده باغتيال الشهيدة شيرين حلقة من سلسلة المجازر وجرائم الحرب التى ارتكبها وسيظل؛ وهو أمر لا نستطيع توقع عكسه من عدو شرس يفتقد أدنى مقومات الإنسانية والقيم الأخلاقية؛ إلا أن الصادم والمرعب بشأن المستقبل هى تلك الفتاوى التى سارع بعض رجال الدين إلى إطلاقها لتحريم مجرد الترحم وطلب المغفرة لشيرين أبو عاقلة، وكذلك تحريم وصفها بالشهيدة لأنها مسيحية.
تلك الفتاوى المأفونة انطلقت بنفس سرعة رصاصة الغدر التى استقرت فى رأس الشهيدة قبل تشييع جثمانها الطاهر مثواه الأخير.
منصات التواصل الاجتماعى فى مصر عجت بمئات المنشورات التى راحت تضع حدودًا تميز بين طلب الرحمة، وطلب المغفرة وجنات الخلد وخرجت علينا فتاوى تجيز الترحم على الشهيدة شيرين بشكل عام وتحرم على نحو قاطع طلب الغفران أو وصفها بالشهيدة بدعوى أن الجنة حصرية للمسلمين وحدهم.
وكالعادة انخرط المشغولون بهذه المسألة فى إطلاق اتهام كل من يصف شيرين أبو عاقلة بالشهيدة ويطلب لها الرحمة والمغفرة بهدم ثوابت الدين والخروج عن الملة وإنكار ما هو معلوم بالضرورة، وكان الحماس والتشنج الطابع الغالب على معظم ما طالعته على الأقل على منصات التواصل الاجتماعى فاق بمراحل الحماس لإدانة العدو الصهيونى.
هذه الأفكار والتصورات تجعل البعض مؤهلًا من حيث المبدأ ليتحول إلى عنصر فى جماعة إرهابية عندما تتوافر بعض الظروف الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وهو ما يسمح لأمراء تلك الجماعات بتوفير مصدر دائم من الوقود البشرى الذى يحتاجونه لتنفيذ عملياتهم الإرهابية؛ مستغلين تشبع مجتمعاتنا بمجموعة من التصورات الدينية والأفكار المتطرفة والمتشددة.
رصاصة الغدر التى اغتالت الإعلامية الفلسطينية بسبق إصرار وترصد جعلت من شيرين أبو عاقلة رمزًا للمقاومة الفلسطينية وذكرت العالم بجرائم الاحتلال الإسرائيلى؛ لكن تحفظ أبناء جلدتها على طلب الرحمة والمغفرة لها وذلك الجدل القميء الذى عم منصات التواصل الاجتماعى اغتال الأمل فى قدرة شعوبنا على تحرير الأرض ودحر الاحتلال الصهيونى على الأقل فى المدى القريب والمتوسط ولا أريد القول فى المدى البعيد أملًا فى مستقبل يحمل معه تغيرًا حقيقيًا فى مستوى وعى وقيم مجتمعاتنا.
لا أعتقد أن بوسعنا تحقيق أى انتصار على الكيان الصهيونى ونحن نكفر بعضنا البعض ونقسم أنفسنا قبل العالم إلى فسطاطين، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، والأمر ذاته بالنسبة لقضية القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية ومن ثم البشرية.
بل أننا من الصعب أن نصل فى مجتمعاتنا المسلمة إلى تحقيق قيم المساواة والعدل وتكافؤ الفرص والحرية طالما مازلنا نحمل فى عقولنا تلك التصورات والعقائد الفاسدة؛ ذلك أن تكفير الآخر الدينى يعزز تقسيم المجتمع الواحد إلى طوائف وملل ينحاز بعضها لبعض وينسحب ذلك على المجال السياسى والاجتماعى والاقتصادى وحتى الثقافى والفنى بما نعرفه بنظام الشلة التى تبحث عن مصالح أعضائها الفردية وهو مرض تعانيه مجتمعاتنا لأنه يقف حائلًا ضد قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وحتى حرية الرأى والتعبير لأن كل شلة تسعى للاستحواذ على المصالح والمكاسب لنفسها ومنع كل المتناقضين معها من حق ممارسة حرية الرأى والتعبير، وقد أدى استشراء هذا المرض إلى غياب ما تعرف فى الدول الديمقراطية بمجموعات الضغط التى تعبر عادة عن مصالح وتوجهات فئات عريضة من المجتمع أى أنها لا تسعى بالأساس لتحقيق مصالح ضيقة وشخصية لأعضائها كما هو الحال فى ظاهرة الشلة المهيمنة على مجتمعات الشرق الأوسط.