الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

جمال الغيطاني.. عاشق التراث

جمال الغيطاني.. عامل
جمال الغيطاني.. عامل النسيج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحل اليوم ذكرى ميلاد الروائي جمال الغيطاني الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1945 م وهو روائى وصحفي مصري، كما كان رئيس تحرير صحيفة أخبار الأدب المصرية، وصاحب مشروع روائي فريد استلهم فيه التراث المصري ليخلق عالمًا روائيًا عجيبًا، يعد اليوم من أكثر التجارب الروائية نضجًا وقد لعب تأثره بصديقه وأستاذه الكاتب نجيب محفوظ دورا أساسيًا لبلوغه هذه المرحلة مع اطلاعه الموسوعي على الأدب القديم وساهم في إحياء الكثير من النصوص العربية المنسية وإعادة اكتشاف الأدب العربي القديم بنظرة معاصرة جادة.

ولد الغيطاني في 9 مايو 1945 في قرية جهينة محافظة سوهاج نشأ في القاهرة القديمة، حيث عاشت الأسرة في منطقة الجمالية، وأمضى فيها ثلاثين عاما، تلقى تعليمه في مدرسة عبد الرحمن كتخدا الابتدائية، ومدرسة الجمالية الابتدائية، تلقى تعليمه الاعدادي في مدرسة محمد علي الاعدادية، بعد الشهادة الإعدادية التي حصل عليها عام 1959، التحق بمدرسة العباسية الثانوية الفنية التي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان.

تخرج عام 1962، وعمل في المؤسسة العامة للتعاون الانتاجي رساما للسجاد الشرقي، ومفتشاً على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر، أتاح له ذلك زيارة معظم أنحاء ومقاطعات مصر في الوجهين القبلي والبحري، تزوج عام 1975، من ماجدة الجندي، رئيس تحرير مجلة علاء الدين، للأطفال الصادرة عن مؤسسة الأهرام، وهو أب لمحمد وماجدة.

يعتبر الغيطاني من أكثر الكتاب العرب شهرة على شبكة الانترنت إذ أن أغلب رواياته ومجموعاته القصصية متوفرة في نسخات رقمية يسهل تبادلها أضافت بعداً جديداً لهذا الكاتب الذي جمع بين الأصالة العميقة والحداثة الواعية.

استطاع الغيطاني أن يعمل كرسام في المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي حيث استمر بالعمل مع المؤسسة إلى عام 1965، ثم تم اعتقاله في أكتوبر 1966 بتهمة الانتماء الى تنظيم ماركسي سري، وأمضى ستة شهور في المعتقل تعرض خلالها للتعذيب والحبس الإنفرادي، وأطلق سراحه في مارس 1967، عمل سكرتيرا للجمعية التعاونية المصرية لصناع وفناني خان الخليلي وذلك إلى عام 1969، وأتاح له ذلك معايشة العمال والحرفيين الذين يعملون في الفنون التطبيقية الدقيقة.

بعد صدور كتابه الأول عرض عليه محمود أمين العالم المفكر الماركسي المعروف، والذي كان رئيسا لمؤسسة أخبار اليوم الصحفية أن يعمل معه فانتقل للعمل بالصحافة، بعد أن عمل في الصحافة بدأ يتردد على جبهة القتال بين مصر واسرائيل بعد احتلال إسرائيل لسيناء، وكتب عدة تحقيقات صحفية تقرر بعدها تفرغه للعمل كمحرر عسكري لجريدة الأخبار اليومية واسعة الانتشار، وشغل هذا التخصص حتى عام 1976، شهد خلالها حرب الاستنزاف (1969 : 1970) على الجبهة المصرية، وحرب أكتوبر 1973 على الجبهتين المصرية والسورية، ثم زار فيما بعد بعض مناطق الصحراء في الشرق الأوسط، مثل شمال العراق عام 1975، ولبنان، والجبهة العراقية خلال الحرب مع إيران.

انتقل  الغيطاني للعمل في قسم التحقيقات الصحفية عام 1974، وبعد إحدى عشر عاماً في 1985 تمت ترقيته ليصبح رئيسا للقسم الأدبي بأخبار اليوم، ثم رئيسا لتحرير (كتاب اليوم) السلسلة الشهرية الشعبية ثم رئيسا لتحرير أخبار الأدب مع صدورها عام 1993، شغل جمال الغيطاني منصب رئيس تحرير جريدة أخبار الأدب منذ 1993 حتى وفاته في 2015.

بعد الانطلاقة الأدبية الأولى للغيطانى عام 1965، ظلّ ينشر قصصه في دوريات مصرية وعربية كثيرة، وانتمى الغيطانى بشكل ما لمجموعة مثقفين وكتاب تقدميين ذوي ميول يسارية، منهم إبراهيم فتحي وأحمد الخميسي وغالب هلسا وسيد خميس وصلاح عيسى ويحيى الطاهر عبدالله وصبري حافظ وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي، وتأثر كتاب تلك الموجة الجديدة ومنهم الغيطاني بهزيمة حرب 1967، والتي تركت بصماتها على أشياء كثيرة في الحياة العربية، ومنها الحياة الثقافية، وحاول بعضهم الانسلاخ عن إرثه الثقافي، لاعتقادهم أن به بذور الجمود التي أدت للهزيمة، بينما لجأ البعض الآخر إلى هذا الإرث، متأملاً في جمالياته ومستلهما منه مستقبلا مؤسسا على الجذور،  فقد استفادت كتابة الغيطاني من العودة إلى التراث العربي والإسلامي وتشربه وإعادة إنتاجه، ويرى أن المميز في ذلك النهج الذي اختاره هو تحرره من الشكل الروائي الغربي الذي سار على دربه أدباء آخرون من قبله.

وصفت مجموعته القصصية الأولى "أوراق شاب عاش منذ ألف عام"، بأنها "بروفة أولى على هيئة ماكيت لجميع النصوص السردية التي أتت بعد ذلك"، وخصوصا رواية "الزينى بركات" الصادرة 1974 وتعد أحد أهم الروايات البارزة في الروايات العربية، وجسدت الرواية تجربة معاناة القهر البوليسى في مصر، وكانت تدور حول شخصية تدعى "الزيني" والذي كان يعمل كبيرا للبصاصين، أى رئيسا للمخبرين، في عهد السلطان الغورى أوائل القرن العاشر الهجرى، وتصور الرواية معاناة الشعب من سطوة السلطان وصراع الأمراء واحتكار التجار وعيون البصاصين، ووصفت الرواية بأنها "نموذج من نماذج القهر والاستبداد التي تعرض له المصريين في هذه الفترة"، وترجمت الرواية إلى الألمانية والفرنسية عام 1985 بعد أن حققت صدى طيباً في وسط الدوريات الثقافية في العالم،كما تحولت إلى مسلسل مصرى تاريخى من إخراج يحيى العلمي وبطولة أحمد بدير ونبيل الحلفاوي.

على الرغم من علاقة الغيطاني الوثيقة بنجيب محفوظ، إلا أنه لم يكن في يوم من الأيام ساعيا لتقليد محفوظ أو استنساخ شخصيته فقد حافظ علي خصوصيته صامدة كما هي رغم قوة تأثير محفوظ عليه، ولم يحدث في يوم من الأيام أن أسقط ناقد أدبي علي أي تشابه بين نصوص المبدعين، ومع ذلك، تتكرر أسماء الأماكن ذاتها في أعمال ونصوص الكاتبين مع اختلاف المعالجات، انفتحت تجربته الفنية في السنوات الأخيرة على العمل التلفزيوني مع المحافظة على نفس الملامح التي نجدها في الرواية ،إذ كشف النقاب عن عالم آخر يعيش بيننا من المعمار والناس.