الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

فضائيات

بالفيديو.. يوم ميلاد حكيم العرب صقر الصحراء الشيخ زايد

الشيخ زايد
الشيخ زايد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوافق اليوم الجمعة 6 مايو 2022 ذكرى الميلاد الرابعة بعد المائة لحكيم العرب صقر الصحراء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي سيظل التاريخ يذكره في سجلاته المشرفة وصفحاته الناصعة بفضل مواقفه الوطنية الحكيمة التي أرست دعائم الوحدة الوطنية وعلاقات الأخوة بين الأشقاء العرب وفي القلب منهم مصر التي كانت، ولا زالت، تتمتع بعلاقات أخوية ومصير مشترك مع دولة الإمارات.

فبزيه العربي المميز، وبتواضعه الجم وأخلاقه الرفيعة، حمل الشيخ زايد رحمة الله، الخير إلي كل مكان وطأته قدماه، وبالرغم من رحيله عن عالمنا، إلا أن أعماله وإنجازاته، تظل باقية خالدة شاهدة، علي رجل من طراز فريد، كتب اسمه بحروف من نور، في قلب كل إماراتي وعربي.

فقد تمكن الشيخ زايد "الأب المؤسس"، خلال أربعة عقود، أن يضع اللبنة الأولي لحضارة دولة الإمارات، وأن يؤسس أول فيدرالية عربية حديثة، تناطح مبانيها السحاب، علي شط الخليج العربي، ولم يكتف رحمة الله بذلك، بل مد أواصل الثقة والترابط مع البلدان والشعوب العربية، ليلقب بلقب "حكيم العرب" بفضل مواقفه المدافعة عن القضايا العربية.

مولده ونشأته: 

ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في قصر الحصن بمدينة أبوظبي عام 1918. والده الشيخ سلطان بن زايد كان حاكمًا لإمارة أبوظبي من (1922-1926م). وكان الشيخ زايد الابن الأصغر من بين أربعة أشقاء، وسُمِّي باسم جدِّه زايد بن خليفة المعروف بـ "زايد الأول" الذي حكم الإمارة من (1885-1909م).

أظهر شغفًا متزايدًا بكل ما يمتّ إلى العربي الأصيل، كالصيد بالصقور، وركوب الهجن العربية الأصيلة والخيل، وإتقان الرماية. وتشكَّلت شخصيته في فجر شبابه عندما كان في مدينة العين، واستمد الكثير من صفائها ورحابتها. واكتسب صفات الزعامة والقيادة السياسية التي اتسمت بها شخصيته الفذة.

زايد ممثلًا للحاكم في المنطقة الشرقية:

عُين الشيخ زايد عام 1946 ممثلًا لشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي في المنطقة الشرقية، وامتدت فترة ولايته فيها عشرين عامًا. واشتهر بشخصيته القيادية بين سكان المنطقة، وحظي بسمعة طيبة، وكان نموذجًا يُحتذى به في إدارة الحكم. وتمثَّلت مبادئ القيادة لديه في بناء الروابط القوية بينه وبين أفراد شعبه، والمحافظة على تلك الروابط. وكان يحرص على الإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات، وكان مجلسه مفتوحًا للجميع.

وكان الشيخ زايد يتخذ قراراته بموافقة القبائل المختلفة وإجماعها، ويسافر إلى جميع المناطق القريبة والنائية؛ للاطمئنان على الناس، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن حاجاتهم، ومشاورتهم، والاستماع إليهم قبل اتخاذ أي قرار، حتى ذاع صيته، وحظي بحب الشعب واحترامه، وكأنه فرد منه.

وسجّل ولفرد ثيسيجر الرحالة البريطاني الشهير الذي قطع صحراء الربع الخالي ووثّق رحلته الشهيرة تلك في كتابه "الرمال العربية" - بعض الانطباعات في كتابه عن لقائه الشيخ زايدًا فقال: "إن زايدًا رجل قوي البنية، لحيته بنية اللون، ووجهه ينمُّ عن ذكاء حادّ، وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة، وهو يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية"، ويضيف: "لقد كنت متشوقًا للقاء زايد؛ فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم، ولعلاقاته الودية معهم، واحترموا فيه نفاذ شخصيته وذكاءه وقوته البدنية، وكانوا يعبرون عن إعجابهم به فيقولون: زايد بدوي مثلنا؛ فهو يعرف الكثير عن الهجن، ويركبها مثلنا، وهو ماهر في الرماية، ويجيد القتال".

 

وصف الرحالة أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم فقال: "زايد رب أسرة كبيرة، يجلس دائمًا للإنصات لمشاكل الناس ويحلها؛ فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء، وكلهم رضى عن أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل".

 

أما النقيب البريطاني السابق في قوة ساحل عمان أنطوني شيبرد فقد نشر كتابًا أسماه "مغامرة في الجزيرة العربية" سجل فيه انطباعاته بعد لقاء الشيخ زايد، فقال: "كان زايد رجلًا يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمي، وكان بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة".

 

وكتب الممثل السياسي البريطاني في أبوظبي العقيد هيو بوستيد بعد زيارة له إلى العين: " تدهشني الجموع التي تحتشد دومًا حوله في البريمي، وتحيطه باحترام واهتمام"، كان لطيف الكلام دائمًا مع الجميع، وكان سخيًّا جدًّا بماله، ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفي المنطقة لمنفعة الشعب؛ فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين، وحفر الآبار، وشيد الحمامات الحديثة في الأفلاج. إن من يزور العين يلاحظ سعادة أهل المنطقة".

وزار الباحث البريطاني كلارنس مان المنطقة الشرقية، وحضر مجالس الشيخ زايد، وألفّ كتابًا عن إمارة أبوظبي بعنوان "أبوظبي: ولادة مشيخة نفطية"، تنبأ فيه عام ١٩٦٤ بأن يكون الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو الحاكم القادم للإمارة؛ إذ قال: "إن الشيخ زايد بن سلطان هو الرجل القوي في منطقة العين وضواحيها، ومن هنا امتد نفوذه إلى بقاع الظفرة، وهو يلقى احترام رجال البدو، وقد كرَّس المال القليل الذي توفّر لديه للقيام بإصلاحات في منطقة البريمي، ويرجع إليه فضل بسط نفوذ أبوظبي على البادية، فضلًا عن عدالته، وروحه الإصلاحية، وقدراته السياسية الفائقة، بأن يكون رجل البلاد المنتظر في إمارة أبوظبي.

زايد حاكمًا لإمارة أبوظبي:

مع اكتشاف النفط في إمارة أبوظبي في أواخر خمسينيات القرن العشرين بدأ عصر جديد من التطور في منطقة الخليج العربي قلَبَ المشهد الاقتصادي برمته، وعندما صَدَّرت أبوظبي أول شحنة نفط عام 1962 باتت الأمور جليّة والتحديات واضحة للمرحلة الجديدة من تاريخ أبوظبي على جميع الصُّعُد: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. وكانت السياسية أبرزها، إذ كان البلد في أمسِّ الحاجة إلى رؤية جديدة للحكم لتتصدى لتلك التحديات، وتخطط تخطيطًا ناجحًا لاستغلال أمثل لعوائد النفط، فجاء اختيار عائلة آل نهيان للشيخ زايد ليكون حاكمًا لإمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966 مواكبًا تلك المرحلة الجديدة من تاريخ أبوظبي.

وبدأ الشيخ زايد بتحقيق إصلاحات واسعة في البلاد، فشرع يطور التعليم والصحة، ويخطط لتطوير المدن وقضايا الإسكان لأفراد الشعب، ووضع برنامجًا ضخمًا لعملية الإنماء، وبدأ يدفع أبناء شعبه إلى المشاركة بكل طاقاتهم في هذه العملية، ودعا الكفاءات الأجنبية لدعم هذه المسيرة بالخبرات. ولم تمضِ أيام على تسلمه مقاليد الحكم حتى أعلن إقامة حكومة رسمية حديثة بالإدارات والدوائر، وأوكل عليها المهام اللازمة لتسيير أمور الدولة.

وكان من ضمن أولوياته: شقّ الطرقات، وبناء جسر يربط جزيرة أبوظبي باليابسة، وإقامة المدارس والمساكن والخدمات الطبية، وإنشاء ميناء ومطار. وتغير وجه أبوظبي؛ فغدت ورشة عمل في كل اتجاه، وأصبح صوت الآلات في كل حدب وصوب، وانتقل آلاف السكان من سكن "العشيش" إلى المنازل الحديثة، وامتدت الطرق الحديثة فوق رمال الصحراء، ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت، وانتقل التعليم من نظام "المطاوعة" إلى النظام الحديث في التعليم، وانتشرت المدارس على اختلاف مراحلها في كل بقعة من البلاد، وفتحت عشرات الفصول الجديدة لنظام محو أمية لمن فاتهم قطار التعليم، وبدأت العيادات تقديم خدماتها الطبية للبدو في الصحراء بعد أن حرموا الرعاية الصحية طويلًا، ونجحت المسيرة في تعويض قرون من التخلف والجمود.

زايد رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة:

عندما أعلنت بريطانيا عام 1968 نيتها سحب قواعدها من شرق السويس، أصبح لزامًا على الإمارات أن تخطو خطوة تغير بها وجه التاريخ بالمنطقة، ولاسيما أن منطقة الخليج العربي تُعَدّ لقمة سائغة للطامعين. قام الشيخ زايد مع أخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي آنذاك ببادرة كان لها عظيم الأثر فيما جاء بعدها من أحداث؛ فكانت اتفاقية السميح التي وقّعا عليها في الـ 18 من فبراير عام 1968، التي فتحت الباب لخطوات كبيرة تلتها؛ فَجَرتْ مباحثات الاتحاد التساعي بين الإمارات السبع وبين شقيقتيها: البحرين، وقطر، وآلت الأمور في النهاية إلى قيام اتحاد الإمارات باسم "دولة الإمارات العربية المتحدة" بعد أن أعلنت البحرين وقطر استقلالهما.

وقام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، وانتخب الشيخ زايد بإجماع حكام الإمارات أول رئيس للدولة الفتية لمدة خمس سنوات، وجَدَّد له المجلس الأعلى ثقته فيه بانتخابه عدة مرات، فكان هو الرئيس، وهو الباني، وهو الوالد الحاني على أبناء أمته، وانتخب الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائبًا له.

أخذ الشيخ زايد يتابع شؤون دولته الوليدة الآخذة في النمو، ووزّع عوائد الثروة النفطية على جميع القطاعات بالدولة، ولاسيما التي كانت بحاجة إلى التطوير. واهتم بالاقتصاد والتعليم، والتراث والثقافة، وحافظ على سمعة دولته بين أخواتها العربيات وبين دول العالم بفضل نظرته المستقبلية وأفقه الواسع، بل زادت سمعة الدولة بفضل الأمن والاستقرار اللذين حظيت بهما.

واتفق حكام الإمارات أعضاء المجلس الأعلى على وضع دستور اتحادي مؤقت من أجل حكم فعّال ونظام تُحدّد فيه سلطات المؤسسات الاتحادية في دولة تأخذ بأساليب الإدارة الحديثة، وتسعى في الوقت نفسه إلى المحافظة على الشكل التقليدي الذي يتصف بصفة الديمقراطية المباشرة.

مجلس التعاون الخليجي وطموح أكبر:

طالما تمثّلت رؤية الشيخ زايد في توحيد جميع دول الخليج، التي تجمعها عوامل مشتركة؛ كالتاريخ والعادات، والتقاليد والاقتصاد، والتقارب الأسري الذي يجمع بين شعوب المنطقة؛ إذ كانت لديه - رحمه الله - قناعة عميقة بفوائد الاتحاد الجمة للإمارات السبع، وجميع دول الخليج أيضًا، وأسفرت رؤيته ورؤية إخوانه في دول الخليج العربية الست عن تكوين تجمع إقليمي وسياسي رسمي؛ إذ وقّع رؤساء هذه الدول: (البحرين والكويت، وعُمان وقطر، والسعودية والإمارات) وثيقة تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتاريخ 25 مايو1981 في قمتهم الأولى بأبوظبي.

الشيخ زايد وتطوير القطاع الصناعي والبنى التحتيـة:

أدرك الشيخ زايد – طيب الله ثراه-أن النفط مصدر محدود وناضب؛ فغدت لديه رؤية واضحة في تطوير القطاع الصناعي بدولة الإمارات، وتركّز اهتمامه في تطوير قطاع التصنيع، الذي شهد نهضة كبيرة في عهده، ولاسيما في سبعينيات القرن الماضي.

كان من أهم أولويات الشيخ زايد تطوير البنية التحتية للدولة؛ فأدرك منذ بدايات سني حكمه أهمية إنشاء الطرق الحديثة، ومدّ خطوط الهاتف، وتأسيس إعلام وطني لربط جميع الإمارات السبع، وبالفعل أثبتت الأيام بعد نظرته وسعة أفقه، فكانت الطرق الجديدة، والمطارات الدولية، والموانئ البحرية، وشبكات الخطوط الهاتفية المتطورة التي أبرزت دولة الإمارات ودورها المهم في العالم الصناعي الحديث، واحتلالها مكانة مرموقة بين أكثر دول العالم الصناعية تقدمًا.

19 رمضان 1425هـ، الموافق 2/11/ 2004 م تاريخ لا يُنسى، فقدت دولة الإمارات العربية المتحدة فيه قائدها وباني اتحادها بعد مسيرة عطاء طويلة استمرت قرابة أربعة عقود، وحزن عليه الصغير والكبير. وكان الخبر صادمًا لكل أبناء الإمارات.

نعت الدول العربية والأجنبية المغفور له -بإذن الله -الشيخ زايدًا، وحزن لفقده كثير من شعوب العالم، وأصدر رؤساء الحكومات الدولية رسائل رثاء مليئة بعبارات الأسى لشخص يكنّ له كل العالم التقدير والاحترام، واعتبر الكثير رحيله خسارة كبيرة نظرًا لإنجازاته التي لا يمكن حصرها.

وكان عزاء أهل الإمارات في أبناء زايد الذين تعلّموا وترعرعوا بالقرب من والدهم الذي يعتبر أعظم مدرسة في القيادة والحكم العادل؛ فكان الشيخ خليفة بن زايد خيرَ خَلَفٍ لخير سَلَفٍ، تولّى الحكم بعد والده بموافقة ومباركة من جميع شيوخ الإمارات والشعب كافة.

علاقة أخوية بمصر

"النفط العربي ليس أغلي من الدم العربي"، هكذا قال الشيخ زايد، بعد إعلان قطع البترول عن أي دولة تساند إسرائيل، في حربها ضد مصر وسوريا، في محاولة لاستخدام سلاح البترول لتغيير مسار المعركة، وإجبار أمريكي، التي مدت جسرًا جويًا إلي إسرائيل، للتراجع عن موقفها الداعم للكيان الصهيوني.

ولم يكتف الشيخ زايد بهذا، بل قام بجمع 100 مليون جنيه إسترلينى من بنوك أوروبا، لدعم دول المواجهة مصر وسوريا، ووضع كل إمكانيات بلاده لصمود الدول العربية في ميدان المعركة.

وعندما سُئل الشيخ زايد، في هذا التوقيت من أحد الصحفيين الأجانب " ألا تخاف علي عرشك من الدول الكبرى"؟ فقال بثبات:" إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحي بكل شيء في سبيل القضية العربية، واستطرد "إنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله".

انتهت حرب أكتوبر بنصر عربي علي الكيان الصهيوني لأول مرة، في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن لم يتوقف دعم الشيخ زايد للقضايا العربية ولمصر وشعبها، ليكتب رحمة الله اسمه بحروف من نور، في قلب كل عربي محب لوطنه، ومازال صقر الصحراء يحلق فوق شط الخليج، بعد أن تمكن من تأسيس إمارات عربية قوية.