الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معالجة الديون والاقتراض أولا (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ستظل قضية الديون الهمّ الذي يؤرق كل دول العالم، ويتسع القلق بشكل أكبر مع الإفراط في الإقتراض، ويصبح عبئا على الدول وأفراد شعوبها.

ولا شك أن الإقتراض أحد وسائل كل دول العالم في تنفيذ مشروعاتها، وتغطية تكاليف خطط النمو، وكثيرا ما تستخدمه دول في سداد إلتزاماتها في عمليات الإستيراد للسلع الرئيسية، بعيدا عن الإستخدامات في قطاعات غير إنتاجية، ولكن يبقى الأمر الأهم هو الترشيد في عمليات الإقتراض هو الأساس عندما ترتفع الأعباء.

ولازال الجدل مستمرا حول اشتراطات القروض وتأثيرها  على تنمية الاقتصاديات الناشئة، وهناك اتفاق متزايد فى الرأي على أن المؤسسات الدولية تفرض على الدول شروطا عديدة تحتوى على الكثير من التفاصيل التى تجعل الحكومات تركز جهودها على تلبية متطلبات القرض بدلا من التركيز على تحسين مستويات معيشة الشعوب، ولذلك ظهر عدد من البدائل المقترحة لتلك الشروط المفصلة، وفقا لدراسة عالمية. 

ولا يخفي على أحد أن القروض التى تقدمها المؤسسات المالية لدول العالم النامى تخضع إلى مجموعة معينة من الاشتراطات التى تهدف فى المقام الأول إلى ربط إتمام التحويلات المالية إلى الدولة المعنية بقيامها بتنفيذ سياسات أساسية، وتضمن للدولة المقترضة استمرار الحصول على التمويل إذا وضعت جميع السياسات موضع التنفيذ.

ورغم ذلك، بل العجيب في الأمر، وفق رؤى إقتصاديين، فهناك بعض الدول التى تستمر فى الحصول على القروض رغم عدم قدرتها على الوفاء بالشروط الأصلية التى تم الاقتراض بموجبها. 

والاتفاق العام بين الخبراء فإن شروط الإقراض المفصلة تجعل القروض عبءً على الدول النامية لأنها فى أغلب الأحيان "تقيد دور المؤسسات السياسية الوطنية وتحد من تطوير المؤسسات الديموقراطية المسئولة"، والواقع أن محاولة الوفاء بعشرات الشروط قد تصبح عائقا صعبا أمام صنع القرار فى عملية الإصلاح، وليس من الممكن فرض الإصلاحات المؤسسية على الدول بواسطة شروط تأتى من الخارج، بل ينبغى تصميم هذه الإصلاحات وتطويرها من الداخل.

وفي النهاية يكون المواطنون من أبناء الدولة المقترضة، خصوصا الفقراء منهم والطبقات الدنيا هي التي تتحمل العبء الأكبر من شروط الإقتراض نظرا لأن معظم الشروط المطلوبة تحد وتقلص من دور الدولة تجاههم، مثل الدعم، والتوظيف، والخدمات العامة، التي يتم توجيهها نحو التخصيص "الخصخصة"، وإخراج الدولة منها.

وتؤكد خلاصات دراسات إقتصادية أن شروط الإقراض المفصلة تجعل القروض عبءً على الدول النامية لأنها فى أغلب الأحيان "تقيد دور المؤسسات السياسية الوطنية وتحد من تطوير المؤسسات الديموقراطية المسئولة"، موضحة أن الواقع يقول إن محاولة الوفاء بعشرات الشروط قد تصبح عائقا صعبا أمام صنع القرار فى عملية الإصلاح، وليس من الممكن فرض الإصلاحات المؤسسية على الدول بواسطة شروط تأتى من الخارج، بل ينبغى تصميم هذه الإصلاحات وتطويرها من الداخل.

والدراسات العالمية في ملف الإقتراض الخارجي، خصوصا من البنك الدولي وصندوق النقد، تحذر من أنه ومع مرور السنين، اتسع مجال شروط الاقراض بعد أن كان فى الأصل مقتصرا على متغيرات الاقتصاد العام،  فالدول النامية التى كانت تواجه عددا قليلا من الشروط الهيكلية لكل برنامج طوال عقد الثمانينات أصبحت فى أواخر التسعينات تواجه أكثر من اثنى عشر شرطا مختلفا لكل برنامج فى المتوسط، وحدثت متغيرات في العشرين سنة الأولى من الألفية الثالثة.

وفي النهاية فقد أدت زيادة عدد الشروط إلى زيادة مخاطرة الدول التى تعجز عن الوفاء بتلك الشروط مما أدى إلى عزوف حكومات عن التفاوض بشأن القروض،  فالاشتراطات المفصلة لا تقدم للحكومات كثيرا من الخيارات عند تصميم سياسات الإصلاح حتى أنها تعتبر فى الغالب بمثابة هجوم على السيادة الوطنية.

وتذكرنا دراسة مهمة لمركز المشروعات الدولية الخاصة بغرفة التجارة الأمريكية بتجربة نيجيريا، فرغم العناية المتزايدة من البنك الدولى، من إدخال تحسين ملحوظ على أدائها الاقتصادي، لم تتمكن من تحقيق أي تقدم، بل ظلت أكثر اعتمادا على قروض البنك الدولى بينما أخذت المنح المقدمة من المانحين الدوليين تتضاءل مع مرور السنين. 

وأمام هذا ظلت نيجيريا مرارا وتكرارا تطلب المساعدة من صندوق النقد الدولى ومن البنك الدولى، ولكنها فى الغالب كانت تعلق المفاوضات على القرض بسبب كثرة الشروط المفروضة عليه، وقد بلغ متوسط الشروط التى فرضها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى سنة 1999 على 13 دولة أفريقية جنوب الصحراء 114 شرطا لكل دولة. وكان لتنزانيا النصيب الأكبر من هذه الشروط حيث بلغ عددها 150 شرطا، وثبت أنه من المستحيل أن تتمكن هذه الدول الأفريقية من تلبية هذا العدد من الشروط وأن تنجح فى نفس الوقت فى تحسين مستوى معيشة شعوبها بكفاءة.

وفي المجمل العام فإن شروط الإقتراض في الظاهر جديدة، ولكن "الشيطان" في التفاصيل، والتنفيذ على أرض الواقع، وللنظر لهذا الشروط جيدة، وما يترتب عليها، مثل شروط، التوسع فى الخصخصة، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإجراءات التكيف المالي، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وعودة تدفق الائتمان إلى القطاع العقارى، وتخفيض التضخم فى إطار الخطة الهادفة إلى مواجهة التضخم.

النظرة العامة لهذه الشروط قد تكون جيدة، ولكن يبقى ما ورائها من تفاصيل، خصوصا إذا ما زادت عمليات الإقتراض، في ظل غياب نماذج إقتصادية إنتاجية، والإفراط في الإقتصاد الخدمي، الذي ربما يصلح لدولة ولا يصلح لدولة أخرى، مع التوسع في الدعوة للإقتصاد "الريعي"، القائم على العوائد وليس الإنتاج، وهو أخطر أنواع الإقتصاد على إقتصاديات الدول.

(يتبع)