الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصيام مدرسة الإخلاص وعدم الرياء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أمر اللَّه عباده بالإخلاص في جميع العبادات، وجعله شرطًَا لقبولها بعيدًا عن الرياء، فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإخلاص، وعن ذلك قال ابن القيم: "الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض"، وحذرنا اللَّه تعالى في حديثه القدسي من الرياء إذا شارك العبادة فإنها لا تقبل؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: قال اللَّه تبارك وتعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» [رواه مسلم] أي: أنا غني عن أن يشاركني غيري، فمن عمل عملًا لي ولغيري لم أقبله منه، بل أتركه لذلك الغير، بل أقبل العمل الخالص لي وحدي لم ينازعني فيه أحد.

يُعدُّ الصيام هو العبادة الوحيدة التى لا يدخلها الرياء؛ فالصلاة تؤدى أمام الناس في المسجد فلا سبيل لإخفائها وعدم إظهارها، وكذلك الحج والزكاة؛ فجميع العبادات يطلع عليها العباد أما الصوم فسرٌ بين العبد وربه يفعله خالصًا لوجهه ويُعامله به طالبًا لرضاه، ولا يقع فيه الرياء كما يقع فى غيره؛ فأنت حين تصوم عن كل ما أمرك اللَّه أن تمتنع عنه من المباحات، وفي مقدورك بالوقت نفسه أن تشرب وتأكل في الخفاء، ولكنك لا تفعل؛ لأنك تعلم يقينًا أنك تصوم للَّه وليس لأحد غيره، وقال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا اللَّه فأضافه إلى نفسه ولهذا قال في الحديث: «يدع شهوته من أجلي»، وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ (يعني قد يخالطه شيء من الرياء) بخلاف الصوم.

الصيام مدرسةٌ عظيمة يتربَّى فيها المسلم على الإخلاص وعدم الرياء، واختصَّه اللَّه من بين العبادات بإضافته إلى نفسه الشريفة، وذلك لشرفه عنده ومحبته له ورغبةً في ثوابه، وجعل ثواب الصائم عنده، وتكفل بأجره وجزائه؛ ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: قال اللَّه عزَّ وجلَّ: «كلُّ عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنَّة، وإذا كان يومُ صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفسُ محمدٍ بيده، لخلُوف فم الصائم أطيبُ عند اللَّه من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح، وإذا لقي ربه فرح بصومه» [رواه البخاري ومسلم]، فالصيام سرُّ بين العبد وربه لا يطلع عليه إلا اللَّه، لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء، والمراد بقوله: «وأنا أجزى به» أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته، وقال القرطبي: معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء اللَّه إلا الصيام فإن اللَّه يثيب عليه بغير تقدير، اللهم ارزقنا الإخلاص فى القول والعمل وطهر أعمالنا من الرياء. 

الدكتور صفوت محمد عمارة.. من علماء الأزهر الشريف