الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القتل باسم الدين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تاريخ الإنسان على ظهر الأرض ملىء بقصص القتل باسم الدين. أسهل السُبل لدفع الجهال لارتكاب أفظع الجرائم هو اقناعهم بأن شخصًا ما قد أساء إلى الدين الذي يدينون به. وتحكي الكتب السماوية (القرآن الكريم والإنجيل والتوراة)، أن أنبياء الله قد تعرضوا للإيذاء والتعذيب ومحاولات القتل. ففي الديانة المسيحية، تم تعذيب وقتل أنبياء الله زكريا ويحيى، وتم صلب ومحاولة قتل نبي الله عيسى عليه السلام. قال تعالي: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ". (النساء:157). 
وفي الدين الإسلامي، تعرض النبي صلي الله عليه وسلم لمحاولة اغتيال على يد كفار قريش، ونجاه الله تعالي. وفي فجر الدولة الإسلامية، قُتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، وهم عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، الذى قُتل على يد أبو لؤلؤة المجوسى، أثناء إمامته لصلاة الفجر. وقُتل عثمان بن عفان، رضى الله عنه، من يد أهل الفتنة، وقُتل على بن أبى طالب، رضى الله عنه، بيد رجل مُسلم يُدعى عبد الرحمن بن ملجم. الخلفاء الراشدين الثلاثة، وهم من المبشرين بالجنة وخدموا الإسلام وصاحبوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تم قتلهم على يد جهلة بحجة أنهم أساءوا إلى الدين. وفي العصور الوسطى، جاءت الحروب الصليبية من أوروبا تقتل وتحرق بلدان المشرق العربي بحجة استرداد بيت المقدس من سيطرة المسلمين. وحتى اليوم، يستمر القتل باسم الدين هو أقصر الطرق الذي  تستخدمه الجماعات الإرهابية (مثل القاعدة وداعش ومن على شاكلتهم)، لإقناع الشباب عديم الخبرة لارتكاب أفظع الجرائم في حق الإنسانية. وفي هذا السياق جاء مقتل القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك في الإسكندرية، مساء يوم الخميس الموافق ٧ أبريل ٢٠٢٢.
مقتل رجل الدين، أعاد إلى ذاكرتي محاولة اغتيال كاتبنا العالمي نجيب محفوظ، الذي طعنه شاب في عنقه، أمام منزله في منطقة العجوزة في القاهرة، عصر يوم الجمعة الموافق ١٤ اكتوبر سنة ١٩٩٤، ولكنه تم إنقاذه بعد نقله إلى مستشفى الشرطة القريب من مكان الحادث. الجاني في حالة أديبنا العالمي كان شابًا جاهلًا، لم يقرأ أيا من أدب نجيب محفوظ، ولكنه تشبع بأفكار تكفيرية، أباحت دم الأديب، وأوعزت إلى الشاب تنفيذ جريمته. والاعتداء في الحالتين، تم عن قرب، على مسالمين يسيرون في الشارع، وبسلاح أبيض، حمله جهلاء ذوو قلوب سوداء وعقول هوجاء ونفوس يملؤها الغل والبغضاء.
في محاولة قتل نجيب محفوظ، استطاع الأستاذ محمد سلماوي أن يقابل الجاني، محمد ناجي محمد مصطفى، وأن يقوم بنشر المقابلة في مجلة الثقافة الجديدة، وأن يوثق ذلك في كتابه "في حضرة نجيب محفوظ". كتب الأستاذ سلماوي أن الجاني، أخبره أن الجماعة الإسلامية كلفته بقتل صاحب نوبل. الشاب الذي كان يعمل فنيا لإصلاح الأجهزة الإلكترونية، بعد حصوله على شهادة متوسطة، تم انضمامه إلى الجماعة الإسلامية بعد قراءته لفكر الجماعة في الكتب المتطرفة، التي تدعو للقتل وتروج للجهالة، وتكفر أصحاب الفكر والأدب. أهم ماكتبه الأستاذ سلماوي، هو أن الجاني لم يقرأ أيًا من أعمال نجيب محفوظ، ولكنه كان ينفذ أوامر أمير الجماعة، والتي أصدرها، بناء على فتاوى للشيخ عمر عبد الرحمن.
رحم الله أديب نوبل ورحم الله كاهن الإسكندرية، ولا عزاء للإرهابيين القتلة أعداء الله وأعداء الوطن وأعداء الإنسانية.