الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حكومات العالم ومزيد من الاقتناع بالموقف الروسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ أن بدأت العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا  فجر 24 فبراير 2022، جرى تصويتان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأول في 24 مارس لإدانة روسيا، والثاني في 7 أبريل لتعليق عضويتها في لجنة حقوق الإنسان، وانحازت الأغلبية في التصويتين ضد روسيا، لكن التحليل المتأني والتفصيلي قد يظهر كثيرا من الجوانب الخفية التي توضح الدلالة الحقيقية لعمليتي التصويت.

أولا: التصويت الأول في 24 مارس 2022:

أعلن زعماء أمريكا وأوربا وحلف الناتو أن المجتمع الدولي أدان روسيا من واقع التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن بوتين صار منبوذا ومعزولا على المستوى العالمي، وأن عليه بعد تلك الادانة الكاسحة، أن يوقف الغزو وأن ينسحب تماما من جميع الأراضي الأوكرانية، وألا يضع أية شروط مسبقة.

ومن ثم قد يكون الانطباع السائد لدى الرأي العام العالمي، أن العالم فعلا قد أدان روسيا وأدان بوتين، حيث حصل قرار الشجب والإدانة، على 141 صوتا مؤيدا و5 أصوات معارضة و35 صوتا امتنعوا عن التصويت [تصويت تسجل فيه الدولة امتناعها عن التصويت بنعم أو لا] و 12 دولة لم تدل بصوتها ( وذلك من إجمالي 193 صوتا هم كامل عدد أعضاء الأمم المتحدة).

ورأيي الشخصي، أن هذا الانطباع قد يكون سطحيا وغير معبر عن الواقع الحقيقي. وفيما يلي نعرض نظرة تحليلية، قد تكون أكثر تعبيرا عن الواقع الذي عبرت عنه عملية التصويت، حيث نكتفي فيها بـ 10 عوامل فقط، مراعاة لقدر المساحة المتاحة للنشر.

 ولأجل تحليل سليم، نقسم الدول أعضاء الجمعية العامة، الذين تم دعوتهم للتصويت على قرار الشجب والإدانة، إلى مجموعتين هما: دول صوتت بالتأييد، ودول لم تؤيد [سواء عارضت أو امتنعت أو تغيبت] ففي كل تلك الأحوال، هي لم تؤيد القرار (بطريقتها). أي أننا أمام 141 صوتا أيدت و52 صوتا لم تؤيد. أي حوالي 73% من الأصوات أيدت وحوالي 27% من الأصوات لم تؤيد. وهي نسبة تأييد قد تبدو كاسحة، لمن ينظر لى الشكل دون المضمون، ولمن يتلمس السطح دون العمق، ولمن يعتبر الأعداد تمثل كل الأبعاد وليست مجرد أحد الأبعاد فقط! والآن إلى التحليل:

1ـ مقياس إجمالي عدد السكان: نجد أن الدول التي تمثل حوالي 60% من السكان على كوكب الأرض، لم تؤيد القرار. وإذا استبعدنا الدول المتصارعة [روسيا وبيلاروسيا وأوروبا والولايات المتحدة] لأصبحت الدول غير المؤيدة تمثل 66% من السكان والمؤيدة تمثل فقط 34% من سكان الكوكب.

2ـ مقياس عدد دول حوض النيل (وهو مقياس حيوي لمصر) عدد دول حوض النيل 11 دولة. أيدت القرار 3 دول فقط هي [مصر ورواندا وكينيا] ولم تؤيده 8 دول هي [ السودان وإثيوبيا والكونغو وتنزانيا وجنوب السودان وإريتريا وأوغندا وبوروندي] وهو أمر يقتضي دراسته باستفاضة وعلى أعلى مستوى.

3ـ مقياس عدد الدول النووية: ثلاث دول أيدت القرار [أمريكا وفرنسا والمملكة المتحدة] مقابل خمس دول لم تؤيد [روسيا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية] فإذا استبعدنا الدول المتصارعة، لأصبحت صفر دولة نووية تؤيد القرار، مقابل 4 دول نووية لا تؤيد القرار.

4ـ مقياس أكبر 10 دول إسلامية من حيث عدد السكان: 3 دول أيدت القرار [إندونيسيا ومصر وتركيا] بينما 7 دول لم تؤيد القرار [باكستان وبنجلاديش وإيران والسودان والجزائر والمغرب والعراق] ويمثل مجموع عدد سكان الدول الثلاث التي أيدت القرار حوالي 40% من عدد سكان الدول العشرة، ومجموع سكان الدول السبع التي لم تؤيد القرار يمثل حوالي 60% من الإجمالي.

5ـ مقياس الدول الأفريقية: الجزائر أكبر الدول الأفريقية مساحة لم تؤيد القرار، وجنوب أفريقيا صاحبة  أكبر ناتج محلي إجمالي في أفريقيا لم تؤيد القرار.  كما لم تؤيده 7 دول من ضمن أكبر عشر دول أفريقية من حيث المساحة [الجزائر والكونجو والسودان وأنجولا ومالي وجنوب أفريقيا وإثيوبيا] بينما أيدت القرار 3 دول فقط من ضمن أكبر 10 دول مساحة في أفريقيا [ ليبيا وتشاد والنيجر] وتلك الدول الثلاث، ذات حدود مشتركة، وذات ظروف خاصة، وتعاني من مشاكل واضطرابات ذات أبعاد محلية وإقليمية ودولية.

6ـ مقياس عدد الدول متناهية الصغر: لا زلت أتذكر أثناء بحوثي في جامعة MIT أن البروفيسورة ب. جتسي كانت تقول لطلابها: إمتلك محطة إذاعة محلية صغيرة، وقطعة أرض صغيرة، ومجموعة من الأقارب والأصدقاء، وقطعة قماش أرسم عليها علما، واطلب من ملحن مبتدئ وضع سلام وطني وانشئ قسما أو نقطة للبوليس، لتصبح دولة!

وفي تصويت الجمعية العامة على إدانة روسيا، نجد من بين الـ 141 دولة التي أيدت القرار، أن ما لايقل عن 30 دولة متناهية الصغر. لا وزن لها ولا قيمة عالمية. والكثير منها لا يزيد عدد سكانه عن سكان شارع في حارة صغيرة { 11 ألف نسمة دولة نوريو، 15 ألف نسمة دولة بالاو، 11 ألف نسمة دولة تيوفالو} [ وهي دول تعتمد على المعونات وبعض السياحة ولا تستطيع ولا بديل إلا تأييد الغرب، وسواء أيدت أم لم تؤيد فلا تأثير لها على مجريات النزاع.إن نظام التصويت المعتمد في الجمعية العامة، يعطي لكل دولة كعضو في الأمم المتحدة صوتا واحدا [في صندوق النقد الدولي هناك أوزان نسبية]. 

والتصويت في الجمعية العامة، للدولة النملة صوتا واحدا وللدولة الفيل صوتا واحدا أيضا. مثلما في الانتخابات العامة، للعالم الوقور صوتا واحدا، وللجاهل المأجور نفس الصوت الواحد. فإذا نظرنا للدول التي لم تؤيد القرار، لن نجد فيها مثل تلك الظاهرة من دول متناهية في الصغر وفي التأثير. وبالتالي فرقم الـ 141 دولة مؤيدة، لا يمثل حقيقة ومغزى الرقم. أما رقم الـ 52 غير المؤيد، فهو رقم حقيقي.

7ـ مقياس موقف الدول غير المتصارعة:  لو استبعدنا تصويت الدول غير المتصارعة وغير المتحالفة ومتناهية الصغر، لتعادلت كفتا التصويت. ولما ظهر الفارق الظاهر في التصويت، وهو 141 مقابل 52.

8ـ مقياس موقف الدول من حيث المساحة: في البند رقم (1) تناولنا الوزن النسبي لعدد سكان الدول التي أيدت والتي لم تؤيد القرار. وإذا طبقنا ذات المنهج فسنجد أن إجمالي مساحات الدول التي أيدت القرار، يتعادل تقريبا مع إجمالي مساحات الدول التي لم تؤيد القرار.علما بأن مساحة روسيا وحدها تعادل حوالي 3 مرات إجمالي مساحة الـ 50 دولة أوروبية  مجتمعة [وبالتالي سيظل حلم تفكيك روسيا، هدفا استراتيجيا لدى أوروبا، بعدما نجحوا في تفكيك الاتحاد السوفيتي، حيث لا زالت مساحة روسيا تمثل 80% من مساحة الاتحاد السوفيتي السابق]

9ـ مقياس موقف الدول من حيث الموقع الجغرافي: وقفت روسيا وحدها ضد أكثر من 50 دولة في أوروبا  بالإضافة إلى أمريكا وكندا وحلفائهم الكبار في أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. ومع ذلك وجدنا أن دولا كثيرة وكبيرة وفاعلة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لم تؤيد القرار. وهو ما يدل على أن روسيا ليست معزولة كما يدعي ويشيع الغرب في حربه الإعلامية [ التي يحرص أن تكون من طرف واحد].

10ـ مقياس موقف الدول من حيث الموازنة بين المبدأ والحق والواقع: هناك دول أيدت تأييدا صريحا قرار الإدانة وصوتت له. وأخرى لم تؤيد بشكل واضح. لكن البعض من الدول الفاعلة ذات الوزن الإقليمي و/أو الدولي، وجدت نفسها مقتنعة بأن كل طرف (روسيا والغرب) لديه أسبابه وتبريراته، وبالتالي عندما قررت التصويت إختارت أخف الضررين على مصالحها، حتى لو كانت مقتنعة بأن روسيا على حق.

ثانيا: التصويت الثاني في 7 أبريل 2022:

الفارق الزمني بين التصويتين لا يتجاوز 15 يوما، وفي ظل إعلام أمريكي وأوروبي كاسح وإعلام روسي تم حظره ومنعه والتضييق عليه، وشركات دعاية غربية تتقاضى الملايين للإساءة للنظام الروسي ليل نهار، وحملات شديدة التنظيم والتركيز لجمعيات المجتمع المدني لتأييد أوكرانيا، وتصوير ما يحدث فيها على أنه فظائع وجرائم حرب وإبادة جماعية. نجد أن نتائج التصويت الثاني جاءت كما يلي:

1ـ عدد الدول المؤيدة في التصويت الأول كان 141 دولة انخفض إلى 93 دولة فقط. بفارق 48 دولة. وهذا الفارق يمثل ربع عدد أعضاء الأمم المتحدة!

2ـ عدد الدول التي اعترضت في التصويت الأول 5 فقط. زادت في التصويت الثاني الى 24 دولة أي خمسة أضعاف.

3ـ عدد الدول التي امتنعت عن التصويت في التصويت الأول 35 دولة، زادت في التصويت الثاني إلى 58 دولة، بفارق 23 دولة. وهذا الفارق يمثل أكثر من 60% من عدد الدول الممتنعة في التصويت الأول.

4ـ عدد الدول التي تغيبت في التصويت الأول 12 دولة، زادت في التصويت الثاني إلى 18 دولة. بفارق 6 دول. ويمثل الفارق 50% من عدد الدول المتغيبة في التصويت الأول.

5ـ عدد الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية 22 ومنها 21 لها حق التصويت في الأمم المتحدة. في التصويت الأول وافقت 15 دولة عربية على إدانة روسيا وفي التصويت الثاني لم تقف ضد روسيا غير دولتين فقط هما ليبيا (لظروفها الخاصة ومحاولة الحكومة الحالية خطب ود أمريكا) وجزر القمر التي تقل مساحتها عن ألفين كيلومترا مربعا ويقل عدد سكانها عن مليون نسمة.

6ـ وهكذا يمكن ذكر عشرات الفوارق بين دلائل التصويتين، والتي تميل الى تفهم أكبر للموقف الروسي.

وقد يقول قائل إن القضية الأولى تختلف عن القضية الثانية، لكن الرد على ذلك بسيط وهو أنهما ضمن عامل مشترك وهو مظلة الهيمنة الأمريكية مع النفوذ الأوروبي. والمشروعان للتصويت مقدمان من المعسكر الأمريكي الأوروبي، ومارست أمريكا وأوروبا كل أنواع الضغوط لتحقيق أكبر نتيجة تصويتية في كلتا الحالتين. كما أن شجب دخول روسيا أوكرانيا في التصويت الأول، ليس للشجب في حد ذاته، لكنه مقدم تحت شعار الحفاظ على سلامة وحقوق الشعب الأوكراني (وهو ذات موضوع التصويت الثاني).

من كل ما سبق ذكره، يتضح أن على الغرب، إن أراد فعلا حل المشكلة، ألا يتصور أن نتيجة التصويت قد عزلت روسيا ورئيسها عن العالم [فالعكس صحيح]. كما أن على الرئيس الأمريكي الذي يدير المعركة فعليا، أن ينصح السيد رئيس أوكرانيا بأن يترك الميكروفونات وشاشات التلفاز، ويتفرغ للحل. فالرئيس الأوكراني يقوم بحملة دعائية يومية ومكثفة بأنه يريد أن يلتقي وجها لوجه مع الرئيس بوتين للتفاوض.

وفي نفس الوقت، يوجه كلامه للسيد بوتين قائلا:"أنا لا أعض، أنا رجل عادي، إجلس معي وتحدث وليس على بعد 30 مترا كما فعلت مع رؤساء آخرين. مما أنت خائف؟ لا نهدد أي أحد، لسنا إرهابيين، لا نسرق البنوك، ولا نستولي على أراضي الآخرين" فهل هذا كلام من يريد الجلوس والتفاوض فعلا؟؟

من يرغب في الحل يا سادة، يعرف كيف يسعى لكسب الثقة وحسن النية واحترام الآخرين، ونهج المصداقية، وليس تأجيج الخلاف وتسميم العلاقات وسكب الزيت على النار المشتعلة.

وفي هذا المجال أتذكر (من وجهة نظر علوم التفاوض) كيف أن لقاء ولي عهد الكويت الشيخ سعد العبدالله مع نائب الرئيس العراقي عزة إبراهيم، قد ساهم في تأجيج الصراع بين البلدين، وتسريع قرار الرئيس صدام حسين بغزو الكويت. ومن ثم فلابد من تهيئة كافة الظروف إذا كان ثمة لقاء سيحدث بين الرئيس بوتين ورئيس أوكرانيا. وحتى نضمن السير نحو الحل، وليس السير نحو التصعيد الذي سيكون مميتا حينئذ.