الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

زلّة لسان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كلمات الرئيس مهمة. يمكنها تحريك الأسواق وصولا للفوضى العارمة. ويمكنها أن تقود إلى إرسال الرجال والنساء "الشجعان" إلى حرب ليس من ورائها طائل. هذا ما عبر عنه جو بايدن عندما كان مرشحا للرئاسة الأمريكية خلال مناظرة في عام 2020 وهو يصف زلات لسان خصمه الرئيس دونالد ترامب.
تكرر الموقف عند حادثة الكابيتول العام الماضي؛ قال بايدن حينئذ عن الرئيس ترامب: "كلمات الرئيس مهمة، بغض النظر عن مدى (جودة أو سوء) ذلك الرئيس. يمكن أن تكون كلمات الرئيس مصدر إلهام في أفضل حالاتها. وفي أسوأ حالاتها، يمكنها التحريض". 
حاول بايدن تصوير الرئيس ترامب على أنه مدفع عشوائي يطلق قذائفه بشكل غير منضبط ولا يمكن التنبؤ بموعدها!
لقد خرج ترامب عن نصه كما اعتاد كثيرا أن يفعل وقال أشياء انزعج منها مساعدوه ومستشاروه، لكن لم تكن أي من كلماته "غير المكتوبة" مضرة بأمريكا وبالعالم مثل تصريحات بايدن في نهاية خطاب استمر 27 دقيقة في ذلك السبت الذي لا يُنسى. في حديثه عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال الرئيس بايدن: "لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة". رد الكرملين على الفور. وقال المتحدث باسمه، دميتري بيسكوف: "هذا ليس من اختصاص بايدن. يتم انتخاب رئيس روسيا من قبل الروس!".
سارع "معالجو" أخطاء بايدن على الفور إلى التصرف وشرحوا ما قاله وكيف أنه لم يقصده. وحاولوا تفسير وجهة نظر الرئيس بايدن وقصده، حيث لا يمكن السماح لبوتين بممارسة سلطته على جيرانه أو المنطقة. وفي محاولة للتخفيف من الحدة، قال المترجم الرسمي للخطب الرئاسية في البيت الأبيض إن بايدن لم يكن يناقش سلطة بوتين في روسيا أو يقترح تغيير النظام. ومن كثرة زلات رؤساء أقوى دولى في العالم، نصحت مراكز أبحاث أمريكية بإنشاء وحدة في البيت الأبيض مهمتها "إدارة أزمات الزلات"..أه والله هذه ليست مزحة.. مثلها مثل إدارة أزمات الكوارث!
هذا ما قاله بايدن في حق بوتين وروسيا وفسر على أنه زلّة غير مقصودة، وهو ما قاله قبل ذلك رؤساء متعاقبون للولايات المتحدة في حق صدام والعراق وبشار وسوريا، كذلك شافيز وفنزويلا، وغيرهم كثيرون ممن عادتهم أمريكا وطالبت شعوبهم بالانقلاب عليهم.
وبعيون المراقبين لتطورات الأحداث بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية الأزمة الأوكرانية الحالية يمكن قراءة المشهد الآن بعد زلة لسان الرئيس بايدن من عدة أوجه.
أولًا، قدّم بايدن هدية ثمينة لبوتين الذي يقول إن الغرب يحاول التدخل في السياسة الروسية ويريد الإطاحة بالكرملين وتدمير روسيا. لاشك أن بوتين سيستخدم زلة بايدن كدليل يعزز فكرة أن العالم الغربي يعارض الكرملين، وربما يكره أيضا أسلوب الحياة الروسي. ثانيًا، ما يطالب به بايدن من تغيير النظام في روسيا لا يتوافق مع السياسة الأمريكية المعلنة. قال وزير الخارجية أنطوني بلينكين إن تغييرالنظام ليس جزءًا من الاستراتيجية التي ناقشتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وحلفاؤهما فيما يتعلق بحرب بوتين على أوكرانيا. بيان بايدن يتناقض مع تلك السياسة العامة التي يعكف خبراء السياسة الخارجية والقادة المتحالفون على إيجاد حل يقي البشرية حربًاعالمية وهم في حيرة من أمرهم بلاشك أمام فشل العقوبات على روسيا التي تصعد ولا يبدو انها ستتراجع. 
ثالثًا، قد يغير بيان بايدن استراتيجية بوتين الحربية. إذا كان بوتين يعتقد أن بايدن يريده الخروج من السلطة، فقد يستخدم كل الوسائل المتاحة له لمنع حدوث ذلك. لدى بوتين بعض الوسائل المهمة. أهمها أن في حوزته 6000  رأس نووي. وبالمقارنة، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 4000  سلاح نووي. وإذا كان الفشل في حل الأزمة يدفع إلى المزيد من الصراع المجنون والتدمير الشامل، فإن رجال السلطة اليائسين قد يرتكبون أخطاء من نفس نوعية يأسهم. 
وإذا كان بايدن محقاًّ في أن كلمات الرئيس لها وزن كبير في اضطراب الأسواق ونقل الرجال والنساء إلى الحرب، عندما كان يقصد ترامب وزلاّته، فكان الأحرى به أن يزن كلماته وألاَّ يُحرِّض على الإطاحة برئيس حكومة أجنبية، لا سيما زعيم بحوزته 6000 قطعة سلاح نووي. لكن ما أشبه الليلة بالبارحة كما يقول المثل!
olfa@aucegypt.edu