الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العرب والاستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هناك من يستفيد ويعتبر بدروس الكوارث والحروب، وهناك من يسبح في مياه راكدة، يظن ان ما يحدث ليس إلا عارضًا ينتهي بانتهاء الحدث. فهل انتهت الثورة الايرانية بخروج الشاه من ايران واعتلاء الخميني سدة الحكم؟ وهل انتهى إسقاط النظام في العراق بإعدام صدام وتنصيب النخبة السياسية الحالية؟ وهل انتهى دور اسرائيل بعد اعلانها دولة رسمية في عام 1948؟ وهل انتهت حالة الارتباك التي جلبها فيروس كورونا على العالم اليوم؟ وهل انتهت تقسيمات الشرق الأوسط بانتهاء الاستعمار المباشر وتقسيم المنطقة الى دول ودويلات بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى؟ وهل ستنتهي الحرب على أوكرانيا بعد ان يجلس الطرفان ويقبلا بشروط بعضهما؟ وغير ذلك من الامثلة تفرض مساءلة أصحاب السلطة، ماذا سيفعلون بعد انتهاء هذه الحرب.
طرحنا في مقال سابق حسابات الرابح والخاسر في هذه الحرب الروسية الأوكرانية، واستنتجنا ان اميركا ستكون كرامي الحجر الذي أصاب عدة طيور في رمية حجر  واحدة. فهي لم تدخل الحرب، ولم تخسر جنديا واحدا من صفوفها، واستطاعت ان تحول حاجة اوروبا من مصادر الطاقة الى سوقها، رغم ان انتاجها للطاقة يعتبر غير نظيف واسعارها اغلى من السوق العالمية. ومن الناحية العسكرية، فقد حصلت على ضمانات تمكنها من ممارسة دورها المهيمن في العالم بعد ان اصبح مهددا منذ بداية هذا القرن. اما الخاسر الأكبر فهو بالتاكيد الشعب الأوكراني في الدرجة الاولى يليه الشعب الروسي، وبعد ذلك دول اوروبا، وعلى كافة الأصعدة. فالمراقبون السياسيون والباحثون في الدراسات المستقبلية يجمعون على ان ما كانت تنعم به الشعوب الاوروبية من رفاهية وضمانات اجتماعية سيتأثر بشكل لم يشهده احد، الا من تجاوزت أعمارهم المائة عام. 
فهل للعرب حصة في الخسارة او الربح؟ بالطبع سيكون لهم حصة، وستحدد طبيعة هذه الحصة، ان كانت خسارة ام ربح، مواقف الحكومات العربية خلال هذه الحرب، التي يمكن لها ان تطول لاشهر عديدة، وفي خضم التطورات المتلاحقة التي تبادر لها اميركا والغرب بشكل يومي، وكأنها كانت مستعدة للحرب اكثر من روسيا نفسها التي شنت هذه الحرب. نقول ذلك لاننا نشهد مستجدات يومية على الساحة السياسية والاقتصادية، اسرع من مستجدات الحرب نفسها، ولاول مرة نرى ان ما يدور في ساحات المعركة ليس الا ردة فعل عما يدور في كواليس السياسة، وليس العكس كما هو معتاد. فالعقوبات اليوم وصلت الى مستوى يبدو فيه ألم مشرعي هذه العقوبات اكبر من ألم من وجهت العقوبات ضده. وهذا حال جديد ايضا. ففي القمتين الماراثونيتين، قمة الناتو الاستثنائية وقمة مجموعة العشرين، واللتان انعقدتا في بروكسل هذا الاسبوع، خرجت النتائج باتفاق جميع اعضاء الناتو على القرارات المقترحة، اما دول مجموعة العشرين، فلم تتوصل الى مثل هذا الاجماع، وذلك لان بعض الدول وجدت ان العقوبات المقترحة قد ذهبت الى ما يمكن له ان يؤذي الدول المقترحة لها نفسها. اضافة الى رفض اقتراح تطبيق نموذج جنوب افريقيا الابارتايدية سابقا، في نهاية ثمانينات القرن الماضي، والذي اسقط الدولة العنصرية مباشرة، وذلك لان هذه الدول لم تقتنع بان ما تمارسه روسيا يمكن ان يقارن بما كانت تمارسه حكومة البيض في جنوب. وهكذا يبدو واضحا ان مخططات ردة الفعل، او مخططات الردع كانت جاهزة قبل ان يباشر بوتين في إجتياح اوكرانيا. فهل كانت الحكومات العربية على علم بذلك؟ لندع لغة اللوم جانبا الان، ولنركز على ما يمكن ان تفعله الحكومات العربية.
تتمتع الدول العربية بخيرات لا يزال الغرب في امس الحاجة اليها، خاصة في ما يتعلق بمصادر الطاقة، النفط والغاز، وكذلك الموقع الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب، وممرات المياه التي تؤمن للغرب التمويل السريع والارخص. ففي ظل الوضع الراهن، للحكومات العربية الفرصة الذهبية، بل الماسية ان صح القول، ان تخلق لنفسها المكانة التي تضعها في مصاف الدول ذات السيادة والمشاركة في القرار، هذا اذا استطاعت ان تقفز وتأخذ مقعدا لها في مركبة الرابحين، ذلك المقعد الذي سيؤمن لها مكانة تاريخية واستقلالية نسبية في دورها بين دول العالم الاخرى. فدول الغرب اتفقت على تقليص اعتمادها على مصادر الطاقة الروسية، ولحد الصفر عند نهاية هذا العقد الثاني من هذا القرن، مما يحول اعتمادها الى مصادر الطاقة العربية. وقد جاء ذلك في طلب الرئيس الاميركي بايدن الحديث الهاتفي مع ولي العهد السعودي وولي العهد الامارتي، إلا ان الاثنان رفضا دعوته للحديث معهما. وهذا موقف استغربت منه الصحف الغربية قاطبة، وتوجست وضعا جديدا يمكن له ان يكلف الغرب ثمنا باهضا يحد من هيمنته العالمية. فهل ستستمر هاتان الدولتان، السعودية والاماراتية، في موقفهما؟ كذلك عقدت السعودية والصين صفقة للتبادل التجاري بين بلديهما، تتضمن النفط، وعلى ان يتم هذا التبادل باليوان الصيني وليس بالدولار كما هو مفروض على العالم منذ عقود. الامر الذي سيكلف اميركا خسارات في الموارد النقدية، هذا ان قبلنا ان هذه الموارد شرعية بالاساس!
ويمكن للحكومات العربية ان تفرض شروطها، حتى لو كانت بالضعف الذي هي عليه الان، فليس من أي من الدول العربية اكثر ضعفا من الرئيس الاوكراني "زيلينسكي" الذي لا يكف بتعنيف وتأنيب الغرب لعدم انخراطهم المباشر في هذه الحرب، واستطاع بمواقفه هذه ان يضغط على الغرب برمته لكي يقف معه ويمد المساعدات التي بلغت المليارات من الدولارات له، ولم يشتك منه احد، إلا اسرائيل التي اعتبرت كلمته الافتراضية للكنيست الاسرائيلي وقحة، ووصفه البرلمانيون الاسرائيليون بالجاحد. وإن استطاعت السعودية ان تدخل المعسكر الشرقي الجديد، الصين-روسيا، فستجد ان ايران قد سبقتها الى هذا المعسكر، ولكن لها ان تبدأ من جديد بسياسة الشروط المسبقة، وان تطالب عند انتمائها بضمان حل سلمي مع اليمن المدعوم من ايران. وبهذا تكون قد حققت بالفعل خطوة ايجابية تعود عليها وعلى المنطقة بمنجزات اكثر ايجابية من تلك التي حصلت عليها في تبعيتها العمياء لاميركا وانجلترا. كذلك تستطيع مصر ان تضع شروطها في احلال سلام افضل من ذلك الموّقع عليه في معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل، لانها تحرس شريان التمويل التجاري للغرب في قناة السويس. ولمصر ان تعيد توزيع اعتمادها، بحيث يكون جزءا منه موجها نحو المعسكر الشرقي الجديد، خاصة وانها بدأت في اعادة العلاقات مع سوريا، الحليف المثالي لروسيا، الذي دشنته زيارة وزير الخارجية المصري لدمشق قبل بضعة اشهر.
ان ما ذكرناه ليس إلا مثالا بسيطا لما يمكن للحكومات العربية فعله الان، دون ان يكلفها الكثير، ونظرة خاطفة الى العالم عندما كان ثنائي الاقطاب، متمثلا بالمعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، يمكن ان توفر رؤية مغايرة لمجرى السياسة في العالم خلال المرحلة القادمة. فبعد ان استفرد الغرب بالعالم، مستندا الى نظرية فوكوياما الليبرالية "نهاية التاريخ" التي اطلقها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نجد اليوم قوى اقتصادية وعسكرية توازي الغرب بكل ثكناته وحنكته في الهيمنة على العالم، التي لا يمكن لها ان تدوم طويلا. وفي القارة السمراء، نجد الدول الافريقية، رغم ضعف اقتصادها وفساد حكوماتها، وقف بعضها بوجه الضغط الاميركي واعلن وقوفه في جانب روسيا، والبعض الاخر اتخد موقفا حياديا، مستندين الى خبرات العقود الثلاث الاخيرة، حيث دخلت روسيا والصين افريقيا بشكل لم تشهده القارة من قبل، واستطاعت الصين على سبيل المثال، ان توفر للدول الافريقية خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا ما لم يستطع الغرب مجتمعا توفيره لها خلال ثلاثة قرون، حسب ما جاء في تقارير المؤتمر الاخير، افريقيا-اوروبا، والمنعقد نهاية العام المنصرم في بروكسل.

الدروس والعبر من اية كارثة يجب ان تسخر لخدمة الشعوب، وليس فقط الحكام، وان استطاعت الدول النامية ان تستفيد من ذهب الحرب، فسيذكر التاريخ دورها في خلق عالم جديد، وذلك لان جميع الدول النامية تمتلك من الثروات الطبيعية والبشرية ما يمكّنها من القفز الى مصاف الدول المتقدمة في فترات قصيرة، وهناك امثلة عديدة على ذلك، مثل كوريا الجنوبية والباكستان، ونستطيع ان نضم اليها اندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وجنوب افريقيا، هذا اذا اعتبرنا مثال الصين مثالا فريدا، يصعب على الاخرين تقليده، رغم ان معطيات الواقع في دول عديدة تدل على عكس ذلك.