الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السينما الهندية والاستعمار البريطاني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

السينما الهندية التي نالت سمعة سيئة عند الجمهور المصري بسبب المبالغة الشديدة في أفلام الأكشن استطاعت أن تفرض وجودها في المهرجانات العالمية وأن تقدم وجوه صارت علامات لن ينساها التاريخ، ليس اميتاب باتشان وحده هو عنوان السينما الهندية ولكن عشرات الوجوه والآلاف الأفلام متنوعة الموضوعات ومختلفة التكنيك السينمائي، حتى قصة الفيلم تنوعت واختلفت من العمق الإنساني إلى الخيال العلمي الفذ، السينما الهندية، أو للدقة الأفلام الجيدة في السينما الهندية تحتاج إلى الإنصاف الفني وأن تحتل مكانها اللائق.


السينما صناعة ثقيلة الوزن تحتاج إمكانيات هائلة لتستوعب جيوش العاملين بها، نجحت الهند في تأسيس مدينتها السينمائية المعروفة باسم " بوليوود" لاحظ التشابه بين اسم المدينة الهندية واسم هوليوود الأمريكية تعرف أن المنافسة معلنة ومشروعة.


تابعت أكثر من فيلم هندي على شاشة التليفزيون المتخصصة في عرض الأفلام الهندية ولاحظت اهتماما مقصودا بإنتاج أفلام تحكي عن فترة الاحتلال البريطاني للهند وأثر ذلك الاحتلال على الهند وشعبها والذي انتهى بتقسيمها إلى الهند وباكستان، تلك الأفلام لم تذهب إلى الخطابة المباشرة ولكن إلى التفاصيل الصغيرة التي تنتج متعة، وبينما يدور السياق الدرامي للفيلم كانت مشاهد صعود العلم الهندي على الساري ونزول العلم البريطاني للأرض تيمة متكررة وكأن الهند تعلن سياسيا أنها تألمت من الاحتلال ولكنها لا تنسى.


هنا أتوقف عند حالتنا المصرية وفترة الاحتلال والذي كان بريطانيا أيضا فلا أجد إلى إشارات خجولة عن العسكري جوني الإنجليزي السكير الذي يترنح على باب خمارة في شارع عماد الدين، حتى عندما أنتجت مصر فيلم حرب كرموز الذي يذهب إلى حصار قسم شرطة كما حدث في معركة الإسماعيلية مع الفارق في أسباب الحصار، لم نجد الزخم الذي يمكن لمتابع غير متخصص أن يندهش معه، تغيب مئات البطولات الفذة التي قاومت الاحتلال وكأنه فعل مقصود أو خجل من السفارة البريطانية في القاهرة.


لا أطلب سينما موجهة ولا دعاية سياسية ولكن ابحث عن كنوز مدفونة يتم قتلها بشكل شبه متعمد، عشرات الزوايا يمكن الدخول منها لنقول لمن استشهدوا لم ننساكم ويكفي أن الذاكرة الشعبية في بورسعيد استطاعت ان تحفظ حق شهيدها الشاب حسن حمود  عندما أصرت تلك الذاكرة على ان يكون لون علم بورسعيد لونه احمر، والذي يرجع إلى قميص أبيض كان يرتديه حمود الذي كان يخرج من الطفولة إلى الشباب ويعتلي أكتاف المتظاهرين لكسر حظر التجول الذي فرضه الاحتلال وبينما يهتف الصبي تأتي الرصاصة فيتحول قميصه الأبيض إلى أحمر غارقا في الدماء وهنا يخلع المتظاهرين القميص ويتخذونه علما لهم، ليعيش الرمز والدلالة.


هذه فكرة يمكن لكاتب سيناريو محترف أن يسعى وراءها ويمكن لو صدقت النوايا أن تتصدى شركة إنتاج محترمة، وإذا لم يتحمسوا إلى علم بورسعيد الأحمر لا شك أن شنق الفلاح زهران ورفاقه في دنشواي مازالت قصة ملهمة، لا أطلب كتابة تاريخ ولكنني أبحث عن سينما تقول للعجوز بريطانيا لم ننسى ولن ننسى، تقول هذه الجملة بعمق وفن ورؤية.


بريطانيا التي احتلت الهند ومصر وبلدان أخرى وساهمت بنسبة ما فيما نحن فيه الآن، بريطانيا راقصة كل الحروب المستمتعة بالخراب تلعب الآن هناك عند الدب الروسي وعندما رأيت حماس رئيس وزرائها في تأجيج الصراع بأوروبا الشرقية انسالت من الذاكرة جرائمهم على ضفاف النيل، لذلك كان واجبا أن أقدم التحية للسينما الهندية التي قالت ومازالت تقول للغولة عينيك حمراء، وكان واجبا أن انعي لكم حال السينما المصرية.