الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مهرجان الإسماعيلية.. ونظرية المؤامرة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم أكن أتخيل أن أعيش حتى أرى مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، يتحول إلى ما يشبه قدس الأقداس، يمتنع على أي صحفي أو ناقد أو فنان أن يرصد أخطاء القائمين على تنظيمه أو يتصدى لما جرى به من سلبيات اعترف بها رئيس المهرجان في حوار قبل نهاية فعالياته.

فقبل نهاية الدورة الماضية 2021، من مهرجان الإسماعيلية، فوجئ الجميع بهجوم كاسح من الناقد الكبير طارق الشناوي، على إدارة المهرجان، ولم يواجه الشناوي باستنكار أو استهجان، بل قوبل المقال الذي جاء تحت عنوان "الإسماعيلية والطرف الرابع!"، بسعة صدر وتفهم من إدارة المهرجان ومن الحضور، لأن أحد أهم أدوار الصحافة والإعلام يتمثل في إماطة اللثام عن سلبيات الفعاليات الفنية والثقافية، ونقل ما حدث دون انحياز أو تلوين للأخبار، وإلا فكيف سيتم تقييم نجاح أو إخفاق الفعاليات، إذا اقتصر دور الصحافة والنقد الفني على إلقاء الضوء على نجاح المسئولين دون التطرق للسلبيات!

على جانب آخر، شهد مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، هذا العام 2022، جدلا لم يشهده في أي من دوراته الماضية على مدار 23 دورة منذ انطلاقه، وهاجم بعض الصحفيين الموثوق في نزاهتهم بعدد من كبرى الصحف المصرية فعاليات المهرجان بشكل لم يحدث من قبل؛ وإلى هنا فالأمور تبدو طبيعية، وكم من الفعاليات الفنية والثقافية يحدث بها خلل ما في بعض جوانبها، بحكم العمل الإنساني الذي ينشد الكمال ولا يصل إليه مهما كان محكما، فينال نصيبه من النقد وينتهي الأمر بشكل أو بآخر.

وما أن انتهى المهرجان إلا وفوجئنا بما يشبه الكتائب المنظمة التي تحاول قنص أي كاتب أو فنان أو صاحب رأي يتصدى لما حدث في المهرجان من فوضى عارمة وسوء تنظيم بشهادة رئيس المهرجان نفسه في حوار أجراه قبل أيام من ختام المهرجان، وسواء كان ما فعله هؤلاء الزملاء الأعزاء ومنهم نقاد كبار لهم أسماء لامعة في عالم النقد، تم بتلقائية أو مدفوعين بواجب صداقتهم للمخرج سعد هنداوي رئيس المهرجان، وهو أمر مقبول، إذا توقف الأمر في حدود الغيرة على ما رأوه نجاحا للمهرجان، دون أن ينكروا ذلك على الزملاء الذين شاهدوا عكس ذلك وتعرضوا للتمييز من قبل إدارة المهرجان، ورصدوا اشتباكات بين بعض الضيوف والمتطوعين، وفوضى في الندوات، وأخطاء في عرض الأفلام، وغير ذلك مما نشر في بعض الصحف، ولم تنكره إدارة المهرجان، أما أن يتحول الأمر إلى تصويره في شكل مؤامرة على نجاح المهرجان المزعوم، فهذا أمر غريب ويدعو للدهشة، وكأن كل طرف من الأطراف أصبح مثل روابط مشجعي الألتراس المتعصبة لفرقها حتى لو كان مهزوما ولسان حالهم يقول "انصر فريقك غالبًا أو مغلوبا".

نظرية المؤامرة بما تحمله من سحر أخاذ، باتت الحل الأسهل لإدارة المهرجان للتخلص من الانتقادات التي وجهت لهم، وصارت سيفا مسلطا على رقابنا في محاولة لإرهاب من يتحدث عن سلبيات المهرجان، وهو ما يدفعنا لنتساءل هل كان المقصودون بقيادة المؤامرة الوهمية مسئولين عن تسكين الصحفيين والفنانين الذين تذمروا من الطريقة التي تمت بها؟ أم كانوا مسئولين عن الندوات التي فشلت باعتراف الناقدة فايزة هنداوي مديرة الندوات بالمهرجان التي شنت هجوما ضاريا على رئيس المهرجان بعد محاولته إلقاء اتهام الفشل عليها كما ذكرت في تصريحاتها؟ هل أمر المتآمرون رئيس المهرجان بالاختفاء طوال أيام المهرجان وعدم الرد على تليفونه كما ذكرت مدير برنامج الندوات؟ وهل المتآمرون هم من تسببوا في إفساد برنامج الرسوم المتحركة بالمهرجان ولم يعرضوا سوى دقيقتين من فيلمهم التسجيلي؟ أم أنهم من طبعوا عددين من النشرة بشكل خاطئ مما أدى إلى إعدامهم؟

إذا أردت أن تعرف أين تكمن المؤامرة الحقيقية على المهرجان، فإنها تكمن في اختيار سعد هنداوي رئيسا للمهرجان وهو صاحب خبرة طويلة في المهرجانات الدولية الخارجية وشتان بين إدارة مهرجان خاص، لا يبحث إلا عن الأرباح والانتشار، وبين تنظيم مهرجان دولة يهدف إلى تعزيز النشاط الثقافي لمحافظة معينة، وله قواعده الراسخة ودولاب عمله الذي يختلف اختلافا جذريا عن العمل الخاص، فالإسماعيلية ليس كليرمون فيران بفرنسا، أو لوكارنو بسويسرا، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية وراء فشل هذه الدورة التي جاءت مسخا، وكان ينبغي على الكاتبة زينب عزيز رئيس المركز القومي للسينما، التي لا تحمل خبرة كافية في إدارة المهرجان، أن تبقي على الناقد الكبير عصام زكريا ولو لدورة واحدة تستطيع خلالها أن تفهم كيف تدار الأمور في المهرجان، خاصة أن النجاح لم يفارق المهرجان خلال الدورات التي أدارها زكريا، أو على الأقل اختيار سينمائي وناقد مناسب، بدلا من المغامرة غير المحسوبة بتغيير رئيس المهرجان بعد توليها رئاسة المركز بفترة قصيرة ولم يكن متبقيا سوى أشهر قليلة على إقامة الدورة الجديدة.

اللافت أن رئيس المهرجان في حواره لموقع اليوم السابع حاول تسويق أخطاء المهرجان وكأنها من عوامل نجاح المهرجانات في العالم كله، فنراه يؤكد أن الاشتباكات أمر عادي في أي مكان به تجمعات ستجد مشادات، بل ويواصل قائلا: حتى لو افترضنا أن الواقعة حدثت هل بذلك يكون الاشتباك بالأيدي هو عنوان الدورة الـ 23!!، صناع الأفلام قبل عرضهم يصيبهم التوتر وسبق وحدث مع المخرج الكبير رضوان الكاشف أثناء عرض فيلم عرق البلح في ميلانو.

كما يبرر "هنداوي" غياب عدد من الضيوف الأجانب عن موعد الندوة المخصص لهم بأن هناك رحلة تم تنظيمها لضيوف المهرجان إلى القاهرة، وكان لهم موعد للعودة، ولكن بعضهم لم يستطع العودة في الموعد المحدد وبالتالي لم يستطيعوا حضور ندوات أفلامهم، وهذه الرحلة هناك جهات عديدة تشارك في تنظيمها وبالتالي قرار تأجيل موعدها ليس في يده بشكل منفرد، وغير ذلك من الردود التي لم تكن في صالحه، خاصة أنه سعى من خلال استحداث بعض الأنشطة إلى تصوير الأمر وكأنه يكتب تاريخا جديدا للمهرجان، مع العلم بأن رؤساء المركز السابقين سعوا فيما مضى لترميم عدد من الأفلام العلامات بالمركز، في باريس، كما أن انتقاده بعدم وجود أرشيف إلا لخمس دورات ماضية أمر في محله إلا أنه ليس مبررا لما حدث من أخطاء خاصة أن رئيس المهرجان السابق كانت له محاولات مضنية لاستعادة تاريخ الدورات الماضية، ونجح في بعض الأشياء ولم يعثر على الباقي.

هكذا تحولت الدورة المنصرمة من مهرجان الإسماعيلية إلى أسوأ دورة في تاريخ المهرجان، وهو أمر لا ينفي عددا من الإيجابيات التي رصدناها على مدار صفحتين من جريدة البوابة الورقية، لعل أبرزها جودة اختيار الأفلام المشاركة بالمهرجان والورش الفنية التي أقيمت للطلبة، ولكن رصد السلبيات السابقة يأتي من باب التقييم الكلي للمهرجان، وهو أمر كان يستدعي من إدارة المهرجان الاعتذار عنها لا المكابرة ومحاولة تبريرها وإنكارها وتصويرها بوصفها تأتي في السياق الطبيعي لكل المهرجانات، وهنا لا يفوتني التأكيد على دعوة المركز القومي للسينما باعتباره المنوط بإقامة المهرجان إلى عقد نقاش مفتوح بين المؤيدين والمعارضين للدورة الأخيرة لبحث تلافي السلبيات التي ظهرت والاستفادة من وجهات نظر الصحفيين والنقاد المعنيين، خاصة مع يقيني أن الجميع يسعى لما فيه خير المهرجان في دوراته المقبلة.