الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سندباد.. مسرحية مبهرة أفسدتها الرؤية الإخراجية والانحياز للخرافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتلقى الطفل الخرافة كالمسلمات، يؤمن بها إيمانه بالمقدس، يعتقد فيها اعتقادا راسخا خاصة إذا جاءته في شكل عمل فني مبهر محبب إليه، ويزيد من الطين بلة إذا آمن بطل العمل الأسطوري الذي جاب البحار وقطع الأنهار وتحدى الإنس والجان بالخرافة، بل ومارسها وتحدى بها الأشرار، ولذا فمن الطبيعي أن نرى مشاهد تخلع الأفئدة فيما بعد من أشخاص يذبحون أبنائهم على أبواب حفائر الآثار العشوائية إرضاء للجن ولحارس المقبرة المزعوم، بل ومن الطبيعي أن يسعى بعض الأشخاص إلى الدجالون والمشعوذون لفك الربط وعلاج مشاكلهم الاجتماعية بحلول غرائبية تنتمي إلى ما وراء الطبيعة.

ولذا كان لافتا أن يقع عرض "سندباد" الذي يواصل عروضه على مسرح البالون، في خطأ فادح لم يتنبه له أحد من صناع العمل يتمثل في الانحياز للخرافة وترسيخها في لاوعي المتلقي، عبر شخصية ملك الجن الأزرق الذي يسحر الأشخاص ويحولهم إلى حيوانات أو جماد، وللأسف يؤمن "سندباد" بطل العرض بذلك، ويمتلك نفس الطاقة الشريرة وفي نهاية العرض يطلب من الأطفال أن يقترحوا عليه شيئا أو حيوانا ليسخط شخصية "ندلاوي" رمز الشر في العرض إليه، وبالفعل تجاوب الأطفال لذلك حتى أنهم في بعض الليالي اقترحوا تحويله إلى راقصة!

ومن هنا تكمن خطورة أن يتصدى لمسرح الطفل غير المتخصصين من المسرحيين، فليس كل كاتب أو مخرج مسرحي موهوب يمكن أن يكون مؤهلا لتقديم عروض للأطفال، فالمسرح أداة تنوير وتطوير للمجتمع، يرتبط بالمكان والزمان والفضاء الثقافي والبيئة الاجتماعية والظروف التاريخية والاجتماعية؛ يقدَم لمشاهد معين في فترة معينة ضمن أطر وأعراف وشفرات تنسجم مع تطور العلوم الإنسانية، ولذا ينبغي ضرورة تغيير هذه النهاية السيئة بشكل سريع، خاصة أن الأعمال المأخوذة عن الأساطير أو الأدب ليست نصوصا جامدة وإنما هي فرصة لغرس الوعي وبث أفكار بناءة للأطفال عبر الحكايات التي تناسب المرحلة، وهو أمر لا يتنافى مع كون الفنان إسلام إمام أحد المبدعين الذين لهم تاريخ مضيء فيما قدم من أعمال نالت إعجاب الجمهور على مدار السنوات الماضية.

يعاني العرض من مشاكل درامية كبيرة منذ بدايته، أدت إلى ترهله بشكل واضح، رغم الصورة البصرية المبهرة التي يتمتع بها، والتي تعود إلى أمرين أحدهما يعود إلى الإنفاق السخي على العرض، والآخر يتمثل في البنية التحية للمسرح التي أتاحت استخدام وتوظيف شاشة خلفية، قلما توجد في مسرح آخر، ولم تسعف الرؤية الإخراجية لشادي الدالي، لانتشال العرض من حالة ترهل الإيقاع، بل زادت رؤية المخرج من المط والتطويل، ما أدى إلى مزيد من الترهل.

ينطلق العمل من لحظة درامية متوترة للص يدعى "هندباد"، ويجسد شخصيته ببراعة الفنان طارق مرسي، يسرق تفاحة من حديقة السندباد، وما أن يمسك به الحرس إلا ويصطحبه سندباد ليكرمه ويحكي له كيف كانت رحلته في استعادة أملاك والده التي فرط فيها بفعل استهتاره، اللافت أن هندباد الذي استخدمه الدراماتورج إسلام إمام في بداية العمل كحيلة درامية يبدأ بها العرض، اختفي تماما ولم يظهر إلا في منتصف العمل من خلال صوت مسجل يربط به بين أحد المشاهد وكان ينبغي أن يختم سندباد العمل كما بدأه مع هندباد، إلا أن استكمال هذا الدور يبدو أنه سقط سهوا.

المهم أن سندباد الذي يتم الحجز على كل أمواله، يقرر أن يركب البحر لاستعادة أموال والده وتجارته التي خسرها، وكذلك تحقيق حلمه في الارتباط بحبيبته جوهرة التي اشتراها قبل أن يتم الحجز على أمواله، وما أن يعود إلا يفاجأ ببيعها إلى أحد كبار التجار بعد جبل "المغماطيس" فيعود إلى البحر مرة أخرى للبحث عن حبيبته ويفاجأ بأن ملك الجن الأزرق سحرها إلى طاووس، ولذا يضطر إلى سرقة خاتم ملك الجن الأزرق بالتعاون مع الخروف والزرافة.

العرض مليء بالأحداث المفتعلة، والصدف الخيالية، التي تجعل المتلقي أسير أوهام الثروة التي ينتظر أن تهبط من السماء، أو يقع على جبل المجوهرات بعد أن يخطفه طائر الرخ الأسطوري؛ وهو أمر لا ينفي وجود كثير من عناصر العمل المتميزة مثل أشعار محمد زناتي التي تأبى أن تفارق ذهن المتفرج بعد انتهاء العمل نظرا لتميزها في التعبير عن هوية العمل، كما جاء تصميم الاستعراضات لكريمة بدير رشيقا متدفقا رغم أن عدد الاستعراضات جاء بشكل أكثر من اللازم إلا أن جودة التصميم خففت من كثرتها بل وصارت أحد مناطق تميز العمل.

ويبدو أن عدم خبرة المخرج أوقعته في اختيار جميع أبطال العمل من الشباب الصاعدين رغم أن أداء الممثلين بشكل عام جيد جدا، إلا أن أبجديات إنتاج عمل كبير موجه للجمهور له حسابات أخرى، وكان ينبغي اختيار بطلي العمل "سندباد وجوهرة"، من النجوم المعروفين للجمهور، خاصة مع الإنتاج السخي الذي قدمه البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، إلا أنه فضل أن يتعامل مع العرض باعتباره البطل وهو رهان خاسر، لأن "سندباد" كحكاية خرافية في الأساس تختلف اختلافا كليا عن عرض "اليس في بلاد العجائب" للمخرج محسن رزق، الذي حقق نجاحا غير مسبوقا على نفس خشبة المسرح وفي نفس الفرقة الفنية التي أنتجت العرضين، وهي فرقة تحت ١٨ برئاسة الفنان عبدالمنعم محمد.

ورغم ما حدث من اختيار الفنان الصاعد ضياء زكريا بعد اعتذار سامح حسين وميدو عادل لا ينفي أنه قدم شخصية السندباد بشكل كوميدي بسيط يتناسب العرض وساعده في ذلك بنيته الجسدية وحضوره وحرصه على تطوير ذاته واكتساب خبرات يومية من العمل، وفي نفس السياق خطف الفنان محمد يوسف "أوزو" الأضواء رغم أن دوره لا يتخطى عدة مشاهد قليلة إلا أن حضوره كان طاغيا، فيما قدم أوسكار شخصية القبطان بسلاسة وبساطة وساعده في ذلك صوته المميز، بينما لعب نور الشرقاوى، وعلي إبراهيم، وآسيا محمود، ووفاء سليمان أدوارهم بتلقائية ووعي وخفة ظل.

ختاما فإن على صناع العمل أن يعلموا جيدا أن طفل القرن الحادي والعشرين مختلف، ولا يجوز الاستخفاف بعقله لأنه يستطيع في أشهر قليلة، أن يستوعب الحيل الدرامية وألاعيب المؤلفين خلال القرن المنصرم، وبالتالي لا يجوز الاستسهال مع طفل “الآن وهنا”  أو الخروج من هذا المأزق على حساب تعميق الهوة الأخلاقية للأجيال القادمة عن طريق اللجوء للخرافة مع أن الحل البسيط والنموذجي أن ينتهي العمل باستدعاء الشرطة للقبض على "ندلاوي" رمز الشر، كنوع من ترسيخ فضيلة اللجوء إلى المؤسسات الدولة لتطبيق القانون، بدلا من الانتقام الشخصي والمجاني بأساليب خرافية عن طريق سحر الأشخاص وتحويلهم إلى كائنات أخرى.