الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الأعراس فى الثقافة الشعبية.. هل ذبح عريس الإسماعيلية «القطة» لعروسه فى ليلة الزفاف ؟

الأفراح في النوبة
الأفراح في النوبة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى ليلة لم ينم فيها أهالى أرض المحروسة حزنًا على تلك العروس التى تم سحلها بواسطة عريسها قبيل إطلاق حفل الزفاف «عروس الإسماعيلية» التى خرجت بعدها وكأن لا شيء حدث، واحتمت بحضن زوجها الذى قام بذبح القطة على أكمل وجه، بل وأمام الجميع. 
ولعل اللافت للنظر هو ما قاله «العريس» «إحنا صعايدة دا شيء عادى عندنا» وقد يقودنا التساؤل هنا هل تحمل العادات والتقاليد المصرية مثل هذه الممارسات فى ليلة العرس، فقد خرجت حكمة الشعب من خلال ما طرحته من أمثال شعبية عبر الأزمنة المتعاقبة لتلقنا درسًا مهمًّا فى العلاقة بين الزوجين، مثل المثل الذى يقول «جواز القرايب جلاب المصايب» وإذا نظرنا إلى قصة العروسين نجدها أولاد عم أى قرايب، فهل أراد عريس الإسماعيلية تطبيق كل الحكمة من الأمثال فى ليلة العرس، هذا المثل الذى يُعد بمثابة رسالة تحذيرية من الزواج بين الأقارب ليس فقط لما ينتج عنه من مشكلات أسرية وتفرقة بين أبناء العمومة، وإنما أيضًا لما أثبتته الدراسات العلمية الحديثة والتى قد تنتج مشكلات صحية للأبناء بسبب تلك العلاقة الزوجية والتى قد ينتج عن اتحاد بعض الجينات إلى وجود أمراض مستوطنة أو خلل هرمونى.
فى الواقع لم تقف الثقافة الشعبية عند حدود الأمثال التى اهتمت بالعلاقة بين الزوجين، بل تطرقت إلى علاقة الزوجات والأزواج بالحما، فنجد المثل الشعبى الذى يقول «الحما عمى ولو كانت نجمة من السما»، وهو الشعار الذى ترفعه بعض الأمهات لتحذير أبنائها المقبلين على الزواج لتوخى الحذر فى علاقة الصراع الأبدية بين الحما والأزواج، ومن بين تلك الأمثلة أيضًا «تنكوى بالنار ولا تقعد حماتى فى الدار، و« لو كانت الغلة أد التبن.. لكانت الحماة حبت مرات الابن» وغيرها من الأمثلة التى تخيف العروس من أم الزوج والتى قد تحرض أحيانًا على استحالة العيش بينهما وعلى رأى مارى منيب فى فيلم حماتى قنبلة ذرية «اسألنى أنا حماتك مدوباهم اتنين.
عادات نوبية
ونترك عريس الإسماعيلية الذى تم تلقينه كى يعتذر للمرأة المصرية عما بدر منه تجاه عروسه الذى قال:» إنه يحبها وقصة حب تصل لأعوام » وعلى رأى المثل «ضرب الحبيب زى أكل الزبيب». 
فقد حملت عادات الزواج فى الثقافة الشعبية العديد من الطقوس التى جعلت الأكاديميين والباحثين فى الفولكلور يهتمون بهذه العادات وما يصاحبها من طقوس وعادات وأغانٍ، والتى تبدأ من اختيار العروس وحتى يوم الأربعين من الزواج، وتعتبر عادات الزواج فى مجتمع النوبة لاسيما فى فترة قبل التهجير من أهم الطقوس والممارسات فى عادات الزواج.
إذ تعتبر مناسبة الزواج من أهم المناسبات الاجتماعية التى تحتفى بها المجتمعات الإنسانية، وتهتم الدراسات الفولكلورية بدراسة ظاهرة الزواج فى المجتمع الإنسانى باعتبار أن الزواج هو النظام الذى أقرته الأديان والجماعات عبر الأزمنة المختلفة فى كل العصور، ويعبر الزواج عن وجدان الشعب التى من خلالها يُفهم المجتمع تبعًا لظروفه ومتغيراته وفقًا للعنصر الزمانى والمكانى والاجتماعى، ويتميز الزواج بكونه مزيجا من الثقافات الشعبية سواء فى المأكل أو المشرب او الملبس أو الحُلى، والتى تضم فيها مجموعة من القيم والمعتقدات والتصورات والمعارف والخبرات والعادات والتقاليد والأعراف.
وسيلة ترابط 
يعتبر النوبيون الزواج وسيلة من وسائل تأكيد الترابط، كما يحرص على أن يجعل من الزواج أكبر مناسبة للاحتفال والفرح، إنه فرحة كبرى يشترك فى تحقيقها كل أبناء القرية ويبدأون الاستعداد لها مبكرين، منذ اللحظة التى يعلن فيها الفتى عن اختياره لفتاته، التى خفق لها قلبه لحبها، مذ رآها.
وأحدث السد العالى تغييرًا جذريًّا فى المنطقة، والذى أدى إلى تهجير أهالى تلك المنطقة «النوبة» إلى مكان آخر، ففى الشمال حيث «الكنوز» وفى الجنوب حيث «الفاديجا» والذين كانوا يعيشون على الضفة الغربية للنيل، والآخرون على الضفة الشرقية للنيل، وكل منهم يجمع بينهم روابط أسرية تؤكد علاقات المحبة وتوثق المودة بينهم. 


مراحل الزواج 
تمر عادات الزواج فى النوبة بعدة مراحل على النحو التالى،"التمهيد للزواج، اختيار العروس، المشاورة/ يوم الرباط، الشيلة، السما «الإعلان عن البدء فى التجهيز للفرح، تحديد يوم الزفاف، الدعوة للفرح، وفى كل مرحلة من تلك المراحل سنكشف عن التغيرات التى طرأت على العادات المرتبطة بالزواج فى «النوبة. 
ويتطلب التمهيد لإتمام احتفالات الزواج تضافر كل جهود أفراد النجع أو القرية وتعاونهم لتجهيز متطلبات الاحتفالات، فكل الأعمال المتعلقة بتلك التحضيرات والخدمات المرتبطة بها، ويسبق التجهيز عملية الإعلان عن موعد الفرح فى كل أنحاء القرية، والذى يسمى بـ يوم «السما» أى تسميه البدء فى إجراءات الفرح ويدعى كل أهل القرية لهذا اليوم ويقدم لهم أطباق الفشار والبلح والشاى. 
وترجع تسمية يوم الفرح بـ «السما» لكونها مستمدة من ضرورة اجتماع كل أهل النجع بالقرية كلها لأداء التجهيزات اللازمة للإعداد للزفاف، قبل يوم الفرح بـ ١٥ يومًا، ومن ضمن بعض التجهيزات التى يشاركون فيها، تنظيف الغلال وطحن الدقيق، وصناعة الشعرية، إعداد الخبز، وطلاء حجرات العروسين، كما يتم أيضًا تقديم بعض المساهمات العينية والتى تسمى بـ «الكريه» عند الفيجا، والتى يتم فيها توافد نساء القرية على كل من بيت العريس وبيت العروس تحملن كميات محددة من الحبوب والسكر والشاى، وتساهم هذه الكميات فى توفير كميات من الطعام والشاى التى سيتم تقديمها طوال أيام الاحتفال. 
وطوال أيام السما يكون أهالى القرية مشغولين طوال النهار فى العمل وتجهيز العروس، وفى الليل تقام الاحتفالات عن طريق الرقص والغناء والتى يشارك فيها الجميع سواء فى أيام صناعة الشعرية أو الخبيز.


حفل الزفاف
وفى يوم حفل الزفاف يخرج كل الناس ويبقى العريس مع عروسه، وفى الخارج يستمر الشبان فى الغناء والرقص ويرقصون رقصة سريعة على نغم عال سريع يسمى «فيرى نواجيد»، ولا يبدأ العريس فى ممازحة عروسه إلا بعد ظهور نجم معين فى السماء يكون قد حدده له أحد فقهاء القرية، وتظل العروس صامتة لا تتكلم وتحرص على ألا تنطق بأى حرف، بل حتى لا يسمع العريس ضحكتها، ويظل العريس يحادثها ولا تجييب، فيقوم بدفع نقوط خاص لها يبدأ بعشرة قروش، ولا تبدأ بالإجابة حتى يبلغ ما دفعه جنيهين، وحينئذ تبدأ العروس فى الرد على أسئلته أو تبتسم فإذا حدث ذلك يكون إعلانًا عن قبولها لممازحته، ويتقدم لرفع الشجة «الطرحة»، وتكون العروسة حريصة على أن يدفع العريس أكبر قدر ممكن من النقود، لأنها ستظهر ذلك المبلغ أمام صديقاتها فى صباح يوم العرس.

سيوة


أما فى سيوة فيصاحب عادات الزواج فى سيوة العديد من الطقوس التى تصاحب عادة الزواج، ولعل من أهمها هو أن يقوم العريس بإهداء أم العروس أغلى ما يملك الرجل فى سيوة وهو «الجمار» أى قلب النخلة، فيعتبر النخل فى سيوة هو مصدر الرزق للرجال هناك، وأن قيامه بإعطاء قلب النخلة لأم عروسه يعتبر أغلى من الذهب والياقوت، فهو يضحى بمصدر رزقه وعيشه من أجل أن يحصل على عروسه، ويعطيه للأم باعتبار أن الابنة او العروس هى أغلى ما تملكه الأم، تعويضًا عن فراق ابنتها.
 

الافراح في سيوة