الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

مخرجات أوغندا.. صوت الأغلبية الصامتة

First Beninese film
First Beninese film festival
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بالنسبة لصناعة سينما ناشئة كتلك التي رأت النور في أوغندا عام 2005، قد يبدو الحديث عن زيادة أعداد صانعات السينما أو حتى تحقيق المساواة بين الجنسين داخل بيئة العمل - وسط منظومة فنية يهيمن عليها الذكور - ضربا من الخيال. فالصورة النمطية التي يتم من خلالها تصوير النساء في السينما ووسائل الإعلام الأخرى يغذيها غياب المرأة عن مشهد صناعة السينما.

في أوغندا، لا يوجد سوى عدد قليل من صانعات الأفلام اللواتي يكافحن لتحقيق النجاح، حيث لا تساهم النساء سوى بأقل من 10% في صناعة السينما. هذا الرقم الضئيل دفع عددًا من صانعات الأفلام إلى زيادة مشاركة المرأة في صناعة السينما من خلال إرساء حدث مهم وهو مهرجان أفلام الاحتفال بالمرأة «Womanhood Film Festival»، والذي انطلق قبل عامين ويعتبر أول حدث سينمائي خاص بالنساء في أوغندا، وتم تخصصيه لتكريم صانعات الأفلام المحليات واستقطاب المزيد من النساء في طليعة صناعة لديها القدرة على تغيير العقليات.

تعتقد «نسيجاي كيزا»، مديرة المهرجان، أن الحدث سيساعد صانعات الأفلام الأوغنديات على تولي مسئولية سرد قصصهن، وتقول إنه إثبات لنا أنه فيما يتعلق بسرد القصص، تتمتع المرأة بإمكانيات كبيرة ولكن الجوانب الفنية تحتاج إلى مزيد من الرعاية. ففي صناعة يتم فيها تحويل النساء إلى مجرد أداة جنسية في الأفلام، يصبح من الصعب عليهن التأثير على عملية سرد القصص وربما الضغط من أجل القصص التي تتحدث بشكل صحيح عن أنفسهن، خاصة أن أوغندا ليس لديها صندوق أفلام حكومي يساعد النساء على إنتاج الأفلام أو حتى توفير المعدات.

هذا الحدث أتاح الفرصة لعدد كبير من صانعات الأفلام في أوغندا كي يسلطن الضوء على قضايا في مجتمعاتهن لا يتم التحدث عنها بحرية، كالتحرش الجنسي والعنف النفسي والجسدي القائم على النوع الاجتماعي.

وجدت دراسة استقصائية أجريت في أوغندا في عام 2016 أن حوالي 22% من الفتيات والنساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15-49 عامًا قد تعرضن لشكل من أشكال العنف الجنسي، وأفادت أخرى كانت قد أجريت في إحدى القرى أن 43% مارسن الجنس بالإكراه لأنهن كن خائفات من قول لا.

ورغم أهميته لصانعات السينما الأوغنديات، لم يكن مهرجان أفلام الاحتفال بالمرأة البذرة الوحيدة في تربة صناعة الأفلام في أوغندا؛ ولكن هنالك العديد من المخرجات الأخريات بما في ذلك؛ إليانور نابويزو وكيميوندو كوتينهو، اللاتي نجحن في وضع أوغندا على الخريطة الدولية في صناعة السينما.

سرير الأشواك

«لقد تعرضنا جميعًا للعنف المنزلي في مناطقنا.. حيث تميل النساء إلى أن يكن ضحايا صامتات»، هذه هي القصة التي تعلمتها الممثلة والمنتجة والمخرجة الأوغندية «إليانور نابويزو»، من صديقة لها واختارت أن تكون محور فيلمها «سرير الأشواك» أو«Bed of Thorns» وهو الأول من نوعه في أوغندا ويسعى إلى سرد مشاكل العنف المنزلي في الزواج وكيف تعاني النساء في صمت داخل مجتمع به أعلى معدلات للعنف الجسدي والجنسي ضد الفتيات والنساء في العالم.

في أحدث أفلام «نابويزو»، ترصد حياة شخصيتها الرئيسية «ستيلا» وهي تستعد ليوم زفافها وهى تعتقد أن الزواج سيجلب لها السعادة، ولكن مع تقدم الفيلم، يصبح زوجها عنيفًا بشكل متزايد، وعندما تلجأ إلى والدتها للحصول على المشورة، تصدم من رد فعلها. بدلًا من ذلك تلقي والدتها باللوم عليها لعدم فهم احتياجات الرجل.

يسلط شريط «نابويزو» الضوء على التقاليد التي تبيح بعض الأعراف الثقافية وتقوض حقوق المرأة ومكانتها، وهو ما نراه بشكل مفجع داخل حيوات صديقات «ستيلا»، اللواتي حصلن على نصيبهن من الألم حيث تعرضت إحداهن للاغتصاب خلال المواعدة، وأخرى أسيرة في زواج معذب نفسيًا، وثالثة تفجع بعدما تكتشف أن الرجل الذي وثقته بقلبها متزوج، وهو ما يجعل «ستيلا» تتردد بشأن إخبارهن حيث تعمدت إخفاء جروحها حتى لا تلفت الانتباه إلى علاقة كانت تتباهى بأنها مثالية.

تستخدم «إليانور»، عملها كصانعة أفلام للوصول إلى النساء اللواتي يعانين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، للتحدث علنًا والتعبير عن آرائهن. من المفيد التفكير في السؤال عما إذا كان الأمر يستحق حقًا البقاء في علاقة مسيئة من أجل الأطفال أو ما إذا كان الانفصال والطلاق الفعلي خيارين مناسبين عندما يصبح الإساءة أمرًا معتادًا.

فاز «Bed of Thorns» بجائزة «Africa Focus» فى مهرجان لندن آرت هاوس السينمائي عام 2019، ويكتسب هذا الانتصار أهمية كبيرة من خلال حقيقة أن الفيلم يضم طاقم عمل نسائيا بالكامل، مما يجعله لحظة تاريخية في صناعة السينما في أوغندا.

أرادت «نابويزو» - بالإضافة إلى استكشاف الأشكال المختلفة للعنف القائم على النوع الاجتماعي - أن تقوم من خلال الفيلم بفحص الأسباب الجذرية للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتداعياته على الناجين. العنف يأتي مع الكثير من المضاعفات كالانتحار والاكتئاب والطلاق وتفكك الأسر. فمع العنف العاطفي يأتي فقدان الثقة بالنفس؛ وبالعنف الجسدي يأتي التشوه والموت والعجز.

إن أسوأ ما في الأمر- كما ترى «نابويزو»- هو العنف الجنسي الذي يصاحب الأمراض المنقولة جنسيًا، والحمل غير المرغوب فيه أو المبكر، ومضاعفات الخصوبة، والأمراض العقلية. لذلك قامت مؤخرًا من خلال شركتها «Nabwiso Films»، التي أسستها بالتعاون مع زوجها، فيلمًا بعنوان «Rain»، حول فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز، والذي تم استخدامه كحملة توعية من قبل منظمة غير حكومية.

كيميوندو كوتينهو.. إمرأة بألف روح

ما يميز مسيرة الممثلة والمخرجة والمنتجة كيميوندو كوتينهو، هو قدرتها على لعب أدوار متعددة للتشبث بهدفها كصانعة أفلام أوغندية، فهى – إلى جانب عملها الفني – تقوم بوظائف جانبية كسائقة ومعلمة ومساعدة أزياء ومساعدة إنتاج؛ فهى لا تسمح للمعيقات والسلبيات بأن تقف عقبة في طريقها «أنا أسعى للحصول على أكثر مما أتلقاه. أنت لا تعرف أبدًا أيهما هو الباب الصحيح. لذا استمر في تجربة هذا المفتاح في كل منهم».

في عام 2018، قدمت كوتينهو بالتعاون مع مواهب أوغندية أخرى فيلمها القصير «Kyenvu»، الفائز بجائزة في مهرجان «NBC» العالمي للأفلام القصيرة في الولايات المتحدة، وحصد أيضًا جائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان بان أفريقيا السينمائي، والذي تطرقت خلاله للقضايا المتعلقة بالنسوية والهوية في مجتمع يطلق أحكامه في وجه النساء بناءً على ملبسهن.

في الفيلم الذي تظهر فيه «كوتينهو» كممثلة ومؤلفة أيضًا، تجسد دور فتاة شابة تكافح من أجل العثور على موطئ قدم لها في مجتمع أبوي، حيث يجب عليها أن تواجه سلسلة من السخرية والتحرش اليومي داخل وسائل النقل العام بسبب ارتدائها تنورة قصيرة، فقط كي تعثر على الحب في رفيق سفر متكرر. تختبر الفتاة الحب المزدهر من قبل مأساة مروعة وتأخذنا «كوتينهو» في رحلة مليئة بالمخاطر، مدفوعة باليأس من أجل التغيير مع مأساة وشيكة.

وانطلاقًا من روح الترويج لصانعات الأفلام الأوغنديات، بدأت «كوتينهو» مبادرة «fivefor5» تمنح من خلالها خمس صانعات أفلام أوغنديات بمبلغ 5000 دولار لكل واحدة لإنتاج فيلم قصير مدته خمس دقائق.

تعتقد «كوتينهو» بأن صناعة الأفلام في أوغندا تفتقر إلى الدعم المالي، وتأمل أن تساعد في يوم من الأيام لدفع عجلة الصناعة هناك، قائلة: «آمل أن أتمكن عندما أصبح غنية من تمويل خمسة أفلام قصيرة سنوياً من قبل المخرجين الأوغنديين».

إن أوغندا، مثلها مثل الدول الأفريقية الأخرى، بلد مليء بالقصص الغنية التي تتراوح من الجوانب الاجتماعية إلى السياسية والاقتصادية؛ ولكن هناك حاجة لأن تأخذ النساء زمام المبادرة في عمليات صناعة الأفلام من أجل إيصال أصواتهن للعالم.