الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

روسيا ومعركة الحسم من اليوم الأول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

خطط فلاديمير بوتين من اليوم الأول لدخول الأزمة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بشأن أوكرانيا لإرسال رسالة لكل العالم، والغرب وواشنطن بكل قياداته أكثر تحديدا أن روسيا 2004 و2014 ليست هي روسيا 2022.

وأراد أن يثبت للعالم أن القيصر عاد ولن يتراجع مرة أخرى، وأن الأمن الروسي أولا والكل راسب في أي اختبار مع القيصر إذا كانٍ هدفه هو المواجهة وكسر دولة القيصر.

ومن الثانية الأولى لنشوب الأزمة وبروزها حدد القيصر هدفه، وهو لا مجال للمساومة على أمن روسيا، وأن الدخول إلى أطراف الإمبراطورية أو المساس بها هي خط نار، وإشعال حرب، والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.

وقد حقق ذلك من الطلقة الأولى للعملية العسكرية في أوكرانيا، والتي مثلت رسالة مهمة لأمريكا والغرب، بأن أمن روسيا يعلو فوق أي شيء، وأن دخول أوكرانيا الناتو يعني هي الحرب، وتلاشي ذلك يجب أن تبدأ بمنع أي قوى عسكرية على الأرض الأوكرانية.

ولا يخفي على احد أن تحقيق موسكو لهدف أعلى وهو السعي إلى اسقاط حكومة الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، هو هدف رئيسي للرئيس الروسي، على أساس المجيء بنظام يمثل حليفا لموسكو في كييف، وهو ما يدركه الغرب وأمريكا جيدا، ويسعيان إلى إفشاله.

وانطلقت منذ البداية الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا برا وجوا وبحرا تنفيذا لطلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطاب عام فجر يوم 24 فبراير، مطالبا، الجيش الأوكراني بإلقاء أسلحته، وسعي بوتين من الطلقة الأولى إلى تحقيق أهدافه بعملية منظمة، لإفقاد أوكرانيا كل قواها، والمعروفة سلفا لروسيا، حيث كانت جزء من الإتحاد السوفيتي السابق، وتفاصيل تسليحها ومواقعه لم تتغير كثيرا في السنوات التي تلت تفكيك الإتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات.

ولم يحتاج الجيش السوفيتي إلى معلومات استخباراتية كثيرة ليحدد الأهداف المرصودة، فخرائط مناطق التسليح معروفة سلفا، إلى جانب أن جزء رئيسي من التسليح الأوكراني كان ومازال من نوعيات هي بالأساس من صناعة روسية وشرقية.

الخطأ الأكبر الذي اعتمدت عليه حكومة أوكرانيا، هو التعويل والارتماء في حضن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وجعل منهم حلفاء قادمين، لمجرد الوعد بالانضمام، إلى حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، بينما نسى أن هذا مجرد وعد، وان الهدف هو استخدام أوكرانيا مجرد شوكة في القلب الروسي، وتوظيفها لأهداف منها محاولة اضعاف القوة الروسية وانهاكها في حرب مع جيرانها، بينما نسى "فولوديمير زيلينسكي"، وحكومته، العامل الجغرافي في الأزمة.

والمدقق في الخارطة الجغرافية لأوكرانيا يدرك من الوهلة الأولي الأهمية الإستراتيجية لكييف بالنسبة لروسيا، فالدولة الأوكرانية يقع جزء رئيسي منها في "حضن" روسيا، والحضن هنا بمفهومه العام والجغرافي، وبالنسبة للإستراتيجية الروسية فلن تقبل وجود حلفاء ضدها في هذه المنطقة، خصوصا مع الامتداد الحدودي المشترك مع روسيا.

واتخذت روسيا قرارها مبكرا، بكسر أي قوة محتمل استخدامها من الأوكران في أي عملية عسكرية، وبالتالي فقد انتهت الحرب خلال الـ72 ساعة الأولى منها لتحسم روسيا كل مرتكزات العملية لصالحها.

وبالتالي لا يمكن القول هنا أن ما جرى هو حرب بالمفهوم اللفظي للكلمة، لأن الحرب يتم استخدامها في الحروب التي بين قوة متكافئة، أو قل بينها نوع من التوزان في موازين القوى، فالمقارنة عسكريا ظالمة.

ولا شك أن أي مساعدات يتكلم عنها الغرب ومعهم واشنطن ليست إلا مجرد كلام في المطلق، لأن أوكرانيا فقدت ما يمكن أن ترتكز عليه في حرب على المدى القريب، فكل المعلومات تؤكد أن البنى التحتية العسكرية في أوكرانيا إن لم يكن قد تم تدميرها، فقد تم إضعافها، لتصبح بلا فائدة، وخسرت أوكرانيا بحساباتها الخاطئة ما لا يمكن تعويضه خلال عشرات السنين.

وهناك مسألة مهمة تكشف حجم الخسائر التي يدركها الغرب أنفسهم، وهي العرض الذي تم تقديمه إلى الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" لتوفير مكان آمن له، وهو ما يعني أن الأزمة وصلت إلى نهايتها، وستركز على العقوبات، أكثر ما تركز على أي عمل عسكري من جانب كييف ضد موسكو.

الأخطر في الأمر هو محالات التخطيط الغربي الأمريكي، لدفع دول في المحيط الروسي، ومن دول أوروبا الشرقية السابقة، إلى الدخول طرفا في العمليات الروسية، وهو ما سمعناه في الأيام الأخيرة.

أعتقد أن البعد الإستراتيجي في المنطقة ومن جانب هذه الدول سيدفعها إلى التفكير جيدا في مثل هذا الأمر، وإن الغرب لن يتوقف على الدفع بهذا،.. وساعتها ستكون الحسابات مختلفة، ونوعية السلاح مختلفة، وستنطلق مسميات مختلفة للمعارك.

ويبقى في كل الأحوال.. أن الحروب ضحاياها هم الشعوب..